المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409150
يتصفح الموقع حاليا : 302

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بالمشركين في جهاده

                        الزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بالمشركين في جهاده(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المشككين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان ببعض المشركين في القتال، ويستدلون على ذلك بما كان من استعانته - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن أريقط في الهجرة - وهو مشرك - واستعانته - صلى الله عليه وسلم - بصفوان بن أمية - قبل أن يسلم - في حرب هوازن. ويزعمون أنه بذلك قد خالف ما شرعه في قوله: «لا أستعين بمشرك».[1] ويرمون من وراء ذلك إلى القول بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلتزم بما شرع؛ بغية إثبات أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مداهنا خالفت سياسته تشريعه.

وجها إبطال الشبهة:

1)    لم يستعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحد من المشركين في جهاده، وإنما كانت استعانته بعبد الله بن أريقط في هداية الطريق أثناء الهجرة، وكذلك لم يستعن بصفوان بن أمية في حرب هوازن، بل استعان بماله.

2)    يجوز الاستعانة بالكفار والمشركين في القتال في حالات الضرورة بشروط، والضرورات في الإسلام تبيح المحظورات.

التفصيل:

أولا. لم يستعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمشركين في أمور الجهاد، وإنما استعان بأحدهم في هداية الطريق أثناء الهجرة، واستعان بأموال الآخر في حرب هوازن:

من الشائع والمعروف لدى جميع الفقهاء جواز الاستعانة بغير المسلم المأمونة خيانته في الأعمال الدنيوية النافعة للمسلمين، فمثلا المريض المسلم حينما يجد الطبيب غير المسلم الذي يملك الخبرة في عمله لا يجد حرجا عليه في الاستعانة بهذا الطبيب لمعالجة ما ألم به من مرض، وكذا يستعان بالمهندس والصيدلاني وغيرهما في الأمور الدنيوية النافعة للمسلمين.

ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، فكثيرا ما ورد في كتب السيرة أنه - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر استعانا بعبد الله بن أريقط في طريق الهجرة إلى المدينة؛ وذلك حين استأجراه - وكان مشركا - ليدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما، وكان على شركه؛ فالاستفادة من خبرته قائمة طالما أنه مأمون لا ينقل الأخبار للمشركين، والاستفادة من الطاقات غير الإسلامية للمجتمع المسلم أمر مشروع عندما تقتضي الضرورة ذلك[2].

وأما إذا تقول متقول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بصفوان بن أمية في حرب هوازن، فهذا المتقول يفصل رأس النص عن عنقه، ويحسن بنا هنا أن نذكر هذا النص كما ورد في كتب السيرة لتتبين لنا الحقيقة كاملة: "كان صفوان بن أمية من أشد الناس عداوة وأذية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمه يوم فتح مكة، فاختفى وأراد أن يلقي نفسه في البحر، فجاء ابن عمه عمير بن وهب الجمحي وقال: يا نبي الله، إن صفوان سيد قومه، وقد هرب ليقذف نفسه في البحر فأمنه، فإنك أمنت الأحمر والأسود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدرك ابن عمك فهو آمن"، فقال: أعطني آية يعرف بها أمانك، فإني طلبت منه العود فقال: لا أعود معك إلا أن تأتيني بعلامة أعرفها، فأعطاه - صلى الله عليه وسلم - عمامته التي دخل بها مكة، فلحقه بها وهو يريد أن يركب البحر، فقال له صفوان: اغرب عني لا تكلمني، فقال: أي صفوان فداك أبي وأمي جئتك من عند أفضل الناس، وأبر الناس، وأحلم الناس، وخير الناس، وهو ابن عمك عزه عزك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك. قال: إني أخافه على نفسي. قال: هو أحلم من ذلك وأكرم، وأراه العمامة التي جاء بها فرجع معه حتى وقف على رسول الله. فقال: إن هذا يزعم أنك أمنتني. قال: صدق. قال: أمهلني بالخيار شهرين. فقال صلى الله عليه وسلم: أنت بالخيار أربعة أشهر. ولما أراد - صلى الله عليه وسلم - الخروج إلى حرب هوازن استقرض منه أربعين ألف درهم، وطلب منه دروعا كانت عنده، فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: لا ولكن عارية مرجوعة أو مضمونة، ثم خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خرج لحرب هوازن، وهو على شركه، فلما قسم رسول الله غنائم هوازن بحنين أعطاه مائة من الإبل ثم مائة ثم مائة، ثم رآه - صلى الله عليه وسلم - يرمق[3] شعبا مملوءا نعما وشاء، فقال له صلى الله عليه وسلم: يعجبك هذا؟ قال: نعم. قال: هو لك وما فيه، فقبض صفوان ما في الشعب، وقال: إن الملوك لا تطيب نفوسها بمثل هذا، ما طابت نفس أحد قط بمثل هذا إلا نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فأسلم وحسن إسلامه وترك المدة التي كان طلبها" [4].

