سُلطَانُ المَنَامَاتِ - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 442563
يتصفح الموقع حاليا : 101

البحث

البحث

عرض المادة

سُلطَانُ المَنَامَاتِ

كان "الحُلْم" -ولا يزال- من التجارب الإنسانية التي حَظِيَتْ باهتمامٍ بليغٍ في حياة البشر؛ إذ للحلم آثارُهُ وانطباعاتُهُ في نفس الحالم؛ فقد تلقى صديقًا أو قريبًا فتراه حزينًا كئيبًا، فتسبر غَوْر نفسه؛ لتعرف سرَّ كآبته وحزنه، فتعجب أشد العجب عندما تعلم أن سبب ذلك رؤيا مرعبة، أو منذرة بخطرٍ سيُدَاهِمُهُ، وقد تجده فرِحًا منشرح الصدر، بَاسِمَ الثغر، وما ذلك إلا لأنه رأى رؤيا مفرحة، أو مُبَشِّرَةً بحدث سارٍّ قادم.

يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر -حفظه اللَّه-: " كانت الرؤى -وما زالت- ذاتَ تأثير لا على الأفراد العاديين فحسب، بل على النابغين والأذكياء، وكم أقَضَّت الرُّؤَى مضاجِعَ الجبابرة والملوك، وكم شغلت شعبًا بأكمله يَوْمًا مَا، وما رؤيا ملك مصر في عهد يوسف ببعيدة عن ذاكرتنا، فقد رأى سبع بَقَرَاتٍ سمانٍ يأكلهن سبع عجاف، وسبعَ سنبلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابساتٍ، وكانت رؤيا حق، نفعت الناس نفعًا عظيمًا، عندما وُجِدَ الشخصُ الذي يُحسن تفسيرها، وتأويلها" (1).

[تعريف الرؤيا]

قال ابن منظور -رحمه اللَّه-: "والرؤيا والحُلْم (2) عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح" (3).


(1) "جولة في رياض العلماء" ص (107).
(2) وتُضم لام الحُلُم وتُسَكَّن.
(3) "لسان العرب" (12/ 145)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 434)، و "القاموس المحيط" (4/ 99، 331)، و"الصحاح" للجوهري (5/ 1903)، (6/ 2349)، و"المصباح المنير" (1/ 204، =

وقال الحافظ ابن حجر -رحمه اللَّه-: "وظاهر قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (الرؤيا من اللَّه، والحلم من الشيطان) أن التي تضاف إلى اللَّه لا يُقال لها حُلم، والتي تضاف للشيطان لا يقال لها رؤيا، وهو تصرفٌ شرعي، وإلا فالكل يُسمى رؤيا" (1). اهـ.

والغالب استعمال الرؤيا في خصوص البشرى من اللَّه، مع أنها تُطلَق على عموم ما يراه النائم، قال رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: "الرؤيا ثلاث (2): فالرؤيا الصالحة: بشرى من الله، ورؤيا: تحزين من الشيطان، ورؤيا: مما يُحَدِّثُ المرءُ نفسَه" الحديث (3).

وفي حديث عوف بن مالك -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "إن الرؤيا ثلاث:

منها أهاويلُ من الشيطان ليحزنُ بها ابن آدم، ومنها ما يَهُمُّ به الرجلُ في يَقَظته،

فيراه في منامه، ومنها جزء من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة" (4).


