المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415060
يتصفح الموقع حاليا : 237

البحث

البحث

عرض المادة

جورج لوكاتش (1885-1971) والماركسية الجديدة

Georg Lukacs and Neo-Marxism
فيلسوف وناقد أدبي ماركسي مجري يهودي. أثر في الفكر الأوربي الماركسي وغير الماركسي، خصوصاً في النصف الأول من القرن العشرين.


وُلد لأسرة يهودية ثرية وكان أبوه يعمل مدير بنك. وتلقى تعليمه في مدرسـة بروتسـتانتية لوثرية في بودابسـت، وفي جامعتي بودابست وبرلين، وانتقل بعد ذلك إلى هايدلبرج. درس على يد جورج زيميل وماكس فيبر وتأثر بكتابات فيلهلم دلتاي (فيلسوف الحياة والتأويل) كما تأثر بأفكار صديقه إرنست بلوخ وبالأفكار الرومانسية وبالاتجاهات المضادة للنزعات الوضعية والطبيعية والمادية (بشكلٍّ عام). وانضم إلى الحزب الشيوعي عام 1919 حيث عمل قوميساراً للثقافة والتربية في وزارة بيلا كون، ثم انتقل إلى فيينا حيث بقى لمدة عشرة أعوام. ونشر كتابيه نظـرية الروايـة (1920)، و التاريخ والوعي الطبقي (1923) في هذه الفترة. وعاش لوكاتش في موسكو بين عامي 1930 و1941 وعمل في معهد ماركس وإنجلز، كما عمل بين عامي 1930 و1944 في معهد الفلسفة في الأكاديمية السوفيتية للعلوم. وعاد إلى المجر عام 1945، وأصبح عضواً في البرلمان وأستاذاً لعلم الجمال وفلسفة الحضارة في جامعة بودابست. كان لوكاتش أحد الشخصيات الأساسية في الثورة المجرية عام 1956، وُعيِّن وزيراً للثقافة. وقُبض عليه بعد إخماد الثورة ونقل إلى رومانيا، ولكن سُمح له بالعودة إلى بودابست عام 1957 حيث كرس جل وقته لإعداد مجلد ضخم من جزءين في علم الجمال. وكتب لوكاتش ما يزيد على ثلاثين كتاباً ومئات المقالات والمحاضرات. ومن بين دراساته العديدة، دراسات عن كلٍّ من هيجل والوجودية والجمال. ومعظم كتابات لوكاتش بالألمانية. ومن أهم كتبه الأخرى دراسات في الواقعية الأوربية (1948)، وجوته وعصره (1947)، وهو دراسة عن الاستنارة، و هيجل الشاب (1948)، و تحطيم العقل (1954)، و الرواية التاريخية (1962)، و الجماليات (1965)، غير أن محاولته الأخيرة وضع أسس أنطولوجيا ماركسية لم تكتمل: أنطولوجيا الوجود الاجتماعي (1978).

ويرى لوكاتش (في كتاباته النقدية مثل الرواية التاريخية) أن الفن الواقعي فن يعكس كلاً من اللحظة التاريخية القائمة والإمكانات الكامنة في الواقع التاريخي، ويُقدِّم لنا أنماطاً بشرية تمثل كلاً من اللحظة والإمكانية. وتكمن أهمية الفن في مقدرته على تحـويل أحـداث حـياتنا إلى متتالية قصصـية ذات معـنى، والمــعنى ـ حسب تصوُّر لوكاتش ـ ينبع دائماً من إدراك ما هو قائم وما هو ممكن. فالأشكال القصصية الواقعية تعكس الواقع التاريخي وتزيد وعينا بالممارسة الاجتماعية القائمة، ولكنها في الوقت نفسه تجعلنا ندرك أيضاً البدائل الممكنة والغاية وراء المشروع الإنساني. ويرى لوكاتش أن هذه الغاية هي خلق قدر من الوحدة بين الإنسان والطبيعة (والذات والموضوع، والفرد والمجتمع، والوعي والواقع) والفن هو الوسيط بين كل هذه الثنائيات.

