المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412615
يتصفح الموقع حاليا : 294

البحث

البحث

عرض المادة

إنكار المالكية للبدع

كان مالك رحمه الله من أشد الناس نهيا عن البدع والمحدثات، ومن أشد العلماء تحذيرا من مخالفة السنة، وقد صح عنه في غير ما أثر نهيه الشديد عن البدع التي أحدثها المتكلمون وغيرهم.

ولهذا قال محمد بن وضاح الأندلسي المالكي (ت287) في البدع والنهي عنها (113): وقد كان مالك يكره كل بدعة وإن كانت في خير.

وعن أشهب قال: سمعت مالكا يقول: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسمائه وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون (1).

عن الزبير بن بكار قال: سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد، فقال: لا تفعل، قال: فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال: لا تفعل، فإني أخشى عليك الفتنة، فقال:


(1) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (69) والبغوي في شرح السنة (1/ 217) والهروي في ذم الكلام (5/ 68) والسيوطي في الأمر بالاتباع (83) والأصبهاني في الحجة (1/ 104) وأبو الفضل المقري فيما انتخبه من أحاديث في ذم الكلام وأهله (82) وأبو المظفر السمعاني في كتاب الانتصار لأهل الحديث، كما في الآداب الشرعية (1/ 156).

وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها، قال: أي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله، إني سمعت الله يقول:

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ

أَلِيمٌ} [النور:63] (1).

وقد أوردت في كتابي عقيدة الإمام مالك نقولا كثيرة عنه في ذلك. وقد طبع في مصر، ويعاد طبعه في أبي ظبي بالإمارات.

وقد ورث علماء المالكية عن الإمام مالك هذه الصرامة في رد البدع والمحدثات، بل علماء المالكية من أكثر علماء الأمة تأليفا في البدع، ومن أقدم كتبهم المصنفة في ذاك:

- الحجة على القدرية للإمام محمد بن سحنون (ت 256هـ). كما في ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض (4/ 207) والديباج المذهب (2/ 157).

  • الرد على أهل البدع، ثلاثة كتب. للإمام محمد بن سحنون (ت 256هـ). نفس المصدر.

- الردّ على المرجئة لأبي زكريا يحيى بن عمر بن يوسف الكندي البلوي المالكي (289هـ). ترتيب المدارك للقاضي عياض (4/ 357).

- الرد على القدرية لابن أبي زيد القيرواني (ت396هـ). شجرة النور (96).

وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك وتقريب المسالك (4/ 48) في ترجمة سحنون بن سعيد التنوخي (ت 240هـ): قال أبو بكر المالكي: وكان مع هذا رقيق القلب، غزير الدمعة، ظاهر الخشوع، متواضعا، قليل التصنع، كريم الأخلاق، حسن الأدب، سالم الصدر، شديداً على أهل البدع، لا يخاف في الله لومة لائم. انتهى.

وتأمل قوله: شديداً على أهل البدع، لتعلم مبلغ الصرامة التي كان يتعامل بها علماء المالكية ضد البدع وأهلها.

ومن علماء المالكية الذين عرفوا بالشدة على أهل البدع: أبو عمر الطلمنكي أحمد بن محمد بن عبد الله (ت429هـ).

قال ابن الحذاء عنه: وكان فاضلاً شديداً في كتاب الله تعالى. سيفاً على أهل البدع،. ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض (8/ 33).

وقال ابن بشكوال في الصلة في تاريخ علماء الأندلس (52): وكان: سيفاً مجرداً على أهل الأهواء والبدع، قامعاً لهم، غيوراً على الشريعة، شديداً في ذات الله تعالى.

ومنهم كذلك: عبد الله بن أبي حسان اليحصبي، قال ابن فرحون في الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (1/ 368) في ترجمته: وكان ابن أبي حسان غاية في الفقه بمذهب مالك، حسن البيان، عالماً بأيام العرب وأنسابها، راوية للشعر، قائلا له، وعنه أخذ الناس أخبار إفريقية وحروبها، وكان جوادا مفوها قويا على المناظرة، ذاباً عن السنة متبعا لمذهب مالك، شديداً على أهل البدع، قليل الهيبة للملوك، لا يخاف في الله لومة لائم.

وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك (4/ 290) في ترجمة القاضي إسماعيل بن إسحاق (ت282): وكان إسماعيل شديدا على أهل البدع، يرى استتابتهم، حتى ذكر أنهم تحاموا بغداد في أيامه.

وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك كذلك (4/ 375) في ترجمة أبي يوسف جبلة بن حمود بن عبد الرحمن بن جبلة الصدفي (ت299هـ): ذكر شدته على أهل البدع ومجانبته إياهم وقوته في ذات الله عز وجل.

كان رحمه الله تعالى، شديداً في ذلك. لا يداري فيه أحداً. ولم يكن أحد أكثر مجاهدة منه للروافض، وشيعهم. فنجّاه الله منهم.

وذكر له أخبار عديدة في ذلك مع الروافض.

وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك (7/ 104) في ترجمة أبي علي بن خلدون رحمه الله (ت407): من فقهاء إفريقية وعلمائها وصلحائها، من أصحاب أبي الحسن القابسي، كان رأسا بإفريقية، جليل القدر في فقهائها، مطاعاً. وكانت العامة تتبعه. وكان شديداً على أهل البدع والروافض مغرياً بهم، يستند منه أهل السنّة إلى ملجأ ووزر.

وقال ابن فرحون في الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (1/ 164): أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي يكنى أبا جعفر، كان خاتمة المحدثين وصدور العلماء والمقرئين، نسيج وحده في حسن التعليم والصبر على التسميع، والملازمة للتدريس، كثير الخشوع والخشية، مسترسل العَبْرة، صليباً في الحق، شديداً على أهل البدع، ملازما للسنة، مهيبا جزلا معظما عند الخاصة والعامة.

وقال ابن فرحون في الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (2/ 224) في ترجمة محمد أبي عبد الله بن فرج مولى ابن الطلاع القرطبي المالكي (ت497هـ): شيخ الفقهاء في عصره وأسد من بقي في وقته ... وكان شيخا فاضلا فصيحا، وكان قوالا بالحق، شديداً على أهل البدع، غير هيوب للأمراء.

وقال ابن بشكوال في الصلة في تاريخ علماء الأندلس (409) في ترجمة أبي عبد الله محمد بن سعيد بن محمد بن عمر بن سعيد بن نبات الأموي القرطبي: وذكره الخولاني وقال: كان شيخا صالحا من أهل العناية بالعلم حافظاً للحديث مع الفهم، قديم الطلب، متكررا على الشيوخ، وسمع منهم، وكتب عنهم محتسباً متسننا مجانبا لأهل البدع والأهواء. سيفا مجردا عليهم.

في أشياء كثيرة يطول تتبعها يراجع بعضها في "جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة" لإبراهيم التهامي (122 - فما بعد).

ومن الكتب التي صنفها علماء مالكية في ذلك أيضا:

البدع والنهي عنها لمحمد بن وضاح الأندلسي المالكي (ت287هـ).

وهو مطبوع عدة طبعات.

ساق فيه نصوصا كثيرة في التحذير من البدع، وبَيَّن خطورة الابتداع، وذكر ما جاء في اتباع الآثار، والنهي عن الجلوس مع أهل البدع وخلطتهم والمشي معهم، وذكر كذلك ما جاء في ليلة النصف من شعبان وعشية عرفة من البدع.

ثم تلاه أبو بكر الطرطوشي محمد بن الوليد الفهري الأندلسي المالكي المتوفى سنة (520هـ) فألف كتابا في ذلك، سماه: الحوادث والبدع.

وهو كتاب مطبوع عدة طبعات، وقد أنكر فيه عددا من البدع والمحدثات.

فذكر منها: الألحان والتطريب في كتاب الله (57).

والمحاريب (72).

وزخرفة المساجد (72 - 73).

وكتابة القرآن في الجدران (75).

والاجتماع في يوم عرفة للدعاء (91).

والاحتفال بليلة النصف من شعبان (93 - 94).

وصلاة الرغائب (96).

وعد من البدع المحدثة: الاجتماع للتعزية.

قال (125): قال علماؤنا المالكيون: التصدي للعزاء بدعة ومكروه.

وقال بعد أن ذكر استحباب أن يُبعث إلى أهل الميت طعام (126): فأما إذا صنع أهل الميت طعاما ودعوا الناس إليه فلم ينقل فيه عن القدماء شيء، وعندي أنه بدعة ومكروه.

