المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409110
يتصفح الموقع حاليا : 281

البحث

البحث

عرض المادة

النظريات الآلهية

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أبدع العالم على أتم نظام ورتبه ترتبياً يستدل به على وجوده تعالى وبث في ظاهره آيات شهوده فبهر بذلك عقول الناظرين فتعلقت بحبه ألباب العارفين وغرقت في بحار تجلياته أرواح المحبين، فأفاض على قلوبهم من نفائس العلوم، وكشف لهم الكثير من سره المكنون وأدخلهم في دائرة المشاهدة والتحقيق، فطمأن بذلك قلوبهم رحمة منه وفضلاً.

ولذا قال الخليل صلوات الله عليه.

{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.

وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}.

فلا تحوم وساوس الشياطين حول قلوبهم بعد اليقين.

قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}. والصلاة والسلام على رسوله الكريم محمد بن عبدالله صاحب الحجج والواضحات والبراهين الساطعات والداعي إلى الصراط المستقيم وعلى آله وصحبه وسلم.

 

وبعد. لما رأيت الكثير من الشباب قد تشوشت عقائدهم وتزلزل إيمانهم بسبب ما تكرر على سمعهم من أقوال بعض المتحيرين الضالين والجاحدين المارقين: أردت أن أضع لهم كتاباً يتناسب مع مداركهم على طريقة ما درسوه من علوم ونظريات حتى تأنس بذلك عقولهم وتطمئن قلوبهم.

 

فتصح بذلك عقائدهم التي هي رأس مال سعادتهم في الآخرة وهي أعز من كل عزيز.

 

{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}

 

ويستفيد منه أيضاً من لم يدرس تلك العلوم والنظريات.

 

وأسأل الله تعالى أن يجعل كتابي هذا شافياً من أمراض الجحود والضلال ومزيلاً عن عيون البصائر غشاوة الزيغ والكفران وأن يرينا الحق حقاً ويوفقنا بفضله إلى اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويعيننا بقوته على اجتنابه إنه سميع مجيب.

 

تعاريف أولية وبديهيات

 

  • (القديم – الأزلي) هو ما ليس له ابتداء في الوجود ولم يسبق بعدم أصلاً بل هو ما ليس لوجوده افتتاح.
  • (الحادث) نقيض القديم وهو الذي وجد بعد أن كان معدوماً أي هو المسبوق بعدم ولوجوده افتتاح.
  • (الزمان) هو عبارة عن مدة حركة الجسم أو سكونه في حيزه.
  • (الفراغ) هو الحيز الذي شغله الجسم.
  • (العرض) هو ما لا يقوم بنفسه بل يقوم بغيره كالسواد في الجسم الأسود والبياض في الجسم الأبيض.
  • (الفرض) هو المسلم صحته.
  • (النتيجة) هي المطلوب البرهنة عليها.
  • (العمل) ما يستعان به للتوصل إلى النتيجة.
  • (البرهان) هو ترتيب خطوات للوصول إلى المطلوب إثباته.
  • الكل يساوي مجموع أجزائه التي يتركب منها.
  • الجزء أصغر من الكل, والكل أكبر من الحزء.
  • الإثنان أكثر من الواحد.
  • الجسم لا يكون متحركاً وساكناً في آن واحد.
  • الجسم الواحد لا يحل في مكانين في وقت واحد.
  • الشيء لا يكون قديماً وحادثاً معاً.
  • النقيضان إذا صدق أحدهما كذب الآخر.
  • إذا كانت النتيجة محالاً كان المفروض محالاً، أي أن المفروض يلزم أن يكون نقيضه كما سيأتي في النظريات.

 

 

تمهيد للنظريات

 

ينقسم العالم إلى ثلاثة أقسام وهي الزمان والفراغ والأجسام فالفراغ والزمان مثلازمان في الوجود لا ينفك أحدهما عن الآخر.

 

أما الأجسام فتتأخر في الوجود عن الفراغ فإذا كان الزمان حادثاً يكون الفراغ تبعاً لذلك حادثاً أيضاً.

 

وإذا كان الفراغ حادثاً فمن باب أولى تكون الأجسام حادثة ويكون العالم كله بذلك. والحادث يحتاج محدث يحدثه وهو الله تعالى. وهناك النظريات الدالة على ذلك.

 

إثبات وجود الله تعالى

 

تمهيد

 

النظرية الأولى: الزمان حادث

 

 

البرهان الأول على حدوث الزمان

 

من المعلوم بالحس والمشاهدة أن الكل عبارة عن مجموع أجزائه فإذا كان كل جزء من أجزائه متماثلاً ومتناهياً (له نهاية) فالكل متناه وكلنا نحس ونشاهد أن اللحظة التي نحن فيها الآن هي الحد الفاصل بين تناهي الزمان الماضي وابتداء الزمان المستقبل.

 

فإذا علم أنه ستمر ساعة من الزمان بعد هذه اللحظة التي نحن فيها الآن فنهايتها هي نهاية الساعة.

 

فإذن هذه الساعة هي جزء من الزمان وهي متناهية مشاهدة وحسا – أن أن لها مبدأ ونهاية وهي جزء من أجزاء الزمان المماثل وهكذا الحكم على كل جزء من أجزاء الزمان فأجزاؤه متماثلة متناهية ذات مبدأ – ولم يكن كل الزمان الماضي إلا مجموع أجزائه المتماثلة المتناهية إذ أنه ليس هو غير مجموع أجزائه إذن فالزمان الماضي متناهٍ له مبدأ في الوجود فهو حادث (أي أنه وجد بعد أن كان معدوماً).

