المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415368
يتصفح الموقع حاليا : 233

البحث

البحث

عرض المادة

مماليــــك ماليـــــة

مصطلح «مماليك مالية» مصطلح قمنا بنحته ونستخدمه لوصف أوضاع أعضاء الجماعات اليهودية داخل الحضارة الغربية، وذلك انطلاقاً من مفهومنا التحليلي الخاص بالجماعات الوظيفية المالية. ونحن حين نصف أعضاء الجماعات اليهودية الوظيفية المالية في الحضارة الغربية بأنهم «مماليك مالية» فإننا نستخدم مفهوم الجماعات الوظيفية لنربط بين أقنان البلاط ويهود البلاط وغيرهم من أعضاء الجماعات اليهودية في الغـرب ممن اضطلعوا بوظـائف خـاصة من جهة، والمماليك من جهة أخرى، أي أننا ربطنا الواقعة أو الظاهرة (الخاصة) التي قد تبدو فريـدة داخـل المجتمـع الغربي بوقـائع وظواهر مماثلـة في مجتمعات أخرى، ومن ثم فهي تفقد كثيراً من تفردها وإطلاقها (وليس بالضرورة خصوصيتها)، ويظهر النمط المتكرر الكامن دون السقوط في القوانين العامة المجردة. هذه، إذن، محاولة للوصول إلى نمط لا يستند إلى وقائع التاريخ الغربي ولا ينطلق منها بالضرورة، وإنما يستند إلى وقائع التاريخ الإنساني العام بما في ذلك التاريخ الغربي بالطبع. كما أنها محاولة لتعميق فهم القارئ العربي للظاهرة اليهودية في الحضارة الغربية، فالمماليك واقع مألوف لديه، وعن طريق ربط المألوف بغير المألوف والمعلوم بالمجهول يمكن فهم المجهول وغير المألوف. كما أن لمصطلح «مماليك» مقدرة تفسيرية عالية، حين يُطبَّـق على الظاهرة اليهـودية ثم الصهـيونية وأخيراً على الدولة الصهيونية.

ولنبدأ بمحاولة حصر بعض سمات الجماعات الوظيفية التي يتسم بها كل من المماليك، باعتبارهم جماعة وظيفية قتالية، وأعضاء الجماعات الوظيفية اليهودية في الحضارة الغربية، فهذه السمات هي الأرضية المشتركة بين الفريقين. وسنلاحظ أن المماليك وأعضاء الجماعات الوظيفية اليهودية هم جماعات وظيفية عميلة تضطلع بوظيفة متميِّزة أو مشينة أو كريهة (القتال في حالة المماليك، والتجارة والربا وجمع الضرائب في حالة اليهود). كما كان يتم استجلاب كل من المماليك وأعضاء الجماعات اليهودية من خارج المجتمع، ليضطلعوا بوظيفة محدَّدة توكل إليهم، فهم غرباء نافعون يدخل معهم المجتمع في علاقة تعاقدية محددة. وكان يتم أيضاً عزل كل من المماليك وأعضاء الجماعة اليهودية عن بقية السكان، بل صارت العزلة الثقافية والإثنية أساس الانخراط في سلك هذه الجماعات. وهي عزلة تظهر في الأزياء التي كان يرتديها كلٌ من المماليك وأعضاء الجماعات اليهودية، وفي اللغة التي كانوا يتحدثون بها (اليديشية أو الشركسية أو غيرها من اللغات)، وفي طريقة قص الشعر أو تصفيفه. وكان يتم عزل أعضاء الجماعات اليهودية في الجيتو وعزل المماليك في الثكنات العسكرية. وكان العزل يتم أصلاً لأن الانتماء العاطفي والحضاري للمجتمع المضيف يجعل من الصعب على المحارب أن يقتل من يحب ويجعل من الصعب أيضاً على التاجر أو المرابي أن يسلب ثروات من تربطه بهم علاقة قرابة، فالاضطلاع بالمهمة القتالية أو المالية يتطلب الموضوعية والحياد اللذين يتسم بهما الغريب.