إذن فالنبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بدروع صفوان بن أمية وأمواله، وليس بأمية نفسه، فخروج صفوان مع المسلمين لا يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان به، وإنما يعني أن صفوان بن أمية قاتل مع المسلمين دون طلب من النبي صلى الله عليه وسلم.

ويمكن أن نقول: إن صفوان بن أمية خرج مع جيش النبي - صلى الله عليه وسلم - دفاعا عن مكة وعن وطنه وقومه وأهله؛ خوفا من هوازن أن يستفحل أمرها؛ لذلك نراه لما صرخ كلدة بن الحنبل، وهو مع صفوان بن أمية الذي كان لا يزال مشركا، إذ لم تمض المدة التي أخذ الخيار لنفسه فيها، صرخ كلدة هذا: ألا بطل السحر اليوم، فقال صفوان الذي لم يعلن إسلامه بعد لهذا الذي ظهر في الجيش مسلما، وقال ما قال: اسكت فض الله فاك، فوالله، لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن[5].

وهذا يدل على أن صفوان خرج مدافعا عن وطنه، وليس مدافعا عن الإسلام.

ثانيا. الاستعانة بالكفار والمشركين في قتال مشركين آخرين مشروط عند العلماء بشروط:

إن الاستعانة بمشرك في الأمور الدنيوية النافعة للمسلمين لا حرج فيه، وهو جائز شرعا، ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك. أما في مجال الدعوة، فقد أجاز العلماء أيضا أن يستعين الداعية بغير المسلم في نشر دعوته ولكن بشروط، وهذا ما يوضحه لنا د. علي محمد الصلابي، حيث يقول: "ويجوز للدعاة أن يستعينوا بمن لا يؤمن بدعوتهم، ما داموا يثقون بهم ويأتمنونهم على ما يستعينون به معهم، فقد رأينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر استأجرا مشركا ليدلهم على طريق الهجرة ودفعا إليه راحلتيهما، وواعداه عند غار ثور، وهذه أمور خطيرة أطلعاه عليها، ولا شك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه وثقا به وأمناه، مما يدل على أن الكافر أو العاصي أو غير المنتسب إلى الدعاة، قد يوجد عند هؤلاء ما يستدعي وثوق الدعاة بهم، كأن تربطهم رابطة القرابة، أو المعرفة القديمة أو الجوار، أو عمل معروف كان قد قدمه الداعية لهم، أو لأن هؤلاء عندهم نوع جيد من الأخلاق الأساسية، مثل الأمانة وحب عمل الخير إلى غير ذلك من الأسباب، والمسألة تقديرية يترك تقديرها إلى فطنة الداعي ومعرفته بالشخص" [6].

أما إذا استعان المسلمون بمشركين في القتال فهناك من أجاز ذلك، وهناك من منعه، وتفصيل ذلك فيما يأتي:

  1. يرى بعض العلماء أنه لا تجوز الاستعانة بالكفار:

ودليل هذا المذهب حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر، فلما كان بحرة الوبر[7] أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تؤمن بالله ورسوله"؟ قال: لا، قال: "فارجع، فلن أستعين بمشرك". قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال أول مرة، قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك". قالت: ثم رجع، فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: "تؤمن بالله ورسوله"؟ قال: نعم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فانطلق» [8].

واستدلوا بحديث ورد عن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، فأسلمنا وشهدنا معه»[9].

وهذان الحديثان يدلان بظاهرهما على عدم جواز قتال المشركين مع المسلمين، وقد ذهب هذا المذهب جماعة من العلماء، وهو مروي عن الشافعي.

  1. جواز الاستعانة بالكفار:

وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه، والذي دعاهم إلى ذلك الأحاديث الأخرى المعارضة للأحاديث التي استدل بها أصحاب المذهب الأول، ومن هذه الأحاديث: عن ذي مخبر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ستصالحون الروم صلحا تغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم» [10]. وظاهر الحديث يدل على جواز الاستعانة بالمشركين.

واستدلوا أيضا باستعانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهود بني قينقاع، وأن قزمان خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين، وخرجت خزاعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على قريش عام الفتح، وقد جمع العلماء بين الروايات، وذلك بأن الذي رده يوم بدر تفرس فيه الرغبة في الإسلام، فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه، أو أن الاستعانة كانت ممنوعة ثم رخص فيها.

