المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409037
يتصفح الموقع حاليا : 253

البحث

البحث

عرض المادة

كشف شبهات الصوفية2

الشبهة التاسعة: قولهم: في قول بني إسرائيل لموسى {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وقول بعض الصحابة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» إن الصحابة وبني إسرائيل لم يكفروا.الجواب: أن الصحابة وبني إسرائيل لم يفعلوا ذلك حين لقوا من الرسولين الكريمين إنكار ذلك، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا.
الشبهة العاشرة: قولهم: إن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا.الجواب: الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال الله تعالى في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (القصص:15).والناس لم يستغيثوا بهؤلاء الأنبياء الكرام ليزيلوا عنهم الشدة، ولكنهم يستشفعون بهم عند الله - عز وجل - ليزيل هذه الشدة، وهناك فرق بين من يستغيث بالمخلوق ليكشف عنه الضرر والسوء، ومن يستشفع بالمخلوق إلى الله ليزيل الله عنه ذلك، وهذا أمر جائز كما أن الصحابة - رضي الله عنهم - يسألون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته أن يدعو الله لهم، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف الصالح على من قصد دعاء الله عند قبره فكيف بدعائه نفسه؟ولا بأس أن تأتي لرجل صالح حي تعرفه وتعرف صلاحه فتسأله أن يدعو الله لك، وهذا حق إلا أنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ ذلك ديدنًا له كلما رأى رجلًا صالحًا قال: ادع الله لي، فإن هذا ليس من عادة السلف - رضي الله عنهم -، وفيه اتكال على دعاء الغير، ومن المعلوم أن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه كان خيرًا له؛ لأنه يفعل عبادة يتقرب بها إلى الله - عز وجل -.
الشبهة الحادية عشرة: قولهم: أن في قصة إبراهيم - عليه السلام - لما أُلقِي في النار اعترض له جبريل في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا، دليل على أنه لو كانت الاستغاثة بجبريل شركًا لم يعرضها على إبراهيم؟الجواب: أولًا: قال العجلوني في (كشف الخفاء:1136): «(حسبي من سؤالي علمه بحالي) ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء بلفظ: رُوِي عن كعب الأحبار أن إبراهيم قال حين أوثقوه ليلقوه في النار: «لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك» ثم رموا به في المنجنيق إلى النار فاستقبله جبريل، فقال: «يا إبراهيم ألك حاجة؟» قال: «أما إليك فلا»، قال جبريل: «فسَلْ ربك»، فقال إبراهيم: «حسبي من سؤالي علمه بحالي» انتهى، وذكر البغوي في تفسير {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ} (الأنبياء:68) أن إبراهيم - عليه السلام - قال: «حسبي الله ونعم الوكيل» حين قال له خازن المياه لما أراد النمرود إلقاؤه في النار: إن أردتَ أخمدتُ النار، وأتاه خازن الرياح فقال له: إن شئتَ طيرتُ النار في الهواء، فقال إبراهيم: «لا حاجة لي إليكم، حسبي الله ونعم الوكيل» انتهى.قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/ 74): (حسبي من سؤالي علمه بحالي). لا أصل له. أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو من الإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع، وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيرًا لضعفه فقال: رُوِيَ عن كعب الأحبار: أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما رموا به في المنجنيق إلى النار استقبله جبريل. ..وقد أخذ هذا المعنى بعض من صنَّف في الحكمة على طريقة الصوفية فقال: سؤالك منه ـ يعني الله تعالى ـ اتهامٌ له، وهذه ضلالة كبري! فهل كان الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ متَّهِمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة؟. .. وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى. .. وبالجملة فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام فكيف يصدر ممن سمانا المسلمين؟!ثم وجدت الحديث قد أورده ابن عراق في (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبارالشنيعة الموضوعة) وقال (1/ 250): قال ابن تيمية موضوع».انتهى كلام الألباني (بتصرف).* الذي في البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»ثانيًا: على فرض ثبوت الأثر ـ وقد تبين لك أنه من الإسرائيليات ـ فإن جبريل - عليه السلام - إنما عرض على إبراهيم - عليه السلام - أمرًا ممكنًا يمكن أن يقوم به فلو أذن الله لجبريل لأنقذ إبراهيم بما أعطاه الله تعالى من القوة فإن جبريل كما وصفه الله تعالى: {شَدِيدُ الْقُوَى} (النجم:5) فلو أمره الله أن يأخذ نار إبراهيم وماحولها ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل ولو أمره أن يحمل إبراهيم إلى مكان بعيد عنهم لفعل ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل.وهذا يشبه لو أن رجلًا غنيًا أتي إلى فقير فقال هل لك حاجة في المال؟ من قرض أو هبة أو غير ذلك؟ فإنما هذا مما يقدر عليه، ولا يُعَدُّ هذا شركًا لو قال: «نعم لي حاجة أقرضني، أو هِبْني» لم يكن مشركًا.