= 337)، و"تفسير الكشاف" (2/ 302)، والأحلام تُدعَى عند العرب "بناتِ الكرى" أي النعاس،
و"بنات الليل"، قال الشاعر في بخيل رأى في حلمه ضيفًا يطرق بابه، فقام إليه بالسيف ليطرده عنه:
أَرَتْهُ بُنيَّاتُ الكَرى شخصَ طارقٍ ... فقام إليها مُصْلَتًا بحسامِ
(1) "فتح الباري" (12/ 369).
(2) وليس الحصر مرادًا من قوله: "ثلاث" لثبوت نوع رابع في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو حديث النفس، وبقي نوع خامس وهو: تلاعب الشيطان، ففي صحيح مسلم: "إذا تلاعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يخبر به الناس"، وفي رواية: "لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام" (4/ 1776، 1777)، ونوع سادس: وهو رؤية ما يعتاده الرائي في اليقظة، كمن كانت عادته أن يأكل في وقت، فنام فيه، فرأى أنه يأكل، أو بات طافحًا من أكل أو شرب -أي ملأ معدته حتى يكاد الطعام يفيض منها- فرأى أنه يتقيأ، وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص، وسابع: وهو الأضغاث - أفاده الحافظ بمعناه كما في "الفتح" (12/ 407، 408).
(3) رواه البخاري (12/ 404، 405) (7017)، ومسلم -واللفظ له- (4/ 1773) (6)، وأبو داود (4/ 304)، (5019)، والنسائي (4/ 390)، (7654)، والترمذي (4/ 461) (2270)، وقال: "حسن صحيح"، وابن ماجه (2/ 1285) (3906)، والإمام أحمد (2/ 269، 395، 507).
(4) أخرجه البخاري في "التاريخ" (4/ 2/ 348)، وابن ماجه رقم (3907)، وغيرهما، وصححه الألباني رقم (1870).

[نقد موقف المدرسة النفسية المادية من المنامات]

مِن الناس مَن قد غلظ حجابهم، كالماديين الملاحدة، وكأتباع مدرسة التحليل النفسي، فهم ينكرون الرؤيا الصادقة، وليست الرؤى في زعمهم إلا انعكاسًا لما في النفس في حال اليقظة، أو لما يختبئ في سراديب العقل الباطن أو "اللاشعور" (1).

فعند فرويد: تعتبر الأحلام نافذة يطل منها على "العقل الباطن" فيعرف الكثير عن هذه المنطقة المستترة والهامة والمؤثرة في حياة الشخص (2).

- لقد استقر رأي فرويد على أن النوم يتميز بقلة تعرض الشخص للمؤثرات الخارجية، وابتعاده تمامًا عن الواقع، وفي هذا الجو الهادئ تنشط الصراعات الداخلية اللاشعورية، والرغبات غير المقبولة في الحياة العادية، حيث تجد هذه الأشياء مجالًا أكبر أثناء النوم لعملها، ولكن هذه الأشياء لا تظهر في الحلم بصورتها الفجة، حتى لا تزعج (الضمير) وتوقظه، وبالتالي تقطع نوم الشخص، وإنما تأخذ أشكالًا رمزية حتى تفرغ شِحْنَةَ اللاشعور دون إزْعاج للجهاز النفسي (3).

وبعبارة أخرى: الأحلام -عند فرويد- هي الطريق الملكي الموصِّل للَّاشعور، فالحلم "رغبة"، وكل الأحلام قسم واحد ناتج عن الرغبات المكبوتة في النفس، والتي تختبئ أثناء النهار في العقل الباطن واللاوعي، حتى إذا نام الإنسان وخفت الرقابة، انطلقت هذه الرغبات من العقل الباطن واللاوعي لتظهر في تلك الأحلام.


(1) "اللاشعور" تعبير غير دقيق من حيث اللغة ومن حيث التركيب؛ إذ لا يصح أن نعرف (بأل) نكرة منفية، أما التعبير المقبول فهو "مكنون النفس"، أو "العقل الباطن".
(2) ولهذا قال بعضهم: "أخبرني بأحلامك، أشخصْ مشكلتك"، ويقول بعض المحللين النفسيين: إنه يمكن إجراء عملية "التحليل النفسي" الكامل لشخصٍ ما من خلال الاقتصار على معرفة أحلامه فقط.
(3) "النوم والأحلام في الطب والقرآن" للدكتور محمد المهدي ص (103).

لقد قصر "فرويد" الأحلام على حديث النفس، مع بعض المؤثرات الخارجية على الشخص أثناء النوم، وألغى أي احتمال لاتصال النفس بعالَم الغيب تمشيًا مع إلحاده، وفسَّر ملاحظاته على مرضاه تفسيرًا لفظيًّا فلسفيًّا لا يدعمه دليل ولا برهان (1)، وهي مجرد آراء شخصية غير موضوعية وقابلة للنقاش.

إن "فرويد" لم يملك أدلة موضوعية على إثبات ما أثبته، ولا على إنكار ما أنكره، لكنه أفلح في أن يُوهم من يقرأ له أنه أمام حقائق، لا مجرد فروض ونظريات.

