المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412310
يتصفح الموقع حاليا : 291

البحث

البحث

عرض المادة

فرية تضارب الرسول مع القران

ويقول بعضهـم لبعض عن المسـلمين: جادلوهم بمنطق القـرآن، ومنطـق الحديث، مما يدل علـى أن المخططين لهذا الأمر قرءوا القرآن جيدا، وقرءوه بفهم، وقرءوا الحديث جيدا، وقرءوه بفهم، إلا أنهم لم يقرءوه بنور، وهناك فرق بين الفهم والنـور، الفهـم: أن يأخذ القضيـة ويجد لها مبررا سـطحي ولذلـك قالوا: القرآن فيه تناقض، بينمـا هو ظاهره التناقض فقط، لأن القرآن من لدن حكيم، وكل شـيء فيه له حكمة وله معنى. 

القـرآن يلح علينا فـي أن نتدبر، ومعنـى التدبر: ألا ننظر إلى واجهة معطيات الأشـياء فقط، ولكـن ننظر إلى خلفيات المعطيات من دبر الأشياء. 

المؤمـن ينظر إلى الأمـام والخلف، والمخالـف ينظر إلى الأمام فقط، إلى المواجهة، فـإن كان الظاهر التعارض، قال: إنه متعارض، ولا يتدبر. 

قالوا: الرسـول الذي جاء القرآن على لسانه، وقال: إنه من عند الله هو أول من تضارب مع القرآن، إذ كيف يقول القرآن: " وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا۟ۚ " الحشر: 7.

ثم يأتي فيقول: " أنتم أعلم بأمر دنياكم "[1] ومعنى انتم اعلم بشئون دنياكم كما يقولون: ان : " وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ " هو نص غير فعّال على رأيهم.

ونقول: الذي قال: " أنتم اعلم بأمر دنياكم " أليس هو رسول الله؟ بلى هو رسول الله، أليس الذي قال: " وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ " هو الله ؟ بلى هو الله، هل قُبض محمد صلى الله عليه وسلم قبل ان يقول الثانية ؟ اذن هو بلغ هذه الاية وقال هذه، اذن لابد ان تكون الجهة منفكة.

الله قال: " وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ " وفي النهاية أتانا الرسول فقال: " انتم اعلم بأمر دنياكم " إذن هناك وجهان للمسألة وانما يأتي التضارب اذا كانت المسألة منصبة على شيء واحد.

الإسـلام جـاء بقوانين، هناك أمـور تختلف فيهـا الأهواء، فتدخل فيها، حتى لا يختلف الناس فيها، وهناك قوانين علمية خاضعـة للتجربة، ولا دخـل للهوى فيها؛ لأننـا لا نرى عالما من العلمـاء يدخل معملا ليتفاعل مـع العناصر بهوى عنده، لـو دخل بهوى لا ينتج بل هو يدخـل بغير هوى، وما تعطيه المادة الصماء يكون هو القانون، وهذا لا يقنن له الإسلام.

إذن هناك أمور مادية كونية تجريبية، وأمور تخضع للهوى، وإذا نظرنـا إلـى العالـم المعاصـر وجدنا هاتيـن الموجتين تحكمـان حركة الحيـاة فيه: حركة خاضعـة للهوى، وحركة خاضعة للعلم والتجربة وسنجد التجربة حكمت الجميع فلم يشـذ عنها واحد، وسنجد الهوى فرق الجميع فلا يجتمع عليه اثنان. 

فالرسـول صلى الله عليه وسلم حين يقول ذلك إنما يضع قاعدة كلية عامة تسـير جنبًـا إلى جنب مع منهـج الله السـماوي، فمنهج الله السـماوي أن الله خلق الكون بنواميسـه وعناصره وأجناسه وقوانينه، وهـذه الأمور تخضع للتجربة المعملية، سـواء قام بهـا مؤمن أو كافر، فهي تعطي ثمرتهـا للمؤمن والكافر معا كما أن الله -سبحانه- يعطي العطاء ويؤتي خير الأرض لمن آمن به ومن كفر به على السواء. 

وفـي هذه القضيـة يجب أن نفـرق بين إمامة المسـلمين حين يضعها اللـه فيمن يؤتمن عليها، وبين رزق أهل الأرض، فإبراهيم عليه السلام حين ابتلاه الله بكلمات، أي مطلوبات، فأتمهن أي أدّاهن على أكمل ما يكون الأداء، قال الله له: " إِنِّی جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامࣰاۖ " البقرة: 124.

لأنـك اؤتمنت على مطلوبـات الله فأديتهـا على خير فأنت أهل لأن تؤتمن على الامامة.

قال ابراهيم: " وَمِن ذُرِّیَّتِیۖ "

فقال الله: " لَا یَنَالُ عَهۡدِی ٱلظَّـٰلِمِینَ "

فـكأن الإمامة عهد من الله للمأمون عليها، وتلك مسـألة لا تخضع للجنس ولا للدم، ولا لنسب اللحم، لقد قال الله: " لَا یَنَالُ عَهۡدِی ٱلظَّـٰلِمِینَ "

وإن كانوا من أبنائك، وهذه قضية أخذها إبراهيم من ربه. ولذلـك حينما ذهـب إلى الـوادي غير ذي الـزرع دعا الله بموجـب الحنـان لابنه وزوجتـه أن يرزق هؤلاء مـن الثمرات فقال: " وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِ " ابراهيم: 37.