الشبهة الثانية عشرة: قال بعض أهل البدع الذين يَدْعُون أهل القبور: كيف تقولون: الميت لا ينفع وقد نفعنا موسى - عليه السلام - حيث كان السبب في تخفيف الصلاة من خمسين إلى خمس؟الجواب: الأصل في الأموات أنهم لا يسمعون نداء من ناداهم من الناس، ولا يستجيبون دعاء من دعاهم، ولا يتكلمون مع الأحياء من البشر ولو كانوا أنبياء، بل انقطع عملهم بموتهم؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر:14) وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (فاطر:22) وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (الأحقاف:5 - 6) وقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وولد صالح يدعو له وعلم ينتفع به» (رواه مسلم).ويستثنى من هذا الأصل ما ثبت بدليل صحيح، كسماع أهل القليب من الكفار كلام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عقب غزوة بدر، وكصلاته بالأنبياء ليلة الإسراء، وحديثه مع الأنبياء - عليهم السلام - في السماوات حينما عرج به إليها، ومن ذلك نصح موسى لنبينا ـ عليهما الصلاة والسلام ـ أن يسأل الله التخفيف مما افترضه عليه وعلى أمته من الصلوات فراجَعَ نبيُّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - ربه في ذلك حتى صارت خمس صلوات في كل يوم وليلة، وهذا من المعجزات وخوارق العادات فيقتصر فيه على ما ورد. ولا يقاس عليه غيره مما هو داخل في عموم الأصل؛ لأن بقاءه في الأصل أقوى من خروجه عنه بالقياس على خوارق العادات، علمًا بأن القياس على المستثنيات من الأصول ممنوع خاصة إذا لم تعلم العلة، والعلة في هذه المسألة غير معروفة؛ لأنها من الأمور الغيبية التي لا تعلم إلا بالتوقيف من الشرع، ولم يثبت فيها توقيف فيما نعلم، فوجب الوقوف بها مع الأصل.
الشبهة الثالثة عشرة:1 - ما رُويَ عن عتبة بن غزوان عن نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «إذا ضل أحدكم شيئًا أو أراد عونًا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني فإن لله عبادًا لا نراهم».الرد: قال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم، إلا أن يزيد بن علي لم يدرك عتبة.وقال الحافظ ابن حجر في (تخريج الأذكار): «أخرجه الطبراني بسند منقطع عن عتبة بن غزوان مرفوعًا. وزاد في آخره: «وقد جُرِّب ذلك». ثم قال الحافظ: «كذا في الأصل ـ أي الأصل المنقول منه هذا الحديث من كتاب الطبراني ـ ولم أعرف تعيين قائله، ولعله مصنف المعجم، والله أعلم».قال الشيخ الألباني: وأما دعوى الطبراني - رحمه الله - بأن الحديث قد جُرِّب، فلا يجوز الاعتماد عليها، لأن العبادات لا تثبت بالتجربة.2 - ما رُويَ عن عبد الله ابن مسعود أنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا يا عباد الله احبسوا فإن لله حاصرًا في الأرض سيحبسه».الرد: قال الحافظ الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني وزاد سيحبسه عليكم، وفيه معروف بن حسان وهو ضعيف.3 - ما رُويَ عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله.الرد: قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في (السلسلة الضعيفة والموضوعة) (2/ 109): وأخرجه البزار عن ابن عباس بلفظ: «إن لله تعالى ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني».قال الحافظ كما في (شرح ابن علان) (5/ 151): «هذا حديث حسن الإسناد غريب جدًا، أخرجه البزار وقال: لا نعلم يروى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد».وحسنه السخاوي أيضا في (الابتهاج) وقال الهيثمي: «رجاله ثقات».