المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412498
يتصفح الموقع حاليا : 377

البحث

البحث

عرض المادة

الإسلام والتخلف الحضاري

ومن الأشـياء التي يذيعونهـا، ويؤثرون بها على الشـباب المسـلم أنهم يقولون: إن إسـلامهم أوقفهم في الأرض موقف التخلـف، وجعلهم في الأرض في منزلة الأتباع دائما يعني أن العالم الإسلامي كله فقير متخلف. 

ونحن لا ننكر هذه القضية، ولكن حتى لا نبثها في نفوس شـبابنا فيقفوا ضد الدين نقول لهم: أو ذلك الأمر الذي عرض للمسلمين في هذا العصر، كان أمرا ً لازما لهم في كل العصور كمسلمين؟ 

الجواب منهم: لا؛ لأنهم كانوا يسمون عصورهم في أوروبا بالعصور المظلمة في القرون الوسـطى، ونحن كنا في غاية الارتقاء، فالرشـيد أرسل إلى شرلمان ساعة دقاقة تدق بالماء فلما وصلت إلى فرنسا قالوا: إن فيها شيطانا ً.

وإذا مـا أردنا أن نعرف مدى ارتقاء المسـلمين بالإسـلام فعلينا أن ننسب كل علم موجود الآن إلى أصله، لنجد أن بذرته والـرواد الأوائل فيه من علماء المسـلمين، وهم كانوا القنطرة التي عبر عليها الأوروبيون إلي حضارتهم وهذا باعترافهم.

ولذلك نجد الآن في مكتبة الكونجرس أن الرسـم المعملي للأرض هـو صورة عربي أمـام إنبيقه[1] ، مما يـدل على أن المسلمين هم بذرة كل حضارة. 

إذن فالتخلف ليس من طبيعة الإسلام وإنما هو أمر طارئ علـى تحضرنا، وهذا هو إقرارهم بأنفسـهم كما يقرون بأنهم أخذوا عنا كل شيء يدخل في تكوين حضارتهم.

إذن فالإسـلام جاء منذ أربعة عشـر قرنا ً وأول من تأثر به امة أمية متبدية، وبعد ذلك قادت به أمما متحضرة كبرى هي: الروم والفرس، وحكموهم بالنظام الإنسـاني الراقي، جماعة أمية جاءوا بالقوانين، وطبقوها على الأمم على اختلافها. 

ويشـاء الله أن يجعـل هذا الانتصار علـى جناحين: جناح شرقي في فارس، وجناح غربي في الروم، وهما أكبر دولتين متحضرتيـن في العالم آنذاك، وحينما رأوا ما جاء به الإسـلام مـن نظام يحكم قضية الحياة، ويدير سياسـة الدنيا، تهافتوا على الإسلام، وعلى هذه الحضارة، ولذلك ذهب الإسلام بقوتين: قوة اندفاع المعتنقين، وقوة الجذب للمطالبين هذا دفع، وهذا جذب، وهذا هو الرد على العجب من انتصار الإسـلام على يد أمه متبدية لا حظ لها من التقدم ولا الحضارة، حدث ذلك لأن القوتين كانتا تعملان في قوة، المسـلمون يندفعون لينشـروا دينهـم، والعالم المتحضر يئن مـن آلام الحضارة، فحين رأي ذلـك النـور انجذب إليـه، فأصبحت هنـاك قوة تدفـع، وقوة تجذب، وهما قوتان كفيلتان بنشر الدين في أرجاء العالم.

وإذا نظرنـا إلى القضية نظرة ذاتية إيمانية يجب أن ننظر إلـى المسـلمين أنفسـهم في هـذا الموضع لنعـرف أن واقع المسلمين كمسـلمين خذل قضية الإسلام كإسلام، لأن الأعداء جعلوا من حال المسـلمين حكما على الإسلام، ومنطقة العزل يجب أن تعزل بين الإسـلام كدين، وبين من يدعي أنه نسـب إلى الإسلام فهو مسلم. 

أيّ ديـن إذا اتبعه تابع له فقد يحكم علـى هذا التابع بأنه طائـع، وقد يحكم عليه بأنه عاص، فـلا تأخذوا من تصرفات العصـاة حكمـا على الإسـلام، ولذلـك فالذين يأخـذون هذه التصرفات يقولون صادقين: إننا أمم متخلفة. ولكن الحق أن هناك مسلمين متخلفين، وليس هناك إسلام متخلف.

لو نظرنا على التحقيق لوجدنا أنهم تخلفوا لأنهم لم يكونوا مسلمين، إذن فالتخلف ليس لكونهم مسلمين. 

وقالوا: إن الدين مطلق دين هوسبب التخلف، والمستغربون من أبنائنا قلدوهم وقالوا: إن الدين سبب التخلف.

وهذا خطأ.. حتى المسيحية لا تدعو إلى التخلف، المسيحية قامت بالشـحنة الروحية في مواجهة المادة البحتة اليهودية. لم تقل: إني أتعرض لقضايا الحياة، ولم تقل: إني أضع نظاما للحياة. 

فلمـا جاء الإسـلام ووجد التعـارض بين الماديـة القديمة والروحيـة الحديثـة كان لابد أن يجمع بيـن الأمرين في دين واحد هو الإسـلام، وفي كتاب واحد هو القـرآن، يعصمنا من الهوى والأمور الأخرى التي تضر بمسيرة العلم والحياة.

