ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الحاخام القائد وتناقضات الشخصية اليهودية
توجد تناقضات عميقة تعتمل داخل التجمع الصهيوني من أهمها التناقض الديني العلماني. كما توجد تناقضات هامة في حد ذاتها مثل التناقض الإشكنازي/ ،السفاردي ولكنها تقل في أهميتها عن التناقض الديني العلماني. وقد عبَّر الحاخام عوفاديـا يوسـف عـن تناقضـات التجمـع الصهيوني حين أصدر منذ عدة أعوام فتوى دينية شهيرة حول تأييد الانسحاب الإسرائيلي من أراضي عربية محتلة (حقناً للدماء وصوناً للأرواح اليهودية). وقد استدعى الحاخـام مفهومـاً دينياً يهودياً هو «بيكواح نيفيش» أي «فداء النفس»، أي أن النفس اليهودية أغلى مـن الأرض (اليهودية) ولا يصح التضحية بها.
ولكن هذا الحاخام نفسه صرح في موعظته الأسبوعية في عيد الفصح العبـري هـذا العام (٢٠٠٠ (بأن "الإله يجب أن يدمر العرب" وطلب من أتباعه أن يكـرروا وراءه عبـارة "صب غضبك على الأغيار" كما طلب من الإله "أن يرد الصاع صاعين إلى العرب وأن يقطع نسلهم ويبيدهم ويذلهم ويمحو أثرهم". وفي مناسبة أخرى، صرح بأن العرب "أنجاس وأفـاعٍ" وأن "الإله يندم كل يوم على أنه خلق ذرية إسماعيل".
وقد حاول بعض المتحدثين الرسميين الإسرائيليين التخفيـف مـن حـدة وقـع هـذه التصريحات العنصرية، فقالوا إن الحاخام يقصد «المخربين » وليس العرب على وجه العموم. وكما قال الحاخام ميخائيل ملكيئور (من حزب ميماد الديني «المعتدل » والمؤتلف مـع حـزب العمل) فإن "ثمة وصية في الدين اليهودي تقول لنا بعدم إدارة الخد الأيسر لمن يصفعنا علـى الخد الأيمن. ومن هنا، فليس المطلوب منا أن نكون إنسانيين مع الذين يريدون المس بنا تنفيذاً للوصية القائلة: الذي يأتي لقتلك بكروا بقتله".
وفي هذا السياق، لا يهمنا اتهام الحاخام يوسف بالعنصرية أو تبرئته مـن التهمـة أو التخفيف منها، وإنما يهمنا أن نفسر سر هذا التحول حتى نفهم حركيات التجمـع الصـهيوني. ولفهم هذا، لابد وأن نضع اللعنات التي صبها عوفاديا يوسف على العرب في سياق أوسع من اللعنات الأخرى!
وقد أعلن الحاخام في فبراير عام ١٩٩٩ أن كل قضاة المحكمة العليا فـي إسـرائيل نجسون يرتكبون الفاحشة (معاريف، ١٩ مارس/آذار ٢٠٠٠ .(كما صب لعناته على النسـاء العلمانيات اللائي لا يمارسن شعائر الطهارة وبالتالي يلدن أطفالاً نجسين. وفي عـام ١٩٩٧، صرح بأن "الرجل يجب ألا يسير بين امرأتين أو حمارين أو جملين" لمـاذا؟ "لأن النسـاء لا يعرن التوراة أي التفات، وكل من يسير بالقرب منهن يصبح مثلهن". وفـي ٣ مـارس/آذار ٢٠٠٠ ،قال الحاخام في إحدى مواعظه أن يوسي ساريد (وهو من أهم شخصـيات اليسـار العلماني) ملعون، ً تماما مثل كل أعداء اليهود وأن الإله سيجتثه من جذوره. وقد أدلى الحاخام بتصريحه هذا قبل عيد البوريم حيث يتم شنق تمثال هامان، الوزير الفارسي الذي حـاول أن يبيد اليهود.
ولم تسلم المؤسسة الدينية الإشكنازية من هجمات الحاخام عوفاديا يوسف، فحينما سُئل عن أقرب العقائد الدينية إلى اليهودية قال "حركة حبد "، وهي حركة دينية إشـكنازية يهوديـة أرثوذكسية. وهو بتعليقه هذا ينكر عليها صفة اليهودية.