وكان أعضاء الجماعات اليهودية الوظيفية في الحضارة الغربية، والمماليك في المجتمعات العربية، يُعدّون ملكية خاصة للملك، وكلمة «مملوك» مشتقة من كلمة «ملْك» وتشير إلى العبد المملوكي وتعني «الخادم» أو «العبد». أما أعضاء الجماعات اليهودية في العصور الوسطى، فكان يُشار إليهم باسم «أقنان البلاط»، (باللاتينية: «سيرفي كاميراي ريجيس servi camerae regis») وكلمة «سيرفوس servus» اللاتينية تعني «خادم» أو «قن» أو «عبد». وقد كان كل من المماليك وأعضاء الجماعات اليهودية قريبين من النخبة الحاكمة، فهم أداتها في الاستغلال والقمع والغزو، ولذا تَركَّز الفريقان في المدن. ولنا أن نلاحظ أن كلاًّ من المماليك وأعضاء الجماعات الوظيفية اليهودية يؤمن بأنه شعب مختار أو نخبة مختارة، وكان الإحساس بالحرية والحتمية (أو عبث الوجود) أمراً مشتركاً بينهما. كما أن أعضاء الجماعتين كانوا يطبقون معيـارين أخلاقيـين مزدوجـين: واحد يُطبَّق على الجماعة الوظيفية المقدَّسة، والآخر على المجتمع المضيف المباح. وكان كل من المماليك وأعضاء الجماعات اليهودية الوظيفية يمتلك أداة يجيد استخدامها أكثر من أعضاء المجتمع المضيف: السيف في حالة المماليك، ورأس المال الربوي والخبرة التجارية والإدارية في حالة أعضاء الجماعات اليهودية. ويُلاحَظ أن المماليك وأعضاء الجماعات اليهودية كانوا محط خوف الجماهير وكراهيتها، وأنهم سقطوا صرعى عمليات التحديث وظهور الدولة القومية الحديثة.ولعلنا لو قارنا إبادة المماليك على يد محمد علي وإبادة يهود الغرب على يد هتلر لاتُهمنا بالمبالغة والشطط، ولكنهما مع هذا مبالغة وشطط ينيران جوانب من الواقع.

ومع أن أحداً من الدارسين لم يستخدم اصطلاح «مماليك» لوصف وضع اليهود في الحضارة الغربية، فإن المؤرخ الأمريكي اليهودي جيكوب أجوس اقترب كثيراً من المصطلح حين قال: « إن مكانة اليهود كغرباء كانت مهمة، إذ أن الطبقة الحاكمة كانت تستخدمهم كما كانت تستخدم المرتزقة تماماً، وكانت تفضلهم على الصيارفة المحليين للسبب نفسه الذي كانت من أجله تفضل المرتزقة على الفرق المحلية».

وعلى كل حال، يبدو أن فكرة «المماليك» كانت في ذهن المُشرِّع الغربي في العصور الوسطى مع أنه لم يستخدم المصطلح نفسه. فوضع اليهود كأقنان بلاط كان يستند إلى قصة أسطورية متداولة تهـدف إلى إضـفاء شـيء من الشـرعية علـى وضـع فريـد داخل المجتمع الإقطاعي الغربي. وتروي القصة أنه أثناء حصار القدس عام 60 ق.م، مات ثُلث اليهود من الجوع، وقُتل الثلث الثاني، أما الثُلث الأخير فقد قام المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس بإطعامهم ثم بيعهم للملك (أي الإمبراطور) تيتوس بعد سقوط القدس.وقد سلمهم الأخير إلى بلاط ملوك الرومان كي يصبحوا خدماً (أقناناً) للإمبراطورية على أن يقوم الملوك الرومان بحمايتهم. وقد بُعثت في القرن الرابع عشر الجزية الرومانية القديمة تحت اسم «ضريبة المليم» (بالألمانية: أوفربفينج Oferpfennig») دلالة على أن أباطرة الإمبراطورية الرومانية المقدَّسة قد ورَّثوا فسبسيان وتيتوس الهيمنة الكاملة على الشعب الذي هُزم واستُعبد مئات السنين من قبل.

