تعدد الهياكل - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 442572
يتصفح الموقع حاليا : 99

البحث

البحث

عرض المادة

تعدد الهياكل

يتحدث اليهود عن "إعادة بناء الهيكل"، و"الهيكل الثالث" و"هدم الهيكل". وكلها في صيغة المفرد، وكأن مركز الوجدان اليهودي كان ولا يزال هو "الهيكل"، ولكن الواقع مخالف لذلكوقد أشرنا في مقال آخر إلى أن اليهودية الإصلاحية واليهود العلمانيين (وهم يشكلون الغالبية الساحقة ليهود العالم وإسرائيل) لا يكترثون لا بالهيكل ولا بالعبادات القربانية وغير القربانية اليهودية ويجدونها بقايا تاريخ ميت لا يعنيهم البتة، بل إن بعضهم يجد أن متحف الهولوكوست في واشنطن هو الهيكل الحقيقي.  

وإلى جانب، هناك توجد حقيقة تاريخية يحرص الصهاينة على إخفائها وهي أنه توجد هياكل كثيرة. فالعبرانيون القدامى كانوا يحجون إلى مكان يسمَّى «شيلو» إلى أن تأسست المملكة العبرانية المتحدة وأصبحت القدس العاصمة، والهيكل هو مركز العبادة القربانية. ولكن المملكة المتحدة لم تدم أكثر من ثمانين عاماً، وعند انقسامها إلى مملكتين صغيرتين (٩٢٨ ق.م) فَقَدَ الهيكل كثيراً من أهميته، إذ شيَّد ملوك المملكة الشمالية (يسرائيل إفرايم) مراكز مستقلة للعبادة. فبنى يربعام (أول ملوك المملكة الشمالية) معبدين أو هيكلين أحدهما في دان بالشمال والآخر في بيت إيل، وجعل فيهما عجولاً ذهبية، واتخذهما مزاراً ملكياً مقدَّساً له. وقد أحاط المعبدين بهالة من القدسية، وغيَّر موعد الأعياد، وطرد اللاويين الذين كانوا يشكلون البيروقراطية الدينية للمملكة العبرانية المتحدة. وقد فعل كل هذا حتى يقوِّض العبادة المركزية ويحول دون ذهاب مواطني مملكته إلى هيكل القدس في المملكة الجنوبية (يهودا). ورغم التحالفات التي كانت تُعقَد أحياناً بين ملوك الشمال والجنوب، فإن الهيكل لم يستعد قَطّ مركزيته القديمة. وكثيراً ما كان ملوك اليهود يضطرون إلى إدخال العبادات غير اليهودية تعبيراً عن تحالفاتهم السياسية. فأنشأ سليمان مذابح لآلهة زوجاته الأجنبيات، الأمر الذي يتنافى مع مبدأ التوحيد. كما أن العبادات المختلفة كانت تعبيراً عن التبعية السياسية، فقد أدخل منَسَّى العبادة الآشورية تعبيراً عن خضوعه للآشوريين.  

ومن أطرف الأمثلة على تعدُّد الهياكل ما يسمَّى بهيكل أونياس، وهو الهكيل الذي شيَّده الكاهن الأعظم اليهودي أونياس الرابع الذي خُلع من منصبه في فلسطين ففرّ إلى مصر ومعه بعض الجنود اليهود، ولعلهم تحَّولوا إلى مرتزقة بعد وصولهم إلى مصر (وثمة رأي يذهب إلى أن الذي شيده هو، في واقع الأمر، أبوه أونياس الثالث). ويبدو أن الهيكل قد شُيِّد بإيعاز من البطالمة (حكام مصر) في عصر بطليموس السادس (١٨١ - ١٤٥ ق.م )، لخلق موقع ليهود مصر يصبح مركزاً لولائهم ويبعدهم عن هيكل فلسطين التابع للسلوقيين. وقد مُنح أونياس، وجنـوده، أرضـاً ليســتوطنوها ويعيشوا من ريعها عام ١٤٥ ق.م. وقد شُيِّد المعبد في ليونتوبوليس (بالقرب من هليوبوليس) مكان معبد مصري للإلهة باشت. وقد استند أونياس إلى نبوءة أشعياء (١٩/١٨ - ١٩ (التي جاء فيها أنه سيُشيَّد مذبح للإله في وسط أرض مصر ليعطي هيكله شرعية دينية، وقد أصبح أونياس كاهنه الأعظم.  

