المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416202
يتصفح الموقع حاليا : 383

البحث

البحث

عرض المادة

وودي أليــــن (1935- )

Woody Allen
مخرج سينمائي وممثل وكاتب سينمائي أمريكي يهودي اسمه الأصلي هو ألان ستيورات كونيجسبرج، وُلد في بروكلين (وهو حي يتركز فيه عدد كبير من يهود الولايات المتحدة في نيويورك) لأب كان يعمل جرسوناً في مطعم وفي قطع الجواهر. التحق بجامعة نيويورك، ولكنه لم يحصل على شهادة جامعية. فاختار اسم وودي ألين اسماً فنياً وبدأ حياتـه المهنيـة ككاتب نكات يقـدمها للصحف أو لمقدمي البرامج التليفزيونية.وفي هذه الفترة، ابتكر ملامح الشخصية الأساسية التي تظهر في معظم أفلامه؛ شخصية البطل المضاد والمعادي للبطولة، أو البطل المهزوم الذي يخسر دائماً ويفشل.


وثمة موضوعان أساسيان في أفلام وودي ألين، وهما مترابطان تمام الترابط؛ أما الأول فهو وجود البشر في الزمان حيث يحصدهم الموت بمنجله، أما الموضوع الثاني فهو الجنس. والجنس هو وسيلة للمتعة ولكنه أيضاً طريقة للتواصل والتضامن ومعرفة النفس البشرية. ولكن الزمان يؤدي إلى التغيُّر فتصبح كل الأمور نسبية، ومن ثم يصبح العالم خالياً تماماً من أية مطلقات معرفية أو أخلاقية، ومن أي معنى أو هدف، وتصبح الحركة آلية رتيبة مكرَّرة، ويُفرَّغ الجنس من المعنى تماماً ويصبح مجرد مسألة جسمانية لا تحل مشكلة المعنى. ويحاول البطل المهزوم أن يتجاوز كل هذا عن طريق الإيمان الديني. ولكنه يرتد دائماً على عقبيه فاشلاً، إذ يدرك استحالة بحثه، فيظل قابعاً رغم أنفه في عالمه العلماني يبيِّن حدوده ومأساته، ولكنه لا يتجاوزه قط. ولكنه لا يقنع بهذا أيضاً، إذ نجده يبين حدود الإيمان الديني كذلك، ومن ثم فهو في تصوُّرنا واحد من أهم نقاد المجتمع العلماني الذي يراه بوضوح ويرى الكارثة المعرفية والأخلاقية الناجمة عن النسبية، ولكنه يظل داخل حدود نسقه، يجلس على عتبات الإيمان الديني يُطلق نكاته المظلمة المنيرة.

وعادةً يتناول وودي ألين هذه الموضوعات من خلال حشد كبير من الشخصيات بعضهم له ملامح إثنية واضحة مُستمَدة من حياة مهاجري يهود اليديشية في الولايات المتحدة (هم وأبناؤهم الذين حققوا قدراً من التأمرك ولكنهم لم يندمجوا تماماً، وهو ما يجعلهم غير مستقرين لا في القالب اليهودي اليديشي ولا داخل قالب الواسب، أي الأمريكيون البيض البروتستانت). وهم، في هذا، يشبهون الإنسان الغربي الحديث الذي فقد عالمه التقليدي ولكنه لم يجد نفسه إلا غريباً في عالمه الحديث.

ومن أفلام وودي ألين الأولى، التي تستخدم نمط البطل المهزوم، فيلم «فلتأخذ النقود وتهرب» (1969)، وهو محاكاة ساخرة للأفلام الوثائقية، التي يكون بطلها عادةً شخصية ذات أبعاد بطولية. ولكن بطل هذا الفيلم هو مجرم لا يتَّسم بأية كفاءة، فهو في واقع الأمر إنسان عادي. ولذا، فهو دائم الفشل، يبدأ وينتهي في السجن ولا يضيء حياته سوى قصة حب قصيرة.