ومن هنا فإن "فرويد" و"الفرويديين" يقعون في مأزِق محرج أمام الرؤى الصادقة التي لا يفسرها حديث النفس، ولا رغبات الشعور (2).

إن الماديين الملحدين يزعمون أن القول بأن هناك رؤى تأتي من الغيب أو من إله أو من شيطان إنما هو من الخرافات البالية التي ينبغي طرحُها باعتبارها موروثات شعبية كالخرافات والأساطير، وتنحصر حجة هؤلاء في أنهم يجحدون ما وراء الحِس، فيقبعون داخل قمقم المادية الكثيفة، وينكرون الغيب لمجرد أننا لا نراه ولا ندركه بحواسنا.

["فرويد" لم يعرف من الرؤى إلا أضغاث الأحلام]

[يقول الأستاذ الدكتور "سعد الدين السيد صالح" في معرض نقده نظرية الأحلام الفرويدية]

"زعم فرويد أن الحلم ما هو إلا تعبير عن رغبة جنسية مكبوتة، وبناءً على ذلك فسر كل ما يراه الرائي تفسيرًا جنسيًّا، ووضع نظريته في تفسير الأحلام، والتي نراها مجرد تبرير لنظريته الجنسية الفاسدة، فقد أخطأ فرويد في نواحٍ كثيرة منها:


(1) ولذلك يطلقون عليها: ( non- evidence based) .
(2) " النوم والأحلام في الطب والقرآن" ص (108).

1 - أن الإنسان له رغبات كثيرة، ونزعات متعددة غير نزعة الجنس، وبالتالي فقد تأتي الأحلام مواكبة لهذه الرغبات:

- فأحلام المؤمن الذي يشعر دائمًا بالخوف من اللَّه فيرى في منامه صورًا من عذاب النار أو نعيم الجنة، لا يمكن أن يكون سببها الجنس، وإنما الخوف، أو الطمع في عفو اللَّه.

- وأحلام الخوف والرعب التي يراها الجندي وسط المعارك لا يمكن تفسيرها على أساس من الجنس، لأن لها دوافع أخرى.

- وهناك أحلام تكون دوافعها الشعور بالعداء والكراهية أو الغضب أو السيطرة أو غير ذلك من المشاعر النفسية المتعددة، ولكن فرويد لا يضع اعتبارًا لكل هذه المشاعر في تفسير الأحلام التي يُرجِعها جميعًا إلى الشعور بالجنس فقط.

2 - ومن هنا يبدو لنا جهله في تفسير رموز الأحلام، حيث حلل كل الرموز تحليلًا جنسيَّا، مع أن مفسري الأحلام يقولون بأن هناك رموزًا ثابتة، وهناك رموزًا متغيرة من فرد إلى فرد، على حسب ظروف الشخص نفسه.

فبعض الرموز التي فسرها فرويد تفسيرًا جنسيَّا، وضع لها العلماء تفسيراتٍ أخرى لا تمت إلى الجنس بصلة، فقد فسر فرويد صعود السلم والطيران بأنه رمز للعملية الجنسية، بينما فسره العلماء بأنه رمز للطموح أو الرفعة، فأي التفسيرين أوقع؟

3 - وقد ركزت نظرية تفسير الأحلام عنده على نوع واحد من أنواع المنامات، وهي الأحلام، وهي في الإسلام لا تكون إلا من الشيطان، ولم يتحدث عن الرؤيا، وهي لا تكون إلا من اللَّه. كما أنه لم يتحدث عن "الأحلام التنبؤية". اهـ (1).


(1) "نظرية التحليل النفسي عند فرويد في ميزان الإسلام" ص (87، 88)، وانظر: "العلاج بالتحليل النفسي" للدكتور عبد الرحمن العيسوي ص (81)، (83 - 85)، (99 - 104)، (116 - 124).

ولقد رصد "المازَري" المتوفى سنة (536 هـ)، أقوال من سبقوا "فرويد" إلى شبيه هذا الكلام من معاصريه، فقال -رحمه الله تعالى-:

"كثُر كلام الناس في حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة، لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تُدْرَك بالعقل، ولا يقوم عليها برهان، وهم لا يصدقون بالسمع، فاضطربت أقوالهم" (1). اهـ.

