المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413447
يتصفح الموقع حاليا : 204

البحث

البحث

عرض المادة

الأحاديث الضعيفة في التوسل

الشبهة السادسة: الأحاديث الضعيفة في التوسل:الحديث الأول: عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: «من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ... أقبل الله عليه بوجهه».رواه أحمد (3/ 21) واللفظ له، وابن ماجه، وانظر تخريجه مفصلًا في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) (رقم 24). وإسناده ضعيف لأنه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، وعطية ضعيف كما قال النووي في (الأذكار) وابن تيمية في (القاعدة الجليلة) والذهبي في (الميزان) بل قال في (الضعفاء) (88/ 1): «مجمع على ضعفه».الحديث الثاني: حديث بلال - رضي الله عنه - وهو ما روي عنه أنه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا خرج إلى الصلاة قال: بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا، فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا .. » الحديث أخرجه ابن السني في (عمل اليوم والليلة، رقم82) من طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عنه.وهذا سند ضعيف جدًا، وآفته الوازع هذا، فإنه لم يكن عنده وازع يمنعه من الكذب، كما بينه الألباني في (السلسلة الضعيفة)، وقال النووي في (الأذكار): «حديث ضعيف أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي وهو متفق على ضعفه، وأنه منكر الحديث» وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: «هذا حديث واه جدًا».* ومع كون هذين الحديثين ضعيفين فهما لا يدلان على التوسل بالمخلوقين أبدًا، وإنما يعودان إلى أحد أنواع التوسل المشروع الذي تقدم الكلام عنه، وهو التوسل إلى الله تعالى بصفة من صفاته - عز وجل -؛ لأن فيهما التوسل بحق السائلين على الله وبحق ممشى المصلين. فما هو حق السائلين على الله تعالى؟ لا شك أنه إجابة دعائهم، وإجابة الله دعاء عباده صفة من صفاته - عز وجل -، وكذلك حق ممشى المسلم إلى المسجد هو أن يغفر الله له، ويدخله الجنة ومغفرة الله تعالى ورحمته، وإدخاله بعض خلقه ممن يطيعه الجنة. كل ذلك صفات له تبارك وتعالى.الحديث الثالث: عن أبي أمامة قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا أصبح، وإذا أمسى دعا بهذا الدعاء: اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد .. أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وبكل حق هو لك، وبحق السائلين عليك ... ».قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (10/ 117): «رواه الطبراني، وفيه فضال بن جبير، وهو ضعيف مجمع على ضعفه».قال الألباني: «بل هو ضعيف جدًا»، اتهمه ابن حبان فقال: «شيخ يزعم أنه سمع أبا أمامة، يروي عنه ما ليس منه حديثه». وقال أيضًا: «لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل لها».وقال ابن عدي في (الكامل) (25/ 13): «أحاديثه كلها غير محفوظة».الحديث الرابع: عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي - رضي الله عنهم - دعا أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلامًا أسود يحفرون ... فلما فرغ دخل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فاضطجع فيه فقال: «الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بين أسد، ولقنها حجتها، ووسع مدخلها بحق نبيك، والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين ... ».قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): (رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه روح بن صلاح، وثقة ابن حبان والحاكم وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح).قال الألباني: ومن طريق الطبراني رواه أبو نعيم في (حلية الأولياء) وإسناده عندهما ضعيف، لأن روح بن صلاح الذي في إسناده قد تفرد به، كما قال أبو نعيم نفسه، وروح ضعّفه ابن عدي، وقال ابن يونس: رويت عنه مناكير، وقال الدارقطني: «ضعيف في الحديث»، وقال ابن ماكولا: «ضعَّفوه»، وقال ابن عدي بعد أن أخرج له حديثين: «له أحاديث كثيرة، في بعضها نكرة» فقد اتفقوا على تضعيفه فكان حديثه منكرًا لتفرده به. وقد ذهب بعضهم إلى تقوية هذا الحديث لتوثيق ابن حبان والحاكم لروح هذا، ولكن ذلك لا ينفعهم، لما عرفا به من التساهل في التوثيق، فقولهما عند التعارض لا يقام له وزن حتى لو كان الجرح مبهمًا، فكيف مع بيانه كما هي الحال هنا.الحديث الخامس: عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يستفتح بصعاليك المهاجرين».