وتدور أحداث فيلم «العبها مرة أخرى ياسام» (1972) حول ناقد سينمائي مُستوعَب تماماً في أفلام همفري بوجارت، وفي شخصيته التي تتسـم بالذكـورة الفائقـة. ولذا، بدلاً من أن يصـبح هذا الناقد مبدعاً، تتبدد طاقته في الحلم بالقيام بغزوات تشبه غزوات بوجارت، فتهجره زوجته ويبحث هو عن حب حقيقي أو علاقة غرامية أو جنسية ذات معنى.

أما فيلم «النيام» (1973)، فيتناول الحياة في عالم المستقبل الذي يشبه الكابوس. فبطل الفيلم لا يمكنه التأقلم مع هذا العالم المنظَّم بشكل هندسي، وهو ما يجعل تجربته تشبه تجربة اليهودي في الحضارة الأمريكية الحديثة، وتجربة الإنسان بشكل عام في المجتمع الصناعي الحديث.

وفيلم «كل ما كنت دائماً تود معرفته عن الجنس وتخشى السؤال عنـه» (1972) هو محاكاة كومـيدية لعـدة أنواع ومواضـيع أدبية وسينمائية: رواية الخيال العلمي، وقصة فرانكنشتاين، وأفلام الإباحية والشره الجنسي ومشكلة الشذوذ الجنسي في المجتمع الحديث. والفيلم يتضمن نقداً عميقاً للعقلية المادية الحديثة التي تحاول الوصول إلى الحد الأقصى في كل شيء: التمتع بالجنس والتحكم في الواقع واستكشاف المجهول. والصوت الروائي في الفيلم ينظر إلى كل هذا بشيء من عدم التصديق وبكثير من السخرية.

ويُعتبَر «الحب والموت» (1975) من أهم أفلام وودي ألين، وتدور أحداثه في روسيا القيصرية أثناء غزو نابليون لها. وبطل الفيلم هو بطل وودي ألين المعتاد، الإنسان الصغير الذي يفشل دائماً، ولكنه يجد نفسـه في هـذه المرة بطلاً رغم أنفه. وتدور حبكة الفيلم حول الحب والموت، ومحاولة البطل أن يصل إلى الحب وأن يفهم الموت، وهو يحقق شيئاً من النجاح في محاولته الأولى إذ يتزوج ابنة عمه سونيا بعد سنوات طويلة من الحب المرفوض، لكن زواجه هذا يتم عن طريق الصدفة. أما الموت، فيظل الشيء البعيد الذي لا يُفهَم: يحاول البطل أن يغتال نابليون فيُقبَض عليه ويُحكَم عليه بالإعدام، وفي الليلة المحددة لتنفيذ الحكم يأتيه في سجنه ملاك يبشره بالنجاة والخلاص فيتقدم البطل إلى الموت دون خوف، ثم يظهر أن الملاك كان يكذب عليه وينتهي الفيلم بإعدام البطل!

ويُعتبَر فيلم «آني هول» (1977) نقطة تحوُّل في تاريخ وودي ألين السينمائي. والفيلم يتناول كثيراً من الموضوعات الأمريكية اليهودية، علاقة اليهودي بالشيكسا (أنثى الأغيار الشقراء)، وموقف اليهودي المُبهَم من حضارة الواسب، إذ هو يحبها ويكرهها في آن واحد، يود دخول عالمها والاندماج فيه ولكنه يخشى أن يفعل ذلك. وهناك أيضاً موضوع كره اليهودي لنفسه وعشرات الموضوعات الأمريكية الأخرى مثل البارانويا والتحليل النفسي. وتزداد قضية المعنى أهمية في هذا الفيلم، بل وتشغل المركز.

ويُعَدُّ فيلم «الداخل» (1978) من أفلام وودي ألين القليلة المأساوية والتي لا يمثل دوراً فيها. ويتناول قصـة حيـاة امرأة تفقـد علاقتها بالحياة، إذ تُستوعَب تماماً في القيم الفنية، خصوصاً قيمة التناسق، إلى درجة أنها تحاول أن تفرضها على الواقع. وحينما ينفصل عنها زوجها ثم يطلقها، لا تتحمل هذه الصدمة وتنتحر. ويتزوج الرجل بعد ذلك امرأة سوقية بعض الشيء ولكنها مليئة بالحيوية، وهي رغم كره بقية أعضاء الأسرة لها تأتي لهم بالحياة. ورغم أن الفيلم لا يستخدم الأنماط الإثنية المحددة، إلا أن من الواضح أن الزوجة الأولى تنتمي إلى حضارة الواسب الجميلة المتسقة. أما الثانية، بردائها الأحمر، فترمز إلى المهاجرين اليهود والذين قد يتسمون بالسوقية ولكنهم مليئون بالحياة .