إن قطع النفس عن عالم الروح وعن الغيب؛ وعن الصلة بخالقها -عز وجل- يُضَيِّق الرؤية أمامنا في موضوع الرؤية، ويحرمنا فرصة الفهم العميق، والإدراك الصحيح الدقيق (2).

ويقول الدكتور عمر الأشقر -حفظه اللَّه-:

"وكثيرٌ من الناس اليوم يُبَادِرُونَ بالتكذيب بالرؤى والأحلام، ويزعمون أن الرؤى المنامية ليست إلا انعكاسات لما يَجُولُ في فكر الإنسان في حال يقظته، وما يُخْتَزَنُ في فكره الباطن، فإذا ما استسلم للرقاد، وطاف في أودية الكرى، فإن عقله الباطن يعمل، فيحقق المرء في نومه ما لم يَسْتَطِعْ تحقيقه في عالم اليقظة.

ونحن لا نُنْكِرُ أن قِسْمًا كبيرًا من الرؤى ليس إلا انعكاسات لأحاديث النفس وخواطرها التي تمر بها في اليقظة، ولكننا نرفض رفضًا قاطعًا أن تكون جميع الرؤى كذلك، ونقول: إن هذا تَحكُّمٌ يَعْلَمُ كَذِبَهُ كلُّ من تفكر في رؤاه التي مرت به، أو التي سمع الناس يروونها، ويُحَدِّثُونَ بها عن أنفسهم، كيف بالله نُفَسِّرُ رؤيا امرأة رأت وليدها يسقط من سطح منزل، وفي الصباح يخرج فلا يعود؛ لأن سيارة داهمته، وأودت بحياته؟!


(1) نقله عنه الحافظ في "الفتح" (12/ 353).
(2) انظر: "سورة يوسف: دراسة تحليلية" للدكتور أحمد نوفل ص (263).

وكيف نُفَسِّرُ رؤيا رجل يري نفسه وقد سافر إلى بلد، وسكن منزلًا معينًا رأي في المنام معالمه، فلا تمضي شهور حتى يكون في ذلك المنزل الذي رآه في منامه؟

وكيف نُفَسِّرُ رؤيا رجل رأى أنه سافر، وتعطلت سيارته على صورة ما،

وينسى الرؤيا، ولا يذكرها إلا حينما يرى المشهد الذي رآه في المنام حقيقة ماثلة؟! أذكر أن "محمد أسد"؛ وكان كاتبًا يهوديًّا، ثم اعتنق الإسلام، حَدَّثَ في كتابه "الطريق إلى مكة" عن رؤيا رآها قبل إسلامه، وقام من منامه، وسَجَّلَهَا، وقد تحققت فيما بَعْدُ، على الرغم من طولها، وكثرة أحداثها.

إذن، ليس كل الرؤى انعكاسات لأحاديث النفس وخواطرها وهواجسها، بل الأمر أعمق من ذلك.

والإنسان ليس بِمُطيقٍ بعقله وفكره أن يصل إلى أعماق نفسه؛ ففي النفس الإنسانية مَجَاهِيلُ يعجز الإنسان عن الإحاطة بها، علي الرغم من أنها أقرب الأمور إليه.

والرؤى لها علاقة بالنفوس الإنسانية، وفيها جانب غيبي، لا يخضع للعلم المادي المبني على النظر والتأمل والبحث المادي" (1).


(1) "جولة في رياض العلماء" ص (107، 108).

[القول الفصل، والمنهج الوسط في شأن الرؤى]

قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) (1)} [يونس: 62 - 64].

وعن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: سألت رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- عن قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: "هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له" (2).

وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كشف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- السِّتْرَ ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه، فقال: "اللهم هل بلغت؟ -ثلاث مرات- إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا يراها العبد الصالح أو تُرى له" (3).

وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبيَّ"، قال: فَشَقَّ ذلك على الناس، فقال: "لكن المُبَشِّراتُ"، قالوا: "يا رسول اللَّه، وما المبشرات؟ " قال: "رؤيا المسلم، وهي جزء من أجزاء النبوة" (4).


