المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415344
يتصفح الموقع حاليا : 278

البحث

البحث

عرض المادة

الموسيقى اليهودية

Jewish Music
« الموسيقى اليهودية» عبارة تفترض وجود أشكال موسيقية خاصة مقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية، ذات سمات وخصائص يهودية معيَّنة تتَّسم بها هذه الموسيقى أينما وُجد أعضاء الجماعات اليهودية وتميِّزها عن غيرها من موسيقى الشعوب. وهذه العبارة ليست لها أية قيمة تفسيرية أو تصنيفية، إذ ليس من المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية كان لهم موسيقى أو آلات موسيقية مستمدة من محيطهم الحضاري. وقد حاول كورت ساخس (أحد أساتذة علم الموسيقى الإثنية البارزين) وَصْف الموسيقى اليهودية خلال المؤتمر الأول للموسيقى اليهودية الذي انعقد في باريس عام 1957، فقال: « إنها الموسيقى التي يلحنها اليهود لليهود باعتبارهم يهوداً »، وهذا الوصف لا يضع معياراً لتحديد مدى «يهودية» أية قطعة موسيقية سوى الأصل أو العقيدة اليهودية دون اعتبار للشكل أو المضمون أو البناء الموسيقي لها، ويحاول إيجاد مظلة فضفاضة تضم تحتها تراث الجماعات اليهودية المختلفة الموسيقي المتنوع والمتباين. فهل يجوز مثلاً تصنيف سيمفونيات الموسيقار الألماني الرومانسي فليكس مندلسن، والطقاطيق الشرقية للموسيقار المصري داود حسني باعتبارها «موسيقى يهودية» لأن كلاًّ من الملحنين يهودي أو من أصل يهودي؟ وهل يجوز اعتبار الموسيقى التي تُرتَّل أو تُنشَد في المعابد اليهودية موسيقى يهودية رغم أن ألحانها قد تكون ألحاناً سلافية أو ألمانية أو عربية؟ وإذا أضفنا إلى هذا صعوبة (بل واستحالة) تعريف من هو اليهودي ـ الركيزة النهائية لتعريف ساخس ـ فإن الحديث عن «موسيقى يهودية» يصبح أمراً مستحيلاً.


وأكدت الدراسات المختلفة لما يُسمَّى «الموسيقى اليهودية»، سواء أكانت موسيقى دينية أم شعبية أم فناً موسيقياً رفيعاً، أن هذه الموسيقى تعدَّدت وتنوَّعت أشكالها وألحانها ولغتها من جماعة يهودية إلى جماعـة يهوديـة أخرى، ومن مرحلة تاريخيـة إلى مرحلة تاريخية أخرى، وعبَّرت عن التقاليد الموسيقية والقيم الجمالية السائـدة في المجتمـعات التـي عـاش بينــها أعضاء الجماعات اليهودية.

ويؤكد لنا العَالم والمؤلف الموسيقيّ الأمريكي اليهودي هوجو ويزجال ذلك، فيقول: « لا تُوجَد أية مواصفات أو سمات محدَّدة أو موضوعية تجعل قطعة موسيقية يهودية أو غير يهودية ». ولذلك، فإن عبارة «موسيقى يهودية»، مثلها مثل عبارات «ثقافة يهودية» و«فن يهودي» و«تاريخ يهودي»، تحاول افتراض نوع من الوحدة والاستمرارية، بينما لا تُوجَد مثل هذه الوحدة أو الاستمرارية. ولهذا السبب، فنحن لا نتحدث عن «موسيقى يهودية»، وإنما عن «موسيقى الجماعات اليهودية».

موســيقى الجماعــــات اليهوديــة
Music of the Jewish Communities
يضم العهد القديم إشارات عديدة إلى استخدام الموسيقى في الطقوس والعبادات اليهودية القديمة. وقد اقتبس العبرانيون الكثير من التراث الموسيقي في بابل ومن التراث الكنعاني والمصري والهيليني. واحتلت الموسيقى مكانة مهمة في الطقوس الدينية للهيكل، وكان يضطلع بها اللاويون، وكانت تجمع بين الغناء والعزف على الآلات الموسيقية. أما بعد هدم الهيكل (عام 70 ميلادية)، فقد بدأ ظهور الموسيقى الدينية التي تُرتَّل أو تُنشَد في المعابد اليهودية، وتم تحريم استخدام الآلات الموسيقية فيها إلى أن يأتي الماشيَّح، كما اعتبر صوت المرأة غير محتشم وغير لائق للإنشاد الديني في المعبد.


