المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412599
يتصفح الموقع حاليا : 304

البحث

البحث

عرض المادة

أدْعِياءُ النُّبوَّةِ: الظَّاهِرةُ والأَسْبابُ.

أدْعِياءُ النُّبوَّةِ: الظَّاهِرةُ والأَسْبابُ.

 

بسم اللّهِ الرحمن الرحيم.

 

مُقَدِّمَة:

 

الحمدُ لِلّه فاطرِ السموات والأرض، والصّلاةُ والسّلامُ على محمّد خاتَمِ الأنبياء والمرسلين؛ وبعدُ:

 

قال تعالى: (ومَنْ أظْلمُ مِمّن افْترى على الله كذبا أو قال أوحِي إليّ ولم يوحَ إليه شيء ومَن قال سأُنزلُ مِثل ما أنزلَ اللّهُ) [الأنعام: 93].

 

إنّ اِدّعاءَ النُّبُوَّةِ ظاهرةٌ خطيرةٌ وجديرةٌ بالدَّرْس والاهتمام، وهذا البحثُ هدفُه التّعرّفُ على بعض المُتَنَبِّئين، ودراسةُ الدوافع الحقيقية التي جعلتهم يتجرّؤون على اللّهِ، ويدّعون النُّبُوَّة أو الرسالة!

 

الفصلُ الأوّل: ظاهرةُ النُّبُوَّةِ.

 

قبل أنْ نُحلِّلَ ظاهرةَ المُتَنَبِّئِين، لا بُدّ مِن إلقاءِ الضوء على ظاهرةِ النُّبُوَّةِ؛ إذْ لا يمكن أن نَعْرف الباطلَ إلاّ بمعرفة الحقّ.

 

 - 1 تعريف النُّبُوَّةِ.

 

  • جاء في قاموس « تاج العروس « :

 

والاسمُ النُّبُوءةُ بالهمز، وقد يُسَهَّل وقد يُبْدَل واواً ويُدغم فيها، قال الراغب : النُّبُوَّةُ: سِفارةٌ بين الله عزَّ وجلَّ وبين ذَوي العُقول الزَّكيَّةَ؛ لإزاحةِ عِلَلِها .

 

والنَّبيءُ بالهمز مكِّيَّة، فَعيلٌ بمعنى مُفْعِل، كذا قاله ابنُ بَرِّيّ؛ هو المُخْبِرُ عن الله تعالى، فإنَّ الله تعالى أَخبره بتوحيده وأَطلَعَه على غَيْبه وأَعلمه أنَّه نبيُّه .

 

 - 2 كيف تُنالُ النُّبُوَّةُ؟

 

قال تعالى:( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) [الحج: 75].

 

قال البغوي في تفسيره:"فَأَخْبَرَ [ أي: تعالى] أَنَّ الِاخْتِيَارَ إِلَيْهِ، يَخْتَارُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلقِهِ".

 

وقال سبحانه:( وَإِذَا جَاۤءَتۡهُمۡ ءَایَةࣱ قَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَیۡثُ یَجۡعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام : جزء من الآية 124].

 

قال الشوكاني في تفسيره: "أيْ: إنَّ اللَّهَ أعْلَمُ بِمَن يَسْتَحِقُّ أنْ يَجْعَلَهُ رَسُولًا ويَكُونُ مَوْضِعًا لَها وأمِينًا عَلَيْها".

 

وقال الدكتور عبد العزيز الطَّوْيان في مقدمة تحقيقه لكتاب «النُّبُوّات» لابن تيمية (19/1): "والنُّبُوّة لا تُنالُ بِعلْمٍ ولا رياضة، ولا تُدْرك بكثرة طاعة أو عبادة، ولا تأتي بتجويع النفس أو إظمائها كما يظنّ مَن في عقله بلادة. وإنّما هي محضُ فضلٍ إلهيّ، ومجرّد اصطفاء ربانيّ، وأمر اختياريّ؛ فهو جلّ وعلا كما أخبر عن نفسه: ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [البقرة، 105].

 

فالنُّبُوّة إذاً لا تأتي باختيار النبيّ، ولا تُنالُ بطلبه".

 

إنّ النُّبُوَّةَ اختيارٌ سماوي، واصطفاءٌ ربّاني، ولكنْ لا ينال فضلها إلاّ مَن كان أهلاً لها؛ وتاريخُ الأنبياءِ يشهد على أنّ اللّهَ تعالى -كما قال الدكتور عدنان زرزور-:" لمْ يَبعث نبيّاً إلاّ وكان ذا حظٍّ وافر من صفاء النفس، وجودة القريحة، وسلامة العقل، وسداد التفكير، إلى جانب اتصافه بالصدق والأمانة، ... إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسن الشمائل والعادات...

 

ولكن ليس معنى ذلك أنّ كلَّ مَن أصاب طرفاً من هذا صار نبيّاً أو «استطاع» أنْ يكون نبيّاً، أو أن يبدأ الاتصال بعالم الغيب!! إنّ صفاءَ صفحةِ النّبِيِّ (أيِّ نبيٍّ، عليهم الصلاة والسلام أجمعين) أمْرٌ أو «شرطٌ» لازمٌ لاستقبال ما يوحى إليه من عالم الغيب .. ولكن «الركن» الذي تتحقق به النُّبُوَّةُ هو اصطفاء اللّهِ ووحيُ السماء!" [في الفكر والثقافة الإسلامية: المدخل والأساس العقائدي، الدكتور عدنان محمّد زرزور، المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة، سنة 1991م، ص133-134].

 

فإذا رجعنا -مثلاً- إلى تاريخ نَبِيِّنا محمّد صلّى اللّهُ عليه وسلّم، فإنّنا نجد أنّه كان من أفضل النّاس وأشرَفِهم نسباً، وكان قلبُه من أطهر القلوب وأصفاها؛ قَالَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ: "بُعِثت مِنْ خَيْرِ قُرون بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى بُعِثْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ" [رواه البخاري].

 

وقال أيضاً: ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.) [رواه مسلم].

 

وقال ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ." [أخرجه أحمد، وحسّن إسنادَه الألباني، ومحققو «مسند أحمد»/ طبعة مؤسسة الرسالة، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح].

 

وقال ابن كثير في بيان فضل النّّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-، عند تفسيره لقوله تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) : "هَذَا وَهُمْ [أي: كُفار قريش] يَعْتَرِفُونَ بِفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ، وَطَهَارَةِ بَيْتِهِ وَمَرْبَاهُ وَمَنْشَئِهِ، حَتَّى أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهُ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ: «الْأَمِينَ»، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ رَئِيسُ الْكُفَّارِ «أَبُو سُفْيَانَ» حِينَ سَأَلَهُ «هِرَقْلُ» مَلِكُ الرُّومِ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قَالَ: لَا. الْحَدِيثُ بِطُولِهِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مَلِكُ الرُّومِ بِطَهَارَةِ صِفَاتِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى صِدْقِهِ وَنُبُوَّتِهِ وَصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ."

 

 - 3 شروطُ النُّبُوَّةِ.