قلت (أي الألباني): ورواه البيهقي في (الشعب) موقوفًا كما يأتي .... ثم قال الشيخ الألباني: وقفت على إسناد البزار في " زوائده " (ص 303): حدثنا موسى بن إسحاق: حدثنا منجاب بن الحارث: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد (عن أبان) ابن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: فذكره. قلت: وهذاإسناد حسن كما قالوا، فإن رجاله كلهم ثقات غير أسامة بن زيد وهو الليثي وهو من رجال مسلم، على ضعف في حفظه، قال الحافظ في (التقريب): «صدوق يهم».وموسى بن إسحاق هو أبو بكر الأنصاري ثقة، ترجمه الخطيب البغدادي في (تاريخه) (13/ 52 - 54) ترجمة جيدة. نعم خالفه جعفر بن عون فقال: حدثنا أسامة بن زيد. ... فذكره موقوفا على ابن عباس. أخرجه البيهقي في (شعب الإيمان) (2/ 455).وجعفر بن عون أوثق من حاتم بن إسماعيل، فإنهما وإن كانا من رجال الشيخين، فالأول منهما لم يجرح بشيء، بخلاف الآخر، فقد قال فيه النسائي: ليس بالقوي. وقال غيره: كانت فيه غفلة. ولذلك قال فيه الحافظ: «صحيح الكتاب، صدوق يهم». وقال في جعفر: «صدوق».ولذلك فالحديث عندي معلول بالمخالفة، والأرجح أنه موقوف، وليس هو من الأحاديث التي يمكن القطع بأنها في حكم المرفوع، لاحتمال أن يكون ابن عباس تلقاها من مسلمة أهل الكتاب. والله أعلم.ولعل الحافظ ابن حجر - رحمه الله - لو اطلع على هذه الطريق الموقوفة، لانكشفت له العلة، وأعله بالوقف كما فعلت، ولأغناه ذلك عن استغرابه جدًا، والله أعلم.» اهـ.تنبيه: قولهم: «رجاله رجال الصحيح» أو «رجاله ثقات»، ليس تصحيحا للحديث؛ لأن من شروط الحديث الصحيح أن يسلم من العلل التي بعضها الشذوذ والاضطراب والتدليس، وعليه فقول بعض المحدثين في حديث ما: «رجاله رجال الصحيح» أو: «رجاله ثقات» أو نحو ذلك لا يساوي قوله: «إسناده صحيح» فإن هذا يثبت وجود جميع شروط الصحة التي منها السلامة من العلل، بخلاف القول الأول، فإنه لا يثبتها، وإنما يثبت شرطًا واحدًا فقط وهو عدالة الرجال وثقتهم وبهذا لا تثبت الصحة كما لا يخفى.تنبيه آخر: قد يَسْلَم الحديث المقول فيه ذلك القول من تلك العلل ومع ذلك فلا يكون صحيحًا، لأنه قد يكون في السند رجل من رجال الصحيح ولكن لم يحتَجّ به، وإنما أخرج له استشهادًا أو مقرونًا بغيره لضعف في حفظه، أو يكون ممن تفرد بتوثيقه ابن حبان، وكثيرًا ما يشير بعض المحققين إلى ذلك بقوله: «ورجاله موثقون» إشارة إلى أن في توثيق بعضهم لِينًا، فهذا كله يمنع من أن تفهم الصحه من قولهم الذي ذكرنا.تنبيه أخير: قال أحد دعاة الصوفية المعاصرين بعد أن استشهد بالحديث: «ولا يبعد أن يقاس على الملائكة أرواح الصالحين فهي أجسام نورانية باقية في عالمها»الرد: أولًا: من أين لك هذا؟ كيف يقال: «إن أرواح الصالحين أجسام نورانية» مع أن الله - عز وجل - قد قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (الإسراء:85)قال الحافظ ابن كثير: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أي: من شأنه، ومما استأثر بعلمه دونكم؛ ولهذا قال: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} أي: وما أطلعكم من علمه إلا على القليل، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى.ثانيًا: بقاء أرواح الصالحين في عالمها ليس دليلًا على أنها تنفع أو تضر. فالحياة البرزخية حياة لا يعلمها إلا الله تعالى، وليس لها أية علاقة بالحياة الدنيا وليس لها بها أي صلة ... فهي حياة مستقلة نؤمن بها ولا نعلم ما هيتها.وإن ما بين الأحياء والأموات حاجز يمنع الاتصال فيما بينهم قطعيًا وعلى هذا فيستحيل الاتصال بينهم لا ذاتًا ولا صفات والله سبحانه يقول: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (المؤمنون:100) والبرزخ معناه: الحاجز الذي يحول دون اتصال هؤلاء بهؤلاء. لا سيما وأن الله تعالى يقول: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (النمل:80) ويقول - عز وجل -: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (فاطر:22).