ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
مَنَامَات في خدمَةِ البِدَعِ والضَّلَالَاتِ
[- قال ابن عربي]
"إني رأيت رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- في مُبَشِّرةٍ -رؤيا- أُرِيتُهَا في العشر الأواخر من المحرم سنة (627 هـ) بمحروسة دمشق، وبيده كتاب، فقال لي: هذا كتاب (فصوص الحِكَم)، خذه، واخرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت: السمع والطاعة لله ورسوله وأولي الأمر منا" (1).
- وزعم ابْنُ الفَارِضِ:
أنه رأى رسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام، فسأله -أي النبي- عن قصيدته التائية الكبرى، بِمَ سَمَّاهَا؟ فأجابه ابن الفارض بأنه سماها "لوائح الجَنان، وروائح الجِنان"، فقال له النبي: لا، بل سَمِّهَا "نظم السلوك" .. ومن هنا كان الاسم عنوانًا على هذه القصيدة، اشْتُهِرَتْ به (2).
(1) "فصوص الحِكم" ص (47) - دار الكتاب العربي -بيروت- ولِيت شِعري كيف يُقر رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- كتابَ "فصوص الحكم" المليء بالضلالات كعقيدة الوحدة والاتحاد، وهو يزعم في هذا الكتاب صحة إيمان فرعون، وصحة عبادة قوم نوح عليه السلام، ويقول: "إن الذين عبدوا العجل ما عبدوا غير الله"، إلى غير ذلك من طاماته المخالفة لأصل الدين، ولذلك قال فيه الإمام ولي الدين أبو زرعة العراقي -رحمه اللَّه-: "لا شك في اشتمال الفصوص المشهورة عنه على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذلك فتوحاته المكية، فإن صح صدور ذلك عنه، واستمر إلى وفاته، فهو كافر مخلد في النار بلا شك". اهـ. من "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي" للعلامة برهان الدين البقاعي ص (135)، وقال فيه الذهبي: "إن كان لا كفر فيه، فما في الدنيا كفر". اهـ. من "سير أعلام النبلاء" (23/ 48)، وانظر نقد شيخ الإسلام ابن تيمية إياه في "مجموع الفتاوى" (2/ 121 - 133)، و"مجموعة الرسائل والمسائل" (1/ 61 - 120)، وانظر هنا: ص (112).
(2) "ابن الفارض" للدكتور محمد مصطفى حلمي ص (196)، وابن الفارض قال فيه العلامة بدر الدين حسين بن الأهدل: "واعلم أن ابن الفارض من رءوس أهل الاتحاد". اهـ. من "تنبيه الغبي" ص (56)، وفي القصيدة المشار إليها يناجي ابن الفارض ربه مخاطبًا إياه -تعالى، وتقدس- بضمير المؤنث، كما في "ديوان ابن الفارض" المكتبة الثقافية. بيروت ص (32 - 38)، قال =
[أما البوصيري صاحب "البردة" فيقول]
"كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم اتفق بعد ذلك أن أصابني خِلْطُ فالِج (1) أبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة، فعملتها، واستشفعت بها إلى اللَّه في أن يعافيني، وكررت إنشادها، وبكيت ودعوت، وتوسلت ونمت، فرأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليَّ بردة، فانتبهت ووجدت فيَّ نهضة، فقمت، وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحدًا، فلقيني بعض الفقراء، فقال لي: أتريد أن تعلمني القصيدة التي مدحتَ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقلت: أيها؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها، وقال: والله لقد سمعتها البارحة وهي تُنشد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يتمايل (2) وأعجبته، وألقى على من أنشدها بردة (3)، فأعطيته إياها، وذكر الفقير ذلك، وشاع المنام" (4).
= البقاعي رحمه الله: "قد صارت نسبة العلماء له -أي ابن الفارض- إلى الكفر متواترة تواترًا معنويًّا" اهـ. من "تنبيه الغبي" ص (217).
(1) الخِلْطُ: ما خالط الشيء؛ وأخلاط الإنسان (في الطب القديم): أمزجته الأربعة، وهي: الصفراء، والبلغم، والدم، والسوداء.
والفالِج: شلل يصيب أحد شقي الجسم طولًا.
(2) وهذا يذكرنا بحديث مكذوب فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تواجد عند سماع أبيات حتى سقطت البردة عن منكبيه، وقال: "ليس بكريم من لم يتواجد عند ذكر المحبوب"، قال ابن تيمية -رحمه الله-: إن هذا الحديث كذب بإجماع العارفين بسيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأحواله". اهـ. من "مجموع الفتاوى" (11/ 598).