والدليـل على ذلك وجود علماء معملييـن فهموا دينهم في تاريخ الإسـلام، وفهموا لفتة الدين إلى العلـم التجريبي، تلك اللفتة التي سبقت الدنيا في قوله تعالى: " وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ " يوسف: 105.

وهذا ينص على إعراض الإنسان عن الآيات، فكأنه بالمفهوم يقـول: أي آيـة لا تعـرض عنهـا، لأن أي آيـة تضعها موضع التجربة والمشاهدة الدقيقة يمكنك أن تفيد منها فائدة عظمى تعينك على التقدم في الحياة ولهذا هو أصل العلم التجريبي.

عصرالبخار نشأ من ملاحظة بسيطة لاحظها أحد العلماء، أخذ فكرته مـن ِقْدر تغلي، وتحتها النـار، فوجد غطاء القدر يرتفـع، لأن بداخلها بخارا ً كثيرا، وقد تحول البخار إلى طاقة تدفع، ومن هنا نشأ عصر البخار. 

والغواصات والطرادات كأنهـا الأعلام كما وصفها القرآن، وحمولتها آلاف الأطنان، نشأت بملاحظة بسيطة لاحظها عالم حينما نزل الحمـام، فوجد أن الماء قد ارتفع في الحمام، لأنه أزاح قـدرا من الماء حين نزل يسـاوي حجمـه لا وزنه فوجد أن هنـاك علاقة بين الحجم والوزن، أتـى بقطعة من المعدن ووضعها في الماء فغطسـت، وحينما فرغهـا طفت، أخذ من هذا أن الغاطس على قدر الحمولة. 

لـكل هذا كان العلماء المسـلمون حين يبحثـون في العلم التجريبـي يقولـون: نحن نبحث عن أسـرار الله فـي الكون فالإسـلام يدعو إلـى هذا، ولكن هل حال المسـلم المنسـوب للإسلام يضر بالإسلام؟ إذا رأيتم من يشرب الخمر فهل يضر هذا بالإسلام؟ لا، الإسـلام يحرم شرب الخمر، ولكننا نحن لم نقم عليه الحد.

ولذلك فالرسـول صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى خطر الإهمال في الالتزام ولو كان الإهمال يسـيرا؛ لأن هذا التهاون سيكون فجوة يدخل منها أعداء الإسلام إلى الإسلام، «وكل واحد من المسلمين على ثغرة من ثغور الإسلام، فليحذر الواحد منهم أن يؤتى الإسلام من ثغرته"[2].

وكل مسـلم يسـاوي حصنا ً فليحذر ان يؤتى الاسلام من حصنه، وأعداء الإسـلام نظروا إلى المسلمين، فوجدوا ثغرات، فدخلوا على الإسلام من هذه الثغرات. 

والسـلوك المنهجي هو خيـر دعوة إلى الإسـلام، قال الله تعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " فصلت: 33.

قـال: لمن؟ قال: لمن يرونه على السـلوك السـمح الطيب، لفتهم من ذاته إلى دينه وقال: خذ الدين من السـلوك الملتزم، ها أنذا من المسلمين فانظروا إلى سلوكي. 

ولهـذا انتشـر الإسـلام بواسـطة التجـار الملتزمين، من معاملاتهم على أسـاس أدب وورع الإسلام، قل لهم: أنا هكذا لأنني مسلم. 

ولذلـك فكثير مـن المفكريـن هداهـم إلى الإسـلام أمور تمـر بدون انتباه، فالرسـول كان أصحابـه يخافون عليه من خصومه، فكانوا يحرسـونه، يفدونه بأنفسهم، هذا هو معنى الحراسة وذلك لأن بقاء صاحب الفكرة خير من بقاء حراسه.

الصديـق فـي الغار عرّض نفسـه للخطر؛ لأن الرسـول لا عـوض، أما هـو فيعوض هذه شـهادة بأن بقـاءه خير من بقائهم. 

وفي يوم من الأيام فوجئوا بأن الرسـول قال لهم: انصرفوا عنّي؛ لأن الله قال لي: " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ " المائدة: 67.

أسـلمت امرأة لهذا السـبب، قالت: إن الإنسان يغش الدنيا كلها، ولكنه لا يغش نفسه، ولهذا فمحمد ينقل فعلا عن الله.

والرجـل الذي كتب كتـاب «العظماء مئـة» جعل أعظمهم وأولهـم محمدا صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا الرجـل أعظم رجل في العالم لأنه ما زال يحكم ملايين المسلمين وهو في قبره.

المهمة التي يجب أن يعرفها كل مسلم أنه ساعة يفعل شيئ مخالفا لمنهج الله فلينظر كم صد من الناس، وكم أثار الشـك فـي الدين فـي صدور ناس، ومن هنا حـذر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يؤتى الدين من ثغرته، واذكروا جيدا قول الرجل الذي أسـلم: الحمد لله الذي هداني إلى الإسلام قبل أن أعرف المسلمين.

------------------------------------------------------------

[1] انبيق: جهاز يستعمل لتقطير السوائل والزيوت. (المجلة)

[2] رواه المروزي في السنة عن يزيد بن مرثد، برقم 29،28.

  • الاربعاء PM 10:41
    2022-08-24
  • 736
Powered by: GateGold