المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416234
يتصفح الموقع حاليا : 292

البحث

البحث

عرض المادة

سـتيفن سـبيلبرج (1950- )

Steven Spielberg
أحد أهم مخرجي السينما الأمريكية اليوم، ولا نغالي إذا قلنا إنه من أهم العاملين في قطاع الترويح والترفيه في عالم اليوم. حصل فيلمه «قائمة شندلر» الذي أخرجه وأنتجه عام 1993 على سبع جوائز أوسكار منها جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج. وحصل فيلمه «الحديقة الجوراسية» على ثلاثة جوائز أوسكار في نفس العام، أي أنه حصد عام 1994 عدد عشرة جوائز أوسكار (في التصوير والصوت والمونتاج والمؤثرات الخاصة والموسيقى وغيرها). وحققت الأفلام التي أنتجها أعلى أرقام في التوزيع وفي شباك التذاكر.


وتمثل أفلام سبيلبرج للمواطن الأمريكي أجـمل حل لكل مشكلاته، فهي تمجِّد الفرد في مواجهة آلة ضخمة غير محدَّدة الهوية، وهي تضع العالم في إطار من الثنائية الصلبة، حيث قوى الخير تحارب بشراسة ضد قوى الشر الغيبية التي لا نفهم أبداً من أين أتت. ففي «المبارزة» (1972) تطارد سيارة نقل ضخمة شرسة، أسرة أمريكية تركب سـيارة صغـيرة على طول طرق الولايات المتحـدة الواسـعة والمتعرجة، أي عالم المواطن الأمريكي الذي يمتطي سيارته صباحاً ويقطع بها مئات الأميال ليؤدي عمله الروتيني. ولكنه يريد المغامرة والاقتحام والمتعة فيوفرها له سبيلبرج.

ثم يأتي فيلم «فكوك» (1975) حيث نجد وحشاً هائلاً جباراً من وحوش عالم أعماق البحار الغامض هو تلك السمكة الجبارة من نوع القرش المفترس، يهاجم مجموعات البشر الأسوياء الأبرياء على الشواطئ، ويقتحم لحظات مرحهم ولهوهم (أقدس اللحظات عند المواطن الأمريكي). ثم لا ينجح سوى شريف المدينة أو رمز المواطن الخيِّر الفرد راعي البقر الجديد الذي ينتصر على المساحات الشاسعة ويهزم هذا الشر الغيبي الكامن في المجهول تماماً.

وسنجد أن هذه المعادلة التبسيطية الثنائية الصلبة خير/شر ـ مقدَّس/مدنَّس ـ ذات/موضوع تتكرر في كل أفلامه ويتخذ صوراً متعددة تتماهى مع الوضع السياسي أو الاجتماعي القائم وقتها وهو ما يزيد من جاذبيته لدى المواطن الأمريكي.

فمثلاً تُظهر سلسلة « أنديانا جونز »، عالم الآثار السوبرمان، أثناء فترة احتدام الحرب الباردة في أوائل الثمانينيات، ومع ارتفاع الشعارات الريجانية حول « إمبراطورية الشر » و« الشر الذي يتهدد العالم »... وغيرها. ونجد أن «مغتصبو التابوت المفقود» يُقدّم هذه الشعارات في التوليفة السبيلبرجية المعهودة، أسطورة السوبرمان الفرد الذي يتحدى كل شيء ويُحطم كل المؤامرات التي يحيكها الأشرار. إن «أنديانا جونز» هو التجسيد الأمثل للبطل السوبرمان في السينما الأمريكية، أو البطل الملحمي الضد الذي يسير إلى قدره المحتوم، ولا يبالي بشيء ولا يهمه شيء، فالغاية تبرر كل الوسائل.

وهذه خلطة سحرية ومزيج أسطوري بسيط في إطار تقني معقد يصل مباشرةً إلى المواطن الأمريكي المستهدَف كجمهور مستهلك. ويخاطب فيه نزعاته الاستهلاكية وتمركزه حول الذات ومفاهيمه التبسيطية ويُقدِّم له الصورة التي يريد أن يراها في الخيال بديلاً عن ذاته المقهورة المستلبة المتحوسلة في إطار عمله الروتيني اليومي المتكرر. ونرى في أفلام سبيلبرج بعدئذ تكراراً لموضوعات أساسية أسطورية عديدة، بل إن هناك موضوعات قديمة (مثل «مغتصبو التابوت المفقود» أو «عبدة الشر في المعبد الملعون» وهي تنويعات على موضوع إمبراطورية الشر، حيث هؤلاء الهنود الشرقيون يريدون غزو العالم ويُقدِّمون ضحايا من البيض). وهناك موضوعات حديثة مثل «القادمون من السماء في لقاءات قريبة من النوع الثالث» أو «E.T.» أي الكائن غير الأرضي الذي يُعيد التوازن للعالم، وهي تنويعة على أسطورة الجولم أو الكائن اليهودي المخلوق على يد البشر. وهناك موضوعات ما بعد حداثية مثل إعادة الخلق واستخدام الهندسة الوراثية كما في « الحديقة الجوراسية ». تلك الموضوعات الأسطورية مهمة جداً عند الجمهور المُستهدَف لأنها تمثل الجانب الغيبي والخرافي الضروري لاستكمال معادلة الحلول في الذات. إنها بمثابة الديانة السحرية الخرافية البسيطة التي تحل محل الدين المركَّب (أي أن موقف سـبيلبرج يقف على طرف النقيـض من موقف وودي ألين في فيلم « أليس » حيث يرفض الحل السحري تماماً(.

