المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415373
يتصفح الموقع حاليا : 235

البحث

البحث

عرض المادة

رجال الهواء والمتسولون

رجال الهواء )لوفتمنش( 
Luftmensch 
«لوفتمنش» كلمة ألمانية تَصعُب ترجمتها، ولكنها تعني حرفياً «رجال الهواء»، وهي تصف أعضاء الجماعات البشرية الذين لا توجد أرض راسخة تحت أقدامهم وليس لديهم خبرة في أي شيء ولا مهنة أو حرفة لهم ولا يمتلكون رأس مال أو عملاً ثابتاً، فهم يعيشون في الهواء وعلى الهواء. وكانت الكلمة تُستخدَم للإشارة إلى قطاع كبير من يهود شرق أوربا الذين يضطلعون بوظائف الجماعة الوظيفية الوسيطة والذين حلت محلهم الطبقات المحلية والدولة القومية المركزية، فأصبحوا بلا وظيفة أو مهنة أو عمل، وتحولوا إلى باعة جائلين ومتسولين وقوادين. كما أن الكلمة تشير أيضاً إلى اشتغال اليهود بالأعمال الفكرية والمالية والتجارية، وتشير إلى بعدهم عن الأعمال الزراعية أو الصناعية (الإنتاجية أو اليدوية) وإلى اشتغالهم كوسطاء في القطاع العقاري. وهي الظاهرة التي يُطلَق عليها أيضاً «هامشية اليهود وشذوذهم وطفيليتهم». 
ويرى الصهاينة أن اليهود كافة مُعرَّضون دائماً لأن يصبحوا لوفتمنش (رجال هواء) باعتبار أنهم شعب بلا أرض، وهم للسبب نفسه شعب مُهدَّد دائماً بالأخطار إذ أن الإنسان لا يمكنه أن يحيا حياة كاملة مطمئنة إلا بين جماعته وفي أرضه. بل إن حالة الهوائية الاقتصادية التي يعيشها الفرد اليهودي ليست إلا انعكاساً للهوائية التي يعيشها الشعب اليهودي ككل، فهي التي حوَّلت اليهود إلى تجار ومثقفين وأبعدتهم عن الطوائف الراسخة وعن الارتباط بالأرض. 
كما يرى الصهاينة أن اليهودية الإصلاحية شكل من أشكال الهوائية، فهي معلقة بين الأرض والسماء، ويرون كذلك أن اليهود المندمجين هم أيضاً شخصيات ممزقة هوائية غير منتمية. ويصف الشعار الصهيوني (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) هذه الحالة الهوائية لدى الجماعات اليهودية. ويهدف المشروع الصهيوني إلى تخليص اليهود من هذه الحالة الهوائية بتوفير أرض لهم يعيشون فيها، وتوفير هرم إنتاجي متكامل ينتمون إليه ويكون مقصوراً عليهم حتى يكون بينهم العامل والفلاح والمثقف. 
وقد كان مصطلح «لوفتمنش» شائعاً في الأدبيات النازية، ولذا قال أيخمان، في معرض الدفاع عن نفسه أثناء محاكمته، إنه كان يهدف إلى وضع قليل من الأرض الراسخة تحت أقدام اليهود. وقد نجح المشروع الصهيوني في توفير الأرض، ولكنه مع هذا لم ينجح في تخليص اليهود من صفة الهوائية، ومن ثم بدأت الكلمة تظهر مرة أخرى في الصحف الإسرائيلية إذ بدأ المستوطنون الصهاينة يتحولون إلى وسطاء، يتركون قاعدة الهرم الإنتاجي ويطفون على قمته ويعيشون على الهواء دون عمل إنتاجي أو يدوي. 
ويهدف المشروع الصهيوني إلى تحويل الفلسطينين إلى لوفتمنش، أي إلى رجال يعيشون في المخيمات والعراء والهواء أو إلى جماعات بشرية تعيش على هوامش المجتمعات. ولكن تَحوُّل الفلسطينيين من لاجئين إلى فدائيين مجاهدين أسقط هذا المخطط الصهيوني. 
المتســـــــولون 
(Schnorers) Beggars 
كلمة «المتسولون» هي المقابل العربي لكلمة «شنوررز schnorers»، وهي كلمة يديشية في صيغة الجمع مفردها «شنورر schnorer» أي «شحاذ» أو «متسول». وتتواتر هذه الكلمة في الأدبيات الصهيونية وفي الدراسات عن الجماعات اليهودية، وبخاصة في القرن التاسع عشر. وتعود الظاهرة إلى العصور الوسطى مع تطبيق قانون تحريم الاستيطان (حيريم هايشيفاه) وهو قانون كان يحق بمقتضاه لكل جماعة يهودية أن تمنع أي يهودي ينتمي إلى أية جماعة أخرى من الإقامة في مدينتها إلا بضعة أيام عليه أن يغادرها بعدها. وقد أدَّى هذا الوضع إلى ظهور آلاف اليهود الذين لم يكن لهم حق السكنى في أية مدينة أو قرية رغم أنه كان يتعيَّن عليهم الانتقال دائماً من مكان إلى آخر. ومن المعروف أن التجمعات اليهودية في العصور الوسطى كانت تتكون من أقلية ثرية من كبار المموِّلين والحاخامات وتحتها قاعدة ضخمة من المعدمين أو صغار التجار الذين كان لا يفصل بينهم وبين التسول سوى شعرة. وكانت أعداد كبيرة منهم تتحول إلى متسولين كل الوقت أو بعضه. بل وكانت تتداخل مهنة التسول مع مهن أخرى، فعمل المتسولون أحياناً معلمي موسيقى أو تجاراً متجولين أو مهرجين أو حواة. وقد أخذ عدد هؤلاء في التزايد ابتداءً من القرن الثالث عشر. 