 

لقد اتفق العلماءُ على أنّ طريقَ إثباتِ النُّبوَّةِ لا يكون إلاّ باجتماعِ أمرين، وهما:

 

أ- ادّعاءُ النُّبوَّةِ.

 

ب- وإظهارُ المُعجزة.

 

 ]انظر : أ.د. قحطان عبد الرحمن الدُّوري، العقيدة الإسلامية ومذاهبها، دار العلوم للنشر والتوزيع عمان الأردن، ط 1 سنة 1428ھ- 2007م، ص334. [

 

وظاهرةُ المعجزاتِ تحتاج إلى تفصيل وتبسيط.

 

الفصلُ الثاني: ظاهرةُ المعجزاتِ.

 

 - 1تعريف المعجزة : والمُعجِزةُ في الاصطلاح هي: "أمرٌ خارقٌ للعادة، مقرونٌ بالتحدِّي، سالمٌ عن المعارضة، يظهر على يد مُدّعِي النُّبُوَّة، موافقًا لدعواه." [ السيوطي: الإتقان في علوم القرآن 2/116، ومحمد قلعجي: معجم لغة الفقهاء ص439. [

 

- 2 شرح التعريف : فالمعجزة هي كلُّ أمرٍ خارقٍ للعادة، وهي خارجةٌ عن حدود القدرة البشرية وقوانين العلم والتعلم، لا يمكن لأحد أن يَصل إليها عن طريق الجهد الشخصي والكسب الذاتي؛ لأنّها لا تخضع للأسباب والمسببات، وهي برهانٌ على أنّ هذا الكونَ يسيرُ وَفْق إرادة اللّهِ تعالى وحْدَه، وأنّ جميعَ القوانين خاضعةٌ لجلالِه ومشيئته، ويُجريها -سبحانه- على يَدِ مَن كلّفه بالرسالة؛ لإظهارِ صدقِ دعواه.

 

ولقد أيّد الله تعالى جميع رُسُلِه بمعجزاتٍ تَدُلُّ على صدق نبوتهم، لِقوله تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ) [الحديد: جزء من الآية 25].

 

قال ابن كثير في تفسيره: "أَيْ: بِالْمُعْجِزَاتِ، وَالْحُجَجِ الْبَاهِرَاتِ، وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَاتِ".

 

ويُؤيده قولُ الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَد أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [رواه البخاري ومسلم].

 

جاء في "فتح الباري" لابن حجر: "قوله: (من الآيات) أي المعجزات الخوارق... والمعنى أنَّ كلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ آية أو أكثر، مِن شأن من يشاهدها من البشر أنْ يؤمن به لأجلها".

 

وقدْ يعترضُ مُعْتَرِضٌ قائلاً: " إنّ النّبِيَّ هود -عليه السلام- لمْ يأتِ قومَهُ بأيّة مُعْجِزة؛ لقوله تعالى على لسان قومه: (قَالُوا۟ یَـٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَیِّنَةࣲ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِیۤ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِینَ) [هود: 53].

 

وهذا الاعتراضُ في غير محَلِّه، قال الشّيْخُ ابن عاشور في تفسيره «التحرير والتنوير»: "وقَوْلُهم (ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) بُهْتانٌ؛ لِأنَّهُ أتاهم بِمُعْجِزاتٍ لِقَوْلِهِ تَعالى: (وتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) [هود: 59] وإنْ كانَ القُرْآنُ لَمْ يَذْكُرْ آيَةً مُعَيَّنَةً لِهُودٍ -عَلَيْهِ السَّلامُ-".

 

قال الشيخ ابن عثيمين: "وهذا من حكمة الله العليا ورحمته بعباده، أنْ أيّدَ الرسل بالآيات [أي: بالمعجزات]؛ لئلا يبقى أمرُهم مشكلاً؛ فيقع الناس في الحيرة والشك، ولا يطمئنون إلى ما جاءوا به." [ http://iswy.co/e1235l ]

 

- 3  شروطُ المعجزة.

 

والمُعجِزاتُ التي تُعْطَى للأنبياءِ، لا بُدَّ أنْ تتوَفَّرَ فيها الشروط الآتية -كما حدّدَها المُحقِّقون مِن أهل العِلم-:

 

أ) أنْ تكون أمراً من اللّهِ تعالى؛ والأمر ثلاثة أنواع:

 

- قولٌ : كالقرآن الكريم.

 

- أو فعلٌ : كتحويل العصا إلى حيّة.

 

- أو ترْكٌ : كعدم إحراق النّار للبدن.

 

ب) أن تكون خارقةً لما اعتاد عليه النّاسُ.

 

ج) أن تكون على يدِ مدّعي النُّبوَّةِ أو الرِّسالة. وأمّا الخارقةُ التي يأتي بها مَن لا يدّعي النُّبوَّةَ، فإنّها لا تُعتبرُ معجزة.

 

ولمْ يشترطْ بعضُ العلماء أن تكون المعجزةُ مقرونةً بالتّحدّي -كما جاء في التعريف-، أي: أنْ يقولَ مَن يدّعي النُّبوَّةَ لِقومه: "إنّني أتحدّاكم أن تأتوا بمثل هذه المعجزة التي جئتُكُم بها"؛ بل يكفي قرائنُ الأحوالِ، التي تدل على عجزهم أن يأتوا بمثلها. [القحطاني، المرجع السابق، ص 378].

 

د) أن تكون مُقارِنةً للنُّبُوّةِ، أو متأخِّرةً عنها؛ ولذلك فإنّ الخوارقَ التي تحصُلُ للأنبياء قبلَ البِعثَةِ لا تُعدُّ مِن المعجزاتِ، بل هي تمهيدٌ للنُّبوَّةِ؛ وتُسمَّى إرهاصاتٍ، وقد تظهر عند ميلاد الأنبياء، أو في طفولتهم.

 

ومن إرهاصات نُبوّةِ عيسى عليه السلام ولادتُه مِن غيْرِ أَبٍ، وكلامهُ في المهد.

 

ومن إرهاصات نُبوَّةِ نبِيِّنا محمّدٍ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- ما شاهدتْه مُرضعتُه حليمةُ من الخير الذي أصابها في صباه، وشقُّ صدرِه، وإظلالُ الغمامِ له مِن حرّ أشعّة الشّمس، وتسليمُ الحجر عليه قبل النُّبُوَّةِ.

 

ھ) أن تكون موافقةً لدعوى مُدّعي النُّبوَّةِ، أيْ: واقِعةً على وَفْقِ دعوى المُتَحدَّى بها؛ مثل أن يقول: آيةُ صدقي أن أُحْيِيَ هذا الميّت، فيحْيا ذلك الميّت الذي أشار إليه؛ أمّا إذا قال: آيةُ صِدقي انفلاقُ البحر فلمْ ينفلقْ وانفلق الجبلُ، فهو كاذبٌ. وهذه الخارقةُ تُسمّى الإهانة، ويُجريها الله تعالى على يد رجل يدّعي النُّبوَّةَ على عكس مقصوده؛ إهانةً له أمام الناس الذين اتبعوه، كما كان يحدث لمسيلمة الكذاب، الذي ادّعى النُّبوَّةَ، وأراد أنْ يأتيَ الناسَ بمعجزة، فتفل في عينٍ مصابةٍ لأحدِ المرضى لإبرائها، فعَمِيت عيْنُه الأخرى!