ومن أهم أفلام سبيلبرج فيلم « الحديقة الجوراسية » أو حديقة الديناصورات. وهو تعبير عن اتجاه في السينما الأمريكية يكشف عن مراجعة الفكر الغربي في مرحلة ما بعد الحداثة. ففي عصر التحديث لا يؤمن الإنسان الغربي إلا بالعلم ومقدرته على التحكم في الواقع وترشيده بحيث يمكنه التحكم في العالم وحوسلته. أما في عصر ما بعد الحداثة فثمة خوف عميق من مواجهة التاريخ إذ أن عملية البرمجة لا يمكن أن تكون كاملة وبالتالي تخرج الأمور عما هو مقرَّر لها. يدور فيلم « الحديقة الجوراسية » حول محاولة الرأسمالي الأمريكي جون هاموند أن يقيم حديقة للديناصورات، هي الوحيدة من نوعها في العالم،مستخدماً أرقى وآخر أنواع التكنولوجيا:من هندسة وراثية إلى عالم كمبيوتر،مُطبِّقاً كل هذا على الحفريات. ورغم أن هاموند يمتلك عالم الطبيعة تماماً (محميات للحيوانات في كينيا ـ مناجم في جمهورية الدومينـكان في أمريكـا اللاتينية)،إلا أنه يريد امتـلاك الماضـي والمستقبل،ومن ثَم يحـاول أن يخرجه من الكتـب ليحـوِّله إلى واقع يتم بيعه لمن يستطيع الدفع، فكل شيء قابل للبيع والشراء.ولكي يمرِّر هاموند مشروعه يستعين باثنين من علماء الحفريات (جرانف واستايلر)،وعالم رياضيات (مالكوم).يدخل الجميع عالم الديناصورات المُحاصَر بالأسوار المُكهربة والمُراقَب بواسطة الكمبيوتر،وينبهر الجميع،فقد أصبح الماضي حقيقة، فالديناصورات تتحرك أمامهم.ولكن الجنة المثالية تنقلب إلى جحيم حقيقي حين يفقد الإنسان السيطرة على الديناصورات (بسبب خيانة أحد علماء الكمبيوتر ومحاولته تهريب أجنـة الدينـاصورات خـارج الجزيرة(.

وعبر تركيبة السينما الأمريكية التقليدية تدور أحداث هروب جرانت وحفيدي هاموند من الوحوش،ويطرح الفيلم قضية الحد الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان في محاولته التحكم في واقعه من خلال مقدراته العقلية وأن يسيطر عليه من خلال العلم.والفيلم يعلن أن ثمة حـدوداً.فالطبيعـة تتحايل على العلم.فالديناصورات تتعلم بسرعة وتتكيف مع الواقع الجديد وتتوالد رغم محاولة منعها من التناسل. وينتهي الفيلم بالإنسان وقد وقع صريعاً أمام قوة الماضي،متمثلة في الديناصورات،وقوة المستقبل متمثلة في التكنولوجيا.

وأم سبيلبرج يهودية إثنية لا تكترث بالشعائر الدينية وهو متزوج من امرأة غير يهودية. وهو يتناول أحياناً موضوعات يهودية في أفلامه («مغتصبو تابوت العهد» و«اللون القرمزي» و«قائمة شندلر»). لكن المؤكد هو أن أفلامه التي يصفها هو نفسه بأنها « لا تهدف إلا إلى الإمتاع الخالص واللذة فقط » هي التجسيد الأمثل للرؤية المعرفية الإمبريالية العلمانية الشاملة والحلولية الكمونية الكاملة حيث يصبح الإنسان مكتفياً بذاته، هو العبد والمعبود والمعبد، يُشبع رغباته ونزواته في عالم كل شيء فيه محكوم ومُتحكَّم فيه لخدمته ولا أهمية لشيء إلا ذاته.

  • الاثنين PM 12:01
    2021-04-05
  • 1074
Powered by: GateGold