قال الشيخ الألباني: فهذا الحديث ـ إذا صح ـ يعين أن المراد بقوله في الحديث الأول: «يا عباد الله» إنما هم الملائكة، فلا يجوز أن يلحق بهم المسلمون من الجن أو الإنس ممن يسمونهم برجال الغيب من الأولياء والصالحين، سواء كانوا أحياء أو أمواتًا، فإن الاستغاثة بهم وطلب العون منهم شرك بيِّن لأنهم لا يسمعون الدعاء، ولو سمعوا لما استطاعوا الاستجابة وتحقيق الرغبة، وهذا صريح في آيات كثيرة، منها قوله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر 13 - 14).
الشبهة الرابعة عشرة: قالوا: من الأدلة على جواز دعاء الصالحين وندائهم، ما ذكره الله - عز وجل - عن نبيه سليمان - عليه السلام - وقوله لآصف بن برخيا وقد طلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله. قال - عز وجل -: {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (النمل:38 - 40).وقوله - عز وجل -: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} أي: ارفع بصرك وانظر مُدّ بصرك مما تقدر عليه، فإنك لا يكلّ بصرك إلا وهو حاضر عندك. وذُكر أنه أمره أن ينظر نحو اليمن التي فيها هذا العرش المطلوب، ثم قام فتوضأ، ودعا الله - عز وجل -.قال مجاهد: قال: يا ذا الجلال والإكرام. وقال الزهري: قال: يا إلهنا وإله كل شيء، إلهًا واحدًا، لا إله إلا أنت، ائتني بعرشها. قال: فتمثل له بين يديه».الرد: ما الدليل على أن المقصود هو آصف بن برخيا، إن قصة آصف بن برخيا لم يرِدْ فيها حديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما نعلم. نريد إسناداً ـ على الأقل ـ لهذه القصة؟في المسألة أقوال كثيرة؛ أقواها أربعة أقوال وهي:1 - أنه آصف بن برخيا كاتب سليمان - عليه السلام -.2 - أنه سليمان - عليه السلام - نفسه.3 - أنه جبريل - عليه السلام -.4 - أنه ملك من الملائكة.* القول الأول: بأنه آصف بن برخيا، وكان وزيراً لسليمان - عليه السلام - وكان صدّيقاً يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. وهذا القول رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان، وهذا إسناد لا يسمن ولا يغني من جوع، فإن بين يزيد بن رومان وبين سليمان - عليه السلام - مفاوز تقطع دونها أعناق الإبل.* القول الثاني: قال ابن عطية: وقالت فرقة هو سليمان نفسه، ويكون الخطاب على هذا للعفريت، كأن سليمان استبطأ ما قاله العفريت فقال له تحقيراً له: {أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} وهذا القول أقرب لمعنى الآية، ودلالته ظاهرة، ورجحه بعض العلماء؛ لأن سليمان - عليه السلام - نبي ورسول وملِك، فلا ينبغي أن يكون من حاشيته أعلم بالكتاب منه، فالذي عنده علم من الكتاب أيكون أحد حاشيته أو كاتبه؟ ويكون لديه من القوة أعظم مما لدى سليمان نفسه؟وكيف يكون ذلك وقد استجاب الله دعوة سليمان {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (ص:35) فكيف يكون لكاتبه قوة أقوى منه أليست القوة من أهم أسباب الملك، ولا سيما وأنه نبي مؤيد بالمعجزات؟ فبدهي أن يكون عند سليمان علم من الكتاب وذلك من باب أولى من جميع أفراد مملكته. وإلا فيكون في مملكته من هو أصلح للنبوة والملك منه؟!! فهل يعقل أن يكون عند آصف علم من الكتاب، وسليمان يجهل هذا العلم؟!!!* إذا لم يكن المقصود هو سليمان - عليه السلام -، فإما من أن يكون جبريل - عليه السلام - أو يكون مَلَكاً آخر. وسواءً كان هو القول الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع فإنه ليس به أي دلالة لما يُريدُ أن يستدل به المستغيثون بغير الله.