 

و) أنْ لا تكون مُكذِّبةً له، كأن يقول: علاَمةُ صِدْقي نطْقُ هذا الجماد؛ فينطق ذلك الجمادُ ويقول عن هذا المُدّعي: إنّه كذّاب.

 

ز) أن تتعذّرَ مُعارضَتُه، فإذا جاء ساحرٌ أو شخصٌ آخرُ بمثل ما جاء به هذا المُدّعي لِلنُّبوَّةِ، بطَلت دعواه وتبيّن كذِبُه.

 

ح) أنْ لا تكون في زمانِ نقْضِ العاداتِ؛ وسيكون ذلك عند ظهور أشراط الساعة الكبرى، حيثُ ستُخرَقُ كثيرٌ من العادات، وذلك كزمان خروج المسيح الدجال، الذي سيأتي، بخوارقَ لا عهدَ للإنسانيّة بها.

 

وستُخْرَقُ العاداتُ في زمان عيسى عليه السلامُ بعد نزوله إلى الأرض، قال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- واصِفاً عصر عيسى عليه السلام: (وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى يَرْعَى الْأَسَدُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنَّمِرُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَتَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً) [جزء من حديث رواه أبو داود ، وأحمد، وإسناده صحيح].

 

]انظر شروط المعجزة في المرجع السابق، للأستاذ الدكتور الدوري، ص 378-383. [

 

- 4  أسبابُ وضْع شروط المعجزة.

 

قد يتساءلُ متسائلٌ:" ما الفائدةُ مِن وضعِ هذه الشروط، ونحن نؤمن أنّه لا نبيَّ ولا رسولَ بعد نبيِّنا محمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

 

إنّ مِن مقاصِدِ وضعَ هذه الشروطِ الأمورُ الآتية:

 

أ) بناءُ عقيدةٍ قويّةٍ بصِدق نُبُوَّةِ نبيِّنا محمّدٍ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- في نفوس شباب المسلمين، لا تهزها العواصف والشكوك.

 

ب) إنارةُ طريق غير المسلمين، الذين يبحثون عن الهداية، أو يريدون التّأكُّدَ مِن صِدق نُبوّةِ محمّدٍ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم.

 

ج) أنْ نَسُدّ الباب في وجه مَن يُسَوِّل له شيطانُه أن يدّعيَ النُّبوَّةَ؛ فإنّه قد يتراجع عن محاولة ادِّعاء النُّبوَّةِ، إذا علم شروط المعجزات؛ إمّا خوفاً مِن افتضاح أمره أو رجوعاً إلى الطريق المستقيم.

 

د) أن نكشف للناس كذب مَن يخرج عليهم، ويدّعي النُّبوَّةَ والرّسالة.

 

- 5 مُعْجِزات بعض أنبياء اللّهِ.

 

لقد ذكر القرآنُ الكريمُ بعضَ المعجزاتِ لِبعضِ الرسل، والمسلمُ يُؤمن بها؛ لأنّه يُؤمن بالقرآن وبما جاء فيه مِن القصص والأخبار.

 

فلقد أُلْقِيَ إبراهيمُ عليه السلام في النّار، فلمْ تُحرِقه. وأيّدَ سبحانه موسى عليه السلامُ بِعِدَّة مُعجزات، من أبرزها تحويل العصا إلى حيّة، ولقد علِم السَّحَرةُ أنّ ما جاء به موسى ليس بِسحر؛ لأنهم كانوا على علم بقواعده وفنونه؛ ولذلك فإنّهم لما رأوا ذلك كانوا أوّل المؤمنين، قال تعالى: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ. قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [سورة الشعراء: 45-47].

 

ولمّا هرب موسى مع قومه، من فرعونَ وبطشِه، ضرب البحر بعصاه؛ فانفلق إلى فلقتين، وتشكّل لهم فيه طريقٌ، فاستطاعوا النجاة من فرعون وجنده.

 

وأمّا معجزاتُ عيسى عليه السلامُ، فإنّنا نجدها مذكورةً في سورة المائدة، حيث قال تعالى:( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ. إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ. قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ. قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ ) [المائدة: 110- 115].

 

- 6 معجزاتُ النبيِّ محمّد صلّى اللّهُ عليه وسلّم.

 

لقد أيّدَ اللّهُ تعالى نبيَّه محمداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- بِمعجزاتٍ حِسِّيةٍ كثيرةٍ، وبقيت هذه المعجزاتُ محفوظةً في نصوص القرآن والسُّنَّة النّبَوِيَّة إلى يومنا هذا؛ فأيّدَه سبحانه بِحادثَة الإسراء والمعراج، وتكثيرِ القليل من الطعام بين يديْه، ونبعِ الماء من بين أصابعه حتى شرب منه الجيش، وحنين الجذع إليه بعد أن فارقه وانتقل إلى المِنْبر، وإبراء المرضى بإذن الله تعالى، وانشقاقِ القمر. [انظر: مُعجِزةُ انشقاقِ القمَرِ، بين العِلمِ والدِّين والتاريخ.

 

https://oktob.io/posts/22832 ] .

 

ولمّا جعل الحقُّ تعالى رسالةَ الإسلام هي خاتَمَ الرسالات، وحكم على نورها بالإضاءة ما دامت السموات، زاد نبِيَّه محمّداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-، معجزةً معنويةً وعقليةً، تتميّزُ بالخلود وعدمِ التّحريف، ألا وهي القرآن العظيم.

 

وهذه المعجزةُ هي الحارسةُ للإسلامِ من الضياع والزوال، وهي سببُ تكثير الدّاخلين في الإسلام؛ وهذا بفضل اللّهِ، ثُمّ بِبَرَكة رجاء النّبِيِّ عليه الصّلاةُ والسّلام، فلقد ثبت أنّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [ أخرجه مسلم والبخاري ].

 

وانظر: (مُعجِزات القرآن الكريم) في كتاب «الشِّفا بتعريف حقوق المصطفى صلّى اللّهُ عليه وسلّم»، للإمامِ القاضي عياض، القسم الأول، الباب الرابع، إعجاز القرآن (من الفصل الثالث إلى الفصل العاشر). وهذا الكتابُ هذّبَه الشيخُ صالح أحمد الشامي، وسمّاه "المهذَّب من الشفا"، طبع دار القلم.

 

أو انظر على صفحات الإنترنت : http://www.salafi.net/articles/article7.html

 

الفصلُ الثالث: مُوجَزُ تاريخ ظهور أدْعِياء النُّبُوَّةِ.

 

لقد ظهر في عهد النّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- وبعده، أُناسٌ ادّعوا النُّبوَّةَ والرّسالةَ، وكان لبعضهم أنصارٌ وأتباعٌ كثيرون. وفي العهدَين الأموي والعباسي كثُرَ أدعياءُ النُّبُوَّةِ حتى سَئِم الخلفاءُ من كثرتهم؛ فأمروا عُمّالَهم ورجالَ الشرطة بقتلهم بلا مُحاكمة!

