المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415171
يتصفح الموقع حاليا : 194

البحث

البحث

عرض المادة

أزيــــــاء وملابــــس الجماعــــات اليهوديـــــة

Dress and Costumes of the Jewish Communities
لا يمكن الحديث عن «أزياء يهودية»، وإنما يمكن الحديث عن الأزياء والملابس والثياب التي يرتديها أعضاء الجماعات اليهودية المتعددة والتي تختلف باختلاف المجتمعات التي يعيشون في كنفها، ومن ثم يكون اصطلاح «أزياء الجماعات اليهودية» أكثر دقة وأعلى قدرة على التفسير والتصنيف، فالذي يحدِّد السمات الأساسية لهذه الأزياء المجتمعات التي يعيش أعضاء الجماعات اليهودية في كنفها. ولا يمكن فهم تحولات وتطوُّر أزياء أعضاء هذه الجماعات إلا في هذا الإطار وهو أمر طبيعي تماماً فالأزياء، شأنها شأن اللغة، رموز اجتماعية لا يبتدعها المرء وإنما يتلقاها من المجتمع، وقد يحاول التغيير في بعض التفاصيل (وحينئذ قد يوصف بالأصالة أو بالشذوذ)، لكن الأزياء في نهاية الأمر لغة اجتماعية. وقد كان العبرانيون في مصر يرتدون (على ما يبدو) أزياء قدماء المصريين، كما ارتدوا أزياء البابليين ثم الفرس وهم في بابل وفارس، وأزياء اليونان والرومان إبان حكم الإمبراطوريات الهيلينية والرومانية. ولم يختلف زي اليهود المستعربة عن أزياء العرب. ولا نرى يهود الدولة العثمانية يرتدون سوى الزي السائد في زمانهم ومكانهم. وحينما بدأ العثمانيون يرتدون الطربوش ارتدوه، وعندما تخلوا عنه واستعملوا الأزياء الغربية تحولوا بتحـوُّلهم. ويرتـدي يهود الهــند، من الذكور والإناث، الأزياء الهندية المعروفة، كما ارتدى يهود الصين أزياء أهل بلدهم.


ومع هذا، لابد من الإشارة إلى أن أعضاء الجماعات اليهودية، شأنهم شأن الأقليات والجماعات الدينية والإثنية الأخرى قبل العصر الحديث، لهم بعض الثياب المميَّزة المرتبطة بشعائر دينهم وأعيادهم ومناسباتهم التي لا يشاركون فيها أعضاء الأغلبية. فعلى سبيل المثال، يرتدي أعضاء الجماعة اليهودية من المتدينين (أي غالبية اليهود الساحقة حتى أواخر القرن الثامن عشر، وأقلية صغيرة للغاية في العصر الحديث) شال الصلاة (طاليت) وهم في طريقهم إلى المعبد يوم السبت، ويرتدي بعضهم شال صلاة صغيراً تحت ملابسه طيلة الوقت، وإن كانت أغلبية يهود العالم هجرت هذه الممارسات الدينية. وحيث إن قوانين المجتمعات التقليدية كانت مبنية على الفصل الحاد بين الطبقات والجماعات، فإن الأزياء كانت تُستخدَم وسيلةً لتدعيم هذا الفصل، فلا يرتدي الفرسان زي الفلاحين، ولا يرتدي هؤلاء زي التجار، وهكذا. ولأن أعضاء الجماعة اليهودية كانوا يتركزون عادةً في مهنة واحدة مثل التجارة، فإنهم كانوا يرتدون زي أهل هذه المهنة حينما يتطلب الأمر اشتغالهم بها. كما أن انتماء الفرد في تلك المجتمعات إلى إحدى الأقليات، خصوصاً إذا كانت الأقلية من الجماعات الوظيفية الوسيطة، كانت تصحبه مجموعة من المزايا والأعباء كما كان الحال في العصور الوسطى في الغرب، إذ كان لابد له من ارتداء شارة تميِّزه عن الآخرين. ومن هنا، وُجدت شارة اليهود المميَّزة التي كانت تُعَدُّ ميزة يحصلون عليها ويسعون من أجلها، فهي تَكفُل لهم الحماية وتضمن لهم الإعفاء من جمارك المرور على سبيل المثال. ولكن أحياناً كان يُفرَض على اليهود في العالم الغربي، وعلى غيرهم من أعضاء الأقليات، زي محدَّد لضمان الأمن الداخلي أو كمحاولة للحد من نشاطهم وتضييق الخناق عليهم، خصوصاً حينما يصـبح المجتمع بلا حاجة إليـهم. ولكنه، في جميع الحالات، لم يكن هناك زي واحد يُفرَض على اليهود في كل زمان ومكان، بل كانت هناك أزياء مختلفة ومتعددة باختلاف وتعدُّد الأماكن والمراحل التاريخية والظروف الاجتماعية والسياسية.

وإذا كنا قد شبَّهنا الأزياء باللغة، فبوسعنا الآن أن نشبه أزياء أعضاء الجماعات اليهودية باللهجات التي يتحدثون بها. فلهجات أعضاء الجماعة اليهودية تنبثق من لغة ما يتبنونها ثم يضيفون إليها بعض العبارات العبرية، ويستمرون في استخدامها حتى بعد أن تتطور اللغة الأصلية، كما حدث مع اليديشية التي هي عبارة عن ألمانية العصور الوسطى نقلها اليهود إلى بولندا واستمروا في استخدامها كما هي (مع أنها تطورت في وطنها الأصلي) وأضافوا إليها كلمات سلافية وعبرية.