ومن أهم أفلام وودي ألين فيلم «مانهاتن» (1979)، ومانهاتن هي أهم أحياء نيويورك ومركز المال والتجارة، وهو الحي الذي يعيش فيه وودي ألين نفسه. وهو في هذا الفيلم، يتناول الفوضى الأخلاقية والعاطفية الناجمة عن النسبية، واختفاء المعنى والقيمة، وتحوُّل كل شيء إلى جزء من الحياة العامة. فزوجته، على سبيل المثال، تتركه لتعيش مع امرأة أخرى (فهي مُساحقة)، وتؤلف كتاباً عن حياتهما الشخصية تتعرض فيه لأدق وقائعها. ولكن، وسط كل هذا، تُوجَد فتاة صغيرة تحب البطل وترتبط به. ورغم محاولته الهرب منها، فإنها تظل تؤكد حتى النهاية ضرورة أن يثق البشر، الواحد بالآخر.

ويتناول فيلم «زيليج» (1983) قصة حياة رجل يتلون كالحرباء تبعاً للوسط الذي يعيش فيه حتى يفقد هويته تماماً. ولعل زيليج تعبير عن مأساة الإنسان الحديث الذي يفشل تماماً في تحقيق الانتماء، لأية عقيـدة ولأي مجتمـع، ولذا يظل دائماً غريباً لا مأوى له. والإنسان الحديث، في هذا، يشبه المهاجر اليهودي (أو غيره من المهاجرين) حيث يبذل قصارى جهده لكي يصبح جزءاً من مجتمعه ويحاول في الوقت نفسه ألا يفقد هويته، ولكن المحاولة تبوء عادةً بالفشل إذ أن ما يحدث هو أن المهاجر يفقد يهوديته، ولكنه في الوقت نفسه لا يصبح من الواسب. ولذا، فإن محاولته الاندماج تصبح حالة مرضية مثل حالة زيليج.

وفي فيلم «برودواي داني روز» (1984) نجد البطل الصغير المهزوم في عالم تسوده قيم التنافس والقوة، وهو في هذه المرة وكيل أعمال فنانين ينبذونه حينما يحققون النجاح، أما هو فيستمر في جمع المهزومين والفاشلين والعاطلين عن المواهب من حوله، هؤلاء الذين لا يمكنهم تحقيق البقاء في مجتمع التنافس الدارويني.

ومن أهم أفلام وودي ألين «وردة القاهرة القرمزية» (1985) وهو فيلم لا يظهر فيه هو نفسه، والفيلم يقف ما بين الكوميديا والمأساة، بطلته امرأة متواضعة الحال تعيش حياة بائسة، حياة لا يوجد فيها نبل أو تجاوز أو تعال، وزوجها عاطل عن العمل بسبب الكساد الاقتصادي في الثلاثينيات، ولا تجد ملجأ من كل هذا الكابوس إلا في عالم الأحلام الوردية، عالم السـينما. تذهب إلى السـينما كل يوم وتشـاهد نفس الفيلم، المرة تلو الأخرى، فعالم السـينما هو عـالم غير حقـيقي ولكنه جمـيل ويعـلو على واقعها الرديء. والفيلم الذي تشاهده هو فيلم من الثلاثينيات يُسمَّى «وردة القاهرة القرمزية»: فيلم هروبي، أبطاله أثرياء يتنقلون من القاهرة إلى شرفات شققهم الفاخرة في شيكاغو وإلى المطاعم التي تغنى فيها أشهر المغنيات. وتُستوعَب البطلة تماماً في الفيلم الذي تشاهده إلى أن يزول الخط الفاصل بين الواقع والخيال، ويقع بطل الفيلم في غرامها ويترك الشاشة ويهرب معها لتعيش البطلة الحالمة معه حياة مليئة بالمغامرات، ثم يأخذها البطل ويدخل معها عالم الفيلم ذاته حيث تختلط بالنجوم وتحيا حياة المتعة والثراء. ولكن الفيلم ينتهي حين يأتي ممثل الفيلم ويخبرها بأن عليها أن تختار بينه (هو الممثل الحقيقي) وبطل الفيلم الوهمي، فتختاره هو بطبيعة الحال. ولكن يظهر أنه خدعها، إذ يعود إلى هوليود وتعود هي إلى حياتها العادية الرتيبة لتشاهد مزيداً من الأفلام وتعيش مرة أخرى في عالم البؤس تتطلع إلى عالم الأحلام الوردية!

