المدينة المقدسة ومسيرة الشواذ - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 442563
يتصفح الموقع حاليا : 108

البحث

البحث

عرض المادة

المدينة المقدسة ومسيرة الشواذ

بمرور الوقت تتزايد علمنة المجتمع الإسرائيلي ويتزايد تقبل الشذوذ. وقد شهد عام ١٩٩٨ تعيين دانا انترناشيونال، المغنية الإسرائيلية السحاقية، سفيرة شرفية لإسرائيل، وشهد أيضاً نجاح ميشال إيدن في انتخابات مجلس مدينة تل أبيب، لتصبح أول سحاقية بشكل علني تشغل منصباً هاماً من خلال الانتخاب. ويبدو أن هناك عدداً من أعضاء الكنيست من الشواذ الذين يخفون هويتهم الجنسية، ولذلك تحثهم جمعيات الشواذ على الإعلان عن هويتهم، وإن كان أحدهم قد أعلن عن هويته مؤخراً.  

ومن أبرز الأدلة على تقبل الشذوذ أن رئيس الوزراء، أرييل شارون، قابل وفداً يمثل عدة جمعيات للشواذ والسحاقيات والمخنثين. وكان الإرهابي العتيد في غاية اللطف معهم، حتى أنه ألقى بعض النكات، ثم ناقش معهم مشاكلهم المختلفة مثل اعتراف القانون بالزواج بين الأشخاص من نفس الجنس، وقضايا تغيير الجنس وتغيير الأسماء، تبعاً لذلك، في الوثائق الرسمية. وأخبرهم شارون أنه لم يكن يعرف الكثير عن مثل هذه القضايا وأنه يجب أن يدرسها بعناية، ثم اختتم الاجتماع قائلاً: "يجب أن تستمروا في كفاحكم. فالتغيير يجب أن يأتي من الجماهير نفسها، ولهذا عليكم أن تواصلوا السعي لإقناعهم، لكي تكسبوا الجماهير لصفكم".  

ويوجد الآن في القدس وحدها حوالي ٥٠ ألفاً من الشواذ بين سكان المدينة اليهود البالغ عددهم نحو ٦٠٠ ألف (صحيفة هيرالد تربيون ٧ ،يونيو /حزيران ٢٠٠٢ .(ولم تذكر أي من المصادر التي اعتمدنا عليها عدد الشواذ في الدولة الصهيونية ككل ولكنه لابد وأن يكون ضعفي ذلك العدد، فتل أبيب هي عاصمة إسرائيل العلمانية وهي مركز الشذوذ والمخدرات وفيها مقاهٍ ونوادٍ وحاناتٍ للشواذ (أما القدس فالمفروض فيها أنها مدينة مقدسة تسكنها أغلبية من المتدينين). ولذلك كانت تنظم في تل أبيب مسيرات الشواذ السنوية والتي يعلنون فيها اعتزازهم بهويتهم الجنسية.  

ولكن مع تزايد تقبل التجمع الصهيوني للشذوذ وتزايد نفوذ الشواذ، قرروا تنظيم مسيرتهم السنوية في المدينة المقدسة! واشترك في المسيرة حوالي أربعة آلاف، مع أنه كان من المتوقع ألا يزيد العدد عن ثلاثة آلاف (صحيفة هآرتس ٩ ،يونيو /حزيران ٢٠٠٢. (وجاء هؤلاء الشواذ من تل أبيب ومدن أخرى في الدولة الصهيونية، أي أنها كانت مسيرة "قوميةبمعنى الكلمة، خاصة وأن بعض المشاركين ليسوا شواذاً بل علمانيين يعربون عن تضامنهم، وتولت الشرطة الإسرائيلية حراسة المسيرة.  

وعشية المسيرة زُينت الشوارع بالأعلام والشعارات الداعية للاعتراف القانوني بزيجات الشواذ. ويُذكر أن الحاخامات الإصلاحيين والمحافظين يعقدون زيجات لأشخاص من نفس الجنس أمام حائط المبكى، ولكن المؤسسة الحاخامية (الأرثوذكسية) لا تعترف بها، وإن كانت بعض المحاكم الإسرائيلية تقرها.  