(3) وهذا أيضًا محاكاة لما اشتهر أن كعب بن زهير -رضي الله عنه- لما أنشد قصيدته في مدح رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- أعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بردته، يقول ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وهذا من الأمور المشهورة جدًا، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكُتب المشهورة بإسنادٍ أرتضيه، فالله أعلم". اهـ. من "البداية والنهاية" (4/ 373).
(4) "فوات الوفيات" لمحمد بن شاكر الكتبي (2/ 258).
وكيف يقر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذه القصيدة وفيها طامَّات وغلوٌّ وابتداع وانحراف (1) عن هديه -صلى اللَّه عليه وسلم- مما يأباه رسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد نهى -صلى الله عليه وسلم- أمته عن إطرائه بالغلو في مدحه -صلى الله عليه وسلم-.
وقد غلا الناس في هذه القصيدة فزعموا أنها تُقرأ لتفريج الكربات، وتيسير العسير، وأن بعض أبياتها أمان من الفقر، وبعضها أمان من الطاعون (2).
بل اشترطوا لقراءتها الوضوء، واستقبال القبلة، والدقة في تصحيح ألفاظها وإعرابها، والعلم بمعانيها، إلى غير ذلك (3).
وتنافس أكثر من مائة شاعر في معارضتها، فضلًا عن المشطِّرين (4) والمخمِّسين والمربِّعين، وتجاوزت شروحها الخمسين شرحًا، فيها ما هو مُحلًّى بماء الذهب، وصار الناس يتدارسونها في البيوت والمساجد كالقرآن (5).
- إن من عادة الصوفية اختلاقَ القصص "الإرهابية"؛ لترهيب الناس من مخالفتهم أو الإنكار عليهم:
قال النبهاني: "قال المناوي: قال لي فقيه عصره شيخنا الرملي: إن بعض المنكرين رأى أن القيامة قد قامت، ونُصِبَتْ أوانٍ في غاية الكِبَر، وأُغْلِيَ فيها ماء يتطاير منه الشرر، وجيء بجماعةٍ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، فصُلِقوا فيه حتى تَهَرَّى اللحم والعظم، فقال: ما هؤلاء؟ قال: "الذين ينكرون على ابن عربي وابن الفارض" (6).
(1) انظر أمثلة ذلك في "نقد البردة" للشيخ عبد البديع صقر، و"حقوق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على أمته" للدكتور محمد خليفة التميمي ص (671 - 681)، و"قوادح عقدية" ضمن "حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الإجلال والإخلال" - إصدار المنتدى الإسلامي ص (177 - 200)، و"الانحرافات العقدية والعلمية" للزهراني (1/ 359، 360).
(2) "المدائح النبوية" لزكي مبارك ص (197).
(3) "مقدمة ديوان البوصيري" ص (29، 30).
(4) التشطير: هو أخذ الشاعر بيتًا لغيره، فيجعله لصدره عَجُزًا، ولعجزه صدرًا، مراعيًا تناسب اللفظ والمعنى بين الأصل والفرع، وخَمَّس الشِّعر: جعل كل قطعة منه خمسة شطور.
(5) "قوادح عقدية في بردة البوصيري" ص (189).
(6) "جامع كرامات الأولياء" للنبهاني (2/ 218) ط. دار صادر - بيروت.
- الأمِيرُ بُرهَان نظَام شَاه:
الذي تَشَيَّعَ وبالغ في ذلك، حتى إنه أمر الناس أن يسبوا الخلفاء الثلاثة -رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- في المساجد، والأسواق، والشوارع، وجعل الأرزاق السَّنِيَّة للسابين من خزانته، وقتل، وأسر خلقًا كثيرًا من أهل السنة والجماعة، وسبب ذلك على ما ذكره محمد قاسم الشيعي البيجابوري في "تاريخه": "أن ولده عبد القادر ابْتُلِيَ بمرض عسير، عجز الأطباء عنه، واستيأس الناس من حياته، وكان برهان شاه يبذل النقود والجواهر والأموال الطائلة فيه، فبَشَّرَهُ الشيخ طاهر (1) ذات يوم بشفائه، وعهد إليه أن يخطب للأئمة (2) في الجُمَعِ، والأعياد، ويروج مذهبهم في بلاده، فعاهده برهان شاه.