وكان كثير من اليهود يعملون جنوداً مرتزقة ضمن حامية عسكرية تُرابط حول المعبد. وقد بُنيَ الهيكل على هيئة قلعة يحيطها سور، ربما بسبب طابعه الاستيطاني القتاليورغم اختلافه من الناحية المعمارية عن هيكل القدس، فإنه كان يحوي الأواني الشعائرية نفسها، وكان يتدلى من السقف فانوس حل محل شمعدان المينوراه. وقد منح البطالمة لكهنة هذا الهيكل قطعة من الأرض ليعيشوا من ريعها.  

ولم يكن هيكل أونياس معبداً (سيناجوج) وإنما كان هيكلاً مركزياً لإقامة شعائر العبادة القربانية، وكان الهدف هو إحلاله محل هيكل فلسطين، كما كان اليهود في مصر يقدمون فيه القرابين ويحجون إليه. ورغم أن أقلية من يهود مصر اتخذت موقف المعارضة، فإن بعض فقهاء اليهود أبدوا اهتماماً خاصاً به ودرسوا شعائره وهو ما يعني اعترافاً ضمنياً به، ولكن الرأي الحاخامي الشائع هو رفضه لأنه كان يشكل منافسة للعبادة القربانية. وقد قام الرومان بإغلاق هذا المعبد عام ٧٣م إثر تَمرُّد قام به يهود مصر، أي أنه أُغلق بعد مرور عامين على إغلاق هيكل فلسطين.  

ولا يختلف هيكل أونياس في تصميمه المعماري كثيراً عن المعبد/القلعة في أوكرانيا (حين كانت تابعة لبولندا في القرن السابع عشر) في المناطق الحدودية التي تفصل بين بولندا وروسيا. وكان أعضاء الجماعة اليهودية يقومون بالعبادة والدراسة في مثل هذه المعابد التي كانت مصممة بحيث يمكن استخدامها كحصون وقلاع عسكرية أيضاً.  

وقد نشأت الحاجة لمثل هذا الطراز من المعابد في إطار الإقطاع الاستيطاني البولندي في أوكرانيا. فقد وظَّف النبلاء البولنديون (شلاختا) بعض أعضاء الجماعة اليهودية في عملية اعتصار أكبر قدر ممكن من الأرباح من الفلاحين الأوكرانيين، فأصبحت الجماعة اليهودية جماعة وظيفية من الوكلاء الماليين (أرنداتور) يعيشون في مدن خاصة بهم (شتتلات) منعزلين لغوياً ودينياً واجتماعياً وثقافياً عن جماهير الفلاحين. وكانت الجماعة اليهودية محل سخط الجماهير وغضبها (كما هو الحال مع أعضاء الجماعات الوظيفية، خصوصاً العميلة )، ولذا كانت القوات العسكرية البولندية تقوم بحمايتها من الجماهير ومن الانتفاضات الشعبية المحتملة. ومع هذا، كان أعضاء الجماعة اليهودية يتدربون على السلاح، وكان عليهم الاحتفاظ بأسلحة بعدد الذكور القادرين على حملها، وبكمية معيَّنة من البارود (حسبما كانت تنص العقود المبرمة بين النبلاء البولنديين ووكلائهم اليهود).  

وكانت هذه المعابد/القلاع مصممة بطريقة تجعل بالإمكان استخدامها كمكان للعبادة والدراسة وكحصون وقلاع عسكرية. فكانت تُزوَّد بحوائط سميكة للغاية، كما أن المتاريس (حاجز السقف أو الشرفة) كانت مزودة بكوات لتخرج منـها المدافع والبنادق أثناء الاشتباك مع الجماهير. ومن أشهر المعابد/القلاع معبد لتسك Lutsk الذي بُني عام ١٦٢٦ لخدمة الأغراض العسكرية بالدرجة الأولى. وقد نص القرار الملكي الذي صدر ببنائه على ضرورة أن يلتزم اليهود بتزويد معبدهم هذا بكوات من الجهات الأربع وبالسلاح الكافي على نفقتهم، وعلى أن يتم تزويد المعبد/القلعة بعدد من الرجال يكفي لصد الهجمات عليه. وصدر أمر لمعبد ريسيسوف بأن يزود نفسه بالبنادق والرصاص والبارود. وكانت المعابد /القلاع تزود عادةً ببرج مراقبة ضخم كان يُستخدَم في زمن السلم كسجن يُودَع فيه المجرمون من أعضاء الجماعة اليهودية.  