 

وفي هذا العصر، كثُرَ أدعياءُ النُّبُوَّةِ -أيضاً- كثْرَةً تُلْفِتُ الانتباه، خُصوصاً في بعض البلدان؛ "ففي باكستان -مثلاً- يكاد يظهر مُدّعي نبوةٍ جديدٍ كلّ شهر تقريبا ... وفي العراق ظهر أكثر من 23 مدعياً بين حربي الخليج الأولى والثانية فقط.. وفي لبنان ظهر بين الدروز 6 حالات في المناطق التي تحتلها إسرائيل فقط.. في مصر والسودان والجزائر تُفاجِئُنا الصّحفُ بين الحين والآخر بالقبض على مُدّعي نبوة جديد أو مهدي منتظر (بل وحتى في أمريكا نفسها ظهر بين الجالية الإسلامية أربعة أشخاص منذ عام 2000 اِدَّعَوْا النُّبُوَّةَ، وتمتعوا بحماية قانون حفظ الحريات الدينية!)" [ نقلاً عن: [ http://www.alriyadh.com/256109  .

 

و"ادِّعاءُ النُّبُوَّةِ .. أصبح ظاهرةً في مصر .. فقد ظهر خلال السنوات العشر الماضية 3500 مدع للنبوة بينهم 1600 من السيدات، 65 % منهم ينتمون إلى محافظات الوجه البحري و80 % منهم أرباب سوابق و مزورون ونصابون ومشعوذون". [ https://www.alyaum.com/articles/197164/ ].

 

ومِنْ غيرِ المُسْتَبْعَدِ أنْ يكون هناك أشخاصٌ آخرون، يعتقدون أنهم أنبياء، ولكنّهم يكتمون أمرَهم خوفاً من النّاسِ، أو من السلطة. ولقد صَدَمَنِي -قبْلَ سنواتٍ- أحدُ أقربائي، لمّا قال لي متسائلاً: "لِمَ لَمْ يخترْه اللّهُ رسولاً، كما اختار محمّداً رسولاً؟"

 

والْتقيتُ في أحدِ الأيام شخصَيْن مُثقّفَيْن في الحافلة، فقالا لي:"إنهما ينتظران خروجَ رسولٍ جديد"!

 

ولقد تنَبَّأَ النّبِيُّ -صلى الله عليه وسلَّمَ- بظهور متنبئين مِن بعدِه، فقال -صلى الله عليه وسلَّمَ-: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ) [البخاري ومسلم].

 

وليس كلُّ من ادّعى النُّبُوّةَ يدخل في هذا الحديث؛ لأنّ أدعياء النُّبوَّةِ عددُهم لا يُمكن إحصاؤُه، ويَظهَرون في كل مكان وفي كل زمان، وأكثرُهم لا وزنَ لهم، وقد يكون لهم أتباعٌ يُعدّون على رؤوس الأصابع؛ والمرادُ من الكذابين المذكورين في الحديث، الذين عددُهم قريبٌ من ثلاثين، هم مَنْ قامت لهم شوْكة وقوة، وافتتن النّاسُ بهم وكَثُرَ أتباعُهم. [انظر شرح الحديث في فتح الباري، لابن حجر العسقلاني].

 

وإذا رجعنا إلى تاريخ أدعياء النُّبُوَّةِ، فإنّنا نجِد صَفحاتِهم مليئةً بالانحلال والفجور، وتناول المحرمات والخمور، ومنهم من كان يعاني من الاضطرابات النفسية أو العقلية، ومنهم من كان مجهول الحال، فخرج فجأةً على الناس وزعم أنّه بُعِث لإخراجِهم من الظلمات والأوحال!

 

الفصلُ الرابع: أسماءُ بعضِ المُتَنَبِّئين الذين ظهروا في المجتمعات الإسلامية.

 

لقد ظهر في تاريخ المسلمين مُتَنَبِّئون كثيرون، نذكر منهم:

 

  • مسيلمة الكذّاب: ادّعى النُّبُوَّة، وأراد أنْ يأتيَ بمُعجزاتٍ تُصدِّق دعواه، فأظهر الله كذبه فيها: ذكر ابن كثير في كتابه (البداية) أنه بصَق في بئر ليزدادَ ماؤُها فغاض ما كان فيها من الماء، وفي رواية أخرى صار ماؤها أُجاجًا؛ وأتى بوِلْدان يُبَرِّكُ عليهم، فمسح على رؤسهم، فمنهم من قَرِعَ رأسُه ومنهم من لَثِغَ لسانُه؛ ودعا لرجل أصابه وجعٌ في عينيه فمسحهما، فعمي!

 

  • ميرزا غلام أحمد القادياني: قال في كتابه (الشهادتين، ص 71): "إن النّبيَّ محمّداً، له ثلاث آلاف معجزة، ولكن معجزاتي زادت على مليون معجزة ". [انظر: محمّد الحسن، المذاهب والأفكار المعاصرة في التصور الإسلامي، ط3، دار البشير للثقافة والعلوم، ص320].

 

والغريبُ في الأمر هو أنّ هذه المعجزات غيرُ مسجّلةٍ في التاريخ؛ فهل فقدَ التاريخُ ذاكرَته، أمْ أنّ أصحابَ هذا الكذّابِ عجزوا عن تسجيلها؟

 

وكان هذا المُدّعي سِكِّيراً، ويأتيه خمرٌ خاصٌّ من بريطانيا! [مكتوبُ الإمام باسم الغلام، ص5، للطبيب محمد حسين القادياني. نقلاً عن «القادياني والقاديانية»، ترجمة الندوي].

 

وفي عام 1326ھ، تحدى هذا الكذّابُ الشيخَ ثناءَ الله الأمْرِتْسَرِي -وهو من كبار علماء المسلمين في الهند، وكان يُفنِّدُ دعواه-؛ فدعا اللهَ أنْ يقبضَ المُبطلَ منهما في حياة صاحبه، ويُسلّطَ عليه داءً مثل الهيضة والطاعون ويكون فيه حتفه؛ وبعد ثلاثة عشر شهرا وعشرة أيام تقريبا أصيب بدعوته التي دعا بها على الشيخ ثناءَ الله، فهلك وافتضح كذبه! [القاديانية، إحسان إلهي ظهير، ص 155 - 159].

 

  • الميرزا علي محمد رضا الشيرازي، مؤسس البهائية: ادّعى النُّبوَّةَ، ولم يأت بأيّ معجزةٍ تصدِّق دعواه، بل أنكر معجزات الأنبياء؛ وذلك حتّى لا يطالبَه أحدٌ بالإتيان بمعجزةٍ فينكشف كذبه؛ قال الدكتور مصطفى محمود -رحمه اللّهُ-:" ولِيَدْخُلَ البهاءُ منتدى المُعجزاتِ، أنكر المعجزاتِ وقام بتأويل آيات المعجزاتِ كلِّها: فموسى لم يشق البحر بعصاه، بل كانت العصا رمزاً للفرقان الذي شقّ به الحقّ مِن الباطل، ... ، وعيسى لمْ يُحْيِ الأجسادَ الميتة، بل النفوس الميتة، ... ، والنّار التي دخلها إبراهيم هي نار الإغاظة التي صارت برداً وسلاماً." [ حقيقة البهائية، د. مصطفى محمود، ص 49-50 ].

