المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415263
يتصفح الموقع حاليا : 229

البحث

البحث

عرض المادة

فلكلــــور الجماعــــات اليهوديــــة

Folklore of the Jewish Communities
لا يمكن الحديث عن «فلكلور يهودي»، لأن مثل هذا الفلكلور سيضم مواد من حضارات مختلفة لا يمكن تصنيفها على أساس يهوديتها، وإنما يمـكن تصـنيفها على أسـاس الحضارات التي تنتمي إليها. وبإمكان القارئ أن يرجع إلى المدخل الخاصة بـ «التراث اليهودي» ليجد تناولاً للإشكالية الكامنة في المصطلح، وليجد أساس تفضيلنا لمُصطلَح مثل «فلكلور الجماعات اليهودية».


طعـــام الجماعــــات اليهوديــــة
Food of the Jewish Communities
لا يمكن الحديث عن «الطعام اليهودي» لأن هذه العبارة تعني أن ثمة طعاماً يهودياً متميِّزاً نابعاً من ثقافة يهودية متميِّزة ويعبِّر عن إثنية يهودية متفردة. وهي أمور نتصوَّر أنها وهمية ولذا فإننا نستخدم مُصطلَح «طعام أعضاء الجماعات اليهودية» أي أنواع الطعام التي يتناولونها. وهذا المُصطلَح ذو مقدرة تفسيرية وتصنيفية أعلى بكثير.


تتنوَّع وتتعدَّد أنواع وأصناف الأطعمة، التي يقوم بإعدادها وتناولها أعضاء الجماعات اليهودية، بتعدُّد وتنوُّع المجتمعات التي يعيش أعضاء الجماعات اليهودية في كنفها باستثناء بعض التفاصيل التي ترجع إلى قوانين الطعام الشرعي (التي تُحدِّد طريقة الذبح والإعداد وتُحرِّم أنواعاً معيَّنة من الطعام أو تُحرِّم الجمع بين أنواع منه) وربما بعض الوصفات التي حملها أعضاء الجماعات اليهودية من تشكيلات حضارية أخرى تواجدوا فيها قبل هجرتهم إلى مجتمعهم الجديد. فإذا استبعدنا هذين العنصرين فإن من الصعب أن نجد، فيما يتعلق بأصناف الطعام أو مكوناتها أو طرق الإعداد، سمة مشتركة أو مميِّزة تسمح لنا بإطلاق صفة «الطعام اليهودي» على الطعام الذي اعتاد أعضاء الجماعات اليهودية في مختلف أنحاء العالم تناوله سواء في وجباتهم اليومية أو في احتفالاتهم وأعيادهم الدينية. فالأطباق والأصناف التي تملأ موائد العائلات اليهودية لا تختلف كثيراً (بل إطلاقاً) عن تلك الأطباق والأصناف التي تملأ موائد غير اليهود في المجتمعات المختلفة التي يعيش بينها أعضاء الجماعات اليهودية، والتي تعتمد بالدرجة الأولى على أنواع المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية المتوافرة في كل منطقة وعلى تقاليد وعادات الطهي المتوارثة لدى شعوب هذه المناطق.