وكان يتم ترتيل المزامير على وتيرة واحدة وعلى لحن بسيط، وكانت تُرتَّل عن طريق منشد منفرد، أو من خلال التبادل الصوتي بين المنشد المنفرد ومجموعة المصلين. كما كانت تتم قراءة أو تلاوة العهد القديم بتنغيم بسيط. وفي القرن السادس، تم إدخال الترنيمة الدينية التي عُرفت باسم «بيوط». ومع ظهور هذه الترنيمة، تطوَّر دور المنشد الديني (حازان) الذي كان يقوم بتلحين كلمات الترنيمة إلى جانب إنشادها. وتميَّز أسلوب الإنشاد بالإرتجال والتموجات الصوتية والزخارف اللحنية. وكانت الألحان تُتوارث من خلال النقل الشفوي، ولم تبدأ عملية تدوينها إلا في القرن السـادس عشـر بين بعـض الجماعات الإشكنازية والسفاردية.

والتراث والرصيد الموسيقي المختلف للجماعات اليهودية (سواء الجماعات الشرقية والسفاردية في العالم العربي الإسلامي أو الجماعات السفاردية التي استقرت في أوربا بعد طردها من إسبانيا في القرن الخامس عشر أو الجماعات الإشكنازية في غرب وشرق أوربا) تَشكَّل من خلال البيئة الثقافية التي وُجدت فيها كل جماعة على حدة. فبعد أن وصلت الفتوحات الإسلامية إلى الأندلس في القرن الثامن، بدأت الأوزان تُستخدَم في الشعر العبري. وبحلول القرن العاشر، كانت الأوزان والمقامات والألحان العربية تُستخدَم في ترتيل وإنشاد الترانيم والمزامير في المعابد اليهودية في العراق وسوريا والمغرب والأندلس. وأصبح العهد القديم يُرتَّل على مقام سيجا، وأصبحت الأناشيد والترانيم المخصصة للأعياد والمناسبات السعيدة تُرتَّل على مقام عجم، كما أصبحت تلك المخصصة للأعياد الحزينة مثل العاشر من آب أو المخصصة للجنازات تُرتَّل على مقام حجاز. وزاد الاقتباس من ألحان المجتمعات العربية الإسلامية المحيطة مع نمو النزعات القبَّالية خلال القرن السادس عشر في فلسطين،والتي أعطت للموسيقى والغناء مكانة مهمة باعتبارهمـا أداتين للتـعبير عن حب الإله وبلـوغ مراحل من الشفافية الروحية. وقد وضع إسحق لوريا وإسرائيل نادجارا أشعارهما الدينية على أنغام وألحان عربية وتركية وأندلسية،وكان نادجارا أول من خصَّص مقاماً لكل قصيدة ونَظَم الترانيم التي كتبها في ديوان من اثنى عشر مقاماً.

واستخدمت الجماعات اليهودية الشرقية السلم الموسيقي العربي الذي ينقسم إلى أربعة أرباع الدرجة ويضم أربعة وعشرين صوتاً، في حين استخدمت الجماعات الإشكنازية في أوربا السلم الغربي الذي ينقسم إلى أنصاف الدرجة ويضم اثنى عشر صوتاً فقط. كما استخدم اليهود الشرقيون في أغانيهم هيكل الأغنية الشرقية الذي يعتمد على التتراكورد، وهو تَسلسُل أربعة أنغام مجموع أبعادها يساوي مسافة رابعة. أما الجماعات الإشكنازية، فاعتمدت على هيكل الأغنية الغربية الذي يعتمد على ثلاثة أنغام يفصل بين كل منها نغمة كاملة. ومازالت بعض الجماعات السفاردية في إيطاليا وبعض مناطق فرنسا تستخدم التتراكورد. كما استخدمت الجماعات الإشكنازية المقامات الغربية التي تضم نوعين فقط؛ مقام كبير ومقام صغير، في حين تكثُر في الموسيقى الشرقية المقامات والأوزان.كما تميَّز غناء الجماعات الشرقية بالطابع الشرقي الذي تســوده الجمل الموســيقية القصيرة والارتجال والزخارف اللحنية.