 

والبهائيون يرون أن الإيمانَ مسألةٌ قلبية، يكفي فيه الإعجابُ بأفكار مَن يدّعي النُّبوَّةَ، وارتياحُ القلبِ إليه؛ ولذلك فهم لا يناقشون مَن يُطالِبهم بالأدلة على نُبوّةِ الميرزا علي!

 

  • العشري: قال الدكتور مصطفى محمود: "وفي شبرا رجل دجّال له دُوسِيه في المباحث، يُسمِّي نفسه العشري [إشارة إلى النّبِيِّ المبعوث في دورته العاشرة]، وهو يدّعي أكثر من ذلك، أنه كان نبيَّ كلِّ الدورات، فكان آدم في زمن آدم، ونوحاً في زمن نوح، ... ".

 

وقد أرسل هذا المُدّعي إلى الدكتور مصطفى محمود كاسيتاً مسجلا، وادّعى فيه أنَّ الساعة ستقوم في مدى أقل من ثلاث سنوات!

 

قال الدكتور محمود:" وقد مضى على الكاسيت وعلى الحادثة سبع سنوات، ولمْ تقم الساعةُ وكذّبه اللّهُ وأخزاه." [حقيقة البهائية، د. مصطفى محمود، طبع: أخبار اليوم، قطاع الثقافة، سنة 2013، ص 70].

 

  • رشاد خليفة: مصري الجنسية،  عاش في الولايات المتحدة؛ ادّعى النُّبُوَّةَ، وزعم أنّ مُعجزتَه التي تدل على صدق نُبُوَّته هي اكتشافه للسِرّ العظيم للعدد 19 عن طريق الكمبيوتر!

 

إنّ المعجزة -حسب التعريف السابق- تكون خارجةً عن حدود القدرة البشرية وقوانين العلم والتعلم، لا يمكن لأحد أن يَصل إليها عن طريق الجهد الشخصي والكسب الذاتي؛ لأنّها لا تخضع للأسباب.

 

وما اكتشفه رشادُ خليفة -على افتراض صحته- يمكن الوصول إليه عن طريق البحث والجهد الشخصي، كما وقع لرشاد خليفة؛ فهو قد بحث واجتهد واستعان بالكمبيوتر، ولولا ذلك لما وصل إلى اكتشافه؛ فاكتشافه لا يُعدّ من المعجزاتِ.

 

والعجيبُ في الأمر، هو أنّ الذي أعْلَمَ رشاد بالنُّبُوَّةِ والرّسالة هو رشاد نفسُه؛ فهو الذي اكتشف -حسب بحثه في القرآن- أنّه رسولٌ مُكلّف بنشر تعاليمِ دينٍ جديد؛ فهو المُرسِلُ وهو المُرسَلُ!

 

ومَنْ يتوهّمُ أنّه رسولٌ، فمن الطبيعي أنْ يأتيه الشيطان، ويوحِي إليه ما تهوى نفسُه من الأضاليل والأباطيل؛ ولذلك فإنّ رشاد لم يصف لنا (جبريل) الذي جاءه، ولا كيف كان يُلْقَى إليه الوحيُ!

 

وإذا كان رشاد قد ادّعى أنّه رسول اللّهِ إلى العالم، فكيف سيقتنعُ اليهودُ والنّصارى الذين لا يؤمنون بالقرآن الكريم، وهو قد استخرج دَلاَلَةَ رسالتِه مِن القرآن فقط؟

 

ولقد تَتَبّع بعضُ الباحثين اكتشاف رشاد خليفة، وظهر لهم أنّه أخطأ في عدة مواطن؛ فكذّبَ اكتشافُه ادّعاءَه النُّبُوَّةَ، وخابَ أمَلُه!

 

انظر:

 

 

 

 

  • محمد بكاري من اليمن: زعم أنّه أحسّ بمشاعر النُّبُوّة؛ فادّعى أنّ هذا الإحساسَ دليلٌ على نُبُوَّتِه!

 

  • محمّد عبد الرزاق أبو العلا: زعم أنّه سمع صوتاً هاتفاً يُخبره بأنّه نبيٌّ!

 

  • منال وحيد مناع: اِدّعتْ أنَّها ترى في غرفتها جبريل، والسيدة زينب، والسيدة فاطمة الزهراء!

 

  • زهرة التونسية، المدعوةُ (أمّ الأنبياء): سمِعَتْ صوتاً هاتفاً يأمرها بتوحيد الديانات، وقال لها: إنّ المصدرَ إلهي!

 

ومعروفٌ أنّ الذين ينادون بتوحيد الأديان، هم شياطينُ الماسونية عُملاءُ الصّهيونية العالمية!

 

  • سيد طلبة المصري: ادّعى أنَّ له القدرة على علاج الأمراض المستعصية بالقرآن الكريم، واعتبر هذه القدرةَ معجزةً ودليلاً على نُبوَّتِه!

 

ومعلومٌ أنّ الذين عالجوا بعضَ الأمراضِ المُستعصية بالقرآن الكريم كثيرون، فهل كانوا كلُّهم أنبياءَ؟

 

ولقد غاب عن عِلْم هذا المدعِي الأمورُ الآتية:

 

- الأوّل: أنّ مِنْ شروط المعجزة أنْ تكونَ مُقارِنةً للنُّبُوّةِ، أو متأخِّرةً عنها، لا قبلها؛ وهو اِدّعى النُّبوَّةَ بعد العلاج بالقرآن!

 

- الثاني: أنّ القرآن هو الذي يملك خاصية علاج بعض الأمراض النفسية أو البدنية.

 

- الثالث: أنّه يمكن أنْ تَتِمّ المعالجة بالقرآن -بإذن اللّهِ- على يدِ أيّ شخصٍ، ولو كان يهوديّاً أو نصرانيّاً كما ذهب إلى ذلك بعضُ العلماءِ؛ قال الربيعُ بن سليمان: "سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الرُّقْيَةِ؟ فقال: لاَ بَأْسَ أَنْ يرقى الرَّجُلُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وما يَعْرِفُ من ذِكْرِ اللَّهِ.

 

قُلْت: أيرقى أَهْلُ الْكِتَابِ الْمُسْلِمِينَ؟

 

فقال: نعم؛ إذَا رَقُوا بِمَا يُعْرَفُ من كِتَابِ اللَّهِ، أو ذِكْرِ اللَّهِ." [ كتاب «الأُمّ»، للشافعي (7/228) ].

 

ولكن الأحوط عند بعض العلماء، الابتعادُ عن رقية أهل الكتاب؛ قال ابن عبد البر: "كان مالك يكره رقية أهل الكتاب وذلك - والله عز وجل أعلم - بأنه لا يدري أيرقون بكتاب الله تعالى أو بما يضاهي السحر من الرقى المكروهة". [ الاستذكار (9/376) ].

 

  • «سيدة الزمان»: امرأة سنغالية أطلقت على نفسها اسم (سيدة الزمان) ادَّعَتْ النُّبُوَّةَ والرِّسالة في بداية سنة 2020 م، ودَعَتْ إلى تصديقها واِتّباعِ ما أتت به!