  

الهيكل: بركان متفجر

  

شهدت الفترة الأخيرة توسعاً كبيراً في نشاط المنظمات اليهودية/الصهيونية المعنية بقضية الهيكل، كما شهدت تنسيقاً عميقاً فيما بينها، بالإضافة إلى انتقال هذه المنظمات من الهامش الإسرائيلي/الصهيوني إلى المركز.  

وهناك سببان رئيسيان لهذا التطور، أحدهما خارجي والآخر داخلي. ويتمثل السبب الخارجي في التخوف من أية ترتيبات ترسِّخ الوضع الراهن الذي يخضع فيه جبل الهيكل لسيطرة الفلسطينيين. وقد أدى هذا التخوف إلى ممارسة ضغوط على الحاخامات وعلى دار الحاخامية الرئيسية في إسرائيل من أجل إلغاء التشريع الديني اليهودي الذي يحظر على اليهود دخول منطقة جبل الهيكل ولما كان موقع هيكل سليمان غير معروف على وجه الدقة، فإن هذا التشريع يُحرِّم على اليهود المتدينين دخول المنطقة خشية أن تطأ أقدامهم «قدس الأقداس »، وهو ما يُعتبر خطيئة.  

وفي سياق التمهيد للاحتفال "بالعيد السابع للهيكل" في فبراير ١٩٩٧ ،أعلن حاخامات منظمة " ييشا Yesha) "التي تمثل المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة) فتوى ثورية تجيز لليهود دخول منطقة جبل الهيكل، وهو ما كان حتى ذلك الحين أمراً محظوراً لدى جميع التيارات الرئيسية اليهودية، وجاءت الفتوى في رسالة وقَّع عليها الحاخامات (ومن بينهم دانيال شايلو، أحد رؤساء مجلس حاخامات "ييشا"). وأهابت الرسالة بكل حاخام يعتقد أنه من الجائز دخول جبل الهيكل "أن يذهب بنفسه ويرشد أفراد طائفته إلى كيفية دخول المنطقة وفقاً للقيود الشرعية اليهودية".

أما السبب الداخلي فيتعلق بتصاعد أهمية مفهوم الهيكل في الأوساط اليهودية. ففي غضون السنوات الأخيرة، أصبحت هذه القضية متغلغلة في جميع القطاعات الدينية، ومن ثم تقلَّصت أهمية الحائط الغربي، بينما تركَّزت الأنشطة على الهيكل. وبعد أن كان يُنظر إلى إعادة بناء الهيكل باعتباره أمراً تقرره الإرادة الإلهية وحدها، برز مؤخراً موقف يدعو إلى ضرورة القيام بعمل ما للتمهيد لبناء الهيكل. وهذا مثَل جيد على ما نسميه «صهينة اليهودية »، أي إعادة صياغة المفاهيم الدينية اليهودية لتتفق مع الرؤية الصهيونية. وعلى سبيل المثال، تُحرِّم الأرثوذكسية (أي اليهودية التقليدية) عودة اليهود إلى فلسطين، نعم تُحرِّمها، وتعتبرها عملاً من أعمال الكُفر والهرطقة وارتكاباً لخطيئة "الداحيكات هاكتس" أي التعجيل بالنهاية.  

فاليهودية الحاخامية كانت تطلب من اليهود أن ينتظروا في صبر وأناة حتى يأذن الإله بالعودة ويرسل بالمسيح المخلِّص اليهودي ليقود شعبه إلى أرض الميعاد. وكانت متتالية الخلاص تأخذ الشكل التالي: منفى - انتظار - مجيء المسيح المخلِّص - عودة اليهود.  

وجاء الصهاينة وغيَّروا هذه المتتالية، فأصبحت على النحو التالي: منفى - انتظار - عودة للإعداد لمجيء المسيح المخلِّص - مجيء المسيح المخلِّص - عودة اليهودي.  

وقد تبدى تزايد الوعي بقضية الهيكل في عدد المؤتمرات التي عقدتها جماعات «أحباء الهيكل» (شوشاراي هامكداش HaMikdash Shocharey .(وقد عُقد أحدث هذه المؤتمرات في عام ١٩٩٩ وموَّلته وزارة الشئون الدينية. وكانت الوزارة السابقة تضم ستة وزراء على الأقل ممن يطالبون بضرورة السماح لليهود بتأدية الصلوات في منطقة جبل الهيكل. كما طالب قاضي المحكمة العليا، مناحم إيلون، بأن تعيد الحكومة الإسرائيلية النظر في سياستها بخصوص جبل الهيكل. أما عمدة القدس، إيهود أولمرت، فقد زج بنفسه مؤخراً في غمار المعركة بشأن هذه المنطقة.  