وظهر في العصر الأموي والعباسي (الأول والثاني)، على المستوى الشعبي، الشعراء المغنون المتجولون الذين ضموا في صفوفهم يهوداً اقتبسوا عن الشعراء العرب قواعد ممارسة فن الموسيقى والغناء، وعزفوا موسيقاهم وألقوا أشعارهم في القرى والمدن، وأيضاً في قصور الأمراء والخلفاء المسلمين. وكانوا بذلك، عاملاً مهماً في نقل الألحان والأساليب الموسيقية المحلية إلى الجماعات اليهودية، وفي تشكيل ذوقهم الموسيقي. كما كوَّن الموسيقيون الشعبيون من اليهود، وخصوصاً في المغرب العربي وفي تركيا، فرقاً موسيقية شرقية كان لبعضها صيت واسع. وفي إستنبول، كان الموسيقيون اليهود يُشكِّلون 5,6% من إجمالي الحرفيين المسجلين لدى الجماعة اليهودية في المدينة عام 1856. كما ضمت صفوف الموسيقيين والملحنين الأتراك البارزين يهوداً، خصوصاً في خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.

وفي أوربا، لعب الموسيقيون الشعبيون والمتجولون اليهود دوراً مماثلاً في نقل التراث الموسيقي الشعبي الأوربي إلى أعضاء الجماعات اليهودية خلال القرون الوسطى. واقتبست الجماعات اليهودية الإشكنازية كثيراً من ألحان ترانيمها ومزاميرها من الألحان الشعبية الأوربية. فلحن «ماوز تزور» هو الترنيمة الخاصة بعيد التدشين (حانوكاه) والذي أُخذ من لحنين شعبيين ألمانيين من القرن السادس عشر أحدهما لحن ديني لوثري، والآخر لحن أغنية للحرب. وترنيمة عيد الفصح «أدير هو» مأخوذة من لحن ألماني من القرن السابع عشر يُستخدَم أيضاً في الكنيسة المسيحية. كما أن اللحن الذي يصاحب دعاء كل النذور مقتبس من الألحان الدينية المسيحية من مدرسة دير سانت جول الغنائية بسويسرا (والتي تعود إلى القرن الحادي عشر). كما نجد أيضاً أن لحن ترنيمـة «يجـدال» الذي اتخذتـه الحركة الصهيونيـة، ثم إسرائيل من بعدها،كنشيد قومي (نشيد الهاتيكفاه، أي الأمل)، اقتُبس من الألحان الشعبية السلافية والبولندية.

ورغم أن الجماعات السفاردية احتفظت ببعض الملامح الشرقية في موسـيقاها الدينيـة، إلا أنها سـرعان ما تطبعت بالتراث الموسيقي المحيط. واقتبس السفارد الكثير من الألحان الأوربية من بينها لحن مزمور «شيرا» الذي أُخذ عن لحن شعبي من القرن الخامس عشر يُسمَّى «لوم آراميه». واستُخدم هذا اللحن نفسه في الموسيقى الخاصة بأكثر من 30 قداساً مسيحياً. كما استخدم السفارد شكل الكانتاتا الغنائي للاحتفال ببعض الأعياد والمناسبات السعيدة.