ورأى في تلك الليلة كأن رجلًا يقدم عليه، وستة رجال معه في جانبه الأيمن، وستة كذلك في جانبه الأيسر، وقيل له: (إن القادم هو سيدنا محمد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعه الأئمة من أهل البيت)، فَسَلَّمَ عليه برهان شاه، فقال له الرجل القادم: (إن اللَّه -سبحانه- قد شفى ولدك، فعليك أن تجتهد فيما أشار إليه ولدي طاهر)، ثم انتبه برهان شاه من نومه، فرأى أن ولده قد شفاه اللَّه -سبحانه- في تلك الليلة، فَتَلَقَّنَ من الطاهر مذهب الإمامية من الولاء والبراء، وتشيَّع، وتَشَيَّعَ أهل بيته، وخدمه نحو ثلاثة آلاف، وصار الطاهر مقضيَّ الأمر في ترويج مذهبه بأرض الدكن" (3).
(1) هو طاهر بن رضى الإسماعيلي القزويني الذي أمر بقتله إسماعيل بن الحيدر الصفوي سلطان الفرس، فخرج من بلاده، وقدم الهند، ثم استقدمه برهان شاه، وبنى له مدرسة يدرس بها، وكان يحضر دروسه العلماء كلهم، ويحضر برهان شاه أيضًا لميله إلى العلم، ويجلس عنده إلى آخر البحث، حتى إنه كان يحقن الماء في البطن، ولا يخرج من ذلك المجلس لقضاء الحاجة.
(2) أي أئمة الرافضة الاثنى عشر.
(3) "المختار المصون من أعلام القرون" (2/ 846)، وانظر: "فرق الهند" ص (579، 580).
- عَصَا العَيدَرُوسِ:
وفيما يلي قصة "منامٍ" لوَّح به الشيخ عبد القادر العيدروس في كتابه "تعريف الأحياء بفضائل الإحياء"، ورفعها كعصا يهدد بها كل من ينكر -على أبي حامد الغزالي، وعلى "إحيائه"؛ حيث قال:
"وذكر اليافعي أن أبا الحسن بن حرزهم الفقيه المشهور المغربي -كان بالغَ في الإنكار على كتاب (إحياء علوم الدين) - وكان مُطَاعًا مسموع الكلمة، فأمر بجمع ما ظفر به من نسخ (الإحياء)، وهَمَّ بإحراقها في الجامع يوم الجمعة، فرأى ليلة تلك الجمعة كأنه دخل الجامع، فإذا هو بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيه، ومعه أبو بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- والإمام الغزالي قائم بين يدي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما أقبل ابن حرزهم قال الغزالي: (هذا خصمي يا رسول اللَّه، فإن كان الأمر كما زعم تُبْتُ إلى اللَّه، وإن كان شيئًا حصل من بركتك، واتباع سنتك، فخذ لي من خصمي)، ثم ناول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتاب "الإحياء"، فتصفحه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ورقة ورقة، من أوله إلى آخره، ثم قال: (واللَّه إن هذا لشيء حسن).
ثم ناوله الصِّدِّيق -رضي الله عنه-، فنظر فيه، فاستجاده، ثم قال: (نعم، والذي بعثك بالحق إنه لشيء حسن)، ثم ناوله الفاروق عمر -رضي اللَّه عنه-، فنظر فيه، وأثنى عليه، كما قال الصِّدِّيق، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتجريد الفقيه علي بن حرزهم عن القميص، وأن يُضْرَبَ ويُحَدَّ حدَّ المفتري، فجُرِّد وضُرِبَ، فلما ضُرِبَ خمسة أسواط تَشَفَّعَ فيه الصدِّيقُ -رضي اللَّه عنه-، وقال: (يا رسول اللَّه، لعله ظن فيه خلاف سنتك، فأخطأ في ظنه)، فَرَضِيَ الإمام الغزالي، وقبل شفاعة الصِّدِّيق، ثم استيقظ ابن حرزهم، وأثَرُ السياط في ظهره، وأعلم أصحابَهُ، وتاب إلى اللَّه عن إنكاره على الإمام الغزالي واستغفر، ولكنه بقي مدة طويلة متألمًا من أثر السياط" (1).
(1) "تعريف الأحياء بفضائل الإحياء" ملحق بآخر "الإحياء"، وانظر: "طبقات الشافعية" للسبكي (4/ 131، 132).