وقال (130): فأما المآثم فممنوعة بإحماع العلماء، قال الشافعي: وأكره المآثم، وهو اجتماع الرجال والنساء لما فيه من تجديد الحزن ... والمآثم هو الاجتماع في الصبيحة، وهو بدعة منكرة لم ينقل فيها شيء، وكذلك ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والسابع والشهر والسنة، فهو طامة.

وقال (113): ولا يتمسح بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يمس، وكذلك المنبر، ولكن يدنو من القبر فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو مستقبل القبلة يوليه ظهره. وقيل: لا يوليه ظهره ويصلي ركعتين قبل السلام عليه. وقيل: واسع أن يسلم عليه قبل أن يركع.

وتكلم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي الشهير بابن الحاج (المتوفى سنة 737هـ) في كتابه "المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات والتنبيه على بعض البدع والعوائد التي انتحلت وبيان شناعتها وقبحها" على عدد من البدع والمحدثات، وأطال في الرد على من أجاز بعض ذلك.

منها: الاحتفال بالمولد النبوي (2/ 2).

وزخرفة المساجد (2/ 214).

والمصافحة عقب الصلوات (2/ 219)، وعبارته في ذلك: وينبغي له أن يمنع ما أحدثوه من المصافحة بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر، وبعد صلاة الجمعة، بل زاد بعضهم في هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات الخمس، وذلك كله من البدع، وموضع المصافحة في الشرع إنما هو عند لقاء المسلم لأخيه، لا في أدبار الصلوات الخمس، وذلك كله من البدع، فحيث وضعها الشرع نضعها، فينهى عن ذلك ويزجر فاعله لما أتى من خلاف السنة. انتهى.

وعد من البدع كذلك: قراءة القرآن جماعة قبل الجمعة كما يفعل في المغرب اليوم (2/ 224 - 225)، ومما قال في ذلك: وينبغي له أن ينهى من يقرأ الأعشار وغيرها بالجهر، والناس ينتظرون صلاة الجمعة أو غيرها من الفرائض، لأنه موضع النهي لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجهر بعضكم على بعض ... بالقرآن»، ولا يظن ظان أن هذا إنكار لقراءة القرآن، بل ذلك مندوب إليه بشرط أن يسلم من التشويش على غيره من المصلين والذاكرين والتالين والمتفكرين وكل من كان في عبادة.

وعد من البدع كذلك: التسبيح بالليل، قبل آذان الفجر، كما جرت به عادة المغاربة، ويسمى في بعض المناطق (التَّهْلال)، وهذه عبارته (2/ 248): وينهى المؤذنين عما أحدثوه من التسبيح بالليل، وإن كان ذكر الله تعالى حسنا سرا وعلنا، لكن لا في المواضع التي تركها الشارع صلوات الله عليه وسلامه، ولم يعين فيها شيئا معلوما.

وقد رتب الشارع صلوات الله عليه وسلامه للصبح أذانا قبل طلوع الفجر وأذانا عند طلوعه، وإن كان المؤذنون في هذا الزمان يؤذنون قبل طلوع الفجر، لكنهم يفعلون ذلك على سبيل الإخفاء لتركهم رفع الصوت به حتى لا يسمع.

وهذا ضد ما شرع الأذان له، لأن الأذان إنما شرع لإعلام الناس بالوقت ...

إلى أن قال (2/ 249): ثم العجب من أنهم يأتون بالأذان الأول للصبح الذي قبل طلوع الفجر، ويخفون ذلك، فإذا فرغوا منه رفعوا أصواتهم بما أحدثوه من التسبيح، فإنا لله وإنا إليه راجعون. السنة تخفى وغير ما شرع يظهر.

وقال (2/ 149): وكذلك ينبغي أن ينهاهم عما أحدثوه من صفة الصلاة والتسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند طلوع الفجر، وإن كانت الصلاة والتسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكبر العبادات وأجلها فينبغي أن يسلك بها مسلكها، فلا توضع إلا في مواضعها التي جعلت لها. ألا ترى أن قراءة القرآن من أعظم العبادات، ومع ذلك لا يجوز للمكلف أن يقرأه في الركوع، ولا في السجود، ولا في الجلوس، أعني الجلوس في الصلاة، لأن ذلك ليس بمحل للتلاوة.