فعل فرض أن قصة آصف صحيحة ـ وهي ليست كذلك ـ فإنها من أدلة التوحيد، حيث إن آصف توسل إلى الله بتوحيده وإلهيته، وكرر ذلك في دعائه، وقد قيل إنه يعرف الاسم الأعظم، فهو طالب من الله، راغب إليه سائل له، وسليمان - عليه السلام - آمِر ليس بسائل ولا طالب. وفرق بين الأمر والمسألة: فالأمر هو طلب فعل الشيء على وجه الاستعلاء.وأما المسألة فهي طلب الشيء على وجه الضعف والرجاء والتذلل. وأمر سليمان لآصف هو من باب أمر السيد لمملوكه والأب لابنه والملك لرعيته.وهذا من جنس الأسباب العادية، فإن الرجل إذا كان معروفاً بالصلاح وإجابة الدعاء فطُلِب منه الدعاء، أو أمِر به فدعا الله واستجيب له، لا يكون هو الفاعل للاستجابة، وليس المطلوب منه ما يختص بالله من الفعل، وإنما يطلب منه ما يختص به من الدعاء والتضرع، فالآية من أدلة التوحيد، وصرف الوجوه إلى الله، وإقبال القلوب عليه، فإن آصف توسلَ إلى الله بتوحيده وربوبيته، وقصَدَه وحده، ولم يقصد سليمان، ولا غيره مع أن سليمان أفضل منه لنبوته.وفي هذه القصة أن الأنبياء لا يُسألون ولا يُقصَدون، بل ربما صار حصول مقصودهم، ونيل مطلوبهم على يد من هو دونهم من المؤمنين، وإن أعظم الوسائل، وأشرف المقاصد هو: توحيد الله بعبادته ودعائه وحده لا شريك له كما فعل آصف. وفيها براءة أولياء الله من الحول والقوة كما دلت عليه القصة، فإنه توضأ وصلى ودعا.ثانيًا: الرد على من زعم رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقظة بعد موته!!يزعم البعض أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حي في قبره كحياتنا، ولو كان الأمر كذلك لما انصرف الصحابة - رضي الله عنهم - عن الصلاة وراءه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الصلاة وراء غيره ممن لا يدانيه أبدًا في منزلته وفضله.رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقظة غير ممكنة والدليل على ذلك: أن أمورًا عظيمة وقعت لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم أفضل الأمة بعد نبيها كانوا في حاجة ماسة إلى وجوده بين أظهرهم ولم يظهر لهم، نذكر منها:1 - أنه وقع خلاف بين الصحابة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بسبب الخلافة، فكيف لم يظهر لأصحابه ويفصل النزاع بينهم.2 - اختلاف أبي بكر الصديق مع فاطمة - رضي الله عنهما - على ميراث أبيها - صلى الله عليه وآله وسلم - فاحتجت فاطمة عليه بأنه إذا مات هو إنما يرثه أبناؤه فلماذا يمنعها من ميراث أبيها؟ فأجابها أبو بكر بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركنا صدقة» (رواه البخاري).3 - الخلاف الذي وقع بين طلحة والزبير وعائشة من جهة وعلي بن أبي طالب وأصحابه - رضي الله عنهم - أجمعين من جهة أخرى، والذي أدى إلى وقوع معركة الجمل، فقتل فيها خلق كثير من الصحابة والتابعين، فلماذا لم يظهر لهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى يحقن هذه الدماء؟4 - الخلاف الذي وقع بين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مع الخوارج، وقد سفكت فيه دماء كثيرة، ولو ظهر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لرئيس الخوارج وأمره بطاعة إمامه لحقَن تلك الدماء.5 - النزاع الذي وقع بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - والذي أدى إلى وقوع حرب صفين حيث قتل خلق كثير جدًا منهم عمار بن ياسر. فلماذا لم يظهر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى تجتمع كلمة المسلمين وتحقن دمائهم.