وسوف يتضح لنا ذلك إذا أجرينا مقارنة بين أنواع وأصناف الطعام التي يتميَّز بها اليهود السفارد والشرقيون من جهة واليهود الإشكناز من جهة أخرى، وذلك من خلال رصد أصناف الطعام التي اعتادت كل جماعة إعدادها للاحتفال بنفس الأعياد الدينية اليهودية. فبين اليهود السفارد واليهود الشرقيين، يَكثُر استخدام الأعشاب والتوابل مثل النعناع والكمون والزعفران والقرفة، وأيضاً الأرز والحبوب والبقول مثل العدس والفول والبرغل، وكذلك الزيتون ولحم الضأن والماعز والحلويات المقلية والمضاف إليها محلول السكر المُركَّز. وهذه الأصناف من الغذاء هي نفسها التي يكثر استخدامها وتناولها بين شعوب العالم الإسلامي وحوض البحر المتوسط. ويقوم اليهود السفارد واليهود الشرقيون بإعداد الأصناف والأطباق المميِّزة لهذه المناطق مثل مختلف المحشيات والكباب والكبة والأرز المخلوط بالخضراوات واللحوم والمسقَّعة والبامية، والحلويات الشرقية المتنوعة كالقطايف والكعك بالسمسم. ومن الطريف أن كثيراً من المراجع اليهودية تضم هذه الأصناف الشرقية تحت بند «الطعام اليهودي»، وتشير لأسمائها الشرقية أو العربية مكتوبةً بالحروف اللاتينية دون ذكر أصولها العربية أو الشرقية، فيهود بخارى مثلاً يأكلون يوم السبت قطعاً صغيرة من لحم مشوي مع البصل يُسمَّى «kabab» أي «الكباب»، أو قطعاً من لحم بارد يُسمَّى «yachni» أي «اليخني». أما يهود اليمن، فيفضلون يوم السبت أكل الـ «kur'i» أي «الكوارع»، ويأكلون خبزاً اسمه الـ «Khubs» (أي الخبز) يُخبَز في الأفران الطينية (وهي الأفران التي تَكثُر وتنتشر في قرى وأرياف الشرق الأوسط). أما يهود العراق، فإنهم يفطرون بعد صيام يوم الغفران بالـ «bamya» أي «البامية»، كما يأكلـون حلـوى تُسـمَّى «ata-if» أي «القطايف». والقارئ غير العربي الذي يقرأ مثل هذه الكلمات، يظن لأول وهلة أنها أسماء عبرية لأطعمة يهودية موغلة في القدم، وأن ترجمتها للغة غير عبرية أمر عسير ظناً أن لها ارتباطاً عضوياً بالثقافة اليهودية العريقة!

ولا يمكن إطلاق صفة «يهودية» على مثل هذه الأصناف الشرقية بدعوى أنها أصبحت من الأطباق المميَّزة في أعياد اليهود الشرقيين الدينية أو أنها تشكل جزءاً من وجباتهم اليومية، كما لا يمكن الادعاء بأنها تهوَّدت بفعل قوانين الطعام اليهودية. فهي في النهاية تشكِّل جزءاً من التراث الغذائي للشعوب العربية وشعوب حوض البحر المتوسط والتي استمد منها اليهود السفارد والشرقيون تقاليدهم وعاداتهم الاجتماعية والغذائية.

أما بالنسبة لليهود الإشكناز، خصوصاً يهود شرق أوربا، فيَكثُر بينهم استخدام اللحم البقري والخضراوات قليلة التتبيل، مثل البطاطس والكرنب والبقول ومنتجات الألبان. ونظراً لأن اللحم المذبوح شرعاً لم يكن متوافراً بشكل دائم، أصبح السمك يشكِّل جزءاً مهماً من غذاء الجماعات اليهودية في وسط وشرق أوربا، خصوصاً بعد العصور الوسطى، وكذلك الدواجن. ومن أصناف السمك الشائعة لدى يهود شرق أوربا سـمك الجيفيلت gefilte وهو سـمك محشـو يبدو أنه من أصـل ألماني،وسمك الليبكوخن lebkukhen وهو سمك بالزبيب والعسل وهو من أصل سويسري، وسمك الرنجة المُملَّحة التي يُخرَّط عليها البصل والبيض والتفاح والخبز ويُضاف إليها الخل، وهناك أيضاً الجيهاكت gehakte وهو صنف من أصل روسي بولندي ليتواني. كما يَكثُر بين يهود شرق أوربا الأصناف النشوية مثل عجائن لوكشين lokshen والكريبلاخ kreplach، ويبدو أنهما من أصل إيطالي نظراً لتشابُه اللوكشين مع الإسباجيتي أو المكرونة الإيطالية، وتشابُه الكريبلاخ مع الرافيولي الإيطالي. كما تُستخدَم عجينة اللوكشين نفسها لإعداد حلوى البودنج أو لوكشين كوجيل lokshen kugel حيث يُضاف إلى العجين الزبيب والسكر. ويبدو أن هذا الصنف من أصل ألزاسي. ومن الأصناف التي تشتهر أيضاً بين يهود شرق أوربا حساء الكرنب أو البورشت borsht الروسي الأصل، وفطائر اللحم البيروجين pirogen الروسية الأصل أيضاً. وهناك السجق أو الكيشكه kishke المحشوة بالبصل والدقيق، وطبق الماماليجا mamaliga الروماني الأصل والذي يتم إعداده من دقيق الذرة ويُقدَّم بقشدة اللبن الرايب أو الزبدة. وتُستخدَم قشدة اللبن الرايب بشكل واسع في شرق أوربا وتضاف لكثير من الأكلات،ويأكلها اليهود مع الخضراوات الطازجة والجبن.