ورؤية لوكاتش، رغم حديثها عن الوحدة النهائية، تستند إلى ثنائية حقيقية بين قطبين سماهما هو نفسه الجوهر (المتجاوز) والحياة (الواقعية)، والحياة المثلى هي الحياة التي يتحد فيها الاثنان.

وقد قام لوكاتش بتصنيف الأنواع الفنية إلى ثلاثة أنواع تبعاً لنجاح العمل الفني في تحقيق الوحدة بين الجوهر والحياة:

أ ) النوع الملحمي: وهو النوع الأول الذي يكون الجوهر والحياة فيه كلاً مستمراً، وتتسم علاقة البطل بجماعته فيه بأنها علاقة عضوية.

ب) النوع المأساوي: ويستند إلى الإحساس المأساوي بالتعارض بين الجوهر والحياة وبانفصال البطل عن الجماعة.

جـ) النوع الأفلاطوني: ويستند إلى قبول الانفصال الكامل بين الجوهر والواقع والبطل والجماعة بحيث يصبح الجوهر جزءاً من عالم مثالي ثابت ويصبح الواقع والحياة مجرد أجزاء متناثرة.

ويرى لوكاتش أن الرواية الواقعية (في عصر البورجوازية) محاولة للعودة إلى الرؤية الملحمية والاستمرارية السردية بين الجوهر الروحي والحياة الواقعية والمادية. ولكن بدلاً من الآلهة التي كانت تضمن الوحدة الكونية وتهدي خُطى أبطال البطل الملحمي الأسطوري تظهر الرؤية الواقعية الحديثة حيث يحدث الشيء نفسه، ولكن مصدر الوحدة هو الإنسان نفسه وبحثه الدائب عن المعنى في عالم لا معنى له. وعادةً ما يفشل البطل في الرواية الحديثة، فالعالم الذي يعيش فيه عالم متشيئ، ولذا يعيش البطل منفصلاً عن جماعته منعزلاً عنها. وتعبِّر الرواية عن عزلة الفرد من خلال المثالية (سرفانتس) أو الواقعية (فلوبير) أو الطوباوية (تولستوي). ولكن الرواية ذاتها، كتجسيد سردي وشكلي لعملية البحث عن المعنى والوحدة، تؤكد العلاقة بين الجوهر والحياة وتشير إلى إمكانية الوحدة بين الذات والموضوع. فالعمل الروائي، من ثم، رغم أنه قد يكون على مستوى المضمون السردي المباشر يتحدث عن إحباط البشر، يظل عملاً تبشيرياً طوباوياً متجاوزاً، فالعمل الروائي مثل العمل الثوري في تبشيره بإمكانية وحدة الوعي والواقع؛ أي أن الرواية الواقعية لا تقدم مجرد وصف وتحليل وإنما تقدم لنا عناصر تكوين الواقع والمنظور والبديل، ومن ثم فهي تبشير بعالم متكامل واحتجاج على عالم يسحق الإنسان.

ويؤكد لوكاتش أن المؤلف البورجوازي قد يصل إلى إدراك العملـية التاريخـية بشـكل واع من خـلال خـلق شـخصيات تتجـاوز ـ على المستوى الخيالي ـ أساسها الطبقي. ويضرب لوكاتش مثلاً بوولترسكوت وتوماس مان ودوستويفسكي وبلزاك وفلوبير باعتبارهم روائيين أدركوا طبيعة التحول التاريخي الاجتماعي في العصر الحديث فقدموا شخصيات هي أنماط إنسانية تعبِّر عن الإمكانية الإنسانية الحقيقية وعن رغبة الإنسان في أن تتحد الذات مع الموضوع، رغم الوضع الطبقي لهؤلاء الكُتَّاب ورغم تذبذبهم.

