ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
التربية والتعليـم عنـد يهود الإسكندرية في العصـــر الهيليني
Education of the Jews of Alexandria in the Hellenistic Age
في العصر الهيليني، انتشر التعليم اليوناني بين أعضاء الجماعات اليهودية. وكان ذلك من أهم الأسباب التي ساعدت على أغرقة أعضاء الجماعات، وإكسابهم اللغة والثقافة اليونانية، ودمجهم في محيطهم الهيليني. وانتشرت المؤسسات التعليمية اليونانية، ومن أهمها الجيمنازيوم، في المدن اليونانية العديدة. ورغم أن نمط التعليم في هذه المدن كان يُجسِّد الروح الهيلينية ويتم في إطار ديني وثني، فإن ذلك لم يمنع اليهود (بخاصة الأثرياء منهم) من إلحاق أبنائهم بها، خصوصاً أن التعليم اليوناني كان يُعزِّز مكانتهم الاجتماعية ويفتح أمامهم فرص الانضمام إلى النخبة والطبقات الحاكمة. وأشار فيلون في كتاباته إلى التحاق أبناء اليهود بالجيمنازيوم باعتباره أمراً مسلَّماً به، كما تحدث يوسيفوس عن تلقي اليهود في أنطاكية السلوقية تعليمهم في الجيمنازيوم.
وفي مصر، سُمح لأثرياء اليهود (والفرس أيضاً)، خصوصاً الذين جاءوا من بين صفوف المستوطنين العسكريين من المرتزقة، بالانضمام إلى المدارس اليونانية (بينما كان ذلك ممنوعاً تماماً على المصريين إلا في بعض الحالات النادرة). وفي فلسطين، بدأ تغلغل التعليم اليوناني بين العبرانيين اليهود منذ النصف الثاني من القرن الثالث قبل الميلاد، حيث كان أبناء أثرياء اليهود يتلقون قدراً من التعليم اليوناني على أيدي معلمين يونان. وفي عام 175 ق.م، أسس الكاهن الأعظم ياسون، وهو من أهم دعاة الهيلينية بين اليهود، مؤسسات تعليمية يونانية وجيمنازيوم في القدس لتدريب العبرانيين اليهود على أن يصبحوا مواطنين يونانيين، فحل الجيمنازيوم محل الهيكل كمركز للحياة اليهودية الاجتماعية وانضم إليه كثير من الكهنة. وأصبح التعليم اليوناني بالنسبة إلى أثرياء اليهود في عهده إجبارياً، حيث كان أنطيوخوس الرابع وأثرياء اليهود يُخططون لتحويل القدس إلى مدينة (بوليس) يونانية تُسمَّى «أنطاكية» لتعزيز وضعها الاقتصادي والأمني.
وكان التعليم اليوناني يشمل المرحلة الابتدائية حتى سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، تليها مرحلة الدراسة في الجيمنازيوم والتي كانت تشمل التدريب على الألعاب الرياضية والفنون العسكرية وتعليم اللغة اليونانية ودراسة الموسيقى والأعمال الأدبية اليونانية خصوصاً أعمال هومير. وكان الطلبة يقومون بالألعاب الرياضية والمصارعة وهم عرايا (وهو ما كان غير محبَّب في اليهودية)، كما كان الجيمنازيوم يخضع لحماية الإلهين هرمز وهرقل. وكان الطلاب يقومون أيضاً بدور مهم في الاحتفالات الخاصة بتكريم آلهة المدن اليونانية. ورغم ذلك، حرصت الأرستقراطية اليهودية على إلحاق أبنائها بهذه المدارس، بل اشتد هذا الحرص بين يهود الإسكندرية في عهد الرومان حيث كانوا يسعون للحصول على المواطنة اليونانية حتى يتم إعفاؤهم من الضريبة الثقيلة التي فرضها أوغسطس عام 24/23 ق.م على سكان مصر (باستثناء أهل الإسكندرية من اليونان) علماً بأن الانتماء الكامل إلى المدينة اليونانية كان يعني الاشتراك في عبادة آلهتها.
وكان للتعليم اليوناني أثره في تزايد معدلات التأغرق بين أعضاء الجماعة اليهودية حيث بدأوا يتحدثون اليونانية وبدأوا يؤغرقون أسماءهم ويتبنون أسماء يونانية كاملة. ثم نسوا الآرامية تماماً، وأصبحت اليونانية اللغة السائدة في المعابد اليهودية في مصر وتُرجم إليها العهد القديم. وتحوَّلت الإسكندرية في عهد البطالمة إلى أهم مركز ثقافي وعلمي في العالم الهيليني، وانعكس ذلك على النخبة الثقافية اليهودية المتأغرقة التي ظهر عمق أثر الحضارة اليونانية في كتاباتها. كما ظهر أدب هيليني يهودي اعتذاري، كان من أبرز كُتَّابه فيلون ويوسيفوس، يهدف إلى التقريب بين اليهودية والهيلينية والتأكيد على الجوانب المشتركة بينهما والدفاع عن اليهودية أمام هجمات الهيلينية.
ورغم ذلك، لم تتغلغل الهيلينية في كل قطاعات الجماعات اليهودية، فقد ظل الريف في فلسطين سامياً آرامياً، كما ظلت ضواحي الإسكندرية مصرية حيث تأثر اليهود فيها بالطابع المصري.
وظلت هذه القطاعات مرتبطة بالعقيدة اليهودية ورافضة للنزعة الهيلينية. وعبَّر عن ذلك حزب الأتقياء (الذي كان يُعرَف باسم «الحسيديين») وحزب الفريسيين اللذين ضما إلى صفوفهما كثيراً من الكتبة شراح الشريعة الذين دافعوا عن الشريعة الشفوية، وكان من بينهم فقراء الكهنة ومتوسطو الحال. وحرص الكتبة الحسيديون ثم الفريسيون على ضرورة نشر تعاليم التوراة والشريعة اليهودية بين الجماهير اليهودية بعد أن كان ذلك مقصوراً على طبقة الكهنة والكتبة، فبدأت تظهر المدارس الابتدائية اليهودية بشكل تدريجي كنتيجة مباشرة لذلك التوجه منذ نهاية القرن الثاني ق.م، وتشكَّلت على غرار المدارس اليونانية. ولكنها كانت تُسمَّى «بيت الكتاب (بيت سيفر)» حيث كان محور الدراسة بها قراءة ودراسة العهد القديم. وساعد انتشار هذه المدارس على اتساع الحركة الفريسية، كما ساعد على تطور المعبد اليهودي أو «السيناجوج»، والذي كان انتشاره يتطلب وجود قاعدة واسعة من الناس على دراية بالتوراة والشريعة.
ورغم أن هذا الاتجاه كان رافضاً للنزعة الهيلينية، إلا أنه تضمن بعض المفاهيم والتقاليد الهيلينية في التعليم. فبعض المعلمين اليهود البارزين، مثل شيمايا وأبتاليون، كانوا يتلقون أتعاباً من تلاميذهم، مثلهم مثل المعلمين اليونان. ولكن هذا التقليد لم يستمر طويلاً. ومن ناحية أخرى، فإن علاقة المعلم بالتلميذ في اليهودية الحاخامية نشأت على أساس من التقاليد الهيلينية، والدراسة الجدلية المعتمدة على سلسلة من الأسئلة والإجابات، التي سادت مدارس البلاغة اليونانية.
-
الاربعاء PM 12:50
2021-04-07 - 1096