المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413551
يتصفح الموقع حاليا : 183

البحث

البحث

عرض المادة

الكذبة 131-132: كذبتان في موضوع صلْبِ المسيح ولَعْنِه

يقول الميرزا:

"ولعلك تقول: لِم ذكَر الله تعالى قصة رفع عيسى عليه السلام بالخصوصية، وكذلك قصة نفي صلبه في القرآن؟ وأيّ سرّ ومصلحة في ذِكرهما وأيّ حاجة اشتدت لهذا البيان؟ فاعلم أن علماء اليهود وفقهاءهم -غضب الله عليهم- كانوا ظانين ظن السوء في شأن عيسى عليه السلام، وكانوا يقولون إنه مفترٍ كذاب، وكان مكتوبا في التوراة أن المتنبئ الكاذب يُصلَب ويُلعَن ولا يُرفَع إلى الله تعالى كالأنبياء الصادقين. فأرادوا أن يصلبوا المسيح ليُثبِتوا كذبه بحسب أحكام التوراة، وليبيّنوا للناس أنه ملعون كذاب ولا يُرفَع إلى الله". (حمامة البشرى، ص 67-68)

قلتُ: كذَبَ الميرزا فيما يلي:

أولا في قوله: "وكان مكتوبا في التوراة أن المتنبئ الكاذب يُصلَب ويُلعَن ولا يُرفَع إلى الله تعالى كالأنبياء الصادقين".

فهذا ليس مكتوبا في التوراة، ولا نعثر له على أثر. بل الوارد في التوراة:

«وَإِذَا كَانَ عَلَى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا الْمَوْتُ، فَقُتِلَ وَعَلَّقْتَهُ عَلَى خَشَبَةٍ، 23فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلاَ تُنَجِّسْ أَرْضَكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا". (اَلتَّثْنِيَة 21: 22 23)

فالنص يتعلق بشخص يُعدَم لجريمة عقوبتها الإعدام. فهو ملعون لجريمته، لا لقتله ولا لصلبه. هذا المجرم الملعون إذا قَتَلْتَه ثم عَلقْتَ جثتَه فلا تُبْقِ جثته معلقةً ليلا، لأن هذا المعلَّق ملعون بسبب جريمته، لا بسبب قتله، ولا بسبب صلْب جثّته. فلا تنجس أرضك بأن تُبقي جثةَ ملعونٍ معلقةً حتى اليوم الثاني. فالمجرم ملعون، وبقاء جثته مرفوعة ليلاً يُعَدُّ تنجيسا للأرض.

لا نعرف وجه الربط بين كونه ملعونا وبين تنجيس الأرض، لكنّ هذا ما يقوله النصّ الذي لا يعنينا الخوض في صحته من بطلانه، بل يعنينا التركيز على تزييف الميرزا في الإحالة كعادته.

ثانيا في قوله: "فأرادوا أن يصلبوا المسيح ليُثبِتوا كذبه بحسب أحكام التوراة، وليبيّنوا للناس أنه ملعون كذاب ولا يُرفَع إلى الله".

والحقيقة أنّه لم يَرِدْ في الأناجيل أنّ اليهود أرادوا صلب المسيح ليثبتوا كذبه بحسب أحكام التوراة، أو ليبيّنوا للناس أنه ملعون كذاب، بل ورد أنهم أرادوا قتله، لا أكثر. ولأنّ عملية القتل كانت تتمّ صلبا، فأرادوا صَلبه. ولو كانت عملية القتل تتم شنقا، لأرادوا شَنقه. فالمهم عندهم أن يُقتَل ويرتاحوا منه.

لنقرأ ما جاء في إنجيل مَتّى وغيره، حيث لا نجد أي موضوع عن اللعنة ولا حمل اللعنة:

{38حِينَئِذٍ صُلِبَ مَعَهُ لِصَّانِ، وَاحِدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَوَاحِدٌ عَنِ الْيَسَارِ. 39وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ 40قَائِلِينَ:«يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ! إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!». 41وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ مَعَ الْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ قَالُوا: 42«خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيب فَنُؤْمِنَ بِهِ! 43قَدِ اتَّكَلَ عَلَى اللهِ، فَلْيُنْقِذْهُ الآنَ إِنْ أَرَادَهُ! لأَنَّهُ قَالَ: أَنَا ابْنُ اللهِ!». 44وَبِذلِكَ أَيْضًا كَانَ اللِّصَّانِ اللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ يُعَيِّرَانِهِ. [هاني: لم يقل أيّ من اللصين ولا من الناس: ستموت ملعونا، بل عيّروه لعدم استجابة أدعيته]

45وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. 46وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ [هاني: لم يقل: يا إلهي، هذه ميتة لعنة، فلماذا تركتني معلونا] } (إِنْجِيلُ مَتَّى 27: 38 66)

الحقائق التالية تفنّد حكاية ميتة اللعنة وربطها بالنصّ التوراتي:

1: لم يَرِد أن أتباع المسيح قد قالوا: يستحيل أن يموت المسيح على الصليب، لأن الصليب خاص بالملعونين.

2: لم يرد أنهم حزنوا لموته على الصليب مِن باب أنّ هذا أتى باللعنة عليه.

3: لم يشكّ أحدٌ منهم بصدقه بعد موته على الصليب حسب ما رأوه، بل إنّ يهوذا الاسخريوطي الذي سلَّمه مقابل إغراء مالي سرعان ما انتحر حين عاد إلى صوابه.

4: لم يقُل أحد إنّ اللصّ الذي آمن بالمسيح وصُلب فقد مات ملعونا، بل يؤمن كل مسيحي أنه في الجنة مبارك فيها.

5: ورد أنه "كَانَ اللِّصَّانِ اللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ يُعَيِّرَانِهِ"، فلم يعيّراه بالموت على الصليب، بل بأنه سيُقتل ولن يحميه الله ولن يستجيب أدعيته، كما كان يقول. ولو كانا يعيّرانه بميتة اللعنة لعيّرا أنفسهما بها قبله.

وهكذا لو تتبعنا كل أحداث قصة الصلب فلن نجد ما يشير إلى أن المسيح كان سيُلعن لو مات هذه الميتة. أما قول بولس لاحقا فلا يعنينا الخوض فيه الآن.

6: وهناك دليل واضح على نفي ربط صلب المسيح بنصّ سِفر التثنية، وهو أنّ المسيح كان يمكن أن يظلّ حيًّا ويُنْزَل حيًّا وتُكسَر عظامه ليموت، ولو حصل ذلك ما حصلت اللعنةُ حسب القائلين بأن الصلب يعني الموت على الصليب لا مجرد التعليق عليه. وبهذا لن يحقّق اليهود مبتغاهم. فهذا يؤكد أنه لم يخطر ببال يهودي ولا غير يهودي في ذلك الوقت أن يربط بين صلب المسيح وبين ما جاء في سفر التثنية.

وبهذا ثبت أن الميرزا زيَّف متعمّدا في الإحالة إلى التوراة، لأنّ هذه الكذبات لا أصل لها، وليست مجرد خطأ اجتهادي.

  • الخميس PM 01:37
    2022-10-27
  • 547
Powered by: GateGold