ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
خرافة "الشعب اليهودي الواحد"
يضم التجمع الصهيوني جماعات يهودية وغير يهودية تجعل من أسـطورة "أتـون الصـهر " أكذوبةً كبرى. وكان علم الاجتماع الإسرائيلي يـذهب إلـى أن التجمـع الصـهيوني يضـم مجموعتين أساسيتين هما الأشكناز والسفارد ومجموعات صغيرة أخرى. وهذا في حـد ذاتـه تزييف؛ فالمجموعة الأشكنازية ليست كياناً متجانساً، إذ تضم داخلها يهوداً من شرق أوروبـا ويهوداً من وسط أوروبا ويهوداً من غربها، بالإضافة إلى يهود من الولايات المتحـدة وكنـدا وأستراليا وأمريكا اللاتينية. وتضم كل من تلك الجماعات أقليات مختلفة، فجماعة يهود غرب أوروبا تضم يهوداً من فرنسا، وهؤلاء مختلفون عن يهود هولندا ويهود إيطاليا ويهود إنجلترا.
واصطلاح "سفارد" هو الآخر اصطلاح عريض، فهو اصطلاح ديني ووثني فـي ذات الوقت، ويشير إلى اليهود الذين يتبعون التقاليد السفاردية في العبادة (ومن بينهم يهود هولنديون وإيطاليون وإنجلترا) ولكنه يشير أيضاً إلى اليهود الذين جاءوا من شبه جزيرة أيبريا. وهنـاك كثير من الدراسات التي تبين عمق التفرقة العنصرية ضد اليهود السفارد في الدولة الصهيونية التي أسسها الأشكناز وتهيمن عليها المؤسسة الإشكنازية. وتزداد الصـورة اختلاطـاً حينمـا نتعامل مع "المجموعات الصغيرة" الأخرى، ومنها مثلاً:
- يهود الهند
وهي جماعات يهودية متباينة، من أهمها "يهود كوشين" و"بني إسرائيل" و"اليهود البغداديـة "، وهاجر عدد من هؤلاء إلى إسرائيل، وتم توطينهم في مدن التنمية خصوصاً تلك الموجودة في النقب والمنطقة الجنوبية مثل بئر سبع وعسقلان وعراد إضافة إلى بيسان في غـور الأردن. ويعيش قسم آخر في المدن الكبرى الثلاث: القدس وتل أبيب وحيفا. ويعيش عدد قليل للغايـة في بعض الكيبوتسات (وهي مؤسسات أشكنازية بالدرجة الأولى). ويعاني يهود الهند (خاصة "بني إسرائيل") من التفرقة العنصرية؛ فالمؤسسة الحاخامية لم تعترف بهم يهوداً، لأنهم فقـدوا صلتهم باليهودية الحاخامية ودخلت على عباداتهم كثير من الشعائر الهندوكية.
- يهود جورجيا
وهم اليهود الذين كانوا يقطنون في دولة جورجيا. وهـؤلاء ابتعـدوا عـن تقاليـد اليهوديـة الحاخامية لأنهم، على سبيل المثال، لا يحافظون على قوانين الطعام الشـرعية ولا يعرفـون كثيراً من الشعائر اليهودية. وقد هاجر عدد كبير منهم إلى إسـرائيل، خاصـةً فـي أوائـل السبعينيات. وهم يعانون أيضاً من التفرقة العنصرية، وقد أصبحوا من أهم أعمـدة الجريمـة المنظمة في الدولة الصهيونية وتخصصوا في تزييف النقود.
- اليهود القراءون
وهم أتباع فرقة دينية يهودية تأسست في العراق في القرن الثامن الميلادي وانتشرت أفكارهـا بين كل الجماعات اليهودية في العالم. ويُلاحظ أثر التفكير الديني الإسلامي على فكر القرائين. ويتضح هذا في أن القرائين جعلوا التوراة (النص المقدس المكتوب) المرجع الأول والأخيـر في الأمور الدينية كافةً، ولذلك هاجموا التلمود، وفنَّدوا التراث الحاخامي باعتباره اجتهاداً مـن وضع البشر وليس نصاً إلهيا ملزماً. وهناك اختلافات أساسية بين اليهودية القرائية واليهوديـة الحاخامية، ولعل من أهمها أن القرائين يؤمنون بأن تشتت اليهود في العالم هو شيء إيجـابي لأنه يطهرهم من ذنوبهم، وبالتالي فهم لا يؤمنون بضرورة العود إلى أرض الميعاد، أي أنه لا يوجد تيار صهيوني داخل اليهودية القرائية، وعندما أُعلنت الدولة الصهيونية كان القـراءون معادين لها. ومع هذا، كان من شأن السياسات التي انتهجتها بعض الحكومات العربية، والنابعة من عدم إدراك الاختلافات بين اليهودية الحاخامية واليهودية القرائية، أن اضطرت القـرائين إلى الهجرة إلى إسرائيل، ويبلغ عددهم نحو عشرين ألفاً. ويترأس الجماعة القرائية حاخام أكبر متنقل ولا يزال انتماؤهم الديني القرائي قوياً، ومن ثم تستمر خلافاتهم مع اليهود الحاخـاميين، وهو الأمر الذي ينعكس على العلاقات بينهم داخل المستوطنات المشتركة.