 

 


البرهان الثاني على حدوث الزمان

 

من المعلوم بالحس والمشاهدة أن عدد السنين الماضية إلى سنتنا هذه إما بالزوج أو بالفرد.

 

فإذا كان بالزوج وأردنا أن يكون عددها إلى سنتنا هذه بالفرد للزم لذلك أن يتقدم العالم في الوجود عن بدئه هذه سنة أو بتأخر سنة حتى يكون عدد السنين للآن بالفرد وحيث أن وجود العالم قابل للتقدم أو التأخر.

 

إذن الزمان له بدء في الوجود بين التقدم والتأخر (حادث) أي أنه كان معدوماً ثم وجد أي (لوجوده افتتاح) وإذا كان عدد السنين الماضية للآن بالفرد وأردنا أن يكون عددها للآن بالزوج للزم لذلك أن يتقدم العالم في الوجود عن بدئه هذه سنة أو يتأخر سنة حتى يكون عدد السنين للآن بالزوج.

 

وحيث أن وجود العالم قابل للتقدم أو التأخر.

إذن فالزمان له بدء في الوجود بين التقدم والتأخر (حادث) أي أنه كان معدوماً ثم وجد أي (لوجوده افتتاح) أي أن الزمان حادث.

 

 

البرهان الثالث على حدوث الزمان برهان التطبيق

 

إذا كان الزمان لا أول له في الوجود فرضاً لدل ذلك على أن عددين لا نهاية لكل منهما وأحدهما قدر الآخر سبع مرات وهو محال.

 

وذلك أن عدد الأيام الماضية قدر عدد الأسابيع الماضية إلى وقتنا هذا سبع مرات وكل عدد منها لا نهاية له من جهة المبدأ.

 

 

إذن الزمن الماضي الذي يمر بالعالم متناهٍ من جهة المبدأ أي أن له أول في الوجود وما كان له في الوجود فهو حادث (والحادث هو الذي كان معدوماً ثم وجد كما تقدم) (وهناك براهين كثيرة على حدوث الزمان موضحة في كتابنا الأنوار الأزلية في تحقيق العقيدة الإسلامية فليرجع إليها من يشاء).

 

 

نظرية - 2-

علاقة الفراغ بالزمان

 

كل فراغ لا يتصور أن ينفك عنه الزمان

الفرض: جزء من الفراغ.

المطلوب: إثبات أن الفراغ لابد أن يمر فيه زمان.

العمل: نضع في الفراغ المفروض جسماً.

البرهان: بما أن الجسم الذي وضع في الفراغ المفروض إما أن يكون ساكناً وإما أن يكون متحركاً.

وبما أنه إذا كان الجسم الموضوع في الفراغ ساكناً فرضاً لقدرت مدة سكونه بمدة زمنية (بديهية).

وبما أنه لو كان الجسم متحركاً لقدرت مدة الحركة أيضاً بمقدار زماني (بديهية).

إذن لو أخذ هذا الجسم من الفراغ المفروض سواء أكان متحركاً أم ساكناً لا ينقطع الزمان عن مروره في الفراغ.

إذن كل فراغ لا يتصور أن ينفك عنه الزمان.

وهو المطلوب.

 

وهذه النطرية تمهيد للنظرية الثالثة الآتية

 

نظرية – 3 – ( حدوث الفراغ)

إذا كان الزمان حادثاً فالفراغ حادث

 

الفرض: الزمان حادث

المطلوب: إثبات أن الفراغ حادث

البرهان: بما أن الفراغ لا ينفك عنه الزمان أي أنهما متلازمان معاً في الوجود (نظرية 2).

وبما أن الزمان حادث (نظرية 1).

إذن الفراغ حادث

وهو المطلوب

 

تمهيد لنظرية – 4–

علاقة الأجسام بالفراغ

 

ما يملأ الفراغ كالأجسام لا يتصور أن يتقدم في الوجود عن الفراغ لأن كل جسم يحتاج لحيز يحل فية.

 

فأما أن يوجد الجسم مع الفراغ دفعة واحدة وإما أن يوجد الجسم بعد وجود الفراغ.

 

ويصح أن يوجد الفراغ بدون أن يوجد جسم يحل فيه أي أن الجسم والفراغ إما أنهما وجدا معاً وإما تقدم الفراغ في الوجود على الجسم ولا يصح تقدم الجسم على الفراغ في الوجود بأي حال.

 


نظرية – 4-

حدوث الأجسام

 

إذا كان الفراغ حادثاً فكل ما يملأ الفراغ كالأجسام حادث

الفرض: الفراغ حادث

المطلوب: إثبات أن ما يملأ الفراغ كالأجسام حادث

البرهان: بما أن الجسم والفراغ إما أنهما متلازمان في الوجود وإما أن الجسم تأخر في الوجود عن الفراغ وبما أن الفراغ حادث      (نظرية 3)

أذن الجسم حادث               وهو المطلوب

 

نظرية – 5 –

الحادث يحتاج لمحدث غيره يحدثه

الفر          ض: جسم حادث

المطلوب: إثبات أن هذا الجسم يحتاج إلى محدث غيره لبحثه

البرهان: من حيث أن هذا الجسم كان معدوماً ثم وحد ومن حيث أنه لا أثر للمعدوم إلا بعد وجوده إذن الجسم لا يؤثر في نفسه ولا وجوده غيره حين عدمه لأن جميع أجزائه كانت معدومة. أي أنه لا يوجد بنفسه

إذن الحادث يحتاج محدث غيره يحدثه.