(1) قال الرازي في "التفسرِ الكبير":
"ولي الله هو الذي يكون مستغرق القلب والروح بذكر الله، ومن كان كذلك فهو عند النوم لا يبقى في روحه إلا معرفة الله، ومن المعلوم أن معرفة الله ونور جلال الله لا يفيده إلا الحق والصدق، وأما من يكون متوزع الفكر على أحوال هذا العالم الكدر المظلم، فإنه إذا نام يبقى كذلك، فلا جرم لا اعتماد على رؤياه، فلهذا السبب قال تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} على سبيل الحصر والتخصيص" اهـ. من "التفسير الكبير" (16/ 403).
(2) رواه الترمذي (2275)، وحسَّنه، وصححه الألباني.
(3) أخرجه مسلم (479)، وغيره.
(4) رواه الترمذي (2272)، وغيره، وصححه الألباني.

وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" (1).

وقد أَغْنَانَا الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إتعاب النفس في هذا الموضوع، وقال لنا فيه الكلمة الحق؛ وهي الكلمة الفصل التي لا نحتاج معها إلي غيرها (2)؛ وذلك أنها تمثل الحقيقة، وتُفَسِّرُ الأمر تفسيرًا يدرك الإنسان صدقه عندما ينظر إلى رؤاه، ورؤى الناس في ضوء ما أخبر به المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم-.

يقول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه ابن ماجه:

"إنَّ الرُّؤيَا ثَلَاثٌ: مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ ليَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يَهمُّ بِهِ الرَّجُلُ في يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ في مَنَامِهِ، ومِنْهَا جُزْءٌ مِنْ ستَّةٍ وأَرْبَعينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ" (3).

وفي الحديث الآخر عند الترمذي: "الرُّؤيَا ثَلَاث: الحْسَنَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، والرُّؤيَا يُحَدِّثُ الرَّجُلُ بِهَا نَفْسَهُ، والرُّؤيَا تَحْزِين مِنَ الشَّيْطَانِ" (4).


(1) رواه البخاري (6/ 2574) (6614)، ومسلم (15/ 25، 27) (2263)، قال القرطبي: قال ابن عبد البر: "اختلاف الآثار في هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا ليس ذلك عندي اختلاف تضاد وتدافع -والله أعلم-، لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على حسب ما يكون من صدق الحديث، وأداء الأمانة، والدين المتين، وحسن اليقين، فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد، فمن خلصت نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه، كانت رؤياه أصدق، وإلى النبوة أقرب، كما أن الأنبياء يتفاضلون". اهـ. من "الجامع لأحكام القرآن" (9/ 123)، وانظر: "أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين" ص (644 - 653).
(2) وقد فصَّلت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الرؤيا، حتى إن "كتاب التعبير" الذي عقده البخاري في "الجامع الصحيح" احتوى تسعة وتسعين حديثًا، وافقه مسلم على تخريجها كلها إلا قليلًا، كما أورد فيه عشرة آثار عن الصحابة والتابعين، وانظر: "فتح الباري" (12/ 446).
(3) "صحيح ابن ماجه" (3154) (2/ 340).
(4) "صحيح سنن الترمذي" (1867) (2/ 262)، فالرؤيا كالكشف: منها رحماني، ومنها نفساني، ومنها شيطاني، كما قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1/ 154).

فالذي قَرَّرَهُ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في الرؤيا أنها ثلاثة:

الأول: حَديث النفس؛ وهي التي أسماها العلماء المادِّيُّونَ بالانعكاسات النفسية؛ وهي خواطر النفس، وتطلعاتها التي تصبو إلى تحقيقها في واقع الحياة، فتراها في المنام، إذ تحلم بممارسة أمور لم تستطع تحقيقها في واقع الحياة.

النَّوْعُ الثَّانِي: من الرؤى التي أخبر بها الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-:

هي الرؤيا التي يسببها الشيطان؛ فإنه قد يُمَثِّل للإنسان في منامه رؤيا مفزعة، تبلبل خواطره، وتُرْهِق نفسه، وتَجْعَلُهُ يجول في عوالِمَ بعيدة، حَذِرًا متخوفًا، وفي الحديث: "الرُّؤيَا الصَّالحِةُ مِنَ اللَّهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأي أَحَدُكم ما يحبُّ، فلا يُحدِّثْ بهِ إلَّا مَن يُحِب، وإذا رأى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا، وشَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفُلْ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ" متفق عليه (1).