وعلى سبيل المثال، فإن الزي الذي يُسمَّى «الكسوة الكبرى»، وهو رداء العروس اليهودية في المغرب، يضم عناصر من أزياء إسبانيا كان أعضاء الجماعة اليهودية قد تبنوها قبل طردهم منها وأضافوا إليها عناصر من أزياء المغرب. وحدث تطـوُّر مماثل في أزياء يهود شرق أوربا، فهم يرتدون رداءً طويلاً مصنوعاً من الحرير ذا أكمام طويلة ومفتوحاً من الأمام حيث يُثبَّت بحزام في الوسط ويُسمَّى «كفتان» (من الكلمة العربية «قفطان»). وكان النبلاء البولنديون يرتدونه، ويبدو أن هؤلاء بدورهم كانوا قد نقلوه من زى المغول الرسمي في القبيلة الذهبية والتي كانت تمثل القوة العظمى في أوربا السلافية. وتطوَّر الكفتان بعد ذلك وأصبح ما يُسمَّى «كابوت». وقد تبنَّى يهود شرق أوربا إلى جانب ذلك بعض العناصر الأخرى من رداء النبلاء البولنديين، حيث كان اليهود يشكلون جماعة وظيفية وسيطة تمثل مصالح هؤلاء النبلاء في أوكرانيا وغيرها من الأماكن. ومن أهم هذه العناصر قبعة اليرمولك، وهو غطاء الرأس الصغير الذي أصبح السمة المميِّزة لأعضاء الجماعة اليهودية من المتدينين، بل ويرتديه غير المتدينين كذلك باعتباره طقساً من طقوس حفاظهم على هويتهم. ومن الملامح المميِّزة أيضاً لرداء يهود شرق أوربا قبعة خارجية تُسمَّى «الشترايميل». ومن الواضح أنها من أصول سلافية، فهي قبعة ثُبِّت في طرفها ذيول ثعالب، وكانت كثرة عدد الذيول من علامات الثروة. ويذهب آرثر كوستلر إلى أن هذه القبعة كان يرتديها يهود الخزر وأنهم نقلوها عن قبائل الكازاك.

أما النساء، فقد كن حتى منتصف القرن التاسع عشر يرتدين عمامة عالية بيضاء كانت نسخة طبق الأصل من «الجولوك» التي كانت تلبسها نساء الكازاك والتركمان. ومازالت الفتيات اليهوديات الأرثوذكسيات ملزمات، حتى اليوم، بأن يضعن عوضاً عن العمامة البيضاء العالية شعراً مستعاراً من شعورهن ذاتها،ثم ينزعنه عندما يتزوجن.

واحتفظ يهود شرق أوربا بهذا الزي بتنويعاته المختلفة. وبقيت لهذا الزي المميَّز وظيفته في مجال عَزْل أعضاء الجماعة اليهودية الوظيفية الوسيطة عن محيطهم (إلى جانب الرموز والأشكال الأخرى مثل اللهجة المميَّزة والعقيدة المختلفة). ولكن، مع التحولات العميقة في وسط أوربا وشرقها، ورغبة الدولة القومية المركزية في إنهاء عزلة اليهود وغيرهم من الجماعات والأقليات، طُلب إلى أعضاء الجماعة اليهودية التخلي عن هذا الزي وارتداء الأزياء الغربية، وصدرت قوانين تُحرِّم ارتداء أزياء خاصة بالجماعات اليهودية. لكن أعضاء الجماعة اليهودية رفضوا هذا التغيير القسري في بادئ الأمر، قبل أن يندمجوا في نهاية المطاف. ولا يحافظ على زي يهـود شـرق أوربا سـوى الجماعات الحسيدية، وهم قلة صغيرة.

ومنذ عام 1881 وحتى عام 1935، اشتغل كثير من اليهود في تجارة الرقيق الأبيض المشينة، وكان القوادون يرتدون الكفتان حتى أصبح الكفتان والبغاء مرتبطين تمام الارتباط في الذهن الشعبي في الغرب.

وفي الوقت الحاضر، ترتدي الغالبية الساحقة من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الأزياء السائدة في مجتمعاتهم ويتبعون آخر الموضات، إن سمح لهم دخلهم بذلك، وهم في هذا لا يختلفون عن معظم البشر في القرن العشرين.

أما في الدولة الصهيونية، فلم يُلاحَظ ظهور زي إسرائيلي أو يهودي خاص، وإن كان يُلاحَظ أنهم يرتدون الصندل (حتى أصبح إحدى العلامات المميِّزة لجيل الصابرا). ولكن ارتداء الصندل ليس تعبيراً عن هوية يهودية كامنة أو عن أي شيء من هذا القبيل، وإنما هو تعبير عن حرارة الجو في الشرق الأوسط، ومن ثم نجد أن الصندل منتشر في كل دول المنطقة! كما يُلاحَظ أن المضيفات في خطوط العال الإسرائيلية يرتدين زياً قريباً جداً من زي الفلاحات الفلسطينيات!

ولا يُوجَد زي خاص وموحَّد للحاخامات. فحاخامات يهود فرنسا يرتدون زي الوعاظ الهيجونوت، أما في إنجلترا فبعضهم يرتدي زي قساوسة الكنيسة الإنجليكانية، وفي الولايات المتحدة يرتدون الزي الغربي العادي، شأنهم في هذا شأن الوعاظ في كنائس البروتستانت، وفي الدولة العثمانية كان الحاخامات يرتدون زي الشيوخ أي جُبّة وقفطاناً وعنترية وعمامة.

  • الاثنين AM 11:17
    2021-04-05
  • 1853
Powered by: GateGold