والواقعية التي يتحدث عنها لوكاتش ليست الواقعية الاشتراكية التي تتراوح بين الفوتوغرافية والدعاية، ولكنها واقعية تستند إلى إدراك متعين للواقع الاجتماعي ولكيفية تجاوزه، كواقع مباشر متغيِّر من خلال العملية التاريخية التي يُفترَض أنها تحتوي على الإمكانيات الإنسانية والاجتماعية التي سيُقدَّر لها أن تتحقق في نظام اجتماعي وثقافي جديد. من هذا المنظور، وجه لوكاتش نقداً حاداً لكلٍّ من النزعة الجمالية (الشكلانية) والنزعة الرومانسية في الفن وما يُسمَّى بالحداثة. فكلها نزعات واحدية تركز على الشكل أو على جانب واحد من الواقع (الوضع القائم) دون الجانب الثاني (الإمكانية)، أي أنها تُلغي الثنائية. ولعل نقده للحداثة (في مقاله الشهير « أيديولوجيا الحداثة ») يوضح لنا وجهة نظره، فالأدب الحداثي هو نتاج وعي كاتب لا يشعر بالكل ولا بالوحدة ولا بالإمكانية بسبب تركيزه على جانب واحد من الواقع (الجزء ـ السطح) وهو ما يجعل وجدان الأديب غير قادر على تجاوز هذا التفتت الذري من حوله وتجاوز التشيؤ والجمود. ويصف لوكاتش الحداثة بأنها تأمُّل متشائم وسقوط في العدمية واليأس، وهي (عنده) تعود بجذورها إلى تشاؤمية هايدجر وكتابات سارتر الأولى حيث يذهبان إلى أن الوضع الأنطولوجي للإنسان يحكم عليه بحالة اغتراب دائم لا يمكن تجاوزه بغض النظر عن التطور التاريخي. والحداثة، بهذا، تقهقر إلى عالم مجرد ميتافيزيقي لا تاريخي، عالم المثالية المجردة (الأفلاطوني). فالواقع مرادف للعبث والروح إحباط مستمر ولا يوجد أي بحث عن المعنى (كما هو الحال مع الرواية الواقعية البورجوازية). وقد أصبحت الشخصيات ذاتها أحادية فلم تَعُد تجسّداً لنمط إنساني اجتماعي عام في لحظة تاريخية وفي ظروف اجتماعية محددة تتعامل معها وتؤثر فيها وتتأثر بها، وإنما أصبحت الشخصيات منعزلة غير اجتماعية غير قادرة على الدخول في علاقة مع الآخرين أو على التفاعل مع الواقع الاجتماعي، شخصيات لا تُدرك أية إمكانية ذاتية أو اجتماعية ولذا لا تحلم بالتجاوز وتقنع بالواقع ولا تبحث عن أي شيء، وهي شخصيات مسطحة أحادية البُعد مثل شخصيات قصص الأمثولة (بالإنجليزية: ألجوري allegory) وليست شخصيات مستديرة متعددة الأبعاد.

ويذهب لوكاتش إلى أن الحداثة بهذا المعنى عبادة للفراغ الذي أوجده غياب الإله، فهي تعبير عن الجنون والشذوذ. وقد وجه لوكاتش سهام نقده للمفهوم الحداثي للمحاكاة، فهو لا يركز على الإمكانية الاجتماعية والتاريخية ولا يرى إلا الأمر الواقع ولأن الأديب يأخذ موقفاً نقدياً، فإنه يشوِّه الواقع الذي يحاكيه. ولكن لابد أن يكون هناك معيار حتى نستطيع أن نرى التشويه تشويهاً. ولكن ما يحدث في المحاكاة الحداثية أن عملية التشويه تتم خارج أي إطار وأية معيارية، ولذا يرتبط التشويه بتشويه آخر إلى أن يصبح التشويه جوهر المحاكاة والعنصر الشكلي الأساسي ويصبح هو المطلق أو الحالة العادية، أي إلى أن يتم تطبيع التشويه. فالحداثة تبتعد عن السواء الإنساني والواقع التاريخي والمسئولية الجماعية، ولذا فهي لا تثمر روايات واقعية أو غير واقعية وإنما روايات مضادة. حتى أصبح موضوع الكتابة الوحيد استحالة الكتابة!