وهو المطلوب

نتائج:

  • كل شيء يمكن قياسه فهو محدود
  • وكل محدود حادث
  • وكل حادث يحتاج لمحدث غيره يحدثه

 


نظرية – 6–

العالم حادث

 

الفرض: العالم قديم

المطلوب: إثبات أن العالم حادث

البرهان: نكتفي أن نبرهن على أن المادة التي هي أصل العالم حادثة وليست بقديمة كما يقولون.

بما أن الزمان حادث                   (نظرية 1).

وبما أن الفراغ لا ينفك عنه الزمان   (نظرية 2).

إذن الفراغ الذي يمر فيه الزمان حادث.

بما أن الفراغ حادث                             (نظرية 3).

وبما أن ما يملأ الفراغ وهو مادة أصل العالم أو أجسام العالم تتأخر في الوجود عن الفراغ أو توجد معه دفعة واحدة  (نظرية)

إذن المادة التي هي أصل العالم (أي التي تسلسل عنها العالم) حادثة

أي أن العالم حادث              وهو المطلوب

 

نظرية – 7 –

 

إذا كان العالم بجميع ما يحتوي عليه حادثاً فلا بد له من محدث غيره يحدثه وهو الله تعالى.

الفرض: العالم بجميع ما يحويه حادث

المطلوب: إثبات أن للعالم محدث غيره يحدثه وهو الله تعالى

البرهان: بما أن العالم بجميع ما يحويه حادث (نظرية 6)

وبما أن المعدوم لا يؤثر في وجود نفسه ولا وجود غيره. أي أنه لابد للحادث (العالم بجميع ما يحويه) من محدث غيره يحدثه.

إذن للعالم محدث غيره يحدثه وهو الله تعالى

                                وهو المطلوب

 

 

توضيح..

 

العالم إما كله حادث أو كله قديم إما بعضه حادث وبعضه قديم فإن كان كله حادثاً فالحادث لا يخرج إلى الوجود بنفسه بل يحتاج لغيره ليخرجه         (نظرية 5)

إذن بطل أن كله حادث

 

وإما كله قديم فكلنا نشاهد حدوث أشخاص وفناء آخرين إذن بطل أن كله قديم.

 

فإذن بطل القسمان الأول والثاني (وهو أن العالم كله حادث أو كله قديم) تعين القسم الثالث وهو أن العالم بعضه قديم وبعضه حادث.

 

فالقديم هو الله تعالى والحادث هي المخلوقات. كما سيأتي البرهان عليه.

 

وإن قالوا القديم هو المادة القديمة التي تسلسل عنها العالم – فباطل ببرهان حدوث المادة السابق ذكره لحدوث الفراغ وحدوث الزمان الذي يمر في الفراغ     (نظرية 3)

 

فكما حدثت المادة وخرجت إلى الوجود بقدرة القادر فكذلك تفنى من الوجود بقدرة القادر رغماً عما تلبسه من الصور المختلفة المتعاقبة عليها.

 

قال تعالي: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَآءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}

 

وقال أيضاً: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}

إثبات بعض صفات الله تعالى

 


نظرية – 8 – (صفة القدم)

صانع العالم قديم وهو الله تعالى

 

الفرض: صانع العالم حادث

المطلوب: إثبات أن صانع العالم قديم

البرهان: بما أنه إذا فرض أن صانع العالم حادث

 وبما أن الحادث لابد له من محدث (نظرية 5)

إذن لابد لصانع العالم من محدث غيره يحدثه

فإذا فرض أن هذا المحدث الأول له محدث ثان.

والمحدث الثاني له محدث ثالث إلى ما لا نهاية له وهو محال.

إذن آل الأمر إلى وجود جملة محدثات بالفعل لا نهاية لها.

وبما أن جملة المحدثات التي لا نهاية لها لا بد لها من محدث غير هذه الجملة التي لا نهاية لها لأن كل فرد من أفراد الجملة حادث.

إذن لابد للعالم من صانع قديم وهو الله تعالى    

وهو المطلوب.

 

توضيح

إذا لم بتعين وجود القديم فقد آل الأمر إلى وجود جملة محدثات بالفعل لا نهاية لها (وكل فرد منها حادث) بدون محدث وهو محال.

 

إذن لابد من الاعتراف بوجود قديم في العالم

إذن لابد للعالم من صانع قديم وهو الله تعالى.

قال تعالى {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

 

نظرية – 9 –

الإله ليس بجسم

الفرض: الإله جسم

المطلوب: إثبات أن الإله ليس بجسم

البرهان: بما أن إذا كان الإله جسماً لشعل حيزاً

 وبما أن الحيز يمر فيه زمان   (نظرية 2)

وبما أن الزمان حادث             (نظرية 3)

إذن الحيز حادث

وبما أن الحيز حادث

إذن الجسم الذي يملأ حيز حادث

إذن الإله حادث لإشغاله حيزاً وهو محال (إذ ثبت أن الإله قديم)

إذن الإله ليس بحسم وهو المطلوب.

 

نظرية – 10–

الإله ليس بعرض

الفرض: الإله عرض

المطلوب: إثبات أن الإله ليس بعرض بما أن الأعراض لا تقوم بدون الأجسام كالبياض مثلاً لا يقوم إلا بجسم.