وتظهر في «حنا وأخواتها» (1986) قضية المعنى بكل حدة، فبطله كاتب تليفزيوني أمريكي يهودي لم يَعُد يؤمن باليهودية، ويبدأ رحلة البحث فيعتنق المسيحية الكاثوليكية بضعة أيام ولكنه يتركها، ثم يجد العزاء والمعنى في الحب والسينما. وبعد هذا، ظهر فيلم «قصص نيويورك» (1988)، وهو فيلم يتكوَّن من ثلاثة أجزاء، أخرج وودي ألين ثالثها بعنوان «أطلال الملك أوديب» (لعب على لفظ «ركس rex» اللاتينية التي تعني «ملك» وكلمة «ركس wrecks» الإنجليزية وتعني «يحطِّم» أو «يهدم»). وفي هذا الفيلم، يعود ألين إلى الموضوع اليهودي ويتناوله بشكل مباشر كما فعل في «آني هول»، فالفيلم يتناول حياة شاب أمريكي يهودي يحاول أن يندمج في المجتمع، فيغيِّر اسمه ويتصرف تماماً مثل الواسب ويحب شيكسا. ولكن أمه اليهودية ذات الشخصية المتسلطة والهوية اليديشية الواضحة الفاضحة ترفض هذا الوضع تماماً. وفي يوم من الأيام، تختفي الأم ولكنها تظهر في سماء نيويورك على هيئة صورة ضخمة تتحدث معه ومع المارة حيث تستمر في مطاردة ابنها إلى أن يرضخ في نهاية الأمر ويحب أنثى يهودية تشبه أمه تماماً. ولا يتسم هذا الفيلم بكثير من التركيب ربما بسبب قصره.

أما فيلم «جرائم وجنح» (1989) فتتبلور فيه كثير من الموضوعات وتصل إلى منتهاها، فقضية المعنى ومصدر القيمة الأخلاقية المطلقة في المجتمع العلماني تصبح هنا قضية مركزية. وبطل الفيلم مخرج سينمائي (متخصص في الأفلام الوثائقية) يؤمن بفنه وتشاركه هذا الإيمان فتاة يعتقد أنها تحبه. ويُوجَد في الفيلم كذلك طبيب عيون يهودي أمريكي ناجح، مندمج في مجتمعه، يُقدِّم خدمات عديدة للمجتمع، أحد مرضاه حاخام أعمى. وينتهي الفيلم حين يجد البطل أن صديقته تتركه لتتزوج رجلاً سوقياً متخصصاً في العلاقات العامة ويقوم طبيب العيون باستئجار قاتل ليقتل عشيقته التي تهدده بالفضيحة، فكأن العام والبراني ينتصر تماماً على الخاـص والجـواني، ويختفي اليقـين المعرفي والمطلقية الأخلاقية. وعلى كلٍّ، فإن الحاخام أعمى منذ البداية، أما الطبيب الذي يحاول أن يرجع النور لعيونه فهو مجرم!