 

وقالت في فيديو -تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي-: "إنّها نَبِيّة أرسلها الله لإنقاذ البشرية، ولإغاثة العصر"، مضيفة :"الله أكبر، الله أكبر...إنني سأبلغ الوحي للعالم كُلّما نزل عليّ، وأنا التي أعطي لكل فرد في هذا العالم نفسه التي يتنفس بها"!

 

انظر:

 

https://www.akhbarona.com/mobile/last/291163.html

 

http://rimafric.info/node/4031

 

الفصلُ الخامس: أسبابُ ادّعاءِ النُّبُوَّةِ.

 

إنّ أهمَّ الأسبابِ التي قد تدفع بعضَ الأشخاص إلى ادّعاء النُّبُوَّةِ، هي:

 

1 - الجُرأةُ على اللّهِ، وعدمُ الخوفِ من عذابه.

 

قال تعالى: ( أَفَأَمِنُوا۟ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا یَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ ) [الأعراف: 99].

 

قال الرازي في تفسيره: "ويَدُلُّ قَوْلُهُ: (أفَأمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ) أنَّ المُرادَ أنْ يَأْتِيَهم عَذابُهُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ؛ قالَهُ عَلى وجْهِ التَّحْذِيرِ، وسَمّى هَذا العَذابَ مَكْرًا تَوَسُّعًا ... وبَيَّنَ أنَّهُ لا يَأْمَنُ نُزُولَ عَذابِ اللَّهِ عَلى هَذا الوَجْهِ إلّا القَوْمُ الخاسِرُونََ) وهُمُ الَّذِينَ لِغَفْلَتِهِمْ وجَهْلِهِمْ لا يَعْرِفُونَ رَبَّهم، فَلا يَخافُونَهُ، ومَن هَذِهِ سَبِيلُهُ فَهو أخْسَرُ الخاسِرِينَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ؛ لِأنَّهُ أوْقَعَ نَفْسَهُ في الدُّنْيا في الضَّرَرِ، وفي الآخِرَةِ في أشَدِّ العَذابِ".

 

2  - خِدمةُ الباطِنِية والنصرانية والصهيونية العالمية، أعداءِ الأُمّةِ الإسلامية؛ وزعزعةُ عقيدة المسلمين.

 

وهؤلاء يُمثّلون خطورةً كبيرةً على المسلمين؛ يقول -مثلاً- الميرزا غلام أحمد في كتابه «شهادة القرآن، ص 15»:"لقد قضيت عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ومؤازرتها، ولقد ألّفت في مَنْع الجهاد ووجوبِ طاعة أولي الأمر من الإنجليز".[ نقلاً عن محمّد الحسن، المذاهب والأفكار المعاصرة، ص 323 ].

 

قال الدكتور مصطفى محمود: "وكان البهاء -وهو من الذين ادّعوا النُّبوَّةَ- على صِلَة بحكومات الاستعمار الروسي." [حقيقة البهائية، د. مصطفى محمود، طبع: أخبار اليوم، قطاع الثقافة، سنة 2013، ص 36].

 

وقال أيضاً:"والبهاء كان أهمُّ بَنْدٍ في شريعته هو إبطال الجهاد، ومِن أقواله:

 

- "لَأنْ يقتلكم الكافرُ خيرٌ من أن تقتلوه." «بهاء الله والعصر الجديد».

 

- "ليس لأحد أن يعترض على الذين يحكمون على العباد." «إشراقات، ص -  133 ».

 

"حُرِّمَ عليكم حمل آلات الحرب"! «الأقدس، الفقرة 383 ».

 

]انظر هذه الأقوال في المرجع السابق، ص 39-40. [

 

وقال مصطفى محمود أيضاً: "وفي ذلك تلتقي البهائية والقاديانية، والمِلَل الباطنية بأشكالها .. كلها مَحَتْ آية السيف ونسخت حكم الجهاد .. لأنها تكلّمت بلسان المستعمر ولمصلحته؛ وأرادت الإسلامَ أعزلَ، والمسلمين خاضعين أذِلّاءَ راضين بالظلم. [المرجع السابق، ص 40].

 

ولقد كان رشادُ خليفة إماماً في مسجد خاص به بالولايات المتحدة، ويقال إنه قد حصل عليه من إحدى الجمعيات اليهودية الخيرية دون مقابل؛ وأسّس بعد ذلك مركزاً خاصاً به وبدعوته، وبدأ بإنكار السُّنّة ثُمّ ادّعى الرسالة؛ وأصبح فيما بعد مِمَّن يملكون الملايين، مما جعل الشّبُهات تدور حول شخصه وصِلَتِهِ بجهات معادية للإسلام.

 

قال الصحافي الكبير أحمد بهاء الدين في عام 1988: "إن نشرات رشاد خليفة -التي يوزعها على الصحف- تبدو مُمولة تمويلا جيداً".

 

إنّه مِن المعروف عن اليهود أنّهم كانوا كُلّما جاءهم رسول من الرّسُل بما لا تهوى أنفسُهم عادَوْه؛ فإمّا أنْ يُكذّبوه، وإمّا أنْ يقتلوه، قال تعالى:( لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ وَأَرۡسَلۡنَاۤ إِلَیۡهِمۡ رُسُلࣰاۖ كُلَّمَا جَاۤءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰۤ أَنفُسُهُمۡ فَرِیقࣰا كَذَّبُوا۟ وَفَرِیقࣰا یَقۡتُلُونَ ) [ المائدة: 70].

 

فلقد قَتَلُوا زَكَرِيّا ويَحْيى، وكَذَّبُوا عِيسى وحاولوا قتله، وحاولوا قتل النّبِيِّ محمّدٍ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-؛ ولو كان هؤلاء الأدعياء الجُدُد على حقٍّ، لكان اليهود هم أوّل مَنْ يكذّبونهم، ولحاولوا قتْلهم، لا الوقوف وراءَهم وإلى جانبهم!

 

ولا شكّ أنّ اليهود يعلمون أنّ جميعَ هؤلاءِ الأدعياء كاذبون؛ ولذلك فهم أوّلُ مَن يُساندهم بِالمالِ والدعاية؛ لضرب عقيدة الأُمّةِ الإسلامية!

 

ويلاحظُ أنّ هؤلاءِ الأدعياءَ الجُدُدَ، الذين أبطلوا الجهاد، لمْ يظهروا إلاّ بعد دخول المُحْتل الأجنبي الكافر إلى الديار الإسلامية!

 

قال الدكتور محسن عبد الحميد: "وتبيّن لي بصورة قطعية: أنّ البهائية هي نِحْلةٌ باطنية، اِسْتُغِلَّتْ أبشعَ استغلال للقضاء على مقدسات الأُمّة الإسلامية، وحريتها واستقلالها. وتيقّنتُ أخيراً أنَّ قوى ثلاثاً تقفُ وراء البهائية، هي: الاستعمارُ ومكائدُه ومؤامراته، والصهيونيةُ وأجهزتها السرية والعلنية، والصليبيةُ ومؤسساتُها التبشيرية." [حقيقة البابية والبهائية، الدكتور محسن عبد الحميد، ص 8-9، الطبعة الثالثة، المكتب الإسلامي، 1985].