وبدأت المسيرة بتلاوة دعاء السفر اليهودي (تفيلات هاديريخ)، ثم أُطلقت بعض البالونات السوداء إحياءً لذكرى من سقطوا صرعى بسبب "الهجمات الإرهابية" (أي العمليات الاستشهادية)، ثم تُليت أدعية بالعبرية والعربية والإنجليزية.  

وعقب المسيرة، عُقد اجتماع في حديقة الاستقلال، التي كان الشواذ يلتقون فيها سراً في الماضي. وألقى أحد منظمي المسيرة خطاباً جاء فيه: "كنت أتجول في هذه الحديقة لعدة سنوات، وأعرفها بقعة بقعة. كنت آتي في السر، في الظلام، لأتواصل مع جزء أساسي من كياني: هويتي الجنسية. ورغم الخوف، واصلت الحياة حتى بعد أن تعرضت للاضطهاد على أيدي رجال الشرطة، وللضرب على يد بعض الفتوات. أما اليوم فأنا أعود لحديقة الاستقلال لأعبر عن قيمٍ عزيزة على قلبي وعلى القدس: قيم التسامح والمساواة والتعدد الحضاري وقبول الآخر، وقد جاء رجال الشرطة اليوم لحمايتنا لا لاضطهادنا".  

وقد تعالت أصوات مكبرات الصوت بأغانٍ عن الحرية، وعُلقت لافتات عليها شعارات مثل "حب بلا حدود" (كلمة "حب" "لف Love "بالإنجليزية تعني "حب"، ولكنها تعني أيضاً "جنس" كما هو الحال في عبارة love make التي يترجمها البعض بأنها "يتعاطى الحب" مع أنها في الواقع تعني "يمارس الجنس"). وقدم ممثلون ذكور، يرتدون ملابس النساء، بعض العروض، ثم تتالى المتحدثون. فقال هاجاي إيلاد، القائد الحقيقي للمسيرة، إنها تنبع من حب المدينة والرغبة في جعلها أكثر انفتاحا". وأضاف متحدث يرتدي القبعة اليهودية التي يرتديها اليهود الأرثوذكس، ولكنها ليست سوداء وإنما في ألوان قوس قزح (شعار الشواذ، وهو شعار ذو محتوى علماني تماماً) إن "المسيرة لحظة مقدسة من الأخوة والسلام"، وقال جيل نافيه "نحن نخلع القداسة على الحياة، فنخبر الناس أن بوسعهم العيش كما يشاءون. وإذا سار رجلان يمسكان الواحد بيدي الآخر في القدس فإن هذا لن ينقص من قداسة المدينة بل سيساهم فيهافكل البشر خُلقوا على صورة الإله".  

والمنطق الذي يستخدمه هؤلاء الشواذ منطق أعوج، فالإله خلقنا على صورته لكي نتجاوز ذواتنا المادية ورغباتنا التي تجذبنا نحو الطين، وحتى نعبر عن الجانب الرباني. أما الشواذ فيرون أن الإنسان يجب أن يعيش حسب أهوائه الجسدية فحسب.  

وتوجه أحد المتحدثين إلى اليهود المتدينين قائلاً: "إن أبانا واحد. فلتعبدوا الإله بطريقتكم، ولتتركونا نعبده بطريقتنا". ولكن الجماهير الدينية أبدت اعتراضها الشديد على هذه المسيرة، فرفعوا لافتات تطالبهم بالعودة إلى أوطانهم (ولكن معظم هؤلاء يعتبرون إسرائيل وطنهم بمقتضى قانون العودة، الذي لم يعرِّف من هو اليهودي). وأبدى نائب حزب "شاسالديني استنكاره الشديد لهذه المسيرة، معتبراً أنها إهانة لمكانة القدس وللمثل الأخلاقية المقدسة "للشعب الإسرائيلي" التي ترتكز على الأسرة. وعلق أحد المتدينين بقوله: "إن هذا البلد آخذ في التدهور. فكل مجتمع له معاييره، والبلد الذي لا توجد فيه معايير إنما هو بلد في طريقه إلى الانتحار. وما هو مقبول في أمستردام (عاصمة الشذوذ والمخدرات) لا يمكن قبوله هنا بالضرورة.". وعلق آخر بقوله: "إن الهجمات الإرهابية [الاستشهادية] هي عقاب من الإله على مثل هذه المسيرات وهذا الانحلال".  