وعد من البدع: تسحير المؤذنين في رمضان، كما يفعل بمغربنا اليوم (2/ 253). قال رحمه الله: وينهى المؤذنين عما أحدثوه في شهر رمضان من التسحير، لأنه لم يكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أمر به، ولم يكن من فعل من مضى، والخير كله في الاتباع لهم، كما تقدم.

وقال (2/ 255): اعلم أن التسحير لا أصل له في الشرع الشريف، ولأجل ذلك اختلفت فيه عوائد أهل الأقاليم فلو كان من الشرع ما اختلفت فيه عوائدهم.

ولما ذكر عادة المغاربة قال (2/ 255): وأما أهل الإسكندرية وأهل اليمن وبعض أهل المغرب فيسحرون بدق الأبواب على أصحاب البيوت، وينادون عليهم: قوموا كلوا. وهذا نوع آخر من البدع، نحو ما تقدم.

وقال بعدها: وأما بعض أهل المغرب فإنهم يفعلون قريبا من فعل أهل الشام، وهو أنه إذا كان وقت السحور عندهم يضربون بالنفير على المنار، ويكررونه سبع مرات، ثم بعده يضربون بالأبواق سبعا أو خمسا، فإذا قطعوا حرم الأكل إذ ذاك عندهم.

وعد من البدع: التكبير أثناء حمل الجنازة (2/ 263).

وذكر منها قراءة القرآن حال الدفن في المقابر، كما هو عمل المغاربة في بلدنا. قال (3/ 263): وينبغي أن لا يقرأ أحد إذ ذاك القرآن لوجهين: أحدهما: أن المحل محل فكرة واعتبار ونظر في المآل، وذلك يشغل عن استماع القرآن، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا}، والإنصات متعذر لشغل القلب بالفكر فيما هو إليه صائر، وعليه قادم.

الوجه الثاني: أنه لم يكن من فعل من مضى، وهم السابقون والقدوة المتبعون، ونحن التابعون، فيسعنا ما وسعهم، فالخير والبركة والرحمة في اتباعهم، وفقنا الله لذلك بمنه.

وقال (3/ 264) بعد أن ذكر أنه لا يجوز رفع القبور أكثر من تسنيمه الذي يعرف به ويمييز: وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما، فذلك يهدم ويزال، فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة وتشبيها بمن كان يعظم القبور ويعبدها، وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال: هو حرام.

وذكر من البدع كذلك الاجتماع ثلاث ليال بعد دفن الميت (3/ 276 - 278)، وهو الذي يسمى عندنا بعشاء الميت.

ومما قال (3/ 278): وكذلك يحذر مما أحدثه بعضهم من فعل الثالث للميت وعملهم الأطعمة فيه حتى صار عندهم كأنه أمر معمول به ويشيعونه كأنه وليمة عرس، ويجمعون لأجله الجمع الكثير من الأهل والأصحاب والمعارف، فإن بقي أحد منهم ولم يأت وجدوا عليه الوجد العظيم.

ثم إنهم لم يقتصروا على ذلك حتى يقرؤوا هناك القرآن العظيم على عوائدهم المعهودة منهم، بالألحان والتطريب الخارج عن حد القراءة المشروعة بسبب الزيادة والنقصان المتفق على تحريمهما، ويأتون مع ذلك بالفقراء يذكرون ويحرفون الذكر عن مواضعه على الترتيب المعروف عندهم، وبعضهم يزيد على ذلك، فيأتي بالمؤذنين يكبرون كتكبير العيد على ما مضى من عادتهم.

وقد صار هذا الحال في هذا الزمان أمرا معمولا به، حتى لو تركه أحد منهم لكثر فيه القيل والقال، فكيف لو أنكر ذلك.

ثم انضم إليه أنهم يتكلفون فيه التكليف الكثير، لأجل ما يحتاجونه من العوائد في ذلك.