أقوال بعض أهل العلم في هذه المسألة:1 - ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) (12/ 385) «أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة أنهم رأوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك»، ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله: «وهذا مشكل جدًا ولو حُمِل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعًا جمًا رأوه في المنام، ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف».2 - قال الحافظ السخاوي في رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في اليقظة بعد موته: «لم يصل إلينا ذلك ـ أي ادعاء وقوعها ـ عن أحد من الصحابة ولا عمن بعدهم وقد اشتد حزن فاطمة - رضي الله عنها - عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى ماتت كمدًا بعده بستة أشهر على الصحيح وبيتُها مجاور لضريحه الشريف ولم تنقل عنها رؤيته في المدة التي تأخرتها عنه» نقل ذلك القسطلاني في (المواهب اللدنية) (5/ 295) عن السخاوي.3 - وقال ملا علي قاري في (جمع الوسائل شرح الشمائل للترمذي) (2/ 238): «إنه ـ أي ما دعاه المتصوفة من رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في اليقظة بعد موته ـ لو كان له حقيقة لكان يجب العمل بما سمعوه منه - صلى الله عليه وآله وسلم - من أمر ونهي وإثبات ونفي ومن المعلوم أنه لا يجوز ذلك إجماعًا كما لا يجوز بما يقع حال المنام، ولو كان الرائي من أكابر الأنام».4 - قال الشيخ رشيد رضا في (فتاويه) (6/ 2385): «صرح بعض العلماء المحققين بأن دعوى رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته في اليقظة والأخذ عنه دعوى باطلة، واستدلوا على ذلك بأن أَوْلى الناس بها ـ لو كانت مما يقع ـ ابنته سيدة النساء وخلفاؤه الراشدون وسائر أصحابه العلماء، وقد وقعوا في مشكلات وخلاف أفضى بعضه إلى المغاضبة وبعضه إلى القتال؛ فلو كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يظهر لأحد ويعلمه ويرشده بعد موته لظهر لبنته فاطمة لوأخبرها بصدق خليفته أبى بكر - رضي الله عنه - فيما روى عنه من أن الأنبياء لا يورثون وكذا للأقرب والأحب إليه من آله وأصحابه ثم لمن بعدهم من الأئمة الذين أخذ أكثر أمته دينهم عنهم، ولم يدّع أحد منهم ذلك وإنما ادعاه بعض غلاة الصوفية بعد خير القرون وغيرهم من العلماء الذين تغلب عليهم تخيلات الصوفية، فمن العلماء من جزم بأن من ذلك ما هو كذب مفترى وأن الصادق من أهل هذه الدعوى من خُيِّلَ إليه في حال غيبة ـ أو ما يسمى بين النوم واليقظة ـ أنه رآه - صلى الله عليه وآله وسلم - فخال أنه رآه حقيقة على قول الشاعر: ومثلك من تخيَّل ثم خالا.والدليل على صحة القول بأن ما يدَّعُونه كذب أو تخيُّل ما يروونه عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه الرؤية. .. وكون بعضه مخالفًا لنص كتاب الله وما ثبت من سنته - صلى الله عليه وآله وسلم - ثبوتًا قطعيًا ومنه ما هو كفر صريح بإجماع المسلمين».5 - قال الشيخ عبد الحي بن محمد اللكنوي - رحمه الله - في (الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة) (ص46): (ومنها ـ أي من القصص المختلقة الموضوعة ـ ما يذكرونه من أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يحضر بنفسه في مجالس وعظ مولده عند ذكر مولده وبنَوا عليه القيام عند ذكر المولد تعظيمًا وإكرامًا. وهذا أيضا من الأباطيل لم يثبت ذلك بدليل، ومجرد الاحتمال والإمكان خارج عن حد البيان».6 - قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في (حكم الاحتفال بالمولد النبوي): «بعضهم يظن أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له مُحَيِّين ومرحّبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (المؤمنون:15 - 16)، وقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر. وأول شافع وأول مشفع» عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام. فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة». اهـ (والحديث رواه مسلم).

  • الجمعة PM 09:45
    2016-03-11
  • 3173
Powered by: GateGold