فيرى المخالفون أن هذا الحديث يفيد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يطلب من الله تعالى أن ينصره، ويفتح عليه بالضعفاء المساكين من المهاجرين، وهذا ـ بزعمهم ـ هو التوسل المختلف فيه نفسه.قال الألباني: «والجواب من وجهين:الأول: ضعف الحديث، فقد أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير):حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه حدثنا أبي حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبيه عن أميه به.وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي بن عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق عن أمية بن خالد به. ثم رواه من طريق قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة عن أمية بن خالد مرفوعًا بلفظ: «. .. يستفتح ويستنصر بصعاليك المسلمين».قال الألباني: «مداره على أمية هذا، ولم تثبت صحبته، فالحديث مرسل ضعيف، وقال ابن عبد البر في (الاستيعاب) (1/ 38): «لا تصح عندي صحبته، والحديث مرسل» وقال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) (1/ 133): «ليست له صحبة ولا رواية».قال الألباني: وفيه علة أخرى، وهي اختلاط أبي اسحاق وعنعنته، فإنه كان مدلسًا، إلا أن سفيان سمع منه قبل الاختلاط، فبقيت العلة الأخرى وهي العنعنة. فثبت بذلك ضعف الحديث وأنه لا تقوم به حجة. وهذا هو الجواب الأول.الثاني: أن الحديث لو صح فلا يدل إلا على مثل ما دل عليه حديث عمر، وحديث الأعمى من التوسل بدعاء الصالحين. قال المناوي في (فيض القدير): «كان يستفتح» أي يفتتح القتال، من قوله تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ} (الأنفال: 19) ذكره الزمخشري. «ويستنصر» أي يطلب النصرة «بصعاليك المسلمين» أي بدعاء فقرائهم الذين لا مال لهم.قال الألباني: وقد جاء هذا التفسير من حديثه، أخرجه النسائي بلفظ: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم وإخلاصهم» وسنده صحيح، وأصله في (صحيح البخاري)، فقد بين الحديث أن الاستنصار إنما يكون بدعاء الصالحين، لا بذواتهم وجاههم.ومما يؤكد ذلك أن الحديث ورد في رواية قيس بن الربيع المتقدمة بلفظ: «كان يستفتح ويستنصر ... » فقد علمنا بهذا أن الاستنصار بالصالحين يكون بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم، وهكذا الاستفتاح، وبهذا يكون هذا الحديث ـ إن صح ـ دليلًا على التوسل المشروع، وحجة على التوسل المبتدع، والحمد لله.الحديث السادس: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مرفوعًا: «لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال: يا آدم ‍! وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوبًا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضِف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال: غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتُك».أخرجه الحاكم في (المستدرك) (2/ 615) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري: حدثنا إسماعيل بن مسلمة: أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر. وقال: (صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب).فتعقبه الذهبي فقال: «قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن أسلم الفهري لا أدري مَن ذا»قال الشيخ الألباني: ومن تناقض الحاكم في (المستدرك) نفسه أنه أورد فيه حديثًا آخر لعبد الرحمن هذا ولم يصححه، بل قال: «والشيخان لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد!».قال الشيخ الألباني: «والفهري هذا أورده الذهبي في (الميزان) وساق له هذا الحديث وقال: «خبر باطل»، وكذا قال الحافظ ابن حجر في (اللسان) (3/ 360) وزاد عليه قوله في الفهري هذا: «لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته» قلت (أي الشيخ الألباني): «والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رُشيد، قال الحافظ: ذكره ابن حبان، متهم بوضع الحديث، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة، لا يحل كتب حديثه».قال الشيخ الألباني «والحديث رواه الطبراني في (المعجم الصغير):ثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري: ثنا أحمد ابن سعيد المدني الفهري: ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم به. وهذا سند مظلم فإن كل من دون عبد الرحمن لا يعرفون.وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيرًا، ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني، وغيرهم. وقال ابن حبان: «كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف، فاستحق الترك».وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث، وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث. ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم.تنبيه هام: قال الشيخ الألباني: وقد أورد الحاكم نفسه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه (الضعفاء) كما سماه العلامة ابن عبد الهادي، وقال في آخره: «فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم، لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به، فإن الجرح لا أستحله تقليدًا، والذي أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم داخل في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَيْن» (رواه مسلم)فمن تأمل في كلام الحاكم هذا والذي قبله يتبن له بوضوح أن حديث عبد الرحمن بن زيد هذا موضوع عند الحاكم نفسه، وأن من يرويه بعد العلم بحاله فهو أحد الكاذبَيْن. فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصحح الحديث بعد اتفاق هؤلاء على وضعه تقليدًا للحاكم في أحد قوليه، مع اختياره في قوله الآخر لطالب العلم أن لا يكتب حديث عبد الرحمن هذا، وأنه إن فعل كان أحد الكاذبين كما سبق.* قال الشيخ الألباني: «للحديث علتان:الأولى: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأنه ضعيف جدًا.الثانية: جهالة الإسناد إلى عبد الرحمن.وللحديث عندي علة أخرى. وهي اضطراب عبد الرحمن أو من دونه في إسناده، فتارة كان يرفعه، وتارة كان يرويه موقوفًا على عمر، لا يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -».* ثم على افتراض أن هذا الحديث ضعيف فقط كما يزعم بعض المخالفين ـ خلافًا لمن سبق ذكرهم من العلماء والحفاظ ـ فلا يجوز الاستدلال به على مشروعية التوسل المختلف فيه، لأنه ـ على قولهم ـ عبادة مشروعة، وأقل أحوال العبادة أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي من الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص صحيح تقوم به الحجة.شيء عجيب: يعجب المسلم من اهتمام الصوفية بالقصص المختلَقة، وتتبعهم للحكايات المخالفة للنصوص المعتبرة، وعدم رفع الرأس بالآيات القامعة لأباطيل عقائدهم، وعزوفهم وتأويلاتهم للأحاديث الصريحة الصحيحة؛ بقصص وأحاديث مكذوبة موضوعة!! ثم هم يزعمون المحبة؟! أي محبة في عدم الاتباع، وبناء العقائد على الحكايات التي لا ترتفع إلى الضعف ـ في الغالب ـ فما بالك إلى الصحة، ظلمات موضوعة، وقصص مكذوبة!
بيان كذب قصة أبي جعفر المنصور مع الإمام مالك عند الحجرة النبوية:* يُروى عن الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - قصة مع أبي جعفر المنصور العباسي يعتقد الصوفية أنها تؤيد احتجاجاتهم بتوسلاتهم بذوات المخلوقين، وفيها: «أنه ـ أي أبو جعفرـ سأل مالكاً فقال: يا أبا عبدالله، أأستقبل القبلة وأدعوا، أم أستقبلُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فقال: ولِمَ تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلةُ أبيك آدم - عليه السلام - إلى الله تعالى يوم القيامة؛ بل استقبله واستشفع به، فيشفعه الله».الكلام على سند هذه القصة:هذه القصة أخرجها القاضي عياض في (الشفا) باسناده عن الإمام مالك. وهي ليست بصحيحة عنه، بل إسنادها إسناد مظلم منقطع، وهو مشتمل على من يتهم بالكذب وعلى من يجهل حاله، فابن حميد هو محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف كثير المناكير غير محتج بروايته، ولم يسمع من مالك شيئاً ولم يلقه؛ بل روايته عنه منقطعة غير متصلة.وقد تُكُلِّم في محمد بن حميد الرازي ـ وهو الذي رويت عنه هذه الحكاية ـ من غير واحد من الأئمة، ونسبه بعضهم إلى الكذب.قال يعقوب بن شيبة السدوسي: محمد بن حميد الرازي كثير المناكير. وقال البخاري: حديثه فيه نظر. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ردئ المذهب، غير ثقة.وقال أبو القاسم عبدالله بن محمد بن عبدالكريم الرازي ابن أخي أبي زرعة: سألت أبا زرعة عن محمد بن حميد فأومأ بأصبعه إلى فمه، فقلت له: كان يكذب؟ فقال برأسه: نعم. قلت له: قد شاخ، لعله كان يعمل عليه ويدلس عليه؟ فقال: لا يا بني، كان يتعمد.وقال أبو حاتم الرازي: حضرت محمد بن حميد وحضره عون بن جرير، فجعل ابن حميد يحدث بحديث عن جرير فيه شِعر، فقال عون: ليس هذا الشعر في الحديث، إنما هو من كلام أبي. فتغافل ابن حميد فمر فيه.