ويُستخدَم مصطلح «شنورر» بالمعنى الضيق للإشارة إلى المتسول الذي تَلقَّى شيئاً من التعليم الحاخامي، وبالتالي فهو ليس متسولاً بالمعنى العادي للكلمة وإنما هو طالب للصدقة ويعتبرها حقه الطبيعي الذي يجب أن يعطيه إياه الأثرياء حتى ينالوا الخلاص. ومثل هذا المتسول المتعلم المتبجح كان يروي في العادة قصة ما تُفسِّر قيامه بالتسول، فهو يجمع الأموال ليعود إلى تجارته بعد أن أفلس أو ليزوج قريبة فقيرة. وكان هذا المتسول يظهر دائماً يوم السبت أمام المعبد وهو يعلم تمام العلم أن أعضاء الجماعة سيضطرون إلى أن يدفعوا له صدقة حتى لا يظهروا بمظهر سيئ في ذلك اليوم أمام بعضهم البعض، وحتى لا تظهر الجماعة اليهودية ككل بمظهر سيئ أمام الأغيار. وكان لكل متسول طرق محددة يسلكها ومناطق معروفة يتسول فيها ويزورها في فترات منتظمة لا ينافسه فيها أحد. وكثيراً ما كان يتم بيع هذه المناطق لمتسول آخر (وهذا أمر مألوف بين جماعات المتسولين في كل المجتمعات والذين يشكلون جماعات قريبة الشبه من الجماعات الوظيفية). 
ومع بدايات القرن التاسع عشر، زادت نسبة العاطلين عن العمل في أوساط اليهود وهو ما اضطرهم للتسول، وذلك بعد أن فقدت كثير من الجماعات اليهودية في شرق أوربا وظيفتها التقليدية، وبعد تَصاعُد عمليات التحديث التي اجتثت الملايين (ومن بينهم أعضاء الجماعات اليهودية) من جذورها، ولم توفر لهم فرصاً جديدة أو وفرت لهم فرصاً لم يستطيعوا التكيف معها، وبعد الانفجار السكاني بين أعضاء الجماعات. وكان 10% من جميع يهود أوربا (في العقود الأولى من القرن التاسع عشر) متسولين. 
وكان تزايد حدة هذه الظاهرة يسبب كثيراً من الحرج ليهود غرب أوربا المندمجين المستقرين، إذ كان شرق أوربا يقذف على بلادهم ألوفاً من يهود اليديشية الذين كانوا أساساً متسولين. وقد اضطرت بعض الجماعات اليهودية في غرب أوربا إلى أن تمنع دخول أية عناصر يهودية جديدة فيها، واستعانت بالحكومات ضد اليهود الوافدين. حيث كانت تصل أحياناً جماعات كبيرة من الفقراء اليهود يطالبون بالمساعدة وبالقوت كحق من حقوقهم. 
وقد أدَّى وصول المتسولين إلى ظهور الصهيونية التوطينية، أي صهيونية يهود الغرب الذين لا يهتمون بالاستيطان في فلسطين إلا باعتباره وسيلة للتخلص من جيوش المتسولين أو الفائض الإنساني اليهودي (على حد قول هرتزل(. 
وكان روتشيلد يرى في هرتزل أحد هؤلاء المتسولين الذين يودون الحصول على أمواله. وقد كان محقاً إلى حدٍّ ما، فالمستوطنون في فلسطين كان كل همهم، في مرحلة من المراحل (قبل أن يبدأ التمويل الحكومي الغربي)، الحصول على أكبر قسط من أموال روتشيلد. بل كان هرتزل نفسه يشير إلى المؤتمر الصهيوني الأول (1897) باعتباره جيشاً من الشحاذين يقف هو على رأسه، وكان يخشى أن تشجع الصهيونية الخارجية التوطينية هذا الاتجاه بين اليهود. 
وبالإمكان رؤية الدولة الصهيونية، باعتمادها الكامل على التمويل الغربي، على اعتبار أنها شنورر بعد أن تم تحديث عملية التسول بحيث تتم بشكل منظم يأخذ شكل اتفاقات تضمن تدفُّق المعونات في موعدها. ويرفض المتحدثون الإسرائيليون بطبيعة الحال صورة المتسول هذه ويشيرون إلى الدور الذي تلعبه الدولة الصهيونية في حماية مصالح الغرب في المنطقة وإلى أن ما تتقاضاه من معونات أقل بكثير من العائد الذي تأتي به، أي أنهم يُحلِّون صورة المملوك محل صورة الشحاذ. ولكن، في الآونة الأخيرة، أخذ كثير من المعلقين السياسيين الإسرائيليين في الإشارة إلى الدولة الصهيونية باعتبارها دولة شنورر أو دولة شحاذين، وإلى الاقتصاد الصهيوني باعتباره اقتصاداً تسولياً. ونحن نرى أن هذا المصطلح يُفسِّر كثيراً من جوانب الاقتصاد الإسرائيلي. والفارق بين المتسول والدولة الإسرائيلية هو أن المتسول يأخذ ولا يعطي إلا الدعوات لصاحب الصدقة، أما الدولة الصهيونية فتأخذ ثم تقوم بدور حيوي للاستعمار الغربي في المنطقة وهو دور كلب الحراسة، أي دور الجماعة الوظيفية القتالية حيث تتم مقايضة المال بالقتال. 

  • الاحد PM 03:24
    2016-02-28
  • 2403
Powered by: GateGold