المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412254
يتصفح الموقع حاليا : 332

البحث

البحث

عرض المادة

صبر الصحابة على الاستضعاف بمكة

قال الله سبحانه وتعالى: {إلا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً? فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوًّا غفورًا (1)}.

وقال الله سبحانه وتعالى: {والمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًّا واجعل لنا من لدنك نصيرًا (2)}.

قال البخاري رحمه الله (ج12 ص311): حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا اللّيث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن هلال بن أسامة، أنّ أبا سلمة بن عبد الرّحمن أخبره عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يدعو في الصّلاة: ((اللهمّ أنج عيّاش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، والوليد بن الوليد، اللهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف)).

وقال البخاري رحمه الله (ج2 ص492): حدّثنا قتيبة، حدّثنا مغيرة بن عبد الرّحمن، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا رفع رأسه من الرّكعة الآخرة يقول: ((اللهمّ أنج عيّاش بن أبي ربيعة، اللهمّ أنج سلمة بن هشام، اللهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللهمّ اجعلها سنين كسني يوسف)). وأنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله)).

قال البخاري رحمه الله (ج8 ص430): حدّثنا محمّد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروق، عن خبّاب. قال: كنت قينًا بمكّة فعملت للعاص بن وائل السّهميّ سيفًا، فجئت أتقاضاه فقال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. قلت: لا أكفر بمحمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى يميتك الله، ثمّ يحييك. قال: إذا أماتني الله ثمّ بعثني ولي مال وولد، فأنزل الله: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالاً وولدًا أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا} قال: موثقًا، لم يقل الأشجعيّ عن سفيان: سيفًا ولا موثقًا.

قال البخاري رحمه الله (ج7 ص176): حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن قيس. قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول: والله لقد رأيتني وإنّ عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر، ولو أنّ أحدًا ارفضّ للّذي صنعتم بعثمان لكان محقوقًا أن يرفضّ.

وقال ص (178): حدّثني محمّد بن المثنّى، حدّثنا يحيى، حدّثنا إسماعيل، حدّثنا قيس. قال: سمعت سعيد بن زيد يقول للقوم: لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته، وما أسلم، ولو أنّ أحدًا انقضّ لما صنعتم بعثمان لكان محقوقًا أن ينقضّ.

قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص404): حدّثنا يحيى بن أبي بكير، حدّثنا زائدة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ، عن عبد الله. قال: أوّل من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأبوبكر، وعمّار، وأمّه سميّة، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأمّا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فمنعه الله بعمّه أبي طالب، وأمّا أبوبكر فمنعه الله بقومه، وأمّا سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشّمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلال فإنّه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان وأخذوا يطوفون به شعاب مكّة، وهو يقول: أحد أحد.

سنده حسن.

[استسلامهم لشرع الله]

قال البخاري رحمه الله (ج5 ص355): حدّثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيّته مكتوبة عنده)).

ورواه مسلم من حديث الزهري عن سالم عن أبيه وزاد فيه: قال عبد الله ابن عمر: ما مرّت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال ذلك إلا وعندي وصيّتي.

قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1280): حدّثنا أبوكامل الجحدريّ، حدّثنا عبد الواحد يعني ابن زياد، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه. قال: قال أبومسعود البدريّ: كنت أضرب غلامًا لي بالسّوط، فسمعت صوتًا من خلفي: ((اعلم أبا مسعود)) فلم أفهم الصّوت من الغضب. قال: فلمّا دنا منّي إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فإذا هو يقول: ((اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود)). قال: فألقيت السّوط من يدي. فقال: ((اعلم أبا مسعود أنّ الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)) قال: فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا.

في رواية عبد الواحد عن الأعمش كلام، ولكنه تابعه جرير بن عبد الحميد، وسفيان الثوري، وأبوعوانة، ثلاثتهم عند مسلم.

وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص130): ثنا عبد الرزاق. قال: ثنا سفيان، عن الأعمش به مثله.

قال البخاري رحمه الله (ج6 ص249): حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا الأوزاعيّ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزّبير، أنّ حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال لي: ((يا حكيم إنّ هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى)) قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتّى أفارق الدّنيا، فكان أبوبكر يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثمّ إنّ عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه. فقال: يا معشر المسلمين إنّي أعرض عليه حقّه الّذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من النّاس شيئًا بعد النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى توفّي.