- الفلاشاه
وهم "يهود" إثيوبيا الذين يُصنفون ضمن اليهود تجاوزاً، فبعض علماء الأنثروبولوجيا الغربيين يصنفونهم "مسيحيين دخلت عليهم عناصر يهودية". وبالفعل نجد أن الكتاب المقدس لديهم هـو أسفار موسى الخمسة وبعض أجزاء من العهد الجديد، وهم قد يتحـدثون الأمهريـة ولكـنهم يتعبدون بالجعيزية، لغة الكنيسة الأثيوبية المقدسة، ورجال الدين عندهم ليسوا حاخامات وإنما قساوسة كما أن عندهم ً رهبانا وراهبات، وأعيادهم الدينية مختلفة عن أعياد اليهود الحاخاميين، وهم لا يعرفون التلمود ويجهلون كثيراً من الشعائر اليهودية، ويُسـمون معبـدهم اليهـودي "مسجداً" ويخلعون النعال حين يدخلون للصلاة.
وقد تسبب وصول الفلاشاه إلى إسرائيل في تقويض مقولة الشعب اليهودي الواحد إلى حدٍ كبير. ولنتخيل يهودياً ً أمريكيا أشقر من أتباع المذهب الإصلاحي يقف بجوار يهودي مـن من الفلاشاه، أسود البشرة يرقص في مسجده اليهودي في أعياده الأفريقية، فهل سيقتنع الاثنان بأنهما ينتميان إلى شعب واحد، خاصةً وأن التجمع الصهيوني الذي يرحـب بهجـرة اليهـود الأشكناز لم يرحب كثيراً بيهود الفلاشاه؟ وقد رفضت الحاخامية أن تعترف بهم يهوداً وطلبت أن يُعاد تختينهم وأن يأخذوا حماماً طقوسياً لتطهيرهم. ولكن الرفض على أسـاس عنصـري وعرقي كان أعمق وأشد حدة؛ فقد رفضت مدينة إيلات تزويدهم بالماء والكهرباء، ورفضـت مدن أخرى مجرد توطينهم. وقد كُشف النقاب مؤخراً عن أن بنك الدم الإسرائيلي أخذ يتخلص من مخزون الدم الذي تبرع به يهود الفلاشاه، خوفاً من أن يكون ملوثاً بفيروس مرض الإيدز.
- العبرانيون السود
وهم فريق من الأمريكيين السود يؤمنون باليهودية ويلتزمون بتطبيق الشريعة اليهودية بتشـدد يفوق تشدد اليهود البيض وإن كانت لهم رؤية مختلفة تماماً عن الرؤية الصـهيونية. إذ يؤكـد العبرانيون السود أنهم هم وحدهم سلالة اليهود القدامى، وأن أنبياء اليهود كانوا من السود ،وأن إسرائيل القديمة كانت دولة سوداء أيضاً، وأن قناة السويس ما هي إلا ثغرة صـنعها الإنسـان الأبيض لفصل إسرائيل عن إفريقيا السوداء. وقد دخـل العبرانيـون السـود إلـى إسـرائيل بتأشيرات سياحية ثم استقروا في إسرائيل، ولكن المؤسسة الصهيونية رفضـت إصـدار أيـة بطاقاتٍ رسمية لهم. وهم يُعاملون معاملة أسوأ من معاملة الفلاشاه، فوسائل الإعلام الإسرائيلية تشكك في يهوديتهم وترفض كثير من المدن الإسرائيلية توطينهم فيها. وقد تم تـوطينهم فـي ديمونة في أكشاك مؤقتة. وتتسم أسر العبرانيين السود بالخصوبة العالية فعدد أطفال الأسـرة يصل إلى ١٠ أطفال في المتوسط، بل وهناك أسر وصل عدد أطفالها ٢٠ ) الجيروساليم بوست الدولية ٢٨ يونيو /حزيران ٢٠٠٢ ،(ولذا تعد المنطقة التي يعيش فيها العبرانيون السـود مـن أكثر المناطق ازدحاماً في إسرائيل.
- العمال الوافدون
من المشاكل الجديدة التي يواجها الجيب الصهيوني مشكلة العمال الوافدين، وهي مشكلة آخـذة في التفاقم. فقبل اندلاع انتفاضة الأقصى كان العمال الفلسطينيون يذهبون إلى فلسطين المحتلة قبل عام ١٩٤٨ فيؤدون عملهم ثم يعودوا إلى منازلهم في الضفة أو القطاع. ولكن مع انـدلاع الانتفاضة أصبحت هذه الهجرة اليومية مصدر تهديد أمني، فأوقفتها السلطات الإسرائيلية. وبدأ الكيان الصهيوني يفتح أبوابه للعمال من الفلبين وتركيا، وإن كان يعتمد أساساً على العمال من شرق أوروبا. وقد بلغ عددهم حوالي ٣٠٠ ألف، وهي كتلة بشرية كبيرة مقيمة بشـكل دائـم داخل التجمع الصهيوني، ولذا فهي تهدد أمنه الاجتماعي، إذ بدأ أعضاء هذه الكتلة وغـالبيتهم الساحقة من الذكور، في الزواج من الإسرائيليات. والأدهى من ذلك أن كثيرين منهم أعلنـوا استعدادهم للتهود والحصول على الجنسية الإسرائيلية (بكل ما يحمله ذلك من مزايا اقتصادية).
وهم في هذا لا يختلفون كثيراً عن المهاجرين السوفيت من غير اليهود وأشباه اليهـود الـذين يعلنون أنهم يهود من أجل الحصول على مستوى معيشي أفضل.
فما الذي يجمع إذن بين يهود الهند ويهود جورجيا ويهود القرائين ويهـود الفلاشـاه والعبرانيين السود والسفارد بكل انتماءاتهم الدينية والعِرقية المختلفة؟ وهـل يمكـن، والحـال كذلك، الحديث عن "أتون الصهر " أو عن "الشعب اليهودي الواحد"؟ .
-
الخميس PM 03:40
2022-08-18 - 981