إذن لو كان عرضاً لكان قائماً بجسم

وبما أن الجسم حادث           (نظرية 4)

وبما أن الله قديم كما ثبت في  (نظرية 8)

إذن الإله ليس بعرض          وهو المطلوب

 


تمهيد

البصر والخيال

 

اعلم أن البصر يأخذ معلوماته مما يراه من الأجسام والأعراض فقط. والتخيل هو عبارة عن إحضار صور المرئيات في القوة المخيلة بعد غيبة صورها عن البصر.

 

ويستمد الخيال معلوماته من البصر بطريقتين فقط ولا يستمد معلوماته من مصدر آخر غير البصر.

 

الطريقة الأولى:

إحضار صور المرئيات في القوة المخيلة كما هي في الخارج تماما مثل أن تتخيل صورة الجمل بعد غيبتها عن البصر أو حين وجودها.

 

الطريقة الثانية:

تركيب صور أشياء ليس لها حقيقة في الخارج مثل أن تتخيل صورة جمل برأس أسد.

 

فما عليك في تخيل ذلك إلا أنك تتخيل صورة الجمل مما شاهده البصر ورأس الأسد مما شاهده البصر أيضاً، فما عليك بعد ذلك إلا التركيب في الخيال مما وقع عليه بصرك فيؤخذ من ذلك أن ما يراه البصر من الأجسام غير موجودة يمكن تخيله تماماً وما لا يراه البصر لا يمكن تخيله تخيلاً حقيقياً بأي حال؛ كمن ولد أعمى ولم ير الألوان فلا يمكنه أن يتخيل اللون الأحمر مثلاً تخيلاً حقيقياً مهما حاول ذلك ولا يمكن لأحد أن يتخيل المحردات عن المادة كالروح والشفقة.

 

نظرية – 11–

كل محسوس للبصر أما جسم أو عرض

 

الفرض: جسم في جهة ما.

المطلوب: إثبات أن كل محسوس للبصر إما جسم أو عرض

البرهان: بما أن الأبصار لا يحصل إلا بواسطة مقابلة البصر للمبصرات.

 وبما أن المقابلة لا تكون إلا في جهة

وبما أن كل ما كان في جهة (حيز) فهو جسم أو عرض

إذن كل ما يدركه البصر فهو جسم أو عرض.

وهو المطلوب

 

نظرية – 12–

لا يكون التخيل الحقيقي إلا بعد الإبصار للأشياء

 

لا يكون التخيل الحقيقي إلا بعد الإبصار للأشياء

الفرض: تخيل شيء لم يره البصر.

المطلوب: إثبات أن ما يراه البصر يمكن تخيله.

البرهان: بما أن التخيل هو عبارة عن إحضار صور المرئيات في القوة المخيلة أثناء وجودها أو بعد غيبة صورها عن البصر.

إذن إذا وقع البصر على المرئيات يمكن تخيلها وإذا لم يقع لا يمكن تخيلها

إذن لا يمكن التخيل الحقيقي إلا بعد الإبصار للأشياء.

وهو المطلوب

 


نظرية – 13–

 

ما يتعذر إدراكه بالبصر مثل المجردات عن المادة فمن المحال تخيله

الفرض: تخيل الشفقة

المطلوب: إثبات أن ما يتعذر إدراكه بالبصر كالمجردات عن المادة لا يمكن تخيله

البرهان: بما أن الشفقة أمر معنوي مجرد غير جسماني.

 وبما أن البصر لا يدرك المعاني المجردة كالشفقة والإرادة وغيرهما.

وبما أن الخيال لا يتناول إلا ما تناوله البصر من الأجسام والأعراض.

وبما أن الشفقة أمر معنوي مجرد غير محسوس لبصر إذن لا يدركها الخيال.

أي أن ما يتعذر إدراكه بالبصر كالمجردات عن المادة يتعذر إدراكه بالخيال.

وهو المطلوب

 

نظرية – 14–

الإله لا يمكن تخيله وحصره في القوة المخيلة

 

الفرض: الإله ليس بجسم ولا عرض.

المطلوب: إثبات أن الإله لا يمكن تخيله

البرهان: بما أن الإله ليس بجسم ولا عرض (نظرية 9،10) وبما أن ما ليس بجسم ولا عرض لا يبصر.

وبما أن ما لا يبصر لا يمكن تخيله (نظرية 13).

إذن الإله لا يمكن تخيله وحصره في القوة المخيلة.

وهو المطلوب

 

قال تعالى {لَّا تُُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}

وقال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.

 

 

اعلم إنه زلت هنا أقدام بعض الفلاسفة ذلك بعد أن أثبتوا وجوده تعالى بالبراهين اليقيلية القاطعة التي لا ينسب إليها الشك لظهور مقدماتها وصحتها رجعوا الفهقري وتسلط عليهم الوهم والخيال فأضلهم فأنكروا وجوده تعالى بلا دليل يستندون إليه وغشيت أبصارهم عقولهم سحب من ضلال الخيال وذلك أنهم حاولوا أن يبحثوا في المحسوسات عن الذات الإلهية المقدسة البريئة عن الجسمية والعرضة والمجردة عن المادة وفوق المخلوقات المجردة كالروح مثلاً وأن يتخيلوا تلك الذات العلية ولم يتنبهوا أنه لا يمكن أن يقع البصر على ذاته تعالى لبراءته عن المادة فلا يمكن لذلك تخيله وحصره في الخيال وهذا سبب ضلالهم وإنكارهم والله يهدي من يشاء. قال بعض العارفين (يا من غاية إدراكه العجز عن إدراكه) أي إنك إذا علمت أنك تعجز بالبرهان كما سبق عن إدراك ذاته تعالى بالبصر ثم بالخيال فهذا هو غاية الإدراك.