ومنهم من يأتي بالواعظ إلى الرجال. ومنهم من يأتي بالواعظة إلى النساء، ويزيدون في أقوالهم وينقصون، ويحرفون بعض ذلك ويفهمون غير المراد، ويتفوهون بإطلاق أشياء لا ينبغي ذكرها على رؤوس الأشهاد، وقد تقدم ما في ذلك من الذم في أول الكتاب، وقد تقدم ما في الاجتماع للسماع، وما في السماع مما لا ينبغي، وتلك القبائح والمفاسد موجودة في الاجتماع الثالث والسابع وتمام الشهر وتمام السنة، وفي أي موضع فعل ذلك فيه، من بيت أو قبر أو غيرهما كل ذلك يمنع.

ومن أشهر علماء المالكية محاربة للبدع والمحدثات: العلامة الأصولي أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (المتوفى سنة 790هـ) في كتابه الاعتصام.

وهو أحسن مصنف على الإطلاق في بيان أصول البدع وقواعدها، والفرق بينها وبين المصالح المرسلة والاستحسان وغيرها مما لا تكاد تجده إلا فيه.

وقد أنكر فيه رحمه الله عددا من البدع، منها: الاجتماع عشية عرفة في المسجد للدعاء (2/ 302 - 341).

والاجتماع للذكر (1/ 19) (2/ 60 - 85 - 93 - 321 - 322).

والدعاء جماعة جهرا دبر الصلوات كما يفعل في بلدنا (2/ 241 - 251 - 259 - 262 - 464) وغيرها.

والاحتفال بالمولد النبوي (1/ 46).

والاستشفاء والتبرك بآثار الأولياء (2/ 286 - 287).

وتتبع آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - والمساجد المنسوبة إليه واتخاذها سنة (2/ 237 - 238 - 239).

والتثويب بالآذان (2/ 368 - 379 - 395) وغيرها.

وتخصيص الأيام الفاضلة بنوع من العبادة لم تشرع لها (2/ 294).

وتزويق المصاحف (1/ 320 - 352).

ودعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين (1/ 19 - 20).

وذكر السلاطين في خطبة الجمعة (2/ 341).

وزخرفة المساجد (1/ 352) (2/ 418) (3/ 65).

وسماع الصوفية (1/ 361).

والغناء والرقص بالذكر في الليل (2/ 85).

وقراءة القرآن جماعة (2/ 301 - 321 - 396).

والمصافحة بعد صلاة الصبح والعصر (1/ 353).

وقد شنع أبو إسحاق الشاطبي في الاعتصام (2/ 85) على الصوفية في اجتماعهم على الذكر تشنيعا عظيما، ومما قال: وذلك أنه وقع السؤال عن قوم يتسمون بالفقراء يزعمون أنهم سلكوا طريق الصوفية، فيجتمعون في بعض الليالي، ويأخذون في الذكر الجهري على صوت واحد، ثم في الغناء والرقص، إلى آخر الليل، ويحضر معهم بعض المتسمين بالفقهاء، يترسمون برسم الشيوخ الهداة إلى سلوك ذلك الطريق، هل هذا العمل صحيح في الشرع أم لا؟

فوقع الجواب: بأن ذلك كله من البدع المحدثات، المخالفة طريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وطريقة أصحابه والتابعين لهم بإحسان، فنفع الله بذلك من شاء من خلقه.

إلى أن قال (2/ 92 - 93): فهذه مجالس الذكر على الحقيقة، وهي التي حرمها الله أهل البدع من هؤلاء الفقراء الذين زعموا أنهم سلكوا طريق التصوف، فقلما تجد منهم من يحسن قراءة الفاتحة في الصلاة إلا على اللحن، فضلاً عن غيرها، ولا يعرف كيف يتعبد، ولا كيف يستنجي أو يتوضأ أو يغتسل من الجنابة. وكيف يعلمون ذلك وهم قد حُرموا مجالس الذكر التي تغشاها الرحمة، وتنزل فيها السكينة، وتحف بها الملائكة.

فبانطماس هذا النور عنهم ضلوا، فاقتدوا بجهال أمثالهم، وأخذوا يقرؤون الأحاديث النبوية والآيات القرآنية فينزلونها على آرائهم، لا على ما قال أهل العلم فيها. فخرجوا عن الصراط المستقيم، إلى أن يجتمعوا ويقرأ أحدهم شيئاً من القرآن يكون حسن الصوت طيب النغمة جيد التلحين تشبه قراءته الغناء المذموم، ثم يقولون: تعالوا نذكر الله، فيرفعون أصواتهم، ويُمشون ذلك الذكر مداولة، طائفة في جهة، وطائفة في جهة أخرى، على صوت واحد يشبه الغناء، ويزعمون أن هذا من مجالس الذكر المندوب إليها.