وقد جاء رجل إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "رَأَيْتُ في المنَامِ كَأَنَّ رَأسِي قَدْ قُطِع، قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقَالَ: "إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكمْ في مَنَامِهِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ" رواه مسلم (2).

والشيطان لديه القدرة على الوسوسة في صدور الناس {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)} [الناس: 4 - 5]، وفي الحديث: "إنَّ الشَيْطَانَ يَجْرِي مِن ابْنِ آدمَ مَجْرَى الدَّمِ"، فلديه القدرة على أن يُمَثِّلَ للنفس في منامها أمورًا تفْزِغهَا وتَحْزُنُهَا.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: رؤيا لم يُفَكِّرْ بِهَا صاحبها يومًا، ولم تخطر على باله، وهي بَعِيدَةٌ كل البعد عن تفكيره، وقد يراها بصورة جلية، لا تحتاج إلي تفسير ولا إلى تأويل، وقد تكون أمثالًا مضروبة، وأحداثًا مسبوكة، تحتاج إلي علم وتقدير، وفهم ثاقب، ونظر بعيد، وما كل من رُزِقَ علمًا رُزِقَ فَهْمًا بتأويل الأحلام والرؤى.


(1) رواه البخاري (12/ 373)، ومسلم (2261) (2) في أول كتاب الرؤيا.
(2) رواه مسلم (2268) (16) في الرؤيا.

وهذا النوع من الرؤى هو البقية الباقية من حقيقة النبوة، فالوحي قد انقطع، والنبوة قد خُتِمَتْ، ولم يَبْقَ إلا هذه الرؤى، وهي المبشرات، يَقُولُ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشّرَاتُ"، قَالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: "الرُّويَا الصَّالِحةُ" رواه البخاري (1).

وزاد مالك برواية عطاء بن يسار: "يَرَاهَا الرَّجُلُ المُسْلِمُ، أوْ تُرَى لَهُ".

وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الرُّويَا الصَّالحِةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ" متفق عليه (2).

وإذا كانت الرؤيا من الرسول والأنبياء فهي حق لا تُكذَّبُ، بل هي وحي إلهي، وقد بادر خليل الرحمن إبراهيم إلى ذبح ولده عندما رأي في المنام أنه يذبحه، وما ذلك إلا لأن رؤياه وحي.

وغير الأنبياء تقع له الرؤيا الحق، وتكون دلائل الصدق عليها بينة، إلا أننا لا نستطيع أن نجزم بأنها رؤيا حق إلا إذا تحققت على النحو الذي رآه صاحبه في منامه.


(1) رواه البخاري (12/ 375) في التعبير: باب المبشرات، ومالك في "الموطا" (2/ 957).
(2) رواه البخاري (12/ 373)، ومسلم (2264) في الرؤيا.

تنبيه: حول معنى كون الرؤيا جزءًا من النبوة:

معنى كون الرؤيا الصادقة أو الصالحة جزءًا من أجزاء النبوة: أنها شابهتها، أو شاركتها في الصلاح، والإخبار عن أمرٍ غيبي مستقبل (1).

ولا يُفهم من هذا أن رؤيا الكافر إذا كانت صادقة -كرؤيا الملك التي فسرها له يوسف -عليه السلام-، وكذلك رؤيا صاحبيه في السجن- أنَّها تكون من أجزاء النبوة، فإن أكثر الروايات جاءت مقيدة بالمسلم أو المؤمن.

ثم إنه ليس كل من صدق في حديث عن غيب كان ذلك من أجزاء النبوة، أو كان ذلك دليلًا على صلاحه واستقامته، وإلا لكان الكهان كذلك؟!

قال أبو العباس القرطبي: والرؤيا لا تكون من أجزاء النبوة إلا إذا وقعت من مسلم صادق صالح، وهو الذي يُناسب حاله حال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأُكرِم بنوع مما أُكرم به الأنبياء، وهو الاطِّلاع على شيء من علم الغيب، كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصادقة في النوم، يراها الرجل الصالح أو تُرى له" (2).

فإن الكافر والكاذب والمخلِّط -وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات- لا تكون من الوحي ولا من النبوة، إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوة، وقد قدمنا أن الكاهن يُخبر بكلمة الحق وكذلك المنجم قد يحدِس فيصدق، لكن على الندور والقلِّة" (3).