 

وقال أيضاً: "تقول القاعدة التبشيرية التي تُحرِّك الاستعمارَ وأعداءَ الإسلام: (تبشير المسلمين، يجب أن يكون بواسطة رسول مِن أنفُسِهم ومن بين صفوفهم؛ لأنّ الشجرة يجب أن يقطعها أحدُ أعضائها)". [المرجع السابق، نقلاً عن «الغارة على العالم الإسلامي»، ص38)] .

 

3 - التّكبُّرُ وحُبُّ السيادةِ والرئاسة، وحُبُّ الظهورِ والشُّهرة.

 

قال الدكتورُ مصطفى محمود: "والتَّسلُّلُ إلى منتدى الأنبياء، وادِّعاءُ النُّبُوَّةِ هوايةٌ قديمةٌ قِدمَ التاريخ، بِحُكْم ما جُبِلَت عليه النفوسُ البشرية من حب الجاه والعظمة؛ وليس أعظمُ مِن أن تكونَ نبياً، ولا جاهَ يُبْتَغى أكبرُ من جاهِ الأنبياء". [انظر: حقيقة البهائية، د. مصطفى محمود، مبحث «ختم النُّبُوَّة» ص 67].

 

إنّ المتكبِّرَ يُحِبّ السّيادة والرئاسة، وقد يرى نفسَه أعلى من جميع أهل الأرض، وأنّه أحقّ بأن يُعبَدَ فيدّعي الألوهية؛ وإذا تنازل عن ادعاء الألوهية، فإنّه قد يرى أنّه أحقّ بأنْ يُطاع فيدّعي النُّبُوَّةَ والرّسالة؛ حتى يُطاعَ ولا يُعْصَى!

 

ولقد صرّح مسيلمةُ الكذّابُ لمّا ادّعى النُّبوَّةَ أنّه كان يطمع في الملك والرئاسة، فقال: «أريد أن يشركني محمد معه في النبوة، كما أشرك موسى اخاه هارون! »

 

وفي سنة 2018 ادّعى ياسر حسين النُّبُوَّةَ، وهو رجل سياسة شيعي؛ وكان مرشحاً للانتخابات البرلمانية العراقية، فزعم أنّ اللّهَ كلّفه بالترشح للانتخابات، وسوّلَتْ له نفسُه أن يضع كلمةَ (النَّبي) قبل اسمه الأول، على لوحة إعلاناته الانتخابية، التي تم توزيعها في شوارع محافظته؛ وذلك لكسب مقعدٍ في البرلمان!

 

4 - تسلّط الشياطين.

 

يتسلط الشياطينُ على بعضهم، فيوحون إليهم زُخرُف القول؛ وقد يُسمِعونهم أصواتَهم بدون أنْ يروهم، أو يتشكّلون في بعض الصور، ويزعمون أنّهم ملائكةٌ أو أنبياءُ بُعِثوا مِن قبورهم، وأرسلهم اللّهُ إليهم ليُبشّروهم بالنّبُوّة؛ فيُصدّقونهم، ويظنون أنهم على الحقّ المبين!

 

بل إنّ الشيطان قد يُكَلِّم أحدَ النّاسِ، ويأتيه في صورة من الصور، ويقول له: إنّه ربُّه، ويأمره بفعل أشياء تخالف الشرع؛ حتى يُضِلَّه عن الطريق المستقيم.

 

ولقد وقع مثلُ ذلك للشيخِ عبد القادر الجيلاني؛ قال الإمامُ ابنُ مفلح المقدسي: "قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه: ”اشتدّ علَيَّ الحرُّ في بعض الأسفار يوما حتى كِدتُ أن أموت عطشا، فظلّلتني سحابةٌ سوداءُ، وهبّ عليّ منها هواء بارد حتى دار ريقي في فمي، وإذا بصوت يناديني منها: يا عبد القادر أنا ربّك. فقلت له: أأنت الله الذي لا إله إلا هو؟ قال: فناداني ثانيا، فقال: يا عبد القادر أنا ربّك، وقد أحللت لك ما حرّمت عليك، قال: فقلت له: كذبت عدوّ الله بل أنت شيطان." [مصائب الإنسان من مكائد الشيطان، ابن مفلح المقدسي، دار الكتب العلمية،ط1 ص 87 ].

 

5 - تحليلُ المحرّمات، وتحريمُ المُباحات.

 

إنّ مَنْ يريدُ تحليل ما حرّم اللّهُ أو تحريم ما أحلّ اللّهُ، يلجأ -عادةً- إلى تحريفِ النّصوص الدينية، أو إنكارِ السُّنَّةِ النّبَوِيَّة، والطعنِ في علماء المذاهب الإسلامية، وتسفيه اجتهاداتهم، والتشكيك في العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية؛ ولكنْ بعضُ المنحرفين يُفضّلُ اِدّعاءَ النُّبُوَّةِ، وإحداثَ شرعٍ جديدٍ؛ لكي يُحلِّلَ ما تشتهيه نفسُه الخبيثة، ويستغلّ مَنْ يشاء مِن أتباعه، بدون أنْ يعترضَ عليه أحدٌ، أو يُناقشَه فيما يقوله أو يفعله!

 

  • مِن هؤلاء الدكتور صلاح شعيشع، وهو طبيب نسائي، كان قد تعَرَّف إلى زوجةِ صديقٍ له، فأعجبته ونشأت بينهما علاقة غير شرعية، واطلق عليها لقب ( أم المؤمنين )؛ ثُمّ ادّعى النُّبوَّةَ!

 

ومن الطقوس الدينية التي كان يمارسها مع أتباعه، أنّه كان يُقبِّل الرجال في افواههم ثلاث مرات، والنساء عشرين مرة، وكان يُطلق على قُبْلته اسم (القبلة المُحَمّدِية الطاهرة)!

 

وكان يفرض على أتباعه -الذين جاوَز عددُهم 1200- الإِتاواتِ، وأسقط عنهم الصلاةَ والزكاةَ والصيام والحج!

 

  • وفي الاسكندرية أعلن محمد إبراهيم محفوظ -وهو مدير أمن سابق بأحدى الشركات الملاحية، وكان عمره 63 عاما- أنّه نبي الله وأنشأ (الطريقة الروحية) في منزله، وكان أتباعُه يسجدون له، وأباح لهم الربا والزنا؛ ثم أخذ ينفرد بزوجات أتباعه ممن يلجأن اليه للعلاج الروحي!

 

6 - دعوى رؤية النّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- في المنام!

 

قال النّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (ومن رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطانَ لا يتمثل في صورتي) [رواه البخاري].

 

إنّ رؤيةَ النّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- في المنام ممكنةٌ، ولكنها "لا تصِحُّ إلاّ لِصَحابِيٍّ رآه، أوْ لحَافِظٍ لِصفاتِه حتى يكونَ المثالُ الذي رآه في المنام مطابقاً لخِلْقته صلى الله عليه وسلم."، كما قال العلماء. [القوانين الفقهية لابن جزي، الباب الثالث عشر].

 

وقال العلاّمةُ زكريا الأنصاري: "ولا يُمتَنع عقْلاً أن يُسَمّى إبليسُ باسم النّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-؛ ليقول للنّائم: إنّهُ النّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-، ويأمره بالطاعة ليوقعه في المعصية." [المناوي، فيض القدير، ج6 ص172 ].