وخلال عصر النهضة، بدأ ظهور موسيقيين يهود في الغرب، خصوصاً في إيطاليا، حيث جسدت موسيقاهم التراث الموسيقي والأشكال الموسيقية السائدة في ذلك العصر، مثل المادريجال، وهي القصيدة الغزلية القصيرة. وقد دعا الحاخام جودا موسكاتا (المُتوفي عام 1590) حاخام بلدة مانتوا الإيطالية إلى ضرورة دراسة علم الموسيقى كجزء من الدراسات اليهودية. كما زاد الاتجاه نحو تبنِّي عناصر الموسيقى الغربية، مثل تعدُّد الأصوات (البوليفوني) وتآلفها (الهارموني)، في الغناء والإنشاد الديني اليهوديين. وتأسَّست جمعية موسيقية يهودية في مانتوا، وجرت محاولات لإدخال الآلات الموسيقية إلى المعبد، ولكن دون جدوى (بسبب معارضة الحاخامات). وكان سالومون روسي (حوالي 1565 ـ حوالي 1630) من أبرز الموسيقيين اليهود في ذلك العصر، وكان أول من أدخل الغناء الكورالي الذي يعتمد على تعدُّد الأصوات إلى موسيقى المعبد اليهودي. كما كانت له مساهمات مهمة في مجال تطوير موسيقى الحجرة.

أما الجمـاعات اليهودية الإشـكنازية في شرق أوربا (يهود اليديشية)، فتميَّزت موسيقاهم بطابعها الخاص، ويُقال إن جذورها تعود إلى يهود الخزر ويهود بيزنطة، وإن كان ذلك غير مؤكد. ولكن المؤكَّد أنها قد تأثرت بموسيقى المجتمعات السلافية المحيطة بهؤلاء اليهود سواء من حيث اللحن أو من ناحية الإيقاع. وقد انعكس تأثير الحركة الحسيدية التي بدأت تظهر في منتصف القرن الثامن عشر على الموسيقى الدينية. وقد احتلت الموسيقى لدى الحسيديين مكانة مهمة باعتبارها وسيلة اتصال بين الروح البشرية والإله، حيث لم يترددوا في اقتباس كثير من الألحان الشعبية السلافية لترانيمهم الدينية عملاً بالمقولة الحسيدية القائلة بضرورة «إنقاذ الألحان العلمانية من الشيطان ».

كما ظهرت بين يهود اليديشية في القرن السادس عشر فئة من الموسيقيين المتجولين الذين يعزفون على الآلات الموسيقية، كانوا يطوفون المدن والقرى بآلاتهم الموسيقية لإحياء الأعياد والأفراح اليهودية وغير اليهودية. وقد أخذت ألحانهم الكثير من الألحان البولندية والمجرية والروسية والأوكرانية والرومانية والغجرية. وكانت لهم نقابات خاصة بهم. وحقَّق بعضهم شهرة واسعة بين اليهود وغير اليهود بفضل مهارتهم في العزف، كما نالوا إعجاب بعض كبار موسيقيي القرن التاسع عشر.

ومع انعتاق الجماعات اليهودية في أوربا، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتزايد اندماجهم في مجتمعاتهم الأوربية، أصبح من الطبيعي احتكاك قطاعات أوسع من أعضاء الجماعات بالقيادات الموسيقية السائدة في عصرهم واكتسابهم واستيعابهم لغتها وأشكالها وأساليبها. وفي ظل هذا التطور، كان حدوث تغيُّرات في شكل وتقاليد الموسيقى الدينية للمعابد اليهودية حتمياً حتى بين الطوائف الأرثوذكسية التي كانت ترفض أي تغييرفي الطقوس الدينية، الأمر الذي أثار كثيراً من الجدل في حينها. فدخلت آلة الأرغن الموسيقية إلى المعبد اليهودي، وكانت المعابد الإصلاحية في ألمانيا أول من بادر بذلك، كما اتجهت إلى ترتيل الترانيم باللغة الألمانية واقتباس ألحان بعض الترانيم البروتستانتية الشهيرة. كما تم إدخال فرق الكورال التي تضم رجالاً ونساءً بشكل دائم في بعض المعابد. وقد استخدم كثير من المنشدين أسلوب الغناء الأوبرالي في الإنشاد، ولم يكن غريباً أن يجمع كثير منهم بين الإنشاد الديني في المعبد والغناء الأوبرالي خارجه. وكان ذلك يثير أحياناً اعتراض رجال الدين اليهودي، حيث تعرَّض أحد منشدي معبد لندن الكبير، وهو مايير ليوني (1740 ـ 1798)، للطرد بعد أن أصر على الاشتراك في «أوبرا المسيح» لهاندل. وتَرَك كثير من المنشدين المعابد، وانخرطوا في الحياة الموسيقية العامة.

