المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413595
يتصفح الموقع حاليا : 190

البحث

البحث

عرض المادة

زوجات الرسول

وبعد ذلك يتطرقون إلى أشـياء أخرى، هذه الأشياء تتعلق بشخصية الرسول، وقد وضعوا قواعد، وحملوها على الرسول، ثم جعلوها محل مؤاخذة ولوم. 

ونحـن نقول لهـم: أنتم تخلطـون القضايا، لتقيسـوا بها كمـالات رسـول الله، وتقيسـون كمالاته بقضايـا تصنعونها لكمالات من عندكم، ومادمنا آمنا به رسولا، فنحن لا نؤمن به رسـولا ثم نضع له مقاييس الكمال من نفوسـنا، لنزن الأمور التي فعلها على مقاييسنا، ولكن الكمال ما فعله.

أنا آمنت به رسولا، فالكمال ما فعل وما لم يفعل.

الله قد ائتمنه على أن يبلغ منهجه.. ومادام قد ائتمنه على أن يبلغ منهجه، فأمانته على نفسه أولى به من أمانته عليّ أنا.

إذن لا تناقش أشـياء على موازين أنـت تدعي أنها موازين كمال، ثم تنسـب فعل رسـولنا إليها؛ لتقول: إن هذه الكمالات غير ثابتة. 

ومن هذه الأشياء مسألة تعدد زوجات الرسول.

مادمت قد كذبته رسـولا، فلماذا تؤاخذه فعل أم لم يفعل؟ الـذي يناقش في أنه فعـل أو لم يفعل هو من نسـتكثر عليه أن يفعل لأنه رسـول، فالقضية الأصلية إذن أنه ليس رسـول عندكـم، فـكان يجـب ألا تلوموه علـى تصـرف، ولذلك كان النقاش بيننا وبينك غير متكافئ؛ لأنك تنظر إلى فعل معزول عن رسول، ونحن ننظر إلى فعل منوط برسول.

نقول: هل الرسـول جاء والناس يعدّدون، او جاء ليشرع التعدد في الزوجات ؟

بل الرسول جاء قوما يعددون، فهو حين عدد لم يكن بدعا بينهم في هذا التعدد؛ لأن هذه المسألة إن سبقه فيها رسول لم يتزوج، فقد سـبقه فيها رسل كثيرون تزوجوا أعدادا متعددة، فلماذا نجعل الواحد هو المرجح[1]، ولا نجعل الكثرة هي المرجحة ؟

الواحـد إنما جاء لحكمة، والسـابقون قبله عـددوا لحكمة فالرسـول لم يشـرع التعدد، وإنما جاء والتعدد نظام قائم له ولكل الناس. 

لكن الأمر يختلف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى من تبعه مـن المؤمنيـن، إذ إن الرسـول صلى الله عليه وسلم جاء لمن تـزوج أكثر من أربعة، فأمره أن يمسك أربعا، ويفارق الباقي هذا كلام واضح بالنسبة إلى من تبعه من المؤمنين. 

ولكـن لننظر: هل كانت الإباحة لأتباع الرسـول صلى الله عليه وسلم إباحة لمعدود، أو كانت إباحة لعدد؟ 

الإباحة لأتباع الرسـول صلى الله عليه وسلم كانت لعدد، أيا ً كان هذا العدد، أربعـة، فإن ماتت واحدة تزوج غيرها مكانها، إن طلق واحدة يأتـي بواحدة مكانها، إن طلقهن جميعـا فله أن يتزوج أربعا غيرهن. 

إذن فتابع الرسول صلى الله عليه وسلم له العدد، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فليس له العدد، وإنما له المعدود. 

والفرق بين العدد والمعدود: أن المعدود إنما أبيح للرسول بذواته، فـإن ماتت واحدة لا يأتي بواحـدة مكانها، وإن مات الأربعة عند الرسـول فليس له أن يتـزوج ولا واحدة؛ إذن فقد أبيح له المعدود، فهن بخصوصهن، قال الله تعالى: " لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ " الاحزاب: 52.

ذلك حكـم ليس لتابع من أتباع الرسـول صلى الله عليه وسلم، إذن فالعدد عند تابع محمد قد يدور إلى أربعين، ولكن العدد عند رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم غير دائر، لأنه محصور في هؤلاء، فإنه لا يحل له أن يتزوج غيرهن. 

الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج، واجتمع عنده من الزوجات تسع، وحين شـرع الله ذلك العـدد، فالرسـول صلى الله عليه وسلم إمـا أن يحتفظ بأربع ويسرّح الخمس، وحين يسرّح الخمس فإنهن أمهات مؤمنين، وأمهات المؤمنين محرمات على سائر المؤمنين.

إذن فلـو سـرّح رسـول الله صلى الله عليه وسلم خمـس نسـاء، لبقين أي الخمـس بـدون زواج، لأنهن محرمات على الجميع، ورسـول الله صلى الله عليه وسلم حين يشـرع لأمته أن يمسكوا أربعا ً ويسرحوا الباقي، فهذا الباقي لكل منهن أن تتزوج من رجل آخر.

ولكـن ذلك بالنسـبة إلـى الرسـول ممنـوع، لأن زوجاته محرمات، إذن فليس لهن إلا أن يبقين زوجات لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأيضا ً فالمعنى الذي يريدون أن يغمزوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوض في تاريخه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سن الخامسة والعشـرين تزوج امرأة تكبره بخمسة عشـر عاما، وهذا على خـلاف القاعدة، فـي أن الرجل يتـزوج دائما بمـن دونه في العمر، وظل مع خديجة إلى أن ماتت، ولم يتزوج عليها.

كان ولابد أن يتزوج بمن تقوم بمسائله، فتزوج سودة بنت زمعة، امرأة تقوم بواجب الزوجية. 

بعد ذلك نأتي لنجد في نسـائه من تتبرع بليلتها لضرتها، فهـل تتبرع بليلتها إلا بعد عدل الرسـول ثم تأتي هي وتتبرع بليلتهـا؟ ومعنـى هذا أنها في ذاتها لا تصلـح أن تكون امرأة يقضـي منها الرجـل إربته، فكأنها لـم تـرد إلا أن تكون أمّا ً للمؤمنين ومن نسائه في الجنة بصفته وساما من الأوسمة.

كذلك تأتي إلى أم سلمة، وعندها عيال، وتقول لرسول الله: إنهـا لم يعد لها أرب، ولكن رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم يريد أن يجعلها أمّا للمؤمنين، ويريد أن يلقن الناس درسـا في أن الإنسان إذا أصيب في عزيز لديه أن يسـتقبل المصيبة بما علمنا رسـول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول: اللهم اجرني في مصيبتي، واخلفني خيرا ً منها.

حين مات أبو سلمة -وكانت أم سلمة تحبه- قيل لها: قولي ما علمنا رسـول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: أهناك خير من أبي سـلمة؟ فقد اسـتبعدت أن يكون هناك من هو خير لها من أبي سلمة، فرسول الله علمها أن هذا الدعاء لا بد أن يأتيها بخير من أبي سلمة وتزوجها رسول الله، وأصبحت أمّا للمؤمنين.

فكل زوجة من زوجات رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم لها قضية إيمانية  يريد الرسـول أن يثبتها في المؤمنين، حفصة مثلا يعرضها عمر على أبي بكر وعثمان، ويرفضان الزواج بها، ويحز ذلك في نفس عمر، فيتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كل هذا يدل على ان لكل زوجة قصة، ويجب ان يُلحظ انه لم يوسع عليه في ذلك، بل انه ضُيّق عليه.

ذلك ما يمكن أن ترد به على من يقول ذلك في رسول الله، ويجب أن نفتح المجال لبحث هذه الأشياء؛ لأنهم حين تكلموا عن رسـول الله هكذا، فقد دفعوا المسـلمين إلى بيان حقيقة هذه المسألة، فربما كان في نفوس المسلمين منها شيء.

إنهم يريدون أن يشـوهوا نبي الإسـلام، ولكنهم في الواقع خدموا نبي الإسلام. 

--------------------------------------------------------------

[1] يريد بالواحد السيد المسيح عليه السلام لانه لم يتزوج، وقد كان عدم زواجه راجعا ً الى انه لم يكن له محل اقامة، بل كان دائم الترحال لا يستقر في مكان الا ليرحل عنه كما تتطلبه دعوته عليه السلام.

  • الاربعاء PM 10:51
    2022-08-24
  • 959
Powered by: GateGold