قال البخاري رحمه الله (ج10 ص318): حدّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يلبس خاتمًا من ذهب فنبذه فقال: ((لا ألبسه أبدًا)) فنبذ النّاس خواتيمهم.

قال البخاري رحمه الله (ج9 ص506): حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عبيد الله بن أبي يزيد، سمع مجاهدًا، سمعت عبد الرّحمن بن أبي ليلى يحدّث عن عليّ بن أبي طالب، أنّ فاطمة عليها السّلام أتت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تسأله خادمًا فقال: ((ألا أخبرك ما هو خير لك منه، تسبّحين الله عند منامك ثلاثًا وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبّرين الله أربعًا وثلاثين)) ثمّ قال سفيان: إحداهنّ أربع وثلاثون، فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفّين؟ قال: ولا ليلة صفّين.

قال البخاري رحمه الله (ج11 ص530): حدّثنا سعيد بن عفير، حدّثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب. قال: قال سالم: قال ابن عمر: سمعت عمر يقول: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)) قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذاكرًا ولا آثرًا.

قال الحافظ رحمه الله: قوله: ذاكرًا، أي: عامدًا. قوله: آثرًا، أي: حاكيًا عن الغير، أي: ما حلفت بها، ولا حكيت ذلك عن غيري. اهـ المراد من ((الفتح)).

 


(1) سورة النساء، الآية:98 - 99.
(2) سورة النساء، الآية:75.

قال الإمام البخاري رحمه الله (ج8 ص489): وقال أحمد بن شبيب: حدّثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لمّا أنزل الله: {وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ (1)}، شقّقن مروطهنّ فاختمرن بها.

حدّثنا أبونعيم، حدّثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن صفيّة بنت شيبة، أنّ عائشة رضي الله عنها كانت تقول: لمّا نزلت هذه الآية: {وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ} أخذن أزرهنّ فشقّقنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها.

قال الحافظ رحمه الله: ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن صفية ما يوضح ذلك، ولفظه: ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضّلهن فقالت: إن نساء قريش لفضلاء، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقًا بكتاب الله ولا إيمانًا بالتنْزيل، لقد أنزلت سورة النور: {وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ} فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات، كأن على رءوسهن الغربان.

ويمكن الجمع بين الروايتين بأن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك. اهـ

قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1654): وحدّثناه محمد بن المثنى، وابن بشار، قالا: حدّثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة بهذا الإسناد، وفي حديث ابن المثنى قال سمعت النضر بن أنس، حدّثني محمّد بن سهل التّميميّ، حدّثنا ابن أبي مريم، أخبرني محمّد بن جعفر، أخبرني إبراهيم بن عقبة، عن كريب مولى ابن عبّاس، عن عبد الله بن عبّاس، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده)) فقيل للرّجل بعد ما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

قال البخاري رحمه الله (ج11 ص263): حدّثنا الحسن بن الرّبيع، حدّثنا أبوالأحوص، عن الأعمش، عن زيد بن وهب. قال: قال أبوذرّ: كنت أمشي مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حرّة المدينة فاستقبلنا أحد. فقال: ((يا أبا ذرّ)). قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: ((ما يسرّني أنّ عندي مثل أحد هذا ذهبًا تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينار، إلا شيئًا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، ثمّ مشى فقال: ((إنّ الأكثرين هم المقلّون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم))، ثمّ قال لي: ((مكانك لا تبرح حتّى آتيك)) ثمّ انطلق في سواد اللّيل حتّى توارى، فسمعت صوتًا قد ارتفع فتخوّفت أن يكون أحد عرض للنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي: لا تبرح حتّى آتيك)) فلم أبرح حتّى أتاني قلت: يا رسول الله لقد سمعت صوتًا تخوّفت فذكرت له فقال: ((وهل سمعته))؟ قلت: نعم. قال: ((ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمّتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنّة))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق)).

قال البخاري رحمه الله (ج10 ص36): حدّثنا إسماعيل بن عبد الله، قال: حدّثني مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبيّ بن كعب من فضيخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال: إنّ الخمر قد حرّمت. فقال أبوطلحة: قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها.

حدّثنا مسدّد، حدّثنا معتمر، عن أبيه. قال: سمعت أنسًا. قال: كنت قائمًا على الحيّ أسقيهم عمومتي، وأنا أصغرهم الفضيخ فقيل: حرّمت الخمر، فقالوا: أكفئها، فكفأتها. قلت لأنس: ما شرابهم؟ قال: رطب وبسر. فقال أبوبكر بن أنس: وكانت خمرهم، فلم ينكر أنس.

