المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415269
يتصفح الموقع حاليا : 242

البحث

البحث

عرض المادة

مــــيراث الجماعــــات اليهوديــــة الاقتصــادي

Economic Heritage of the Jewish Communities
»الميراث أو التراث أو الموروث الاقتصادي لأعضاء الجماعات اليهودية»، عبارات تتواتر في كثير من الكتابات التي تتناول أعضاء الجماعات اليهودية. ومناقشة هذا الموضوع ستتطلب منا أن نخفض من مستوى تعميمنا قليلاً فنتحدث عن يهود العالم الغربي بمعزل عن بقية يهود العالم لأننا لو ضممنا كل يهود العالم في إطار واحد لأصبح التعميم، أياً كان مستواه، مستحيلاً. ولعل الدور الذي لعبه اليهود باعتبارهم جماعة وظيفية وسيطة هو الحقيقة الأساسية في هذا الميراث الاقتصادي، وقد اكتسبوا مجموعة من الخبرات حملوها معهم أينما هاجروا استمرت في تحديد نشاطاتهم الاقتصادية حتى بعد أن زالت الوظيفة. فعلى سبيل المثال يُلاحَظ أن ميراث أعضاء الجماعة اليهودية الاقتصادي في الغرب (باعتبارهم جماعة وظيفية وسيطة تقف دائماً على الهامش) يجعلهم يتخصصون في الصناعات القريبة من المستهلك ويبتعدون عن الصناعات الثقيلة، إذ أن عضو الجماعة الوسيطة كان لا يحب الاستثمار في المنقولات الثابتة (مثل الأرض والصناعات الثقيلة). وكان يفضل الاستثمار في الصناعات الخفيفة وفي المشاريع التجارية التي تتطلب قدراً عالياً من المهارة الإدارية، ونتج عن ذلك هامشية اليهود، أي أن نشاطاتهم الاقتصادية ليست في قلب العملية الإنتاجية.


وهذا الوضع يُفسِّر ظاهرة الرأسمالية المنبوذة التي تحدث عنها ماكس فيبر، وهي النشاط الرأسمالي في المجتمع الإقطاعي، الذي ليس له علاقة كبيرة بالرأسمالية الرشيدة (أي الرأسمالية الحديثة). وينتج عن ميراث اليهود الاقتصادي في العالم الغربي أنهم كثيراً ما يكونون عرضة للتأميم والتصفية، وربما يصلح تركُّزهم في صناعة النسيج والملابس مثلاً على ذلك. فقد قامت كوبا بتأميم هذه الصناعات، الأمر الذي نتج عنه تصفية الأساس الاقتصادي للوجود اليهودي في كوبا، فهاجروا منها. ويمكن القول بأن تركُّز بعض أعضاء الجماعات اليهودية في تجارة الرقيق الأبيض ـ قوادين وبغايا ـ هو نتيجة ميراثهم كجماعة وظيفية وسيطة. فالجماعة الوظيفية الوسيطة عادةً ما تتحرك بسرعة لسد حاجة نشأت في المجتمع. ويبدو أنه، في أواخر القرن التاسع عشر، نشأت في العالم الغربي حاجة للخدمات الجنسية خارج مؤسسة الزواج بسبب ضعف الأسرة وتصاعُد معدلات العلمنة.
وفي المجتمعات الاستيطانية مثل أمريكا اللاتينية كان الأمر أكثر حدة حيث كان عدد الإناث أقل بكثير من عدد الذكور. وتزامن ذلك مع ضعف التجارة اليهودية الصغيرة ودور اليهود كباعة متجولين. ومن ثم، تحولت أعداد كبيرة من اليهود إلى التجارة الجديدة. ومما يجدر ذكره أن ميراث المهاجرين اليهود الاقتصادي، شأنه شأن الميراث اللغوي والثقافي والديني، يؤثر بشكل واضح في الجيل الأول ثم يفقد فعاليته بالتدريج إلى أن يفقدها كلها تقريباً بعد جيلين أو ثلاثة.

ولكن هناك جانباً مهماً في الميراث الوظيفي ليهود العالم الغربي حدَّد بشكل جوهري طبيعة وجودهم في القرن العشرين، وهو رؤية الغرب لهم كمادة استيطانية نافعة، وتوظيفهم في هذا المجال. ولعل أهم تجارب الجماعات اليهودية مع الاستيطان هي تجربة يهود بولندا (يهود أوكرانيا على وجه التحديد) مع نظام الأرندا إذ كان اليهود يُشكِّلون عنصراً استيطانياً مالياً. ومما يَجدُر ذكره أن يهود العالم الغربي كافة في العصر الحديث من نسل يهود بولندا. ومما لا شك فيه أن هذا الجانب من الموروث الاقتصادي اليهودي في الغرب هو الذي رشحهم للعب دور الجيب الاستيطاني في الغرب والشرق والذي أخذ شكل الدولة الصهيونية الوظيفية التي حوَّلت عدة ملايين من يهود العالم إلى جماعة استيطانية قتالية.

  • الاثنين AM 11:11
    2021-04-05
  • 671
Powered by: GateGold