وتشتهر بين يهود الإشكناز أيضاً كعكة عجينة الخمير. وهي رغم اعتقاد الكثيرين أن لها خصوصية يهودية، إلا أنها من أصل روسي. كما أن فطائر البلنتسس blintses من أصل روسي بولندي، أما فطيرة الشترودل strudel فهي من أصل ألماني، كذلك الكعكة الإسفنجية التورته torta وكعك اللوز مانديلتروت mandeltrot. وقد أخذ يهود الإشكناز عن الألمان أيضاً المخللات والأطباق التي تجمع بين الطعم الحلو والحمضي مثل أصناف التزيم tzimmes وهي أطباق من اللحم تُضاف لها البطاطس والدقيق أو الخوخ أو الزبيب.

ويتبيَّن مما سبق أن كثيراً من الأصناف والأطباق التي أصبحت معروفة في الغرب، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، بأنها يهودية وتضمها كتب الطهي اليهودي، ما هي إلا أصناف وأطباق سلافية أو ألمانية تشتهر بها مناطق شرق ووسط أوربا وجاء بها يهود اليديشية إلى الولايات المتحدة وارتبطت بهم. ومع هجرة الجزء الأكبر من يهود شرق أوربا إلى الولايات المتحدة، اكتسب هؤلاء اليهود العادات الأمريكية في الطعام، وأصبح كثير من هذه الأصناف والأطباق تُقدَّم فقط في الأعياد والمناسبات الدينية لدرجة أنه أصبح هناك ما يُسمَّى «يهودية المطبخ» أو «يهودية الطعام» (بالإنجليزية: كيوليناري جودايزم culinary Judaism) حيث لا يربط اليهودي أي شيء بالعقيدة اليهودية أو طقوسها سوى الحرص على تناول الطعام اليهودي التقليدي في الأعياد اليهودية المختلفة. ففي ظل المجتمعات الغربية العلمانية الحديثة، وفي ظل تزايُد علمنة واندماج أعضاء الجماعات اليهودية، أصبح الطعام يمثل بالنسبة لكثير من اليهود شكلاً من أشكال الإثنية اليهودية أو الانتماء اليهودي الإثني، ولعله الشكل الوحيد. ولكن المفارقة هنا هي أن هذا الطعام الذي يُقال له «طعام إثني» أي يعبِّر عن الهوية أو الإثنية اليهودية هو في الواقع طعام روسي أو بولندي أو ليتواني أو ألماني.

والواقع أن نمط ما يُسمَّى «الطعام اليهودي» لا يختلف عن معظم الأشكال الثقافية التي يُقال لها «يهودية»، وهي في العادة منتَج ثقافي (طعام ـ لغة ـ شكل من الأشكال الفنية ـ زي) يتبناه أعضاء إحدى الجماعات اليهودية ثم تهاجر أعداد منهم إلى بلد آخر يحملون معهم هذا المنتَج الثقافي والذي يُطلَق عليه اصطلاح «يهودي». ويتصوَّر البعض أن هذا المنتَج الثقافي يشارك فيه كل اليهود في كل زمان ومكان، وهم أبعد ما يكونون عن الواقع، إذ أن هذا المنتَج الثقافي يظل مقصوراً على أعضاء الجماعة اليهودية في مجتمع ما وعلى من هاجر منهم واستقر في بلد آخر.

  • الاثنين AM 11:14
    2021-04-05
  • 1060
Powered by: GateGold