وظهر عام 1990 فيلم «أليس»، ويتناول حياة أنثى أمريكية ثرية تعيش حياة رتيبة تماماً لا يوجد لها هدف أو معنى. بدأت تشعر بالفجوة العاطفية التي تفصل بينها وبين زوجها، وبالمسافة التي تفصلها عن أطفالها بسبب اعتمادها على مربية في تنشئتهم وعلى آلاف الأشياء الأخرى (مثل اللعب والهدايا التي لا تنتهي)، وتقرر تغيير حياتها فتستشير طبيباً صينياً يعرف بعض الوصفات السحرية، من بينها دواء إن أعطته لشخص فإنه يقع في غرامها على التو. وبعد أن تجربه ترفض هذا الحل السحري، كما ترفض أن تذهب للاستقرار في الهند بحثاً عن تجربة دينية وإنما تترك زوجها وتأخذ أطفالها وتتفرغ لتربيتهم متخطية المسافة التي تفصل بينها وبينهم.

وأفلام وودي ألين الأخيرة تتناول الموضوعات نفسها بشكل أكثر عمقاً وظلمة. ففيلم «رصاص فوق برودواي» (1994) يطرح السؤال التالي: هل من حق الفنان (هل من حق أي إنسان) أن يكون له عالمه الأخلاقي المستقل، أي أن يحكم على العالم بقيمه هو، دون مرجعية إنسانية مشتركة؟ ويدور الفيلم في عالمين: عالم المسرح وعالم المافيا وتربط بينهما شخصية عضو المافيا الذي يؤمن إيماناً مطلقاً بالفن يَجُبُّ أي التزام آخر (بما في ذلك الالتزام الخلقي تجاه البشر) والذي يعرف خبايا فن المسرح ويُقدِّره حق قدره. هذا المجرم، الفنان يقوم بحراسة ممثلة من الدرجة الرابعة، تعمل في ملهى ليلي ولكنها تتطلع للشهرة. وتنجح في الحصول على دور ثانوي في مسرحية يقوم عشيقها زعيم المافيا بتمويلها إرضاءً لها حتى يوفر لها دوراً فيها. ويتدخل الحارس الفنان تدريجياً أثناء البروفات فيُعيد صياغة حدث هنا وعبارة هناك في النـص المـسرحي، إلى أن يصـبح عملاً جيداً. ولكنه يدرك تماماً أن الممثلة، عشيقة زعيم المافيا، ستُفسد العرض، وتدمر العمل الفني. وانطلاقاً من ولائه المطلق للقيم الجمالية يقوم بإطلاق الرصاص عليها. وهنا يُدرك الكاتب الأصلي للمسرحية التضمينات اللا إنسانية لهذا الالتزام النيتشوي بالفن، فيرفضه ويعود لصديقته ليحيا حياةً إنسانية سوية بعد أن كان قد هجرها لينطلق في عالم الفن.

وتدور أحداث فيلم «أفروديت العظمى» في نيويورك (حيث تدور معظم أحداث أفلام وودي ألين) حول مشاكل الطبقة المتوسطة الأمريكية. ومع هذا حاول وودي ألين أن يتناولها في إطار يمنحها شيئاً من العظمة والبطولة، ويبدأ الفيلم لا في نيويورك وإنما في اليونان القديمة إذ نرى مشاهد من مأساة بطل الفيلم الذي يحاول أن يعرف من هي الأم الحقيقية لابنه بالتبني. وحينما يكتشف أنها تعمل بالبغاء يُصدَم ويقرر أن يصلحها، حتى لا يُصدَم ابنه حينما يكبر ويقرر أن يكتشف أمه الحقيقية. ورغم تعثُّر محاولاته، إلا أن كل الأمور تسـتقر وينتـهي الفيلم " نهاية سعيدة ".