قال الحافظ في التلخيص: وهذا أقربها وعليه نص الشافعي، والرأي الراجح في نظري هو الرأي الأول، وهو عدم الاستعانة بالمشرك؛ لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ارجع فلن استعين بمشرك" نكرة في سياق النفي تفيد العموم، والأحاديث الأخرى لا يصح أن تعارض الأحاديث الدالة على عدم الجواز؛ لأنها من مراسيل الزهري، ومراسيل الزهري ضعيفة، ويؤيد هذا قوله سبحانه وتعالى: )ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (141)( (النساء)، وقد جاء عن البراء أنه قال: «أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل مقنع بالحديد فقال: يا رسول الله، أقاتل وأسلم؟ قال: "أسلم ثم قاتل"، فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمل قليلا وأجر كثيرا» [11].

وأما مقاتلة قزمان مع المسلمين فلم يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أذن له بذلك في ابتداء الأمر، وغاية ما فيه أنه يجوز للإمام السكوت عن كافر قاتل مع المسلمين عند الضرورة.

ومع القول بعدم الجواز فهناك حالات الضرورة التي تستوجبها العمليات الحربية، ولا بد لكل عاقل أن ينظر إليها ويقدر ظرفها، والقاعدة الفقهية التي تقول: "الضرورات تبيح المحظورات" تبين لنا أنه تجوز الاستعانة بالكافر إذا دعت الضرورة لذلك، والضرورة تقدر بقدرها[12]، وبناء عليه فقد اشترط المجيزون لمشاركة الكفار في الحرب مع المسلمين أن تؤمن خيانتهم مع معرفتنا بحسن رأيهم، وأن تكون قوة المسلمين أكثر عددا وعدة من أعدائهم في حالة انضمام المشركين إليهم.

وعلى ذلك فلا يحق لأحد أن يزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خالف بسياسته تشريعه؛ لكونه استعان بعبد الله بن أريقط في هجرته - صلى الله عليه وسلم - أو بصفوان بن أمية في حرب هوزان، وهما - آنذاك - مشركان.

الخلاصة:

  • لا خلاف بين علماء الشريعة في جواز الاستعانة بالكفار والمشركين في الأمور الدنيوية النافعة للمسلمين، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين استأجر هو وأبو بكر عبد الله بن أريقط ليدلهما على الطريق، وهو يومئذ مشرك، ولنا في رسول الله الأسوة والقدوة.
  • ليس صحيحا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استعان بصفوان في حرب هوازن، بل استعان - صلى الله عليه وسلم - بماله، أما اشتراك صفوان في المعركة فلم يكن بطلب من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان صفوان في هذه المعركة مدافعا عن وطنه وقومه وليس عن الإسلام.
  • قد أجاز بعض الفقهاء الاستعانة بالمشركين في قتال مشركين آخرين مستندين إلى أدلة وأحاديث كثيرة، مع وضع بعض الشروط منها:

o                  إذا أمنت خيانتهم، وعرفوا بحسن الرأي.

o                  أن تكون قوة المسلمين عددا وعدة تكفي لمقاومة الأعداء جميعا فيما لو انضم إليهم المستعان بهم.

 

 

 

(*) المستشرقون والعملاء الجدد، د. أحمد عبد الحميد غراب.

[1]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (24431)، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في المشرك يسهم له (2734)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2293).

[2]. المنهج الحركي للسيرة النبوية، د. منير الغضبان، دار الوفاء، مصر، ط15، 1427هـ/ 2006م، ص141 بتصرف يسير.

[3]. يرمق: يطيل النظر.

[4]. محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمد رضا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1395هـ/ 1975م، ص317.

[5]. خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، محمد أبو زهرة، دار القلم، دمشق، ط8، 1408هـ/1998م، ج3، ص921.

[6]. السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، د. علي الصلابي، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2002م، ج1، ص459.

[7]. حرة الوبر: اسم موضع.

[8]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كراهية الاستعانة في الغزو بكافر (4803).

[9]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب السير، باب في الاستعانة بالمشركين من كرهه (33159)، وأحمد في مسنده، مسند المكيين، حديث جد خبيب رضي الله عنه (15801)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2292).

[10]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث ذي مخمر الحبشي (16871)، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في صلح العدو (2769)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3612).

[11]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من عمل صالح قبل القتال (2653)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد (5023)، واللفظ للبخاري.

[12]. الجهاد في الإسلام: دراسة فقهية مقارنة، د. أحمد محمود كريمة، مكتبة الدار الهندسية، القاهرة، 1424هـ/ 2003م، ص164: 170 بتصرف.

 

  • السبت PM 10:10
    2020-09-19
  • 2460
Powered by: GateGold