إن وقوف لوكاتش ضد كلٍّ من النزعة الجمالية الشكلانية والرومانسية والحداثة يرتبط ارتباطاً وثيقاً برفضه النسبية في الفكر الاجتماعي، إذ تمثل هيمنتها في رأيه اتجاهاً خطيراً نحو اللا عقلانية والعدمية. وأرخ لوكاتش بشكل شامل لتزايد اللا عقلانية في الأدب والفلسـفة والفكـر الاجتمـاعي في الحضـارة الغربية، بخاصة في ألمانيا، في كتابه تحطيم العقل حيث يرى أن ثمة مفارقة في الحضارة الحديثة هي عقلانية العلم الحديث التي تؤدي إلى توليد اللاعقلانية، فالعلم يحطم أي يقين يتصل بالقيم المطلقة والقواعد العالمية للسلوك، وحينما يتحطم اليقين تصبح الأمور متساوية في حضارة نسبية، ولذا فإن كل شيء يصبح مباحاً. والنسبية تؤدي إلى اللا عقلانية حين يصبح من المستحيل اختيار أسلوب حياة له ميزته الداخلية. ويرى لوكاتش أن هذا الموضوع يشكل حلقة الوصل بين نيتشه ومؤسسي علم الاجتماع الألمان (ماكس فيبر وجورج زيميل).

ولكن أهم دراسات لوكاش الاجتماعية تتمثل في ثماني مقالات نُشرت في كتاب تحت عنوان التاريخ والوعي الطبقي (كُتبت بين عامي 1919 و1922). ويعكس الكتاب خليطاً متميِّزاً من كلٍّ من الرومانسـية الثـورية والإبسـتمولوجيا الكانطية الجديدة والفلسفـة الماركسية. ويذهب لوكاتش إلى أن العلوم الطبيعية لا يمكنها أن تزودنا بنموذج لتحليل المجتمع، لأن السمة الأساسية في السلوك الإنساني (على عكس السلوك الطبيعي أو الحيواني) أنه واع. فالفعل الإنساني يستند إلى عملية اختيار بين سبل مختلفة، وهو ما يعني أن دراسة الفعل الإنساني تتطلب منهجاً مختلفاً بشكل واضح عن العلوم الطبيعية. ويرى لوكاتش أن مشكلة الماركسية تتحدد في أنها تتصور أنها هي علم المجتمع الذي يحاول أن يكتشف قوانين السلوك الإنساني والتطور الاجتماعي، وأنكرت أن العقل الإنساني يتجه نحو نهاية واعية. ويرفض لوكاتش الحتمية الاقتصادية التي تَرُدُّ كل شيء إلى العوامل الاقتصادية. ويذهب إلى أن المادية الجدلية ليست مجموعة جامدة من القوانين الثابتة الأزلية وإنما هي منهج في البحث.