ويمكننا الآن أن نتناول «يهودية» وودي ألين. وكما أسلفنا، هناك بُعد يهودي قوي في أفلامه. فثمة إشارات واضحة أو كامنة، إلا أن أبطاله يهود (في العادة). ففي «آني هول» و«أطلال الملك أوديب» و«جرائم وجُنح»، نجد أن يهودية البطل في مجتمع الواسب هي الموضوع الأساسي.أما في فيلم «مانهاتن»،فإن يهوديته يشار إليها وحسب ولا تشكل موضوع الفيلم. وفي فيلم «الحب والموت»، يُعرَّف البطل في البداية باعتباره يهودياً ولكنه يصبح مسيحياً في النصف الثاني من الرواية.وفي «حنا وأخواتها»،نجد أن الأسرة يهودية،ولكنها أسرة أمريكية يهودية يواجه أعضاؤها مشاكل المجتمع العلماني الأمريكي من تفكُّك وصراع ومحاولة تجاوز كل ذلك من خلال شكل من أشكال التضامن.ولكن شخصياته،سواء كانت يهودية أو كانت غير يهودية،فإنها تتجاوز وضعها الخاص لتصبح جزءاً من نمط إنساني عالمي يمكن للجميع المشاركة فيه والإحساس به. ولهذا، فإن يهودية وودي ألين (حينما تظهر) ليست استبعادية، وإنما هي رمز لمعاناة الإنسان في مجتمع فقد المعنى والقيمة، ذلك هو الموضوع المباشر البارز في العمل،بينما الموضوع غير المباشر والكامن موضوع ذو طابع إنساني عام. وهذا يثير، بلا شك، إشكالية يهودية وودي ألين، إذ أن تناوله الموضوع اليهودي قد لا يختلف كثيراً عن تناول أي مخرج آخر، إلا إذا أخذنا في الاعتبار أن ألين ينظر إلى الموضوع من الداخل باعتبار أن الموضوع اليهودي يخصه بشكل شخصي ومباشر، فأبطاله على علاقة وثيقة بسيرته الشخصية.

وألين لا يختلف كثيراً عن فنانين يهود آخرين، مثل مارك شاجال وإسحق بابل، حيث لا يشكل العنصر اليهودي سوى تلك المادة الخام التي يتناولونها في أعمالهم بشكل إنساني عام. وهذا يجعل بوسعنا التعاطف مع الضحايا من اليهود، والوقوف إلى صفهم، والتمتع بما في مثل هذه الأعمال الفنية من جمال وإدراك لحالة الإنسان في العصر الحديث.

ومما يجدر ذكره أن وودي ألين كتب مقالاً شديد الأهمية عن الانتفاضة، مستخدماً فيه نفس الصوت الروائي الذي يستخدمه في أفلامه، أي صوت البطل الفاشل الذي يحاول أن يأتي بأعمال بطولية ويخفق ولكنه يصر مع هذا على أن يتمسك بموقفه المبدئي. وهو، في هذا المقال،يهاجم الدولة التي تدع جنودها يضربون الناس ليكونوا عبرة للآخرين، وتُكسِّر أيادي الرجال والنساء حتى لا يلقوا بالحجارة، وتَجر المدنيين من بيوتهم بشكل عشوائي لتحطمهم ضرباً في محاولة لإرهاب بقية السكان وإرغامهم على الهدوء.

وحينما احتجت المؤسسة الصهيونية، كتب وودي ألين مقالاً آخر يُعلن فيه تمسُّكه بموقفه، ودهشته ممن يطالبونه بعدم الهجوم على الدولة الصهيونية لأنه يهودي. وموقف وودي ألين من الانتفاضة هو استمرار لموقفه في أفلامه وبحثه عن المعنى والقيمة المطلقة رغم إدراكه أن قوى الشر والنسبية مسيطرة تماماً بل ومهيمنة.

وقد تزوج وودي ألين ثلاث مرات وعاش مع الممثلة ميا فارو (التي لعـبت دور البطولة في معـظم أفلامه الأخيرة) وأنجـبت منه طفلاً (ساتشيل). وانتهت هذه العلاقة شبه الزوجية بانفصال عاصف حين اتهمت ميا فارو وودي ألين بأنه يتحرش جنسياً بأطفالها، وأنه أغوى ابنتها الكبرى بالتبني (وهي من أصل آسيوي). وقد دافع وودي ألين عن نفسه بأنها ليست ابنته وأنه لم يعتبرها كذلك في أية لحظة من حياته. وقد برأه القضاء، وهو يعيش الآن مع الابنة الكبري المشار إليها.

  • الاثنين AM 11:56
    2021-04-05
  • 967
Powered by: GateGold