المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409148
يتصفح الموقع حاليا : 291

البحث

البحث

عرض المادة

دَعوَى رُؤيَةِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقَظَةً بَعدَ وَفَاتِه وَالتَّلَقِّي عَنهُ مُبَاشَرَةً

"وكُلُّ مَن قَالَ إِنَّهُ رَأَى نَبِيًّا بِعَيْنِ رَأسِهِ، فَمَا رَأَى إِلا خَيَالًا" (1). شيخ الإسلام ابن تيمية

من عبث الصوفية بمصادر التلقي، وعدوانهم على المرجعية الشرعية العليا، أنهم ادَّعَوْا أنه يمكن للخواصِّ أن يلقوا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حال اليقظة، وأن يَتَلَقَّوْا عنه أحكامًا شرعيَّةً ملزمة؛ مما فتح البابَ على مصراعيه للكذِبِ الفاحش على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وادِّعَاءِ إقراره وموافقته على كثير من الضلالات والبدع التي تَلَطَّخَ بها القوم.

لقد استدرج الشيطان الصوفية إلى الغلو المذموم في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وذلك عبر خطوات يُسلم بعضها إلى بعض، ومن هذه الخطوات:

1 - ما زعموه من خروج يده الشريفة -صلى اللَّه عليه وسلم- من قبره ليقبلها الشيخ أحمد الرفاعي (ت 570 هـ).

فقد ادَّعى أبو الهدى الصيادي الرفاعي (2) أن الشيخ أحمد الرفاعي لما حج، وقف تجاه الحجرة الشريفة، وأنشد:

في حالةِ البُعدِ روحي كنتُ أرسلُها ... تقبلُ الأرضَ عني وَهْيَ نائبتي

وهذه دولةُ الأشباحِ قد حَضَرَتْ ... فامدُدْ يمينَك كي تحظى بها شَفَتي

قال: "فخرجت إليه يده الشريفة من القبر، حتى قبَّلها، والناس ينظرون" (3).


(1) "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" ص (138).
(2) في كتابه: "قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر" ص (67، 68).
(3) ومن أدلة بطلان هذه الأكذوبة أن أصحاب كتب وتراجم الصوفية كالسبكي والشعراني وابن الملقن وابن خلكان والمناوي" لم يذكروا هذه الحادثة مع أنهم أقرب إلى عصر الرفاعي من الصيادي =

ويشبه ذلك: ما ادعاه الصيادي في قوله: ولما حج الرفاعي عام وفاته، وزار قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ... ، أنشد قَائلًا:

إن قيل: زرتم بما رجعتم ... يا أشرفَ الرُّسْلِ ما نقول

فخرج صوت من القبر سمعه كل من حضر، وهو يقول:

قولوا رجعنا بكل خيرٍ ... واجتمع الفرعُ والأصول (1)

2 - ثم تمادى الصوفية في التخبط، وساروا على نفس الدرب، ونسجوا على نفس المنوال، فأخذوا يختلقون القصص المشابهة: فذكروا أن إبراهيم الأعزب أنشد شعرًا عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بارك اللَّه بك، أنت منظور بعين الرضا" (2).

وأن الشيخ عليًّا أبا الحسن الشاذلي استأذن في الدخول على رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة يقول: "يا علي! ادخل" (3).