 

 

نظرية – 15–

الإله واحد

 

الفرض: شخص في حالة سكون والآلهة إثنان

المطلوب: إثبات أن الإله واحد

البرهان: بما أنه إذا أراد أحد الإلهين تحريك الشخص المفروض إلى جهة اليمين والآخر يريد أن يحركه إلى جهة اليسار في آن واحد.

بما أنه لا يقع مرادهما لأن قدرتهما متساوية

وبما أن تحريك كل منهما للشخص ممكن في الجهة التي يريدها إذا امتنع الآخر.

وبما أن كل منهما عجز عن فعل الممكن

وبما أن العاجز لا يكون إلهاً

إذن العجز نتج لفرض إلهين قادرين على كل الممكنات

إذن الإله واحد إثنان

وهو المطلوب

قال تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا}

 

تمهيد لنظرية – 16–

شروط الرسالة

 

القاعدة العامة التي يتميز بها الرسول عن غيره من البشر وهي أن يدعي الرسول الرسالة ويؤيد بالمعجزات الخارقة للعادة تصديقاً له من الله تعالى مما قد بلغ قومه فيه شأوا عظيماً من العلوم ليكونوا على بينة مما أتى به من المعجزات مثل معجزه سيدنا موسى عليه السلام في زمن السحر من قلب العصا حيه تسعى: ومثل معجزة سيدنا عيسى عليه السلام في زمن الطب من إبراءه الأكمه والأبرص، ومثل معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في زمن الفصاحة والبلاغة كنزول القرآن الكريم عليه، وهو المعجزة الباقية إلى قيام الساعة. فإن معجزات جميع الرسل السابقين قد انقضت في وقتها. وله أيضاً صلى الله عليه وسلم من المعجزات الشيء الكثير مثل نطق الحيوانات شاهدة له بصحة رسالته.

 

نظرية – 16–

صدق رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

 

الفرض: محمد رسوا الله كاذب كما يدعون

المطلوب: إثبات أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق

البرهان: بما أنه ادعى الرسالة

 وبما أنه تحدى قومه بخوارق العادات كانشقاق القمر وتسبيح الحصى في يده الشريفة ونطق الحيوانات والشجر شاهدة له بصدق رسالته وغير ذلك من المعجزات وقد تحدى قومه بالقرآن الكريم وطالبهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عن ذلك وكان فيهم الفصحاء والبلغاء.

وبما أن القرآن الكريم لم يزل ينادي البشر بأن يأتوا بسورة من مثله فلم يجرؤ أحد للآن أن يتقدم لذلك ولن يتقدم أحد إلى قيام الساعة.

إذن محمد صلى الله عليه وسلم صادق في رسالته لأن شروط الرسالة تنطبق عليه صلى الله عليه وسلم تمام الإنطباق.

وهو المطلوب

 

وإثباتاً لذلك قال تعالى: { لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}

 

فالحجة قائمة على جميع البشر إلى يوم الدين. فالتحدي بأقصر سورة فيه معجزتان.

 

الأولى طلب الإتيان بسورة من مثله.

 

الثانية أنه أخبر أنهم لن يأتوا بسورة من مثله.

 

ففي ذلك إخبار بالغيب الذي حقق وسيحقق إلى يوم القيامة فكل من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لزمته الحجة إذاً لم يأت بسورة من مثله، أي القرآن ولن يأتي بمثله.

 

قال تعالى {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّم تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}.

 

قال تعالى في كتابه العزيز {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (سورة الصف).

 

وبالبحث عن هذه النشأة في الكتب المقدسة القديمة كما أشار القرآن الكريم وجد في التوراة من قول حبقوق النبي عليه السلام (جاء الله بالبيان من جبل فاران وامتلأت السموات من تسبيح أحمد وأمته تحمل خيله في البحر كما تحمل في البر يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس).

 

أي الخراب الأخير الذي حصل بعد رفع سيدنا عيسى عليه السلام بأربعين سنة. وجبل فاران هو جبل بمكة وهو مكان بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وتحمل خبله في البحر كما تحمل في البر إشارة إلى الغزوات في البر والبحر.

ووجد أيضاً في الإنجيل في السفر الثالث من قول يوحنا الديلي (أن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشرني به أنه يكون من بعده، فبشرت به الحواريين فآمنوا به).

 

وأمثال ذلك كثير وارد بالكتب المقدسة كإنجيل برنابا وهي موافقة تماماً لما جاء به القرآن الكريم والدين الإسلامي يأمر بالإيمان بما يوافق القرآن الكريم من الكتب المقدسة.

 

 

الخلاصة

أقسام العالم

 

ينقسم العالم إلى ثلاثة أقسام:-

1- الزمان            2- الخلاء (الفراغ)               3- الأجسام

 

 

البرهان الأول على حدوث الزمان

 

من المعلوم بالحس والمشاهدة أن الكل عبارة عن مجموع أجزائه فإذا كان كل جزء من أجزائه متماثلاً ومتناهياً فالكل متناه. وكلنا نحس ونشاهد أن اللحظة التي نحن فيها الآن هي الحد الفاصل بين تناهي الزمان الماضي وابتداء الزمان المستقبل.