وحتى عهدٍ قريب، لم يكن عدد «أحباء الهيكل»، الذين يرون في تدمير المساجد الكائنة في تلك المنطقة غاية ضرورية ينبغي أن ينذر البشر أنفسهم لتحقيقها، يتجاوز العشرات من النشطاء في عدد من الحركات التي ليس لها نفوذ يُذكر. إلا أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تزايداً كبيراً في عدد نشطاء هذه الجماعات ومؤيديها، وكذلك تنامياً للتعاطف الجماهيري مع فكرة تدمير المساجد.  

ففي مقابلة مع صحيفة جيروساليم بوست ( ١ نوفمبر/تشرين الثاني ١٩٩٦ ،( صرَّح نوام ليفنات، من زعماء حركة "حاي في قايام Kayam'v Hai) "أي حي وقائم)، بأنه يتطلع إلى وضع يمكن فيه نسف القبة الذهبية على جبل الهيكل والإطاحة بها إلى عنان السماء، واستطرد موضحاً فكرته بقوله "إذا توجَّه ثلاثة أشخاص لنسف القبة الذهبية فسوف يكونون مجرد مجانين، وإذا فعلها ثلاثون شخصاً فسوف يكون هذا تنظيماً سرياً، وإذا كانوا ثلاثمائة فهم يشكلون حركة، أما إذا كانوا ثلاثة آلاف فإن هذا يُعدُّ ثورة. إن الأمر كله يعتمد على عدد من يشاركون في هذا العمل، والهدف الذي أصبو إليه هو حشد قوة جماهيرية لتنفيذه".

وفي ١٥ سبتمبر/أيلول ١٩٩٨ ،أثناء فترة حكم بنيامين نتنياهو، عُقد "المؤتمر السنوي لأحباء الهيكل" في مركز "بنياناي ها أوما الدولي للمؤتمرات" بالقدس. وشارك في المؤتمر آلاف الأشخاص من الدينيين القوميين وغلاة اليهود الأرثوذكس واليهود العلمانيين، ودعا خلاله الحاخامات إلى ضرورة اتخاذ ترتيبات جوهرية لبناء الهيكل في نفس موقع المساجد.

وكانت الدعوات للمؤتمر موجهة من رئيس "لجنة الدستور والقانون والعدل" في الكنيست وعضوة الكنيست حنان بورات (الحزب الديني القومي)، وقد طُبعت على أوراق الكنيست الرسمية. وأعرب رئيس لجنة الكنيست هذه عن ترحيبه بالمشاركين، كما حيَّا المؤتمر عضو الكنيست موشي بيليد ( حزب تسوميت)، وكان يشغل آنذاك منصب نائب وزير التعليم. وهكذا، بارك الكنيست وباركت الحكومة الإسرائيلية، بشكل رمزي واضح، خطط «أحباء الهيكل

ويبدو أن هناك عدة منظمات ضالعة بشكل نشط في تعزيز فكرة بناء الهيكل الثالث على مستوى الممارسات العملية. وتنشط كل منظمة في العمل في مجالها الخاص، ولكنها تتفق مع المبادئ العامة لـ «أحباء الهيكل»، التي تقوم على نظرية المراحل، بدءاً بدراسة واستعادة الممارسات والشعائر المتعلقة بالهيكل وانتهاءً ببناء الهيكل في نفس موقع المساجد في منطقة جبل الهيكل. وهناك طائفة واسعة من جماعات التأييد من بينها هيئات دينية يهودية مثل المحكمة الحاخامية لجبل الهيكل، ومنظمات لا تهدف للربح مقرها في القدس مثل "عتيريت كوهانيم Cohanim Aterett "التي تركِّز على شراء ممتلكات بالقرب من حوائط جبل الهيكل، ومنظمات متطرفة مثل "شوفو بانيم Banim Shuvu ،" وجماعات " ييشا Yesha) "وهي اختصار كلمات "يهودا" و"السامرة" و"غزة")، و "زو أوتزينو Artzenu Zo ،"بالإضافة إلى بعض الحاخامات والشخصيات العامة.  

  • الخميس PM 04:05
    2022-08-18
  • 1179
Powered by: GateGold