= المتأخر، وقد ذكر تاج الدين السبكي في فضائله: "رأفته على الهرة والبعوضة والجرادة والكلب" كما في "طبقات الشافعية الكبرى" له (6/ 23)، ولم يتعرض لذكر الحادثة المزعومة، وترجم ابن خلكان للرفاعي -وهو قريب العهد به- ولم يذكر حادثة تقبيل اليد، وكذا فعل الحافظ ابن كثير والحافظ الذهبي، أضف إلى ذلك أنه لم يكن من هديه -صلى الله عليه وسلم- في حياته أن يمد يده كي بقبلها من يسلم عليه.
أما رسالة "الشرف المحتم فيما مَنَّ الله به على الرفاعي من تقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم" المنسوبة إلى السيوطي، فلا تصح نسبتها إليه، بل هي مقتبسة من كلام الصيادي في كتابيه "قلادة الجواهر"، و "ضوء الشمس"، وانظر بيان ذلك في "الرفاعية" للشيخ عبد الرحمن دمشقية ص (49، 50).
(1) "قلادة الجواهر" ص (104)، و"ضوء الشمس في قول النبي: بُني الإسلام على خمس" (1/ 176)، والعجيب أنه هنا يخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشعر، ويجيبه -صلى الله عليه وسلم-في زعمه- بالشعر، مع قوله الله تعالى في حقه -صلى الله عليه وسلم-: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69].
(2) "ترياق المحيين" لتقي الدين الواسطي ص (69).
(3) "أبو الحسن الشاذلي" للدكتور عبد الحليم محمود ص (79).

وأن عبد القادر الجزائري وقف تجاه القبر، وقال: "يا رسول الله! عبدك ببابك، كلبك بأعتابك، نظرة منك تغنيني يا رسول اللَّه، عطفة منك تكفيني"، فقال له الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنت ولدي، ومقبول عندي بهذه السجعة المباركة" (1).

3 - ثم ترقوا إلى أبعد من ذلك، بادعاء أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخرج من قبره، ويلتقي مشايخهم، وأنهم يرونه يقظة لا منامًا في الدنيا، ويتلقون عنه.

قال الشعراني (2): قال أبو المواهب الشاذلي: "رأيت رسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي عن نفسه: لست بميت، وإنما موتي تستري عمن لا يفقه عن الله، فها أنا أراه ويراني" (3).

وقال: كان أبو المواهب كثير الرؤيا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان يقول: قلت لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن الناس يكذِّبونني في صحة رؤيتي لك، فقال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "وعزة الله وعظمته من لم يؤمن بها أو كذبك فيها لا يموت إلا يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا".

وهذا منقول من خط الشيخ أبي المواهب (4).


(1) "جامع كرامات الأولياء" ليوسف بن إسماعيل النبهاني (2/ 100)، ويا عجبًا! كيف يثني النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه "السجعة المباركة"، وقد وصَّى ابنُ عباس -رضي الله عنهما- مولاه عكرمة، فقال: "فانظر السجع من الدعاء، فاجتنبه، فإني عهدتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب". رواه البخاري (11/ 138)، وترجم له: "باب ما يُكره من السجع في الدعاء".
وكان عروة بن الزبير إذا عُرِض عليه دعاءٌ فيه سجع منسوبًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قال: "كذبوا، لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه سجَّاعين"، كما في "الحوادث والبدع" للطرطوشي ص (157).
(2) عبد الوهاب بن أحمد الشعراني صاحب "الطبقات الكبرى" و"الصغرى" في تراجم الصوفية، و"الجواهر في عقائد الأكابر"، توفي سنة (973 هـ).
(3) "الطبقات الكبرى" للشعراني (2/ 69).
(4) "نفسه" (2/ 67).

وقال أيضًا: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألته عن الحديث المشهور: "اذكروا الله حتى يقولوا: مجنون"، وفي صحيح ابن حبان:

"أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا: مجنون" (1)، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "صدق ابن حبان في روايته، وصدق راوي اذكروا اللَّه، فإني قلتهما معًا، مرة قلت هذا، ومرة قلت هذا" (2).

وزعم بعض تلامذة خوجلي بن عبد الرحمن: "أن شيخهم يرى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كل يوم أربعًا وعشرين مرة، والرؤيا يقظة" (3).