 

وإذا علم أنه ستمر ساعة من الزمان بعد هذه اللحظة التي نحن فيها الآن فإن هذه الساعة تكون بدايتها اللحظة التي نحن فيها الأن ونهايتها هي نهاية الساعة. فإذن هذه الساعة هي جزء من الزمان وهي متناهية مشاهدة وحساً. أي أن لها مبدأ وهي جزء من أجزاء الزمان فأجزاؤه متماثلة متناهية ذات مبدأ ولم يكن كل الزمان الماضي إلا مجموع أجزائه المتماثلة المتناهية إذ أنه ليس هو غير مجموع أجزائه. إذن فالزمان الماضي متناه له مبدأ وما كان له مبدأ في الوجود فهو حادث (أي أنه وجد بعد أن كان معدوماً) أي له افتتاح في الوجود.


البرهان الثاني على حدوث الزمان

 

من المعلوم بالحس والمشاهدة أن عدد السنين الماضية إلى سنتنا هذه إما بالزوج وإما بالفرد.

 

فإذا كان بالزوج وأردنا أن يكون عددها إل سنتا هذه بالفرد للزم لذلك أن يتقدم العالم في الوجود عن بدئه هذا سنة أو يتأخر سنة حتى يكون عدد السنين للآن بالفرد.

 

وحيث أن وجود العالم قابل للتقدم أو التأخر.

 

إذن الزمان له بدء في الوجود الذي بين التقدم والتأخر (حادث) أي أنه كان معدوماً ثم وجد لوجوده افتتاح.

 

إذا كان عدد السنين الماضية للآن بالفرد وأردنا أن يكون عددها للآن بالزوج للزم لذلك أن يتقدم العالم في الوجود عن بدئه هذا سنة أو يتأخر سنة حتى تكون عدد السنين للآن بالزوج وحيث أن وجود العالم قابل للتقدم أو التأخر.

 

إذن فالزمان له بدء في الوجود الذي بين التقدم والتأخر (حادث) أي أنه كان معدوماً ثم وجد – أي لوجوده افتتاح.

 

 

العلاقة بين الزمان والخلاء

 

كلنا نعلم أنه لا يوجد خلاء (فراغ) إلا ويمر فيه الزمان وذلك أنه يصح أن يوضع في هذا الخلاء جسم فيكون هذا الجسم فيه إما ساكناَ وإما متحركاً وكل من الحركة والسكون يقدر بمدة زمانية إذ لا يعقل وجود جسم لا ساكناً وإما متحركاً. فإذا رفع السكون والحركة معاً عن الجسم رفع وجود الجسم، وإذا أخذ الجسم من الفراغ فإنه لا ينقطع مرور الزمان في هذا الفراغ بمجرد أخذ الجسم منه – فيكون الخلاء والزمان وجدا معاً دفعة واحدة لأنه لا يصح تقدم الخلاء عن الزمان في الوجود لأن الخلاء حادثاً بصحبة الزمان مشاهدة وحساً.

 

وحيث أنه تبين بالبرهان السابق أن الزمان حادث فيكون الخلاء حادثاً تبعاً له.

 

 

العلاقة بين الخلاء والجسم

 

كلنا نعلم أنه لا يصح وجود أي جسم إلا وله حيز يحل فيه (خلاء – فراغ) وعلى ذلك فلا يصح تقدم الجسم في الوجود على الخلاء. فالخلاء إما أنه وجد مع الجسم دفعة واحدة وإما أنه تقدم الخلاء على الجسم كما يصح وجود الخلاء بغير أن يحل فيه جسم كما هو مشاهدة وحيث أنه أقيم البرهان على حدوث الزمان فانسحب إلى حدوث الخلاء فكذلك ينسحب حدوث الخلاء إلى حدوث الأجسام.

 

وبما أن العالم كله عبارة عن أجسام وفراغ وزمان يمر فيه وثبت حدوث ذلك كله لأن الزمان حادث فيكون الخلاء حادثاً وبحدوث الخلاء تكون الأجسام وما مائلها وما يلحث بها حادثاً.

 

إذن فالعالم حادث أي أنه كان معدوماً ثم وجد والمعدوم لا يوجد بنفسه بل بتأثير غيره السابق له في الوجود-

وكل حادث لا بد له من محدث.

إذن فالعالم له محدث وهو الله تعالى.

 

 


أمثلة مناسبة

قابل دهري (منكر لوجود الله تعالى) أحد الصالحين فقال له إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع فقال له الصالح – إن كان الأمر كما تقول نجونا جميعاً.

 

وإن كان الأمر كما أقول نجوت أنا وهكلت أنت فاحتط لأمر اعتقادك إن كنت عاقلاً وتود النجاة في الآخرة مع الناجين وقد نبه الله تعالى في قوله تعالى {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً}.

 

الاحتياط في الاعتقاد بوجود الله تعالى

 

(2) إذا فرض أنه مات شخصان الأول يؤمن بوجود الله تعالى – والثاني لا يؤمن بوجوده.

 

فإذا كان هناك إله نجا الأول وهلك الثاني لسوء اعتقاده وإذا لم يكن هناك إله فرضاً نجا الأثنان – فترى من ذلك أن الأول المؤمن ناج في الحالتين والثاني هالك في الحالة الأولى نجا في الثانية-

 

فالاحتياط للنجاة خير من سلوك طريق الخطر المشكوك (وما ينتجه الاحتياط لا يخالف الحقيقة)

 

(3) سئل أعرابي عن وجود الله تعالى فقال.

