المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412652
يتصفح الموقع حاليا : 317

البحث

البحث

عرض المادة

الكذبة 875: زعمُه أنّ انحصار القوم في دينِهم ورفضَهم الأديانَ الأخرى لم يكن سببُه إلا عدم تواصلهم مع جيرانهم

يقول المرزا في سياق تملّقه للهندوس قُبَيل موته:

العصور التي كان فيها أصحاب كل دين على غير دراية بوجود دين آخر، كان من الطبيعي في عالَـم الجهل ذلك أن ينحصر كل شعب في دينهم وكتابهم.... وعندما اطّلع أهل بلد على بلد آخر واطّلع الناس من بلاد مختلفة على دين بعضهم بعضا، تعذّر عليهم أن يصدّق دينُ بلدٍ ديـنَ بلـدٍ آخـر، لأن الخصوصيات والفضائل التي تقررت لكل دين نتيجة المبالغات، علـى غـرار مبالغات الشعراء، لم تكن إزالتها مهمة سهلة...  أما ديانة العبرانيين فقد أبعدت النجعة إذ عدُّوا بلاد الشام وحدها مقام عرش االله إلى الأبد، وحُسب أن للصلحاء من سلالتهم فقط حقا ليُرسَـلوا لإصـلاح البلاد، ولكن هذا الإصلاح ظل مقتصرا على بني إسرائيل فقط، وانتهى إلهام االله ووحيه على سلالتهم فحسب، ولو هبَّ أحد غيرهم لكان كاذبا. (رسالة الصلح، ص 414)

قلتُ: كذبَ المرزا، فبنو إسرائيل مثلا كانوا يرَون يوميا كثيرا مِن الأقوام في محيطهم ممن يعبدون العجل أو الوثن أو الشمس أو القمر؛ فلم يكونوا جاهلين بحال جيرانهم، ولو أنّ أحد الكنعانيين ادّعى الرسالة أو أن الله أرسله رسولا حقا، لسمع بذلك بنو إسرائيل ولوَرَد ذلك في توراتهم وتلمودهم؛ فقد كانوا يعيشون بين هذه الأقوام ويحاربونهم ويسالمونهم ويشترون منهم ويبيعونهم.

فلم يكفر بنو إسرائيل بآلهة جيرانهم جهلا بأديانهم، بل لأنّ أديانهم وثنية وليس عندهم أنبياء، وبنو إسرائيل موحّدون. وقد ورد مثل ذلك في التوراة كثيرا، كما في النصوص التالية:

{الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي، وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ، وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ. 14لاَ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكُمْ} (اَلتَّثْنِيَة 6: 13-14)

{هذِهِ هِيَ الْفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ الَّتِي تَحْفَظُونَ لِتَعْمَلُوهَا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكَ لِتَمْتَلِكَهَا؛ كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي تَحْيَوْنَ عَلَى الأَرْضِ: 2تُخْرِبُونَ جَمِيعَ الأَمَاكِنِ حَيْثُ عَبَدَتِ الأُمَمُ الَّتِي تَرِثُونَهَا آلِهَتَهَا عَلَى الْجِبَالِ الشَّامِخَةِ، وَعَلَى التِّلاَلِ، وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. 3وَتَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتُحْرِقُونَ سَوَارِيَهُمْ بِالنَّارِ، وَتُقَطِّعُونَ تَمَاثِيلَ آلِهَتِهِمْ، وَتَمْحُونَ اسْمَهُمْ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ} (اَلتَّثْنِيَة 12: 2-3)

{مَتَى قَرَضَ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ أَمَامِكَ الأُمَمَ الَّذِينَ أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَيْهِمْ لِتَرِثَهُمْ، وَوَرِثْتَهُمْ وَسَكَنْتَ أَرْضَهُمْ، 30فَاحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُصَادَ وَرَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا بَادُوا مِنْ أَمَامِكَ، وَمِنْ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ آلِهَتِهِمْ} (اَلتَّثْنِيَة 12: 29-30)

{16وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا، 17بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيمًا: الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، 18لِكَيْ لاَ يُعَلِّمُوكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا حَسَبَ جَمِيعِ أَرْجَاسِهِمِ الَّتِي عَمِلُوا لآلِهَتِهِمْ، فَتُخْطِئُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ.} (اَلتَّثْنِيَة 20: 16-18)

وظلّ بنو إسرائيل يعملون بهذه الوصايا التي نزلت على موسى، ولم يرِد على لسان أيّ نبيّ بعده أنّ هذه الأحكام قد نُسِخَت بحجة أنّ الله أرسل رسولا للجيران فصاروا يعبدونه وحده!!

والقرآن أكّد على ذلك، فقال:

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} (الأعراف 138-140)

فبنو إسرائيل مفضَّلون على العالمين "بما حصل لهم من الهداية، بتكليمه موسى عليه السلام، وإعطائه التوراة، وفيها أحكامهم وتفاصيل شرعهم" (تفسير ابن كثير 3 / 468)، على عكس جيرانهم الذين لم يرسل الله إليهم رسولا ولم ينزل إليهم كتابا ولا أحكاما ولا شريعة.

والرسول لا بدّ أن يبقى له أثر، وإلا انطبق عليه {لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} (الحاقة 46) كما في التفسير الأحمدي.. فأين هم أنبياء الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ؟ أين آثارُ توحيدهم؟ أين آثار كتبهم الإلهية؟ لماذا لم يتعاون معهم بنو إسرائيل على البر والتقوى ما دام الله قد أرسل رسُلا إليهم؟ لماذا لم يخبر الله موسى أو أحد أنبياء بني إسرائيل بأنّ الله بعث رسولا عند الجيران؟!

فإنْ قيل: ما معنى الآية: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (فاطر 24)، قلتُ: هذه الآية  لا تقول: وإنْ مِن قَرْنٍ إلا وبعث الله فيه رسولا؟ بل إذا أخذنا بتفسيرهم الظاهري لها، قلنا: لقد بعث الله رسولا واحدا في الكنعانيين قبل عشرة آلاف سنة!! والرسول الواحد لن يعرفه أحد من جيرانه بعد أن تكون دعواه قد انتهت، لأنها سبقت دعوة موسى بألف عام مثلا. وبهذا لم يستفد المرزا وجماعته من الاستدلال بهذه الآية، وظلّ كلامه بخصوص عدم التواصل كذبا.. لأنّ الأمم ظلّت تتواصل مع جيرانها عبر التاريخ.. بل كان هنالك حضارات عريقة وامبراطوريات.. وظلّ التواصل الحضاري قائما، وإنْ بدرجات متفاوتة. وظلّ بنو إسرائيل يرَون وثنيين لا أنبياء عندهم.

الخلاصة أنّ المرزا في سياق التملّق يهدم كلّ الأسس بلا حياء.

6 سبتمبر 2021

  • الخميس PM 02:56
    2022-09-01
  • 632
Powered by: GateGold