مـن آمـن ومن كفر - أرزقـه أيضا؛ لأنك خلطـت بين عهد الإمامة الإيمانية وبين الرزق. 

فحين قلت: " لَا یَنَالُ عَهۡدِی ٱلظَّـٰلِمِینَ "

سجلت الأمر على الرزق فقلت " من آمن " فقال الله: " ومن كفر " .

إذن فمسألة الرزق بنواميسه يستوي فيها المؤمن والكافر، ولذلك كانت كل التجارب فيـه لا تخضع لقضية الإيمان، لكن تخضع لقضية الحركة فـي الأرض، فمن تحرك أوتي خيرها، وإن كان كافرا. 

إذن فرسـول اللـه صلى الله عليه وسلم حيـن نهاهـم عن تأبيـر النخل أي تلقيحه، أخذها من قضية أن الله –سـبحانه- يخلق ما يشاء، وأنهم لـو لم يلقحوه لصلح النخل، ولكن المسـألة التجريبية خذلـت هذه الفكرة فجاءت التجربة بأن النخل شـاص، فماذا يكون موقفه؟ 

موقفـه أن يـرد المسـألة إلـى الربوبية وقضية الأسـباب، وإعطاء التجربة حقها، وتجعل التجربة على لسـان المشـرع صلى الله عليه وسلم، وهو الـذي يعطي التجربة، ويعطيها المعنى، فالسـماء لا دخـل لها فيها، لأنها آتت أسـباب الـرزق، وأنتم تجتهدون، فقال: " أنتم اعلم بأمر دنياكم ".

فرسـول الله هو الـذي منع التأبير، وهو الذي قـال " أنتم اعلم بأمر دنياكم " فيجب أن نأخذ قضيـة «أنتم أعلم» من القضية المنهي عنها وهي قضية التأبير، وهي قضية تجريبية معملية. 

إذن فالرسول يجعلها في نفسه وفاقا للمشرع العالم حين يضـع قضية فيجعلها مطبقة على نفسـه أولا، فلم يمنعه أي اعتبـار من أن يؤصل هذه القضية لتكون دسـتورا للعالم كله في كل أمر تجريبي ومعملي. 

والقضايـا التي يجد الحق فيها غضاضة على النفوس كان يأتي بها على حكم الرسـول في نفسـه وفي شخصه، ولذلك قلنـا: إن النبي صلى الله عليه وسلم تحمل مسـألة إبطال التبني في شـخصه،فـكان التبني معروفـا عند العرب، فجاء الإسـلام ليبطله؛ لأن المسألة في التبني تتعدى جميع الآثار إلى قضية البنوة، فإذا جعلت الولد ابنا ً لك ولك ابنة، أيصح أن يراها ويعاشـرها؟ فالمسألة حينئذ تتعدى مسألة الحنان إلى مسائل أخرى.

فالإسلام حين أراد أن يبطل التبني، وهو شائع في العرب، كانت التجربة في الرسـول نفسـه صلى الله عليه وسلم، مع أن هـذه التجربة قـد جرت علينا متاعب كثيرة، حتى قالوا: لقد تزوج الرسـول زوجـة ابنـه، ولكن قضية زواجه هي نفسـها قضية زيد، قال اللـه له: تزوجها لتثبت لهم بطلان التبني، ورسـول الله دائما هـو موضع الأسـوة الراقية. المسـلمون فقراء فعـاش فقيرا ً مثلهم، هم يلبسـون ملابس متعددة وهو يلبس لباسـا خشن إذا تكلم معه أحد لا يذهب حتى يذهب هو، وإذا أخذ أحد بيده لم يسحب يده حتى يسحبها هو.

وكذلـك هوفي قضية تأبيرالنخل، فكأنه يقول: أنا أتدخل في أموركم التي تخضع للهوى، هنا تتدخل السماء لتعصمكم من اختلاف الأهواء، ولكن المسـائل المحكومة بقوانين صماء جامـدة فهي تعطي نتيجة واحدة ولا تختلف باختلاف الهوى معها. 

العالم الآن تسـوده موجتان: الأولى موجة نظرية، أي فيها الهوى، والثانية موجة معملية، والحضارات التي نعيشها الآن حضارات معملية، مبنية على التجربة التي اكتشفت كثيرا من أسرار الله في الخلق، فاستفدنا بها، وأثرت فينا.

ونحـن نعجب لأن الأمـور الأهوائيـة النظريـة يحاول كل صاحـب نظرية أن يمنع النظرية المقابلة من أن تتسـلل إليه، فيضع العوائق والسـدود أمامها، أما الأمور المعملية فيحاول أن يتلصص عليها ويسرقها، ليستفيد منها. 

إذن فالأمور المعملية لا هوى فيها، بل الأمور فيها خاضعة للتجربة، والتجربة لا تجامل، فالله -سـبحانه وتعالى- أنطق رسوله بأن يقول: " أنتم اعلم بأمر دنياكم " أي هذه المسائل التجريبية ما دمتم جربتموها، فأنتم أعلم بشئونها.

-------------------------------------------------

[1] رواه مسلم عن انس برقم: 2363 ، 141

  • الاربعاء PM 10:46
    2022-08-24
  • 878
Powered by: GateGold