وقال العلَّامة محمود شكري الألوسي -رحمه الله تعالى- في سياق إنكار غلو الصوفية في حق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ومن ذلك دعواهم لرؤياه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد وفاته، فقد ادعاها غير واحد منهم، وادعوا أيضًا الأخذ منه يقظة، قال الشيخ سراج الدين ابن الملقن في "طبقات الأولياء" في ترجمة الشيخ خليفة بن موسى النهرملكي: كان كثير الرؤية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقظة ومنامًا، فكان يقال: إن أكثر أفعاله يتلقاه منه -صلى الله عليه وسلم- يقظة ومنامًا، ورآه في ليلة واحدة سبع عشرة مرة، قال له في إحداهن: يا خليفة! لا تضجر مني، فكثير من الأولياء مات بحسرة رؤيتي .. ) (4).

 


(1) أخرجه الإمام أحمد (3/ 68)، وابن حبان (3/ 99 - إحسان) رقم (817)، واسناده ضعيف لضعف دراج في روايته عن أبي الهيثم، وصححه الحاكم (1/ 499)، وقال الذهبي في غير موضع عن دراج: "إنه كثير المناكير"، وانظر: "مجمع الزوائد" (10/ 75، 76).
(2) "الطبقات الكبرى" للشعراني (2/ 70).
(3) "الطبقات في خصوص الأولياء الصالحين والعلماء والشعراء في السودان" لمحمد النور بن ضيف الله.
(4) "غاية الأماني في الرد على النبهاني" ص (50، 51).

ولما كانت الفرقة التِّجانية ممن روَّج لهذه الفكرة، ودَافَعَ عنها، انبرى بعض الغيورين من أهل العلم والسنة لدحض افترائهم، ورد عدوانهم، ومنهم الشيخ علي بن محمد الدخيل الله في بحثه القيم: "التجانية"، الذي نلخص منه الفصل التالي (1).

أ- ذِكْرُ جُمْلَةٍ مِنْ نُصُوص التِّجَانية تُصَرِّحُ بِإِيمَانِهِمْ بِرؤْيَةِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقَظَةً بَعْدَ مَوْتِهِ، فِي الدُّنيَا:

1 - قال في "جواهر المعاني": "قال -رضي اللَّه عنه- أي شيخه أحمد التجاني مؤسس الطريقة المتوفى سنة (1230هـ - 1815 م): أخبرني سيد الوجود (2) يَقَظَةً لا منامًا، قال لي: أنت من الآمنين، ومن رآك من الآمنين إن مات على الإيمان ... " إلخ (3).

2 - وقال في "رِمَاح حزب الرحيم": "ولا يكمل العبد في مقام العرفان حتى يصير يجتمع برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَقَظَةً ومشافهة ... " إلخ (4).

3 - وقال في "بغية المستفيد": " ... منهم من يرى روحه في اليقظة متشكلة بصورته الشريفة، ومنهم من يرى حقيقة ذاته الشريفة وكأنه معه في حياته -صلى الله عليه وسلم-، وهؤلاء هم أهل المقام الأعلى في رؤيته -صلى اللَّه عليه وسلم-" (5).

4 - وقال في "الدرة الخريدة": "وأما الذي هو أفضل وأعز من دخول الجنة، فهو رؤية سيد الوجود -صلى اللَّه عليه وسلم- في اليقظة، فيراه الولي اليوم كما يراه الصحابة -رضي الله عنهم-، فهي أفضل من الجنة" (6).


(1) باختصار أحيانًا، وبزيادات من مصادر أُخَر.
(2) انظر "المهدي" للمؤلف ص (334).
(3) "جواهر المعاني" لعلي حرازم (1/ 129)، وانظره (1/ 30، 31)، (2/ 228).
(4) "رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم" لعمر بن سعيد الفوتي (1/ 199).
(5) "بغية المستفيد شرح منية المريد" لمحمد العربي التجاني ص (79، 80).
(6) "الدرة الخريدة شرح الياقوتة الفريدة" لمحمد فتحا بن عبد الواحد السوسي (1/ 47).

  • الثلاثاء PM 12:18
    2022-08-02
  • 1564
Powered by: GateGold