وهذا الحُلْم مما يُقطع ببطلاْنه، وكذبه؛ وذلك لما تضمنه "الإحياء" من الضلالات والطامَّات (1)، وهو الذي يقول فيه الإمام أبو بكر الطُّرطوشي - رحمه الله-: "شحن أبو حامد (الإحياء) بالكذب على رسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا أعلم كتابًا على بَسِيطِ الأرض أكثرَ كذبًا منه" (2)، ولذلك أفتى علماء الدولة المرابطية بتحريقه.
- ومن ذلك ما رواه ابن عساكر -رحمه اللَّه- بسنده إلى أبي الفتح الساوي: "أنه كان في المسجد الحرام، فغلبه النوم، فرأى عَرْصَة (3) واسعة فيها ناس كثيرون واقفين، وفي يد كل واحد منهم كتاب مجلد، قد تحلقوا كلهم على رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-، يَعْرِضُونَ أن يقرءوا عليه من كتبهم، إلى أن قال: فلما رأيت أن القوم قد فرغوا، وما بقي أحد يقرأ عليه شيئًا، تقدمت قليلًا، وكان في يدي كتاب مُجَلَّدٌ، فناديت، وقلت: (يا رسول اللَّه، هذا الكتاب معتقدي، ومعتقد أهل السنة، لو أذنت لي حتى أقرأه عليك؟) فقال: (وأَيْشِ ذاك؟) قلت: (يا رسول اللَّه، هو "قواعد العقائد" الذي صَنَّفَهُ الغزالي)، فَأَذِنَ لي في القراءة، فقعدت وابتدأت، وقرأت عليه الكتاب) (4).
وليت شِعري كيف يمثل "قواعد العقائد" عقيدة أهل السنة والجما عة، وهو كتاب مبني على المذهب الأشعري (5)، وقد شُحِن بأساليب علم الكلام الذي ذمَّه السلف، ونَفَّروا منه، وهو كتاب يحوم حول شرح صفات المعاني السبع: الحياة، والقدرة، والعلم، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، كما أنه مُشْتَمِل على الجوهر، والعَرَض، ونحوهما من عبارات المتكلمين المبتدعة، فما كان هذا شأنه يستحيل أن يرضى عنه أويقبله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
(1) راجع في بيانها مفصلة "أبو حامد الغزالي والتصوف" للشيخ عبد الرحمن دمشقية - ط. دارطيبة - الرياض.
(2) "سير أعلام النبلاء" (19/ 328).
(3) العَرْصَةُ: ساحةُ الدار، والبقعة الواسعة بين الدور لا بناء فيها.
(4) انظر: "تبيين كذب المفتري" ص (297 - 299).
(5) انظر: "الأشاعرة في ميزان أهل السنة" لفيصل الجاسم، المبرة الخيرية - الكويت، "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" للدكتور عبد الرحمن المحمود -مكتبة الرشد- الرياض.
أضرِحَةُ المنَامَاتِ .. والمَزَارَات المُزَوَّرَات
تُوجَدُ في كثير من بلاد العالم الإسلامي مقابر وهميةٌ يُزْعَمُ أنها مقابرُ لأولياءَ صالحين، وَيرْجعُ الفضل في بنائها إلى "رُؤًى مناميةٍ"؛ إذ يكفي عند القوم أن يَدعِيَ مُدَّعٍ أنه رأى رؤيا تُكَلِّفُهُ ببناء قبر أو قبة فوق المكان الفلاني؛ ليصبح مزارًا لأحد الأولياء.
ومن أشهر أضرحة الرؤيا: مشهد السيدة رقية بنت رسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقاهرة، أقامته زوجة الخليفة العبيدي الآمر بأحكام الله (1)، وكذا ضريح السيدة سُكَيْنَة بنت الحسين بن علي -رَضِيَ الله عَنْهُمْ- (2).
ومنها: القبر المنسوب إلى زينب بنت علي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- بالقاهرة، فإنه كذب لا أصل. له، ويقال: إن موضعه كان ساقية، فلما رأى صاحبها أنها لا تُغِلُّ له مع التعب إلا اليسير، زعم للناس: أنَّهُ رأى زينب في المنام، تأمره أن يقيمَ لها قبة في هذا المكان؛ فأقامها، وأعانه العوام، ثم كان سادنًا لها، فجاءته الأموال الكثيرة (3).
ولم يكن قبر النبي شيث معروفًا قبل القرن الحادي عشر للهجرة، حيث رأى أحد ولاة الموصل في ذلك القرن منامًا يدل على موضع القبر، فبنى الضريح، ثم بُني عليه جامع كبير (4).