(1) انظر: "المُعْلِم" (3/ 118)، و"عارضة الأحوذي" (9/ 191)، و"كشف المشكل" (2/ 76)،
و"معالم السنن" (4/ 129)، و"فتح الباري" (12/ 363).
(2) راجع تخريجه ص (18).
(3) "المفهم" (6/ 13)، وانظر: "عارضة الأحوذي" (9/ 92)، و"طرح التثريب" (8/ 207، 208).

غلو المُفرِطين في شأن الرُّؤى

بإزاء أهل "الجفاء والتفريط" الماديين في شأن الرؤى، وُجد على الطرف الآخر -وكلا طَرَفَيْ قصدِ الأمورِ ذميمُ- فريق الغلو والإفراط، وهؤلاء غَلَوْا في شأن الرؤى، وتمدد سلطانها، وتضخم تأثيرها على مسار حياتهم، كأنها وحي معصوم، فترى الواحد منهم ينتظر -في كل موقف- رؤيا تشير عليه بالطريق (1)، بل منهم من رأى أن الرؤية حجة شرعية يستمد منها الأحكام التكليفية تمامًا كما يستمدها علماء الشرع من القرآن والسنة.

(تضايق ناسٌ من وجود حاكم من الحُكَّام، وأصبحوا يتحدثون عن أمراضه، وقرب وفاته، فإذا بكثير منهم يرى في المنام أنه سيموت في شهر كذا، أو قبل شهر كذا، ثم يؤولها لهم واحد ممن على شاكلتهم، فيجزمون أنه لا يصلي العيد مع المسلمين، ويؤكدون بأن هذه الرؤى تواطأت، وأنه لا يمكن تكذيبها أو جحدها، ولا يمكن التشكيك في حصولها، فما الذي حدث؟ لقد صلى العيد وأعيادًا أخرى بعده.

وآخرون ثَقُلَ عليهم ما يُعَانيهِ المسلمون من اليهود فطاشت نفوسهم إلي أحلام رأوا فيها أن معارك واجتياحات يهودية لبلدان المسلمين؛ سوف تحصل في عام كذا وكذا، وبدءوا يضعون الخطط والاستراتيجيات، والتوقعات، لمواجهة هذا العدوان في هذا التاريخ) (2).


(1) ومنهم من يصلي صلاة الاستخارة ثم ينام بعدها مترقبًا حصول رؤيا منامية تدله على ما ينبغي عمله، وهذا مما لا أصل له في الدين، كما سيأتي -إن شاء الله- ص (77).
(2) "زغل الدعاة" للشيخ سعيد بن ناصر الغامدي، ص (66، 67)، ويشبه هذا السلوك الغوغائي الذي يُهرع إليه العوام بدون ثثبت ولا روية ما رواه الإمام الحافظ محمد بن وضاح القرطبي -رحمه الله- بسنده إلى حارثة بن مضرب قال: "إنَّ النَّاس نودي فيهم بعد نومة، أنَّه (من صلى في المسجد الأعظم -يعني أكبر جامع في البلد- دَخل الجنة)، فانطلق النساء والرجال، حتى امتلأ المسجد قيامًا يصلون -قال أبو إسحاق: إن أمي وجَدتي فيهم- فأُتيَ ابنُ مسعود فقيل له: أدرك النَّاس، =

(وفي بعض الجمعيات الإسلامية انشق فريق من أعضائها على قيادتهم، وناصبوها العِدْاء بناءً على رؤى رآها بعضهم، كأنما اعتبروها وحيًا.

وحكى أحد الصحافيين أن أحد حكام المسلمين -بعد أن قرر إجراء الانتخابات في بلده في موعد معين- عاد فألغاها نتيجة رؤيا رآها، حذَّرته من عواقبها. هكذا امتد سلطان المنامات لتتحكم في الدين والسياسة وسائر شئون الحياة) (1).