 

وقال الشيخُ ابن باز: "ثم ليس كل من ادّعى رؤيته -صلى الله عليه وسلم- يكون صادقا، وإنما تُقْبل دعوى ذلك من الثقات المعروفين بالصدق والاستقامة على شريعة الله سبحانه".

 

ثُمّ إنّ رُؤيتَه -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- في المنام، إذا قال قولاً أو فَعَل فِعلاً، ليست بحُجَّةٍ في دين الإسلام؛ قال الشوكاني: "ولا يخْفَاك أنّ الشرع، الذي شرعه الله لنا على لسان نبِيِّنا -صلى الله عليه وسلم- قد كمَّلَه اللهُ عز وجل، وقال: (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم)، ولم يأتنا دليلٌ يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته - صلى الله عليه وسلم - إذا قال فيها بِقَوْل، أو فَعَلَ فيها فِعلْاً، يكون دليلاً وحجةً". [الشوكاني، إرشاد الفحول، ص249].

 

7 - دعوى رؤية النّّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- في اليقظة!

 

زعم بعضُ المُتَنَبِّئين أنّهم رأوا النّبِيَّ عليه الصّلاةُ والسّلام في اليقظة بأعينهم، وكلّمَهُم وكلّمُوه!

 

وعلى افتراض إمكانية هذه الرؤية، فإنّها (لا تصِحُّ إلاّ لصحابي رآه، أوْ لحَافِظٍ لِصفاتِه حتى يكونَ المثالُ الذي رآه في المنام مطابقاً لخِلْقته صلى الله عليه وسلم) كما رأينا في الرؤية في المنام.

 

والصّحيحُ عند المحققين من العلماء، أنّه لا يمكن رؤيةَ النّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- في اليقظة؛وبعضُ من يُجَوّّزونها يقولون بِعَدمِ جواز أنْ يأمرَ النَّبِيُّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- بشيء يخالف العقيدة أو أحكام الشريعة الإسلامية؛ قال المفتي السابق للمملكة الأردنية الهاشمية، الشيخُ نوح علي سلمان: "فلو ادَّعى شخص أنَّه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في اليقظة، لا نُنكِرُ عليه ذلك إنْ كان ظاهر الصلاح، ولكن إذا قال أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقظةً أو مناماً فأمره بكذا أو نهاه عن كذا ويريد بذلك أن يزيد في أحكام الشريعة لا نقبل منه، لأن الله تبارك وتعالى أتمَّ لنا الدين ولا مجال لزيادة فيه ولا نقص، وقد قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) المائدة/3". [فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الحياة العامّة/فتوى رقم/68.[ https://www.aliftaa.jo/Question3.aspx?QuestionId=2593#.Xix5sVPzMew ].

 

ومعلومٌ أنّ النّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- هو آخرُ الأنبياء والرسل، فلا يمكن أن يُبَشِّر أحداً بعدَه بالنُّبُوَّةِ!

 

8 - الغُلُوُّ في الشيوخ.

 

  • ذهَب بعضُ الصوفية إلى تفضيل الأولياء على الأنبياء، وقالوا: "معاشرَ الأنبياء، أوتيتم اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوه"! [الإنسان الكامل: للجيلي (1/ 124)، الجواهر والدرر: ص 286 بهامش الإبريز].

 

وهذا -في الحقيقة- تصريحٌ بِنُبُوّتِهم، وهو مخالفٌ لعقيدة المسلمين، قال الإمامُ الطحاوي في «العقيدة الطحاوية» التي اتفق عليها علماءُ السّنّة: "ولا نُفَضِّلُ أَحداً منَ الأوْليَاءِ على أَحَدٍ مِن الأَنبِياءِ عليهم السَّلاَمُ، ونقول: نَبِيٌّ واحِدٌ أفْضَلُ مِن جميع الأولياءِ".

 

ويكفي في الردّ عليهم قولُه تعالى: (ومَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69].

 

لقد ذكر اللّهُ الذين أنعم عليهم، وجعل الأنبياء في أوّل المراتب؛ ولذلك استعمل ابن كثير في تفسيره لهذه الآية حرف (ثُمّ) للترتيب، فقال: "أَيْ: مَنْ عَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتَرَكَ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُسْكِنُهُ دَارَ كَرَامَتِهِ، وَيَجْعَلُهُ مُرَافِقًا لِلْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ لِمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الرُّتْبَةِ، وَهُمُ الصِّدِّيقُونَ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ، ثُمَّ عُمُومُ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمُ الصَّالِحُونَ الَّذِينَ صَلُحَتْ سَرَائِرُهُمْ وَعَلَانِيَتُهُمْ".

 

  • وقال بعضُ الشيعة: "إنّ الأئمّة عليهم السّلام لا يتكلّمون إلا بالوحي"! [انظر: «بحار الأنوار» (17/155 (، (54/237)].

 

وردّ عليهم الشيخُ ابن تيمية بقوْلِه: "فمن جعل بعد الرسول معصومًا يجب الإيمان بكل ما يقوله، فقد أعطاه معنى النُّبُوَّةِ وإنْ لمْ يُعْطِه لفْظَها." [منهاج السنة (3/174)].

 

9 - الإصابةُ بمرض الفُصام.

 

بعضُ مَن يدّعي النُّبوَّةَ يكون مُصاباً بمرض الفُصام، الذي يُعرفُ باسم الشيزوفرينيا (Schizophrenia) وهو اضطراب عقلي، يتّسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي، ومن أعراضه: اضطراب الفكر والهلوسة السمعية والبصرية، والفشل في التمييز بين الواقع والخيال.

 

يقول الدكتور ابراهيم بن حسن الخضير(*) واصِفاً المُصاب بهذا المرضِ: "من أشهر المُعتقدات الضلالية أن يظن الشخصُ نفسَه بأنه شخصيةٌ مهمة أو يدّعي النبوة أو أنه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام أو المهدي المنتظر، وكل هذه الأفكار والمُعتقدات هي من أعراض المرض وليست بسبب ضعفِ إيمانٍ أو أنها شيء يقوله المريض ويعتقده وهو في كامل قواه العقلية ". [http://www.alriyadh.com/198781 ]

 

ومثلُ هؤلاء لا يَأْبَه لهم الناسُ -عادةً- ولا يُبالون بهم، إلاّ مَن كان جاهلاً بحالهم، أو أرادَ أنْ يستغِلّهم لزرع الفتنة في صفوف المسلمين!

 

(*) دبلوم الأمراض النفسية والعصبية - قسم الطب النفسي- جامعة ادنبرة- بريطانيا، وكان يزاول مهمة استشاري أول الطب النفسي بمدينة الأمير سلطان الطبية العسكرية بالرياض، منذ ديسمبر 2009.

 

انتهى البحثُ بفضلِ اللّهِ ونعمتِه، والحمدُ لِلّهِ ربِّ العالمين.

 

وكتبه: أ. عبد المجيد فاضل

 

  • الاربعاء PM 11:20
    2020-09-16
  • 2310
Powered by: GateGold