(1) "الآثار الإسلامية في مصر من الفتح العربي حتى نهاية العصر الأيوبي" لمصطفى عبد الله شيحة ص (143).
(2) "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون" (1/ 102).
(3) "صراع بين الحق والباطل" ص (111).
(4) "الانحرافات العقدية والعلمية" (1/ 284، 285).
وكان الناس يؤمون ضريحًا في شرق الجزائر، ويتبركون بأعتابه، ثم اكتشفوا أن هذا القبر كان لراهبٍ نصراني، ولم يصدق الناس ذلك حتى عثروا على الصليب في القبر (1).
وفي اللاذقية حضرة يُقال إنها مدفن الفرس التي كان يركبها الولي المغربي، لا تزال حتى اليوم تُزار وتُبَخَّر (2).
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه تَعَالَى-: "حدثني بعض أصحابنا أنه ظهر بشاطئ الفرات رجلان، وكان أحدهما قد اتخذ قبرًا تُجْبَى إليه أموال ممن يزوره، ويُنْذَرُ له من الضُّلَّال، فعمد الآخر إلى قبر، وزعم أنه رأى في المنام أنه قبر عبد الرحمن بن عوف، وجعل فيه من أنواع الطيب ما ظهرت له رائحة عظيمة" (3).
وقال شيخ الإسلام: "وغالب ما يَسْتَنِدُ إليه الواحد من هؤلاء: أن يَدَّعِي أنه رأى منامًا، أو أنه وجد بذلك القبر علامة تدل على صلاح ساكنه: إما رائحة طيبة، وإما توهم خرق عادة ونحو ذلك، وإما حكاية عن بعض الناس: أنه كان يُعَظِّمُ ذلك القبر.
فأما المنامات فكثير منها -بل أكثرها- كذب، وقد عرفنا في زماننا بمصر، والشام، والعراق من يَدَّعي أنه رأى منامات تتعلق ببعض البقاع أنه قبر نبي، أو أن فيه أثر نبي، ونحو ذلك، ويكون كاذبًا، وهذا الشيء مُنْتَشِرٌ، فرائي المنام غالبًا ما يكون كاذبًا، وبتقدير صِدْقِهِ: فقد يكون الذي أخبره بذلك شيطان، والرؤيا المحضة التي لا دليل يدل على صِحَّتِهَا لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق؛ فإنه قد ثَبَتَ في "الصحيح" عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (الرُّؤيَا ثَلَاثَةٌ: رُؤيَا مِنَ اللَّهِ، ورُؤيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ المَرْءُ نَفْسَهُ، ورُؤيَا مِنَ الشَّيْطَانِ".
فإذا كان جنس الرؤيا تحته أنواع ثلاثة، فلابد من تمييز كل نوع منها عن نوع" (4).
هذه الظَّاهِرَةُ .. إلى متى؟
تقول الرواية: "مرضت فتاة مرضًا شديدًا أعيا الأطباء، وفي ذات ليلة بكت حتى جاءها النوم، وهي على تلك الحال، فرأت أم المؤمنين زينب، فوضعت في فمها شيئًا من القطران، وطلبت منها أن تكتب أذكارًا معينة ثلاث عشرة مرة، وتطلب من الناس أن يكتبوها، فلما استيقظت الفتاة وجدت نفسها قد شُفِيَتْ من المرض تمامًا، وقامت بكتابة الورقة ثلاث عشرةَ مرة، ووزعتها، فحدث التالي:
- أول ورقة: وقعت في يد رجل فقير فكتبها ثلاث عشرة مرة، ووزعها، فجاءته أموال طائلة بعد ثلاثة عشر يومًا.
- والورقة الثانية: وقعت في يد غني، فمزقها، فذهبت أمواله كلها بعد ثلاثة عشر يومًا.
- والورقة الثالثة: وقعت في يد رجل على رأس عمل كبير، فسخر منها، ففُصِلَ من العمل بعد ثلاثة عشر يومًا.
تقول الرواية: فعليك أخي المسلم، أختي المسلمة، أن تقوموا بكتابة هذه الورقة، وتوزيعها؛ لتنالوا من اللَّه كل ما تحبون في إرادته".
- ويعلق الشيخ سلمان العودة على هذه "الخرافة" قائلًا:
(إنه نوع من "الإرهاب الفكري" المدمِّر.
لا تستخدم عقلك، ولا تناقش؛ لئلا يصيبك ما أصاب هؤلاء، واحذر أن تمزق تلك الورقة "الأسطورة"؛ لئلا تفقد عملك، أو تفقد مالك .. وربما تفقد دينك -هكذا يزعمون-.