ويمكننا أن نحاول الآن تفسير ظاهرة انتشار الشذوذ في الدولة الصهيونية:  

  • أشرنا من قبل إلى تزايد التوجه نحو اللذة والاستهلاك والعلمنة
  • يمكن القول بأن أزمة الهوية في التجمع الصهيوني (من هو اليهودي؟ من هو الصهيوني؟ من هو الإسرائيلي؟) قد تسببت في اهتزاز الهوية الجنسية للمستوطن الإسرائيلي هي الأخرى
  • التجمع الصهيوني، شأنه شأن معظم المجتمعات المتقدمة، يعاني من غياب اليقين المعرفي بسبب تعدد المراكز والاتجاهات والفلسفات والأيديولوجيات. ومما يعمق هذا الاتجاه أن التجمع الصهيوني مجتمع مهاجرين، جاء كل منهم بهوية ثقافية مختلفة، مما يساهم في تقويض أي يقين
  • لا شك أن تآكل الأيديولوجية الصهيونية، التي كانت تفسر الواقع للمستوطنين وتهديهم سواء السبيل، ساهم هو الآخر في تقويض أي يقين وأية هوية
  • إذا كان الإسلام يطالب بتجاوز الرغبات الجسدية في الإنسان فإنه لا ينكرها وإنما يتيح التعبير عنها من خلال قنوات شرعية. أما اليهودية الأرثوذكسية فكانت، مع نهاية القرن الثامن عشر، تحرم كل شيء تقريباً، بما في ذلك التعبير عن الرغبات من خلال القنوات الشرعية، حتى أن أحد المفكرين اليهود قال: "لقد أصبح من المستحيل أن يكون الفرد إنساناً ويهودياً في ذات الوقت". وأدى ذلك إلى رد فعل معاكس ومتطرف كانت أحد أشكاله الشذوذ الجنسي. ولعله ليس من قبيل الصدفة أن أول جماعة عالمية للشواذ جنسياً كان يترأسها ماجنوس هيرشفيلد (١٨٦٨-١٩٣٥ (ومساعده كورت هيلر (١٨٨٥-١٩٧٢ (وكلاهما كان ألمانياً يهودياً، وكان هيلر هذا أول من طالب باعتبار الشواذ أقلية يجب حماية حقوقها
  • وأخيراً لابد من الإشارة إلى تصاعد معدلات الحلولية بين الجماعات اليهودية حتى تصل إلى مرحلة وحدة الوجود، حيث يحل الإله في "الشعب اليهودي" ويتوحد معه ويذوب فيه بحيث يصبح من المستحيل التمييز بين الخالق والمخلوق، فيتأله المخلوق، وهو في هذه الحالة " الشعب اليهودي المختار"، الذي تصبح كل أفعاله مقدسة: سواء كان ذلك اغتصاب الأرض الفلسطينية أو طرد أهلها أو قتلهم. وهذا الموقف يصلح أساساً فلسفياً قوياً لتبرير أي فعل يقوم به الفرد اليهودي بما في ذلك اختيار الهوية الجنسية التي تعجبه، سواء عن طريق التحول إلى جنسٍ آخر أو اختيار رفيقٍ من نفس الجنس: أليست كل أفعال الفرد اليهودي مقدسة؟

وأعتقد أن العربي في الغرب يمكنه توظيف ظاهرة انتشار الشذوذ الجنسي في التجمع الصهيوني وتقبله في تأكيد أن إسرائيل ليست دولة يهودية، كما يمكن توظيف هذه الظاهرة في الحوار مع الجماعات الأصولية المسيحية التي تنظر إلى الدولة الصهيونية باعتبارها تحقيقاً للرؤى الإنجيلية.  

* (مصادر هذه الدراسة عديدة، من بينها نيويورك تايمز ٨ ،يونيو /حزيران ٢٠٠٢ ،محطات التليفزيون الأمريكية المختلفة خاصة CNS ٧ يونيو /حزيران ٢٠٠٢ ،جويش بولتين، ٣١ أغسطس ٢٠٠١ ،( هآرتس، ٩ يونيو /حزيران ٢٠٠٢ ،وغيرها)

  • الخميس PM 04:02
    2022-08-18
  • 1035
Powered by: GateGold