الهجوم، إذن، ليس ضد العرب وحدهم وإنما ضد حزمة مـن المؤسسـات والعقائـد والجماعات البشرية، فما هي دوافع الحاخام؟ ابتداءً، يجب أن نشير إلى أن الحقيقة الأساسـية في حياة الحاخام عوفاديا يوسف هي أنه مؤسس حزب شاس وزعيمه الروحي، وهـو حـزب ديني/قومي سفاردي. والحاخام من مواليد العراق (١٩٢٠ ،(وكان رئـيس المحكمـة الدينيـة اليهودية في القاهرة (١٩٤٧ - ١٩٥٠ ،(والحاخام السفاردي الرئيسي لمدينة تل أبيب (١٩٥٤ - ١٩٧٢ ،(والحاخام السفاردي الرئيسي في إسرائيل (١٩٧٣ - ١٩٨٣ .(
والواقع أن بزوغ نجمه هو انعكاس لعدم تجانس التجمع الصهيوني. فهذا التجمع منقسم على نفسه عدة انقسامات: فهناك الانقسام الأكبر وهو الانقسام الديني العلماني، ولكـن هنـاك انقساماً آخر لا يقل عن الانقسام الأول أهمية هو الانقسام الغربي الشرقي. والجـدول التـالي الخاص بالتقسيم على أساس ديني يبين مدى تداخل الأمور في إسرائيل:
٩.٣ %أرثوذكس متطرفون (حاريدي)
٠.١١ %متدينون (داتي)
٨.٢٦ %تقليدي (ماسورتي)
٣.٢٤ %علماني يحتفظ ببعض التقاليد (حيلوني حاميكاييم ماسورت)
٦.٣٠ %علماني (حيلوني)
٤.٤ %معادٍ للدين
والجدير بالذكر أن الماسورتي (التقليدي) ليس متديناً بالمعنى المعروف وإنما هو مـن يرى ضرورة الحفاظ على التقاليد الإثنية الدينية (كنوع من أنواع الفولكلـور)، وهـو لـيس بالضرورة من يؤمن بالعقيدة.
وتزداد الصورة تركيباً إن صنفنا أعضاء التجمع الصهيوني علـى أسـاس أصـولهم العِرْقية. وإلى جانب هذه الانقسامات والصراعات، يوجد الصراع الأكبـر، وهـو الصـراع العربي الإسرائيلي. لكن هذا الصراع، رغم تأثيره العميق على الصراعات الأخرى، يتطلـب معالجة منفصلة.
وقد أسس الدولة الصهيونية مجموعة من يهود شرق أوربا ممن فَقَدوا إيمانهم الـديني وأصبحوا ملاحدة يرون أن الصهيونية إنما هي ثورة على العقيدة اليهودية. فالرواد الصـهاينة أو الآباء الصهاينة كانوا لا يكنون أي حب أو احترام للعقائد والتقاليد اليهودية، وكانوا يـرون أن دولتهم العبرية تشكل نهاية للشخصية اليهودية التقليدية وبداية للشخصية العبرية التي تصاغ على نمط الشخصية القومية العلمانية في الغرب، وعلى هذا الأسـاس تـم تأسـيس الدولـة الصهيونية. ولكن الدولة الصهيونية، مع هذا، ادعت أنها «دولة يهودية» تستمد شرعيتها مـن كونها يهودية. مع دخول الفكر العلماني مرحلة الأزمة على المستوى العالمي وعلى مسـتوى إسرائيل، بدأت المؤسسة الدينية في إسرائيل تطرح نفسها كبديل. فعلت ذلك على استحياء فـي بادئ الأمر. ومع تصاعد أزمة الصهيونية العلمانية، ازدادت هذه المؤسسة الدينية ثقة بنفسـها وازدادت نبرتها حدة.
وتطالب المؤسسة الدينية أن تصبح الدولة اليهودية «يهودية« بالمعنى الـديني ولـيس بالمعنى الإثني، بمعنى أن يهودية هذه الدولة يجب ألا تكمن في مجموعة من الرموز القوميـة الدينية (مثل النشيد القومي وأنواع معينة من الطعام... إلخ) وإنما يجب أن تتبدى في مجموعة من الممارسات والشعائر الدينية الحقيقية (مثل إقامة شعائر السبت التي يرى العلمانيون أنهـا قاسية للغاية وتحرمهم من عطلة نهاية الأسبوع، واتباع قوانين الكاشروت، أي الطعام المبـاح شرعاً، وهي كثيرة ومركبة وصعبة).