وكذبوا، فإنه لو كان حقاً لكان السلف الصالح أولى بإدراكه وفهمه والعمل به؟ وإلا فأين في الكتاب أو في السنة الاجتماع للذكر على صوت واحد جهرا عاليا، وقد قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55].

والمعتدون في التفسير هم الرافعون أصواتهم بالدعاء ...

إلى أن قال: وقد جاء عن السلف أيضاً النهي عن الاجتماع على الذكر، والدعاء بالهيئة التي يجتمع عليها هؤلاء المبتدعون. انتهى كلام الشاطبي.

وقال (2/ 322): وأما العادة فكالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان، فإن بينه وبين الذكر المشروع بونا بعيدا، إذ هما كالمتضادين عادة.

 

 


(1) رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 148) وأبو نعيم في الحلية (6/ 326) والبيهقي في المدخل إلى السنن (200)، والخلال في الجامع، كما الباعث لأبي شامة المقدسي (21)، وابن بطة في الإبانة (1/ 261) والهروي في ذم الكلام (3/ 115) وابن حزم في الإحكام (6/ 224 - 8/ 514)، وذكره الشاطبي في الاعتصام (1/ 132 - 174) وابن العربي في أحكام القرآن (3/ 1412 - 1413).

ومن البدع التي أبطلها الشاطبي في الاعتصام (2/ 396 - 441 - 466) زيادة "أصبح ولله الحمد" بعد آذان الصبح. كما يفعل المغاربة عندنا، ومما قال (2/ 396): وقد أحدث بالمغرب المتسمي بالمهدي (1) تثويباً عند طلوع الفجر وهو قولهم: "أصبح ولله الحمد" إشعاراً بأن الفجر قد طلع، لإلزام الطاعة، ولحضور الجماعة، وللغدو لكل ما يؤمرون به. فَمَحَّضَه هؤلاء المتأخرون تثويباً بالصلاة كالأذان. ونقل أيضاً إلى أهل المغرب الحزب المحدث بالإسكندرية، وهو المعتاد في جوامع الأندلس وغيرها، فصار ذلك كله سنة في المساجد إلى الآن، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وألف محمد بن أحمد الرهوني (المتوفى سنة 1230هـ) رسالة في بدعة الهيللة، أي قول: لا إله إلا الله عند حمل الجنازة، كما جرت به عادة المغاربة، وأبطل قول من أجاز ذلك. والرهوني رحمه الله أحد متأخري المالكية الكبار الذي وقع الاتفاق على جلالته وإمامته.

وسمى كتابه: التحصن والمنعة ممن اعتقد أن السنة بدعة (2).

وقد أبطل فيه بدعة الهيللة مع الجنازة، ورد على من أجاز ذلك (3).

وانتصر للرهوني محمد كنوني المذكوري، فقد سئل الشيخ عن الهيللة

مع الجنازة فقال: إن ذلك بدعة ابتدعها الناس وإنها لم تكن في عهد

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد الخلفاء الراشدين.

ثم نقل كلام الرهوني في حاشيته على مختصر خليل في تأييد ذلك، وأحال على كتاب الرهوني المتقدم.

ثم أيد الشيخ كلام الرهوني بكلام طويل، قال رحمه الله (31 - 32): ومن تأمل كلام الشيخين المذكورين وأنصف، ظهر له أن الحق مع ما ذهب إليه الشيخ الرهوني، لأنه ليس من عمله - صلى الله عليه وسلم - ولا عمل الخلفاء الراشدين.

بل ونحن نؤيد كلام الرهوني فنقول: إن الله تعالى أرشد عباده في كتابه العزيز في مثل هذه النازلة بقوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:59] فلما رجعنا إلى كلامه تعالى وجدناه يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7]، ويقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21]، ويقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، فلما بحثنا عن فعله - صلى الله عليه وسلم - في مسألتنا، وجدنا أنه هو الصمت والتفكر

 