إن الوحي قد انتهى فلا يتنزل على أحد بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومع ذلك؛ فإن من المسلمين من يشرِّعون تشريعات جديدة، لم ترد في الوحي، ويُحَذِّرون من يخالفها بالعقاب والعذاب، ويُبَشِّرونَ من يفعلها بالتوفيق ..
فكيف تنطلي هذه الألاعيب السخيفة على مسلم قرأ في التنزيل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
إننا نعلم يقينًا أن الإنسان قد يترك أعظم شعائر الدين العملية -وهي الصلاة، ومع ذلك يظل مرزوقًا معافى في دنياه؛ لأن الدنيا ليست دار جزاء ولا حساب، والأصل أن الجزاء والحساب في الآخرة، بل نجد قومًا كفارًا لا يؤمنون باللَّه، ولا باليوم الآخر، ومع ذلك: وَسَّعَ الله عليهم في الرزق، وأعطاهم من العلم المادي، والحضارة المادية، ما لم يُعْطِ غيرهم.
فالدنيا دار بلاء، وليست دار جزاء.
فكيف يأتي من يستخف بعقول بعضنا، ويزعم أن من لم يَفْعَلْ كذا أصابه بعد أيام معدودة ما يكره، ومن فعله لَقِي ما يحب؟!
وهذا الفعل المطلوب ليس واجبًا، ولا مُسْتَحَبًّا، بل ولا مباحًا، إنما هو بدعة منكرة، وخرافة غليظة.
ثم لنتساءل: هل هذه الكتابة "عبادة"، أم أنها "عمل دنيوي محض"؟
فإذا كانت عبادة، فهي مردودة؛ لأن الإنسان أراد بها الدنيا، وحفظ المال، والوظيفة، والصحة، ولم يُرِدْ بها وجهَ الله -تَعَالى-.
وإذا كانت عَمَلًا دنيويًّا فهي -أيضًا- مرفوضة؟ لأنها ليست من الأسباب المادية، والذي يُرِيدُ المحافظة على الوظيفة عليه ألَّا يتأخر عن وقت الدوام، وأن يؤدي مسئولياته، وأن يُحْسِنَ استقبال المراجعين، ويبني علاقته مع رؤسائه على أساس صحيح.
وهكذا حفظ المال والصحة وغيرهما له أسبابه المادية المعروفة، وليس هذا العمل منها بحال.
(1) "نفسه" (1/ 290).
(2) "مشكلات الجيل في ضوء الإسلام" ص (134).
(3) "مجموع الفتاوى" (27/ 459).
(4) "نفسه" (27/ 457، 458).
[ثم لماذا رقم (13)؟]
لقد جاء في الشرع الذكر مرة واحدة، وثلاث مرات، وسبع مرات، وعشر مرات، ومائة مرة، أما ثلاثَ عشرةَ مرة فليس لذلك نظير في الشرع مطلقًا؟
وأخيرًا: من الذي يَرْوِي هذه الأكذوبة الملفَّقَة المخترعة؟
فتاة مريضة؟ ومن هي؟ ومن يقول إنها صادقة؟ ومن يروي عن هذه الفتاة؟ إنها روَايَةٌ مسلسلة بالمجهولين، والكذَّابين، والأفَّاكين، وهؤلاء لا تُقْبَلُ شهادتهم على "بَصَلَة" فما دونها، فكيف تُقْبَلُ روايتهم في أمر كهذا؟!
وحتى لو كان الرواة من أساطين الثقات، فإنهم إذا حدَّثوا بمثل هذا الكذب البواح سقطت عدالتهم، وذهبت الثقة بهم، وتُرِكُوا، ووجب ردعهم وتعزيرهم، ومنعهم من التغرير بعقول السُّذَّجِ والبُلْهِ، والله المستعان، وأنَّى لأساطين الثقات أن يحدثوا بمثل هذا؟!) (1). اهـ.
ونظير هذه الرواية ما يشيع من وقت إلى آخر من أن فتاة رأت رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- في المنام، وقال لها: "إن الساعة ستكون قريبًا، وعلامة ذلك أن تفتحي مصحفًا قديمًا فتجدي فيه شعرة"، فترى الناس يُهْرَعُون إلى فحص مصاحفهم للتفتيش عن الشعرة المزعومة!
* * *
(1) "قضايا في المنهج" ص (15 - 18) بتصرف.
-
الثلاثاء PM 01:45
2022-08-02 - 1700