وقال أبو نعيم عبدالملك بن محمد بن عدي: سمعت أبا حاتم محمد بن إدريس الرازي في منزله وعنده عبدالرحمن بن يوسف بن خراش وجماعة من مشايخ أهل الري وحفاظهم للحديث، فذكروا ابن حميد، فأجمعوا على أنه ضعيف في الحديث جدًا، وأنه يحدث بما لم يسمعه وأنه يأخذ أحاديث لأهل البصرة والكوفة فيحدث به الرازيين.فهذه حال محمد بن حميد الرازي عند أئمة هذا الشأن، ورغم ذلك يزعم أحد دعاة الصوفية المعاصرين أن سندها صحيح. فالقصة مكذوبة، وسندها غريب.وهذه الحكاية أيضًا منقطعة؛ فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكًا لا سيما في زمن أبي جعفر المنصور. وفي الإسناد أيضاً من لا يعرف حاله.هذه الحكاية لم يذكرها أحدٌ من أصحاب مالك المعروفين بالأخذ عنه، ومحمَّد بن حميد ضعيف عند أهل الحديث إذا أسند، فكيف إذا أرسل حكاية لا تُعرف إلا من جهته!!.هذا إن ثبت عنه، وأصحاب مالك متفقون على أنه بمثل هذا النقل لا يثبت عن مالك قول له في مسألة في الفقه.الكلام على متن القصة: قوله: «أستقبل القبلة وأدعوا أم استقبل رسول الله وأدعو؟» فقال: «ولِمَ تصرفُ وجهَكَ عنه، وهو وسيلتُكَ ووسيلةُ أبيكَ آدم».* المعروف عن الإمام مالك وغيره من الأئمَّة، وسائر السلف من الصحابة والتابعين؛ أنَّ الداعي إذا سلم على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثمَّ أراد أن يدعو لنفسه؛ فإنه يستقبل القبلة ويدعو في مسجده، ولا يستقبل القبر عند السَّلام على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والدُّعاء له.فما في الحكاية المنقطعة من قوله: «استقبله واستشفع به» كذب على الإمام مالك، مخالف لأقواله، وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم التي نقلها الإمام مالك وأصحابه، ونقلها سائر العلماء، كل أحد منهم لم يستقبل القبر للدُّعاء لنفسه فضلاً عن أن يستقبله ويستشفع به.الحديث السابع: «توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم»:وبعضهم يرويه بلفظ: «إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم». وهذا باطل لا أصل له في شيء من كتب الحديث البتة، وإنما يرويه بعض الجهال بالسنة كما نبَّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (القاعدة الجليلة) (ص132، 150) قال: «مع أن جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين، ولكن جاه المخلوق عند الخالق ليس كجاه المخلوق عند المخلوق فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه، فهو شريك له في حصول المطلوب، والله تعالى لا شريك له.فلا يلزم إذن من كون جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - عند ربه عظيمًا، أن نتوسل به إلى الله تعالى لعدم ثبوت الأمر به عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويوضح ذلك أن الركوع والسجود من مظاهر التعظيم فيما اصطلح عليه الناس، فقد كانوا وما يزال بعضهم يقومون ويركعون ويسجدون لمليكهم ورئيسهم والمعظم لديهم، ومن المتفق عليه بين المسلمين أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - هو أعظم الناس لديهم، وأرفعهم عندهم. فهل يجوز لهم أن يقوموا ويركعوا ويسجدوا له في حياته وبعد مماته؟الجواب: إنه لا بد لمن يُجَوِّز ذلك، من أن يثبت وروده في الشرع، وقد نظرنا فوجدنا أن السجود والركوع لا يجوزان إلا لله - سبحانه وتعالى -، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يسجد أو يركع أحد لأحد، كما أننا رأينا في السنة كراهية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للقيام. فهل يستطيع أحد أن يقول عنا حين نمنع السجود لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:إننا ننكر جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - وقدره؟ كلا ثم كلا.فظهر من هذا بجلاء إن شاء الله تعالى أنه لا تلازم بين ثبوت جاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين تعظيمه بالتوسل بجاهه ما دام أنه لم يرد في الشرع.هذا، وإن من جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه يجب علينا اتباعه وإطاعته كما يجب إطاعة ربه، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «ما تركت شيئًا يقربكم إلى الله إلا أمرتكم به» (رواه الشافعي والطبراني وغيرهما) فإذا لم يأمرنا بهذا التوسل ـ ولو أمْرَ استحباب ـ فليس عبادة، فيجب علينا اتباعه في ذلك وأن ندع العواطف جانبًا، ولا نفسح لها المجال حتى ندخل في دين الله ما ليس منه بدعوى حبه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فالحب الصادق إنما هو بالاتباع، وليس بالابتداع كما قال - عز وجل -: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران:31)

  • الثلاثاء AM 12:25
    2016-03-15
  • 5145
Powered by: GateGold