وحدّثني بعض أصحابي أنّه سمع أنس بن مالك يقول: كانت خمرهم يومئذ.

قال البخاري رحمه الله (ج9 ص551): حدّثنا عبد الله بن منير، سمع أبا حاتم الأشهل بن حاتم، حدّثنا ابن عون، عن ثمامة بن أنس، عن أنس رضي الله عنه قال: دخلت مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على غلام له خيّاط، فقدّم إليه قصعةً فيها ثريد. قال: وأقبل على عمله. قال فجعل النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يتتبّع الدّبّاء. قال: فجعلت أتتبّعه فأضعه بين يديه. قال: فما زلت بعد أحبّ الدّبّاء.

 


(1) سورة النور، الآية:31.

قال البخاري رحمه الله (ج8 ص175): حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا عبد العزيز بن مسلم، حدّثنا عبد الله بن دينار. قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: بينا النّاس في الصّبح بقباء إذ جاءهم رجل فقال: أنزل اللّيلة قرآن، فأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، واستداروا كهيئتهم فتوجّهوا إلى الكعبة، وكان وجه النّاس إلى الشّأم.

قال مسلم رحمه الله (ج2 ص146): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وأبوكريب، وإسحق بن إبراهيم، واللّفظ لأبي بكر. قال إسحق: أخبرنا. وقال الآخران: حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن آدم بن سليمان، مولى خالد قال: سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله (1)} قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((قولوا سمعنا وأطعنا وسلّمنا)) قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: {لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها لها ما


(1) سورة البقرة، الآية:284.

كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا (1)} قال: قد فعلت {ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا} قال: قد فعلت {واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا} قال: قد فعلت.

قال مسلم رحمه الله (ج2 ص144): حدّثني محمّد بن منهال الضّرير، وأميّة بن بسطام العيشيّ، واللّفظ لأميّة قالا: حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا روح وهو ابن القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة. قال: لمّا نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: {لله ما في السّموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء والله على كلّ شيء قدير (2)} قال: فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأتوا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق: الصّلاة, والصّيام، والجهاد، والصّدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير)) قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير، فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير (3)} فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عزّ وجلّ: {لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال: نعم {ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا} قال: نعم {ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به} قال: نعم {واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال: نعم.

قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص20): حدّثنا يزيد، أخبرنا حمّاد بن سلمة، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلّى فخلع نعليه، فخلع النّاس نعالهم، فلمّا انصرف قال: ((لم خلعتم نعالكم))؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: ((إنّ جبريل أتاني فأخبرني أنّ بهما خبثًا، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها، فإن رأى بها خبثًا فليمسحه بالأرض، ثمّ ليصلّ فيهما)).

قال الحاكم رحمه الله (ج1 ص260): صحيح على شرط مسلم.

قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص403): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلّم أبوبكر فأعرض عنه، ثمّ تكلّم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيّانا تريد يا رسول الله والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- النّاس فانطلقوا، حتّى نزلوا بدرًا، ووردت عليهم

 


(1) سورة البقرة، الآية:286.
(2) سورة البقرة، الآية:284.
(3) سورة البقرة، الآية:285.

روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجّاج، فأخذوه، فكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبوجهل، وعتبة، وشيبة، وأميّة بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه. فقال: نعم أنا أخبركم هذا أبوسفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبوجهل، وعتبة، وشيبة، وأميّة بن خلف، في النّاس فإذا قال هذا أيضًا ضربوه، ورسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قائم يصلّي، فلمّا رأى ذلك انصرف قال: ((والّذي نفسي بيده لتضربوه (1) إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم)) قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((هذا مصرع فلان)) قال: ويضع يده على الأرض ((ههنا ههنا)) قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص43): حدّثني عمرو بن محمّد بن بكير النّاقد، حدّثنا هاشم بن القاسم أبوالنّضر، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: نهينا أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمّد أتانا رسولك فزعم لنا أنّك تزعم أنّ الله أرسلك. قال: ((صدق)). قال: فمن خلق السّماء؟ قال: ((الله)) قال: فمن خلق الأرض؟ قال: ((الله)) قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: ((الله)) قال: فبالّذي خلق السّماء والأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: ((صدق)) قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاةً في أموالنا؟ قال: ((صدق)) قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟ قال: ((صدق)) قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً؟ قال: ((صدق)) قال: ثمّ ولّى. قال: والّذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليهنّ ولا أنقص منهنّ. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لئن صدق ليدخلنّ الجنّة)).