 

البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج وبحار ذات أمواج ورياح ذات عجاج وأرض ذات سبل وفجاج وجبال مبنية بغير درج ومعراج ألا تكون دليلاً على وجود رب حكيم فراج.

 

(4 ) اتفق أحد الدهر بين (الذين ينكرون وجود الله تعالى) مع أحد العلماء على أن يعقد اجتماع بينهما على ملأ من الناس في ميعاد محدد وأن يشهد الجميع لمن تكون له الحجة في المناظرة.

فاجتمع الناس والدهري في الموعد بالمكان المحدد وتأخر العالم عن الحضور قضداَ منه ساعة من الزمن فأخذت لذلك الظنون تطغى على الناس وتشتت الأفكار.

 

وكان لا بد للعالم عند الحضور أن يعبر نهراً بينهما. ولما حضر العالم متأخراً – أله الدهري قائلاً لماذا تأخرت أيها العالم عن الميعاد؟ وهل دينكم يأمركم بذلك؟ وقال العالم: لعل في الأمر عذر مقبول. فقال الدهري أذكر عذرك. فقال العالم إني لما حضرت لأعبر النهر الذي بيني وبينكم لأحضر في الميعاد المحدد لم أجد السفينة المعتادة فانتظرت بعض الوقت، وإذا بألواح من الخشب عائمة على سطح الماء ثم تجمعت تلك الألواح وسمرت بالمسامير وركب الشراع لها وصارت سفينة كاملة المعدات وأقبلا إلى الشاطيء فركبت فيها وأتيتكم وهذا عذري فاندهش الجميع وقال الدهري إن شيخكم هذا المجنون – كيف تأتي الألواح وتتجمع وتسمر وتصير مركباً صالحاً للسير في النهر من تلقاء نفسها – فرد الشيخ عليه قائلاً أيكون تركيب العالم ونظامه أقل من تركيب مركب من تلقاء نفسها – فانقطعت حجة الدهري وبهت الذي كفر واعتذر وآمن بوجود الله تعالى.

 

(5) اعلم أن الواحد أصل الأعداد، فإذا لم يكن للواحد وجود انعدم وجود الأثنين والثلاثة وباقي الأعداد فإذا انعدم الواحد انعدمت باقي الأعداد المسلسلة عنه.

 

فالواحد هو بمثابة الله تعالى وباقي الأعداد بمثابة المخلوقات فإذا لم يكن للواحد وجود لم يكن للمخلوقات وجود.

 

(6) من أنكر وجود الله تعالى فليأت ببرهان على عدم وجوده تعالى وهذا مستحيل.

 

بعض صفات الله تعالى وتقديسه وتنزيهه (المخالفة للحوادث)

 

اعلم أن الله تعالى ليس بجسم لأن الأجسام حادثة بالبرهان السابق، ولا بعرض أيضاً لأن الأعراض لا توجد إلا محمولة بالأجسام، والأجسام حادثة فيكون العرض حادثاً أيضا. إذن فالمولى جل شأنه مخالف لجميع المخلوقات في الجسمية والعرضية وغيرهما كالموجودات المجردة عن المادة مثل الملائكة فلا يتصف سبحانه وتعالى بالجسمية ولا بالعرضية ولا بصفات الأجسام كالاتصال والانفصال ولا بالدخول ولا بالخروج ولا بالكبر ولا بالصغر ولا باللون ولا بالكيف ولا بالأين ولا بباقي المقولات العشرة وهو مخالف لكل ذلك.

 

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فذاته تعالى مجردة عن المادة وهو أيضاً مخالف لجميع المجردات المخلوقة ووجوده معلوم بالبرهان في المرتبة التي تليق بجماله وجلاله. (سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون) فهو سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته وسبحان من لا يعلم كنه جلاله غيره. وحيث أن ذاته تعالى فوق الموجودات من الأجسام والمجردات فلا يقع تحت الأبصار ولا يمكن تخيلها لتعذر سبق وقوع البصر عليها لأن الخيال يأخذ معلوماته من البصر كما سبق {لَّا تُُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.

 

حدوث المادة

 

الذرة مهما صغرت تشغل حيزاً يناسبها، فإذا اجتمعت جملة ذرات شغلت حيزاَ صغيراً مناسباَ لها أيضاَ وكلما زاد عددها كبر الحيز وكل متحيز حادث كما سبق فالمادة حادثة أي كانت معدومة ثم وجدت بقدرة القادر وهذا برهان قاطع على حدوث المادة وأنها ليست بقديمة كما يقولون وقد أبطلنا قدمها ببرهان حدوث الزمان السابق وما يترتب عليه من حدوث الخلاء والمواد ولا يمنع أن المادة كما حدثت أولا بقدرة القادر أن تنعدم ثانياً بقدرته. قال تعالى {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَآءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}.

 

ومن أراد تفصيلاً لشرح ما تقدم يجده في كتابنا المسمى (بالأنوار الأزلية في تحقيق العقيدة الإسلامية).

 


برهان القدم (صفة القدم)

 

إذا فرض أن الإله خلقه آخر والآخر خلقه آخر وهكذا فلابد من الوقوف عند واحد موجود من ذاته لوجود العالم بالفعل. أتريد أن تعترف بأنك مخلوق من غير خالق وترضى بذلك ولم تعط هذا الحكم لغير الله الموجود من ذاته تعالى وهو أولى بذلك الحكم.