وإلى جانب الصراع الديني العلماني، هناك الصراع السفاردي /الإشكنازي (الشـرقي/ الغربي). فمن المعروف أن التقاليد السفاردية الدينية، أي المنهاج السفاردي، كـان لـه اليـد الطولى في فلسطين، وكان على الحاخامات الإشكناز أن ينضموا إلى الجماعة الدينية السفاردية التي كان يترأسها ريشون لتسيون (الأول في صهيون) وهو حاخام سـفاردي كـان يختـاره المجلس الحاخامي ثم توافق عليه السلطة العثمانية.
ولكن، ابتداءً من نهاية القرن التاسع عشر، ومع تزايد النفوذ الغربي، بدأت في الظهور جماعات إشكنازية مستقلة تمولها الجماعات اليهودية في أوربـا وبمسـاعدة قناصـل الـدول الغربية، خاصةً روسيا القيصرية التي كانت تبذل قصارى جهدها في التـدخل فـي الشـئون الداخلية للدولة العثمانية.
وبدأ سلطان الإشكناز يتزايد حتى عام ١٩١١ حينما وافق الحاخام السفاردي بن زيون أوزايل أن يتقاسم السلطة الدينية مع الحاخام يتسحاق كوك. ولكن ما حدث أن الحاخام كـوك، وكان صهيونياً حتى النخاع، نجح تقريباً في الاستئثار بها حتى سادت التقاليـد الإشـكنازية، ووجد الحاخام السفاردي نفسه مضطراً للتنازل إلى أن وصل الأمر إلى حد أن أصبحت الثقافة السفاردية الدينية والشعبية موضع احتقار. وتحت شعار صهر المنفيـين، حاولـت المؤسسـة الإشكنازية محو هوية السفارد.
ويقود الحاخام عوفاديا يوسف ثورة ضد هذا الوضع بشقيه الديني والإثني ليعيد الأمور إلى ما كانت عليه، وليعيد المنهاج الديني السفاردي إلى مكان القيادة ويؤكد الهوية السـفاردية. فهو، إذن، يقود صراعاً ً حضاريا تبدى في تأسيسه لحزب شاس الذي أخذ يتعاظم نفـوذه فـي الخارطة السياسية الإسرائيلية إلى أن حصل على ١٧ معقداً في الكنيست في انتخابات ١٩٩٩، وبذلك أصبح ثالث حزب ومنافساً قوياً لحزب الليكود على القواعد الشعبية الشرقية التي يرتكز إليها والتي استطاع من خلالها مناحم بيجين أن يحقق ثورته الانتخابية عام ١٩٧٧ حينما أسقط المؤسسة العمالية وحل محلها.
ويحاول الحاخام عوفاديا يوسف تأكيد الهوية اليهودية الدينية الإثنية الشرقية، وعلـى هذا فإن صراعه الحضاري يتم على المستويين الديني والإثني. وهـو لـم يكتـف بـابتزاز الحكومات الإسرائيلية المتتالية لتمويل نظامه التعليمي أو مؤسساته الاجتماعية بل نجده يحاول الآن أن يلعب دوراً سياسياً قيادياً حتى يمكنه المشاركة في السلطة وحتى يمكن إعـادة تقسـيم الثروة القومية "اليهودية".
وفي إطار هذا المناخ السياسي العام المشبع بالتفكير العنصري ضد العرب (خاصـةً بعد تصاعد الانتفاضة) والمشبع بالخوف منهم، يتم التحرك في إسرائيل. ولعل تخلي الحاخـام عوفاديا يوسف عن موقفه القديم بخصوص «فداء النفس» بمثابة محاولة من جانبه لأن يثبـت للجمهور الإسرائيلي أن حزبه الشرقي قد تأسرل ً تماما وأنه بالتالي قادر علـى قيـادة الدولـة الصهيونية، ولعل الهجوم على العرب يكسبه قدراً كبيراً من الشرعية.
-
الخميس PM 03:46
2022-08-18 - 993