حدّثني عبد الله بن هاشم العبديّ، حدّثنا بهز، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت. قال: قال أنس: كنّا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن شيء، وساق الحديث بمثله.

[صبرهم على الفقر والجوع والعري]

قال الإمام أحمد رحمه الله (ج6 ص348): حدّثنا سريج بن النّعمان. قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يا معشر النّساء من كان منكنّ يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها، حتّى يرفع الإمام رأسه)) من ضيق ثياب الرّجال.

هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.

قال الإمام البخاري رحمه الله (ج2 ص298): حدّثنا محمّد بن كثير. قال: أخبرنا سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد. قال: كان النّاس يصلّون مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهم عاقدوا أزرهم من الصّغر على رقابهم. فقيل للنّساء: لا ترفعن رءوسكنّ حتّى يستوي الرّجال جلوسًا.

قال الحافظ في ((الفتح)) (ج1 ص473): وفي رواية أبي داود من طريق وكيع عن الثوري (عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر). اهـ المراد من ((الفتح)).

قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله (ج3 ص1625) بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا شبابة بن سوّار، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن المقداد. قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فليس أحد منهم يقبلنا، فأتينا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((احتلبوا هذا اللّبن بيننا)) قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه، ونرفع للنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نصيبه. قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليمًا لا يوقظ نائمًا، ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشّيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة، فأتيتها فشربتها، فلمّا أن وغلت في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت أشربت شراب محمّد فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك، وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئًا، فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال: ((اللهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني)) قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ، وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فإذا هي حافلة وإذا هنّ حفّل كلّهنّ فعمدت إلى إناء لآل محمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه.

قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة، فجئت إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((أشربتم شرابكم اللّيلة))؟ قال: قلت: يا رسول الله اشرب، فشرب ثمّ ناولني، فقلت: يا رسول الله اشرب، فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد روي وأصبت دعوته، ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إحدى سوآتك يا مقداد)) فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما هذه إلا رحمة من الله، أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها)). قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من النّاس)).

وحدّثنا إسحق بن إبراهيم، أخبرنا النّضر بن شميل، حدّثنا سليمان بن المغيرة بهذا الإسناد. اهـ

قال الإمام البخاري رحمه الله (ج13 ص303): حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حمّاد، عن أيّوب، عن محمّد. قال: كنّا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشّقان من كتّان فتمخّط. فقال: بخ بخ أبوهريرة يتمخّط في الكتّان لقد رأيتني وإنّي لأخرّ فيما بين منبر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى حجرة عائشة مغشيًّا عليّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي، ويرى أنّي مجنون، وما بي من جنون ما بي إلا الجوع.

وأخرجه الترمذي (ج7 ص23) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2278): حدّثنا شيبان بن فرّوخ، حدّثنا سليمان بن المغيرة، حدّثنا حميد بن هلال، عن خالد بن عمير العدويّ. قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد: فإنّ الدّنيا قد آذنت بصرم وولّت حذّاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابّها صاحبها، وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنّه قد ذكر لنا أنّ الحجر يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عامًا لا يدرك لها قعرًا، ووالله لتملأنّ، أفعجبتم ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنةً، وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ من الزّحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما لنا طعام إلا ورق الشّجر حتّى قرحت أشداقنا.

قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج7 ص33): حدّثنا العبّاس بن محمّد، حدّثنا عبد الله بن يزيد، حدّثنا حيوة بن شريح، أخبرني أبوهانئ الخولانيّ، أنّ أبا عليّ عمرو بن مالك الجنبيّ أخبره عن فضالة بن عبيد، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا صلّى بالنّاس يخرّ رجال من قامتهم في الصّلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصّفّة، حتّى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين أو مجانون، فإذا صلّى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- انصرف إليهم. فقال: ((لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقةً وحاجةً)). قال فضالة: أنا يومئذ مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

هذا حديث حسن صحيح.

قال البخاري رحمه الله (ج6 ص610): حدّثني محمّد بن الحكم، أخبرنا النّضر، أخبرنا إسرائيل، أخبرنا سعد الطّائيّ، أخبرنا محلّ بن خليفة، عن عديّ بن حاتم. قال: بينا أنا عند النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذا أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل. فقال: ((يا عديّ هل رأيت الحيرة))؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: ((فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله)) قلت: فيما بيني وبين نفسي: فأين دعّار طيّئ الّذين قد سعّروا البلاد؟ ((ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى)) قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: ((كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولنّ له: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلّغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟. فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنّم)). قال عديّ: سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة، فبكلمة طيّبة)). قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبوالقاسم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يخرج ملء كفّه)).

قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1609): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا خلف بن خليفة، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر. فقال: ((ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة))؟ قالا: الجوع يا رسول الله. قال: وأنا والّذي نفسي بيده لأخرجني الّذي أخرجكما قوموا، فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلمّا رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلاً. فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أين فلان))؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وصاحبيه ثمّ قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافًا منّي. قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب. فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إيّاك والحلوب، فذبح لهم، فأكلوا من الشّاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلمّا أن شبعوا ورووا. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأبي بكر وعمر: ((والّذي نفسي بيده لتسألنّ عن هذا النّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثمّ لم ترجعوا حتّى أصابكم هذا النّعيم)).

وحدّثني إسحق بن منصور، أخبرنا أبوهشام يعني المغيرة بن سلمة، حدّثنا عبد الواحد بن زياد، حدّثنا يزيد، حدّثنا أبوحازم. قال: سمعت أبا هريرة يقول: بينا أبوبكر قاعد وعمر معه إذ أتاهما رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((ما أقعدكما ههنا))؟ قالا: أخرجنا الجوع من بيوتنا والّذي بعثك بالحقّ، ثمّ ذكر نحو حديث خلف بن خليفة. اهـ

قال البخاري رحمه الله (ج10 ص322): حدّثنا عبد الله بن مسلمة، حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، أنّه سمع سهلاً يقول: جاءت امرأة إلى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقالت: جئت أهب نفسي، فقامت طويلا فنظر وصوّب فلمّا طال مقامها، فقال رجل: زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة؟ قال: ((عندك شيء تصدقها))؟ قال: لا. قال: ((انظر))، فذهب ثمّ رجع، فقال: والله إن وجدت شيئًا. قال: ((اذهب فالتمس ولو خاتمًا من حديد)) فذهب ثمّ رجع قال: لا والله ولا خاتمًا من حديد، وعليه إزار ما عليه رداء. فقال: أصدقها إزاري. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إزارك إن لبستْه لم يكن عليك منه شيء، وإن لبسْته لم يكن عليها منه شيء)) فتنحّى الرّجل فجلس، فرآه النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مولّيًا فأمر به فدعي. فقال: ((ما معك من القرآن))؟ قال: سورة كذا وكذا، لسور عدّدها، قال: ((قد ملّكتكها بما معك من القرآن)).

قال البخاري رحمه الله (3 ص142): حدّثنا عمر بن حفص بن غياث، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثنا شقيق، حدّثنا خبّاب رضي الله عنه قال: هاجرنا مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنّا من مات لم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها، قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفّنه إلا بردةً إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن نغطّي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر.

قال البخاري رحمه الله (ج3 ص142): حدّثنا محمّد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم، أنّ عبد الرّحمن ابن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائمًا. فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير منّي كفّن في بردة إن غطّي رأسه بدت رجلاه، وإن غطّي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير منّي، ثمّ بسط لنا من الدّنيا ما بسط، أو قال: أعطينا من الدّنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجّلت لنا، ثمّ جعل يبكي حتّى ترك الطّعام.

قال البخاري رحمه الله (ج7 ص83): حدّثنا عمرو بن عون، حدّثنا خالد بن عبد الله، عن إسماعيل، عن قيس. قال: سمعت سعدًا رضي الله عنه يقول: إنّي لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل الله، وكنّا نغزو مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وما لنا طعام إلا ورق الشّجر، حتّى إنّ أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشّاة ما له خلط، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني على الإسلام، لقد خبت إذًا وضلّ عملي. وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا: لا يحسن يصلّي.

قال البخاري رحمه الله (ج2 ص427): حدّثنا سعيد بن أبي مريم. قال: حدّثنا أبوغسّان. قال: حدّثني أبوحازم، عن سهل، قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقًا، فكانت إذا كان يوم جمعة تنْزع أصول السّلق فتجعله في قدر ثمّ تجعل عليه قبضةً من شعير تطحنها فتكون أصول السّلق عرقه، وكنّا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلّم عليها، فتقرّب ذلك الطّعام إلينا فنلعقه، وكنّا نتمنّى يوم الجمعة لطعامها ذلك. اهـ

قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص324): حدّثنا عبد الصّمد، حدّثني أبي، حدّثنا الجريريّ، عن عبد الله بن شقيق. قال: أقمت بالمدينة مع أبي هريرة سنةً. فقال لي ذات يوم ونحن عند حجرة عائشة: لقد رأيتنا وما لنا ثياب إلا البراد المفتّقة، وإنّا ليأتي على أحدنا الأيّام ما يجد طعامًا يقيم به صلبه، حتّى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشدّه على أخمص بطنه، ثمّ يشدّه بثوبه ليقيم به صلبه، فقسّم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم تمرًا، فأصاب كلّ إنسان منّا سبع تمرات فيهنّ حشفة، فما سرّني أنّ لي مكانها تمرةً جيّدةً، قال: قلت: لم؟ قال: تشدّ لي من مضغي. اهـ

هذا حديث صحيح على شرط مسلم، والجريري هو سعيد بن إياس مختلط، ولكن عبد الوارث بن سعيد سمع منه قبل الاختلاط، كما في ((الكواكب النيرات)).

قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص55): حدّثنا أبوبكر بن النّضر بن أبي النّضر. قال: حدّثني أبوالنّضر هاشم بن القاسم، حدّثنا عبيد الله الأشجعيّ، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرّف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. قال: كنّا مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في مسير قال: فنفدت أزواد القوم قال: حتّى همّ بنحر بعض حمائلهم. قال: فقال عمر: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها؟ قال: ففعل. قال: فجاء ذو البرّ ببرّه، وذو التّمر بتمره. قال: وقال مجاهد: وذو النّواة بنواه. قلت: وما كانوا يصنعون بالنّوى؟ قال: كانوا يمصّونه ويشربون عليه الماء. قال: فدعا عليها حتّى ملأ القوم أزودتهم. قال: فقال عند ذلك: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيهما، إلا دخل الجنّة)).

قال مسلم رحمه الله (ج1 ص56): حدّثنا سهل بن عثمان، وأبوكريب محمّد بن العلاء، جميعًا عن أبي معاوية. قال أبوكريب: حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد -شكّ الأعمش- قال: لمّا كان غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة. قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادّهنّا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((افعلوا)) قال: فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قلّ الظّهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثمّ ادع الله لهم عليها بالبركة، لعلّ الله أن يجعل في ذلك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((نعم)) قال: فدعا بنطع فبسطه، ثمّ دعا بفضل أزوادهم, قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة. قال: ويجيء الآخر بكفّ تمر. قال: ويجيء الآخر بكسرة، حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير. قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليه بالبركة، ثمّ قال: ((خذوا في أوعيتكم)). قال: فأخذوا في أوعيتهم حتّى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملئوه، قال: فأكلوا حتّى شبعوا وفضلت فضلة. 

 


(1) حذفت النون في: تضربوه وتتركوه لغير ناصب ولا جازم، على حد قول الشاعر:
أبيت أسري وتبيتي تدلكي ... وجهك بالعنبر والمسك الذكي

فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة (1)).

قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص417): حدّثنا عليّ بن إسحاق، أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك. قال: أخبرنا الأوزاعيّ. قال: حدّثني المطّلب ابن حنطب المخزوميّ. قال: حدّثني عبد الرّحمن بن أبي عمرة الأنصاريّ، حدّثني أبي. قال: كنّا مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في غزاة، فأصاب النّاس مخمصة فاستأذن النّاس رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في نحر بعض ظهورهم، وقالوا: يبلّغنا الله به، فلمّا رأى عمر بن الخطّاب أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد همّ أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم. قال: يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا القوم غدًا جياعًا رجالا؟ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم فتجمعها، ثمّ تدعو الله فيها بالبركة، فإنّ الله تبارك وتعالى سيبلّغنا بدعوتك، أو قال: سيبارك لنا في دعوتك، فدعا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ببقايا أزوادهم، فجعل النّاس يجيئون بالحثية من الطّعام، وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثمّ قام فدعا ما شاء الله أن يدعو، ثمّ دعا الجيش بأوعيتهم فأمرهم أن يحثوا فما بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه، وبقي مثله فضحك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى بدت نواجذه فقال: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى عبد مؤمن بهما إلا حجبت عنه النّار يوم القيامة)).

هذا حديث صحيح ورجاله ثقات.


(1) هذا الحديث والذي قبله من الأحاديث التي انتقدها الدارقطني رحمه الله ولم يتم الانتقاد.

  • الجمعة PM 03:37
    2022-08-05
  • 670
Powered by: GateGold