يرى لوكاتش أن المنهج الجدلي عند ماركس يؤكد تاريخية الوعي الإنساني، وهذا يعني أن الإنسان ليس كياناً متلقياً للتاريخ وإنما ذات فاعلة، كما أن المجتمع الإنساني ليس مجرد أجزاء مترابطة آلياً وإنما هي كلٌّ اجتماعي متماسك. وجوهر الماركسية في تصور لوكاتش أنها لا تزود الإنسان بقوانين جاهزة ومعايير مفروضة بصورة مسبقة على الممارسة الإنسانية وإنما تزود الإنسان بطريقة للفهم بحيث يستطيع الإنسان التعرف على الأحداث الجزئية والفردية، التي تبدو في ظاهرها منعزلة متفردة. ويرى لوكاتش أن مفتاح فهم فلسفة ماركس يكمن في مفهوم «توّثن السلع» (أو تسلّع الإنسان) وفي أهمية تجاوز كل أشكال الوعي المتشيئ، فبينما يبدو العالم الاجتماعي كما لو كان عالماً موضوعياً شيئياً مستقلاً بذاته، برانياً وله قوانينه الموضوعية، فإننا في واقع الأمر نعيش في عالم خلقته الإرادة الإنسانية وصاغته ومن ثم تظهر ثنائية الفكر البورجوازي (الموضوع مقابل الذات، والإرادة مقابل القانون، والمجتمع مقابل الطبيعة) التي هي في واقع الأمر نتاج تناقضات كامنة في علاقات الإنتاج الرأسمالية المبنية على الإنتاج السلعي. ولكن التأكيد الماركسي على القوانين الموضوعية التي تتحكم في المجتمع الإنساني هو ذاته سقوط في التشيؤ والتبرجز، وثنائيات الوعي البورجوازي (خصوصاً الفصل الجامد بين الحقيقة والقيمة) لا يمكن أن تُحل عن طريق الفلسفة التأملية وإنما عن طريق الفعل الإنساني المتعيِّن والممارسة الثورية. والطبقة المرشحة تاريخياً (أي المقدَّر لها) أن تحطم الوعي المتشيئ للرأسمالية البورجوازية هي الطبقة العاملة التي تمثل الذات الفعالة التي تحقق التغير الاجتماعي وتمثل الكلية والشمول البشري، وهي طبقة ليس لها أية مصالح في استمرار حالة التشيؤ والتفتت، ومن ثم فإن الطبقة العاملة حينما تعي ذاتها نظرياً وتحقق مصالحها الطبقية ستحقق الخلاص الاجتماعي للبشرية وتحل لغز الفلسفة الألمانية، فمعرفتها الذاتية للواقع هي ذاتها الرؤية الشاملة التي تحقق وحدة الذات والموضوع وتحولها إلى ممارسة ثورية وتصل بجدل التاريخ إلى نهايته من خلال تحطيم الرأسمالية. إن الوعي الإنساني لا يعكس الوضع التاريخي بشكل سلبي جاهز وإنما يمكنه تجاوزه ومن ثم تحويله وتغييره. وعلى هذا النحو، يقدم لوكاتش نقداً جذرياً لفكرة الحتمية الحديثة.

وقد وُجِّهت عدة انتقادات لفكر لوكاتش من بينها:

1 ـ أنه يبشر برؤية غائية للتاريخ، رؤية لا تقوم فيها البروليتاريا بدور الأداة التي ستحطم الرأسمالية وحسب وإنما تصبح آلية تأتي بعصر جديد خال من الوعي الزائف. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا يعني في واقع الأمر أن الجدل سينغلق في هذا العهد الجديد (نهاية التاريخ). وهكذا، فلن يكون هناك مجال للعقل النقدي في مجتمع ما بعد الثورة (وهذه هي إشكالية المابعد ونهاية التاريخ الكامنة في الأنساق العلمانية كافة).

2 ـ اتُهم لوكاتش بأنه حوَّل ماركس إلى منهج ومن ثم وضعه فوق النقد، ولأن الفكر الجدلي لا يدافع عن أي فكر محدد أو موقف محدد لأنه مجرد منهج، فإن الماركسية الجدلية لا يمكن أن تخطئ أبداً.

3 ـ رؤية لوكاتش للمعرفة نخبوية، فوعي الطبقة العاملة ليس بالضرورة ثورياً، ومن ثم يجب تفسير هذا الوعي وتطويره وتحويره حتى يصبح ثورياً، ومثقفو الحزب الثوري هم النخبة التي ستقوم بهذا الدور حتى يتوصلوا إلى الحقيقة التي تتفق مع المصالح الحقيقية للطبقة العاملة.

4 ـ واتُهم لوكاتش كذلك بأنه زوَّد عدم الاكتراث السياسي بأساس فلسفي، فإذا كان الحزب يحتكر الحقيقة فثمة ضرورة أخلاقية للكذب والتدليس من أجل صالح الحزب. وهنا يظهر عنصر اللا عقل مرة أخرى في فلسفة لوكاتش، فالحزب دائماً على حق حتى ولو كذب، وقد قيل إن حياة لوكاتش ذاتها هي أنصع دليل على ذلك.