لقد كان من أسباب افتتان بعض الناس، ومتابعتهم لأولئك الذين احتلوا الحرم المكي، واعتصموا به، تلك الرؤى التي رآها بعض الكبار والصغار، والنساء والرجال، وهي في جملتها تشير إلى أن المدعو محمد عبد اللَّه القحطاني هو المهدي الذي بَشَّرَ به الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (2)، وقد تبين للناس اليوم أن تلك الرؤى لم تكن صادقة؛ لأن ذلك الرجل ليس هو المهدي، وإلا لو كان هو لم يقتل، ولبقي حتى يملأ الأرض عدلا كما مُلِئَتْ جورًا وظُلْمًا؛ فذلك من علاماته الثابتة في الأحاديث، ولو كان فينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعرَّفَنا بالرؤيا الباطلة إذا اشتبهت الأمور، أما ونحن لسنا بمعصومين، فإن الرؤى تبقى في مجال الظن، ولا ترقى إلى اليقين والجزم ما لم تتمثل في واقع مشهود، وعند ذلك يوافق الواقع الخبر.


= فقال: ما لهم؟ قيل: نودي فيهم بعد نومةٍ: أنه من صلى في المسجد الأعظم دخل الجنة، فخرج ابن مسعود يشير بثوبه: (ويلكم اخرجوا لا تُعَذَّبوا إنما هي نفخةٌ من الشيطان، إنه لم يُنَزِّلْ كتابًا بعد نبيكم، ولا ينزل بعد نبيكم)، فخرجوا، وجلسنا إلى عبد الله فقال: (إن الشيطان إذا أراد أن يوقع الكذب انطلق، فتمثل رجلًا فيلقى آخر، فيقول له: أما بلغك الخبر، فيقول الرجلُ: وما ذاك؟ فيقول: كان من الأمر كذا وكذا، فانطلِق فحدِّث أصحابك، قال: فينطلق الآخر، فيقول: لقد لَقِينا رجلًا إني لأتوهمه أعرف وجهه، زعم أنَّه كان من الأمر كذا وكذا، وما هو إلا الشيطان). اهـ. من "البدع والنهي عنها" ص (33، 34)، وانظر: "مقدمة صحيح مسلم" (1/ 12)، و"عالم الجن والشياطين" للأشقر ص (39، 40).
(1) "موقف الإسلام من الإلهام والكشف والرؤى" للدكتور يوسف القرضاوي ص (118).
(2) انظر: البحث المتعلق بالمهدي القطحاني في كتاب "المهدي" للمؤلف ص (433 - 435)، طبعة دار ابن الجوزي - القاهرة.

لقد أوَّل أبو بكر الصِّدِّيق -رضي اللَّه عنه- بين يدي الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- رؤيا، فبين له الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه أصاب في تأويله وأخطأ (1)، فمن يضمنُ لنا ألا نقع في الخطأ، ومن يضمَنُ لنا أن نُصِيبَ كَبِدَ الحقيقة) (2).

* * *


(1) عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كان أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- يحدث: أن رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إني رأيت الليلة ظُلَّةً يُنَظَّفُ منها السمن والعسل، ورأيت الناس يستقون بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، ورأيت سببًا واصلًا من السماء إلى الأرض، فأراك يا رسول اللَّه أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل بعدك فَعَلا، ثم أخذه رجلٌ بعده فَعَلا، ثم أخذ به رجل فقُطِع به، ثم وُصِلَ له فَعَلا به"، فقال أبو بكر: "أي رسول الله بأبي أنت وأمي، واللَّه لَتدعَنِّي أعبرها"، فقال: "اعْبُرْها"، فقال: "أما الظُلَّة فظلة الإسلام، وأما ما ينظف من السمن والعسل فهذا القرآن لينه وحلاوته، وأما المستكثر والمستقل، فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض، فهو الحق الذي أنت عليه فأخذتَ به فيُعْلِيكَ الله، ثم يأخذ به بعدك رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ بعده رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ آخر فينقطع به، ثم يوصل فيعلو به، أي رسول الله لتحدثني أصبتُ أم أخطأت؟ "، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أصبتَ بعضًا، وأخطأتَ بعضًا"، قال: "أقسمت -بأبي أنت وأمي- يا رسول الله لتخبرني ما الذي أخطات؟ "، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقسم"، رواه البخاري (12/ 431 - فتح)، ومسلم (2269)، وأبو داود (4632)، والترمذي "صحيح الترمذي: 2409"، واللفظ له.
(2) "جولة في رياض العلماء" ص (107 - 110) بتصرف.

  • الثلاثاء PM 02:01
    2022-08-02
  • 1801
Powered by: GateGold