وإذا كانت أسطورة الشرعية هذه طريفة بقدر ما هي ساذجة، فهذا هو الحال مع معظم أساطير الشرعية. وما يهُمنا هو أنها تفترض وجود علاقة مالك ومملوك بين الحاكم وأعضاء الجماعات الوظيفية اليهودية في العصور الوسطى في الغرب. وبغض النظر عن سذاجة الأسطورة، فإن سلوك المجتمع الغربي في العصور الوسطى كان يفترض هذه العلاقة. ففي حالة قتل أحد اليهود، لم تكن الدّية تُدفَع لأسرة القتيل وإنما للإمبراطور أو الملك. كما كانت المواثيق تتحدث عن أعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم أشياء تخص الملك ومن ميراثه ومنقولاته.
وقد أشار أجوس إلى أهم تجارب اليهود (المملوكية) في أوكرانيا. ومن المعروف أن ملوك بولندا لم ينجحوا في تجنيد البورجوازية في عملية تقليم أظافر طبقة النبلاء وتأسيس ملكية مطلقة كما حدث في باقي بلدان أوربا. بل حدث العكس، إذ استخدم النبلاء أعضاء الجماعة اليهودية أداةً لضرب البورجوازية وإضعاف مؤسسة الملكيَّـة. وحينما ضمت بولندا أوكرانيا، اضطر النبلاء إلى إرسال أعضاء الجماعة اليهودية ليضطلعوا بدور الجماعة الوظيفية الاستيطانية المالية في إطار ما نسميه «الإقطاع الاستيطاني»، فكان أحد أثرياء اليهود يستأجر الضيعة بكل ما علىها ويدفع مبلغاً للنبيل الإقطاعي (البولندي الكاثوليكي) ثم يقوم هو بإدارتها وتحصيل عوائدها (الأرندا)، وعادةً ما كان يُحضر أعضاء أسرته وذوي قرابته ويعيشون في مدن صغيرة أسسها لهم النبيل الإقطاعي تُسمَّى «شتتل». وكان للوكيل اليهودي صلاحيات تقترب من صلاحيات النبيل الإقطاعي، كما كان يتدخل في كل النشاطات التجارية والحرفية وغيرها ليُوظفها لحسابه وليعتصر من دخل الفلاحين. فكان يفرض ضريبة على الملح وعلى المركبات وحتى على مفتاح الكنيسة، فإن أراد الفلاحون المسيحيون الأرثوذكس فتح الكنيسة كان علىهم دفع ضريبة للوكيل اليهودي .

وكان الموقف متفجراً تماماً، ولذا كانت تحمي الجماعة اليهودية الوظيفية الاستيطانية المالية جماعة أخرى وظيفية استيطانية قتالية هي الجيش البولندي، أي أننا هنا أمام مثل جيد لمماليك مالية لا ينقصها سوى السيف لتصبح مماليك قتالية. بل إن ملامح تحول الجماعة الاستيطانية المالية إلى جماعة استيطانية قتالية كان قد بدأ يتضح، ولذلك كانت المعابد تُبنَى كالحصون (ولهذا كان يُطلَق عليها «القلعة/المعبد» (بالإنجليزية: فورتريس سيناجوج fortress synagogue) وتُفتح في جدرانها كوات لإطلاق نيران المدافع وتُنصب فوقها البنادق. وقد نص القانون على أن كل رب عائلة من عائـلات يهود الأرنـدا يتعـيَّن عليه أن يحتفـظ ببنادق بعدد الذكور وثلاثة أرطال من خراطيش البارود. وقد حاربوا في نهاية الأمر إلى جوار القوات البولندية ضد شميلنكي والقوزاق. ومما يجدر ذكره أن يهود بولندا يشكلون غالبية يهود العالم، بل هناك نظرية تذهب إلى أن جميع يهود الغرب من نسل هؤلاء لا من نسل اليهود الأصليين في معظم بلاد الغرب الذين تم استيعابهم في مجتمعاتهم.

 

  • الاحد PM 02:12
    2016-02-28
  • 2611
Powered by: GateGold