5 ـ اتُهم لوكاتش بالغائية الكاملة بل وبالمشيحانية، فالطبقة العاملة في منظومته هي وسيلة التاريخ في انتصار العقل المطلق أو روح العالم على كلٍّ من التشيؤ والاغتراب والانحراف، وهي كيان يشبه الشعب المختار في المنظومة الحلولية اليهودية.

ولا يمكن تصنيف لوكاتش باعتباره مفكراً يهودياً. فقد نشأ في بيئة مندمجـة، حيـث كان يهود المجـر من أكثر الجماعات اليهودية اندماجاً، كما كانت أسـرته أسـرة بورجوازية عـادية حريصة على الاندماج. تلقى لوكاتش تعليمه في مدارس وجامعات غير يهودية، كما أن منابع فكره أوربي. ويُضاف إلى ذلك أن اهتمامه بالموضوع اليهودي كان ضعيفاً، فحتى حينما تناول مفكرين اشتراكيين يهوداً، مثل موسى هس وفرديناند لاسال، فإن البُعد اليهودي في فكرهم لم يلق عنده أي اهتمام.

وإن كانت ثمة حلولية في فكر لوكاتش فهي حلولية كمونية علمانية مادية (حلولية بدون إله، وحدة وجود مادية) لا تختلف كثيراً عن أية منظومة فكرية هيجلية تحاول أن ترى تجليات العقل المطلق في التاريخ والمادة. ومع هذا، يجب أن نشير إلى أن لوكاتش يُدرك تماماً مخاطر الحلولية الكمونية. ولذا، فإن تأكيده أهمية التجاوز وإصراره عليه، باعتبـاره ضماناً وحيداً لإنسـانية الإنسـان واسـتقلاله عن الطبيعة والتاريخ، أو أية كليات أخرى، أمر واضح للغاية. ولعل هذا هو سرّ المشـاكل العديدة التي واجهها عبر حياته مع السـلطات الماركسية اللينينية. ورغم كل هذا، فهو يظل يدور في إطار الحلولية الكمونية، لأن مصدر التجاوز يظل كامناً في المادة أو في النفس البشرية. ولعل الحوار بشأن الماركسية الإنسانية في مقابل الماركسية العلمية هو حوار بشأن الحلولية الكمونية. فالماركسية الإنسانية تحاول الحفاظ على الإنسان داخل المنظومة الماركسية باعتباره كياناً مطلقاً مستقلاًّ ذا إرادة مستقلة تعبِّر عن نفسها في اختيارات محددة بين بدائل مختلفة، ومن ثم فإن العلوم الطبيعية (التي تفترض وحدة الإنسان والطبيعة) لا تصلح لدراسة ظاهرة الإنسان. أما الماركسية العلمية فتحاول الوصول إلى القوانين العلمية التي تتحكم في كلٍّ من التاريخ والطبيعة على حدٍّ سواء والتي يتحرك التاريخ والبشر وفقاً لها، والتي تفترض وحدة الطبيعة والتاريخ (واحدية كونية)، ولذا فهي تحاول تطهير الماركسية تماماً من المطلقات أو الغائيات كافة وتؤدي في نهاية الأمر إلى الشمولية والأحادية السياسية. وقد رفض لوكاتش هذا النوع من الماركسية ولذا فهو يُعَدُّ واحداً من أهم المفكرين المدافعين عن مقولة الإنسان داخل المنظومة الماركسية. والواقع أننا لو قلنا إن لوكاتش (المدافع عن الماركسية الإنسانية) يهودي، وإن كثيراً من المدافعين عن الماركسية العلمية أيضاً يهود، وإن ماركـس مؤسـس النظرية الماركســية كذلك يهودي، فإن كلمة «يهودي» تصبح مثل الصيغة السحرية التي تُفسِّر كل شيء، ومن ثم فإنها لا تُفسِّر شيئاً على الإطلاق.

  • الاربعاء PM 12:02
    2021-04-07
  • 2445
Powered by: GateGold