وكانت فيينا، مهد كبار الموسيقيين أمثال هايدن وبيتهوفن وموزار وشوبرت، مركزاً مهماً من المراكز التي شهدت هذه التحولات. وكان من أبرز المجددين اليهود في ذلك العصر (1804 ـ 1890) الملحن الموسيقي وكبير منشدي الجماعة اليهودية في فيينا سولومون سولزر، الذي أدخل تعديلات مهمة على الأداء الموسيقي في المعبد اليهودي، خصوصاً موسيقى وفرق الكورال، واستعان بالخبرات الموسيقية لشوبرت وغيره من الملحنين غير اليهود في تلحين عمله الكبير «أغنية صهيون». وقد تتلمذ على يدي سولزر كثير من منشدي الجماعات اليهودية في شرق أوربا الذين أثروا بدورهم في التقاليد الموسيقية للمعابد اليديشية.

وشهد القرنان التاسع عشر والعشرون صعود عدد غير قليل من الملحنين الموسيقيين اليهود احتل بعضهم مكانة متميِّزة في التاريخ الموسيقي الغربي. ونظراً لأن التلحين الموسيقي ظل خاضعاً لفترات طويلة لرعاية الكنيسة المسيحية والنبلاء، لم يجد أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا مجال التلحين الموسيقي متاحاً أمامهم. ومع انعتاق اليهود، وتزايُد معدلات العلمنة والليبرالية في القرن الثامن عشر، وصعود الطبقات الوسطى، وانتشار الحفلات الموسيقية العامة، اتسعت فرص ومجالات التلحين الموسيقي أمام الموسيقيين اليهود.

ويُعَدُّ فيلكس مندلسن (1809 - 1847) أول ملحن موسيقيّ بارز من أصل يهودي منذ عصر النهضة في الغرب، وجسَّدت مؤلفاته التراث الرومانسي السائد في عصره. وكان مندلسن، وهو حفيد موسى مندلسن مؤسِّس حركة التنوير اليهودية، يمثل طبقة أثرياء اليهود الذين اندمجوا تماماً في محيطهم الثقافي الألماني. وتُعتبَر أعمال الموسيقار الألماني جوستاف ماهلر (1860 ـ 1911) من تراث المرحلة الرومانسية المتأخرة. أما الموسيقار النمساوي المولد الأمريكي الجنسية أرنولد شونبرج (1874 ـ 1951)، فهو أحد الموسيقيين والملحنين البارزين في القرن العشرين، وهو الذي طوَّر نظاماً جديداً للتأليف الموسيقي (نظام الاثنتي عشرة نغمة). وتُعتبَر مؤلفاته السريالية جزءاً من تراث مرحلة ما بعد الرومانسية. وقد اعتنق كلٌّ من مندلسون وجوستاف ماهلر وأرنولد شـونبرج الدين المسيحي، لكن شونبرج عاد إلى اليهودية في أواخر حياته.

وفي الولايات المتحدة، احتل الموسيقيون اليهود مكانة متميِّزة في مجال الموسيقى الشعبية الأمريكية، خصوصاً موسيقى المسرح الاستعراضي الغنائي (برودواي) والموسيقى التصويرية للأفلام، والموسيقى الخفيفة، وكانوا من العناصر الرائدة فيها. أما الموسيقيون اليهود الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة قادمين من شرق أوربا حاملين معهم تراث الموسيقيين الشعبيين في هذه البلاد، فوجدوا فرصاً أوسع للعمل في المجال الموسيقي، خصوصاً في المجالات التي لا تزال تُعتبَر حديثة مثل المسرح الاستعراضي وموسيقى الأفلام والموسيقى الخفيفة. ومن أهم الموسيقيين الأمريكيين في هذا المجال، جورج جيرشوين (1898 ـ 1937)، الذي لحن الكثير من موسيقى المسرح الاستعراضي الغنائي. ويُعَدُّ أهم أعماله «بورجي وبس» محاولة للجمع بين موسيقى الجاز والموسيقى الشعبية للزنوج في إطار أوبرالي.