 

واعلم أنك إذا أنكرت القديم الأول فقد ادعيت لنفسك القدم (مع حدوثك) أو أنك حادث من غير محدث وهو محال.

قال تعالى {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}

وقال تعالى {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

 

برهان البقاء (صفة البقاء)

لو فرض أنه سبحانه وتعالى انعدم لاحتاج عدمه إلى سبب يعدمه لأنه كما احتاج تبديل عدم الأشياء بالوجود إلى مرجح للوجود على العدم فكذلك يفتقر تبدل الوجود بالعدم إلى مرجح للعدم على الوجود قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.

 

 

برهان الوحدانية (صفة الوحدانية)

 

الإله هو القادر على كل شيء من الممكنات فلا يعجزه فعل ممكن ممكن كالحلق والحركة والسكون.

 

فإذا فرض إلهان وأراد الأول منهما أن يحرك شخصاً معيناً إلى جهة اليمين مثلاً وأراد الثاني أن يحركه إلى جهة اليسار في آن واحد ففي ذلك ثلاثة أحوال.

 

(1) إما أن تنفذ إرادتهما معاً وهو محال، لأنه يلزم في هذا اجتماع النقيضين وهو تحريك الشخص إلى جهة اليمين وإلى جهة اليسار في آن واحد.

 

(2) وإما أن تمتنع إرادتهما معاً فيكونا عاجزين عن فعل من الأفعال الممكنة – والإله لا يصح أن يكون عاجزاً عن فعل الممكن فلا يصلحان للألوهية.

 

(3) وإما أن تقع إرادة إحدهما دون الآخر فالذي حصلت إرادته هو الإله وحده والذي لم تحصل إرادته فهو عاجز فلا يصح أن يكون إلهاً.

 

إذن فقد ثبت أن الإله لا يصح أن يكون أكثر من واحد بل هو إله واحد سبحانه وتعالى. قال تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا}

 

إثبات صدق رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

سبق أنه ذكر في نظرية 16 وما يتبعها ما يكفي لإثبات صدق رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وزيادة على ذلك نذكر ما يأتي.

 

الكل يعلم أن الله تعالى قد أرسل سيدنا موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه وأيده بالمعجزات مثل قلب العصى حية تسعى فمن آمن بموسى من بني إسرائيل علمنا أنه من المؤمنين الناجين ومن لم يؤمن بموسى مثل فرعون وأتباعه علمنا أنه من الكافرين الهالكين. وقد جاء بعده سيدنا عيسى عليه السلام وأيده الله بالمعجزات مثل إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص فمن آمن به مثل النصارى حكمنا بأنه من المؤمنين الناجين ومن لم يؤمن به من اليهود علمنا أنه من الكافرين الهالكين.

 

ثم جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقال إني رسول الله إلى العالمين وأيده الله بالمعجزات مثل انشقاق القمر وتسبيح الحصى في يده الشريفة وشهادة الشجر والحيوانات له بصدق رسالته والتحدي بالقرآن الكريم فمن آمن به يحكم له بأنه من المؤمنين الناجين كمن آمن بموسى وعيسى عليهما السلام، ومن لم يؤمن به مثل اليهود والنصارى وغيرهم حكمنا عليه أنه من الكافرين الهالكين كمن لم يؤمن بموسى وعيسى عليهما السلام. وكل اعتراض يوجه إلى رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد يوجه مثله تماماً إلى سيدنا موسى وعيسى عليهما السلام ، وسواء بسواء لأن كلاً منهم أتى بالرسالة وأيده الله بالمعجزات المناسبة لذلك فلا فرق بين أحدهم في هذا الأمر. قال تعالى {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} أي أن نت كذبك يا محمد في رسالتك بعد تأييدنا لك بالمعجزات صار كمن كذب بموسى وعيسى عليهما السلام وسائر المرسلين السابقين بعد تأييدهم بالمعجزات سواء بسواء لأنه لا فرق بين الجميع في ادعاء الرسالة والتأييد بالمعجزات وإلا فمن كذب محمد صلى الله عليه وسلم فقد هدم جميع الشرائع ولا قائل بذلك أصلاً (الاحتياط في الاعتقاد يصدق رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم).

 

اعلم أن اعتقاد المسلمين مبين في هذه الآية الكريمة. قال تعالى {ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فإذا فرضنا أنه مات شخصان وكان الأول يصدق رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبجميع الأنبياء والمرسلين والآخر لا يصدق به فإن كان محمد صادقاً نجا المصدق الأول وهلك المكذب الثاني.

 

 

وإن كان محمد كاذباً كما يدعون نجا الأثنان. لأن المسلم يصدق بجميع الرسل فهو مصدق ضمناً بإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم فيكون ناجياً ولا يضره كذب محمد كما يدعون. فالمسلم ناج في الحالتين، ومكذب محمد صلى الله عليه وسلم ناج في حالة كذب محمد كما يزعمون وهالك في حالة صدق محمد عليه الصلاة السلام.

 

فالمكذب على خطر عظيم لتكذيبه محمداً وتلزمه الحجة فالعاقل يسلك طريق الاحتياط في الاعتقاد ليكون ناجياً في الآخر مع الناجين. (وما ينتجه الاحتياط لا يخالف الحقيقة).

 

إذن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صادق في رسالته لا محالة.

 

  • الثلاثاء AM 11:48
    2021-02-16
  • 1748
Powered by: GateGold