وتفوَّق أعضاء الجماعات اليهودية أكثر في مجال العزف، سواء من حيث عدد العازفين أو مستوى أدائهم. أما في مجال التأليف الموسيقيّ، فلم يكن الأمر كذلك رغم وجود عدد من الملحنين اليهود في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. ويرجع السبب في ذلك إلى أن فرصة اقتحام مجال التلحين لم تُتَح لأعضاء الجماعات اليهودية بشكل واسع إلا منذ مائتي عام، في حين كان هناك رصيد من العازفين الشعبيين المهرة، وخصوصاً في شرق أوربا، والذين تميَّزوا في العزف على آلة الكمان. وبالفعل، حقَّق عازفو الكمان من اليهود، من أمثال يوسف يواقيم (1831 ـ 1907)، درجة رفيعة في العزف والأداء الموسيقيّ. وبعد أن اكتسبت آلة البيانو شعبية بين الطبقات المتوسطة الأوربية، انضم الموسيقيون اليهود إلى قائمة العازفين المتميِّزين على البيانو، ويعد أنطون روبنشتاين (1829 ـ 1894) من أعظم عازفي البيانو في القرن التاسع عشر. ومن أشهر عازفي الكمان في الوقت الحاضر يهودي مينوهين.

وقد جرت محاولات، من جانب أعضاء الجماعات اليهودية ومن جانب المعادين لليهود، لتحديد ما يتصورونه سمات مميَّزة لمؤلفات وأعمال الموسيقيين اليهود. وقد كان الموسيقار ريتشارد فاجنر من أشهر من اتجهوا إلى مثل هذا الاتجاه، فكان ينسب إلى الموسقيين اليهود بعض السمات والخصائص الفنية السلبية والمدمرة. وفي مقاله «اليهود في الموسيقى» (عام 1850) هاجم فاجنر بكل شدة فيلكس مندلسن وغيره من الموسيقيين اليهود بشكل عام. وتبنَّى النازيون آراء فاجنر الذي نال شعبية في عهدهم. وقد ذكر النازي ريتشار إيخيناو في الموسيقى والجنس أن الملحنين والموسيقيين اليهود يُشكِّلون عنصراً مدمراً لأنهم يمثلون الاتجاهات الراديكالية في الموسيقى. ومما يُذكَر أن أعمال فاجنر الموسيقية ممنوعة في إسرائيل. ومن جهة أخرى، حاول البعض وصف الأعمال الموسيقية للملحنين اليهود بأنها تمثل جمال « الفن العبري » وتتميَّز بالانفعالات العاطفية المتطرفة والمبالغة، كما تعبِّر عن أعماق الروح.

وهذا الاتجاه، سواء الذي يبحث عن سمات مدمرة أو ذلك الذي يبحث عن سمات متميِّزة لأعمال الموسيقيين اليهود ليس ذا قيمة تفسيرية عالية. فإذا أمكننا وصف أعمال شونبرج بالراديكالية، فهذا لا ينطبق على غيره من الموسيقيين اليهود مثل ماهلر وغيره. وإذا كانت بعض الصفات السابق ذكرها يمكن أن تنطبق أيضاً على موسيقيين من غير اليهود مثل تشايكوفسكي وموسورسكي وفاجنر وبرامز، فإن معنى ذلك أنه ليست هناك أية سمات خاصة، تُميِّز أعمال الموسيقيين اليهود وتعزلها عن أعمال غيرهم من الموسيقيين. وكما تعدَّدت وتنوعت موسيقى أعضاء الجماعات اليهودية من تشكيل حضاري إلى آخر، تعدَّدت وتنوعت داخل كل تشكيل حضاري على حدة من مرحلة تاريخية إلى أخرى، ومن مدرسة موسيقية إلى أخرى. ولذا، فإننا نجد بين الموسيقيين اليهود (الكلاسيكيين والرومانسيين والراديكاليين والمحافظين) العاطفيين أو العقلانيين.

  • الاثنين AM 11:39
    2021-04-05
  • 1296
Powered by: GateGold