(1) أي: المهدي بن تومرت.
(2) طبع هذا الكتاب على الحجر بفاس سنة: 1309 هـ.
ويوجد مخطوطا بخزانة تطوان (606)، والخزانة العامة (2895د/1)، مؤسسة علال الفاسي (480)، وعندي نسخة مصورة منه.
(3) ورد على الرهوني في كتابه هذا: عبد العزيز بن محمد بناني في: تأليف في الذكر عند تشييع الجنازة، يوجد بالخزانة الملكية (12434). وهو رد ضعيف.
وكذا رد على الرهوني: أحمد بن المواز بكتاب حجة المنذرين، طبع على الحجر بفاس، ورد عليه العابد بن عبد الله الفاسي، ورد عليه أبو عبد الله الرافعي الجديدي، وأيده القرى، كذا في التأليف ونهضته بالمغرب لعبد الله الجراري (138).
وانتصر له محمد كنوني المذكوري، كما سيأتي.

والاعتبار، ولم يثبت عنه ولا عن أصحابه فيما بلغنا، أنهم كانوا يجهرون بالذكر عند حمل الجنازة، كما بحثنا عن قوله فوجدناه يقول في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة (1).

وبهذا نقول، وهو اعتقادنا في مثل هذه المسألة مما لا دليل عليه من كتاب الله ولا من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما الاعتماد فيها على الأعراف والعادات وعلى المرائي وقول فلان وفعل فلان، مع أن قول وفعل غير المعصوم ليس بحجة كما هو واضح، اللهم وفقنا لاتباع كتابك وسنة رسولك، ووفق الأمة الإسلامية لهذا المنهاج القويم والصراط المستقيم. آمين، والحمد لله رب العالمين.


(1) رواه أبو دواد (4607) والترمذي (2676) وابن ماجه (1/ 16) وأحمد (4/ 126) والدارمي (1/ 48) والحاكم (1/ 174) والبيهقي في السنن (10/ 114) والاعتقاد (229) وابن حبان في صحيحه (1/ 104) وابن أبي عاصم في السنة (26) والبغوي في شرح السنة (102) والطبراني في الكبير (18/ 248 - 249 - 257) وغيرهم.
وصححه كثيرون، منهم ابن عبد البر وأبو نعيم وابن حبان وابن حجر.
انظر الصحيحة (937) وإرواء الغليل (8/ 108) وبصائر ذوي الشرف (67).

وممن ألف في بيان بدعية الذكر مع الجنازة: محمد بن أحمد بن عبد الله الرباطي (ت 1383هـ)، له الصارم المسلول على مخالف سنة الرسول في الرد على من استحسن بدعة الذكر جهرا في تشييع الجنازة. كما في إسعاف الإخوان (159) لمحمد بن الفاطمي السلمي المعروف بابن الحاج.

وممن ألف في بدعة الهيللة مع الجنائز كذاك: الشيخ العلامة عبد الرحمان محمد النتيفي الجعفري الزياني (المتوفى سنة 1385هـ)، له: القول الفائز في عدم التهليل وراء الجنائز.

مخطوط خاص.

وممن جزم ببدعية الذكر مع الجنازة العلامة ابن لب المالكي الأندلسي (المتوفى سنة 782هـ) حيث قال: السنة في اتباع الجنائز الصمت والتفكر والاعتبار ... فهكذا كان السلف الصالح وأتباعهم، واتباعهم سنة ومخالفتهم بدعة، وذكر الله والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمل صالح مرغب فيه في الجملة، لكن للشرع توقيت وتحديد في وظائف الأعمال، وتخصيص يختلف باختلاف الأحوال. المعيار المعرب للونشريسي (1/ 313 - 314).

وقال ابن لب كذلك: إن ذكر الله والصلاة على رسوله عليه السلام من أفضل الأعمال، وجميعه حسن، لكن للشرع وظائف وقتها وأذكار عينها في أوقات وقتها، فَوَضْعُ وظيفةٍ موضعَ أخرى بدعة، وإقرار الوظائف في محلها سنة، وتلقي وظائف الأعمال في حمل الجنائز إنما هو الصمت والتفكر والاعتبار، وتبديل هذه الوظائف بغيرها تشريع ومن البدع في الدين. المعيار المعرب للونشريسي (1/ 314).

وعد أحمد بن خالد الناصري، (المتوفى سنة 1315هـ) في تعظيم المنة في نصرة السنة (1) (50) من البدع الهيللة أمام الجنازة.

وألف الفقيه محمد بن العربي عاشور الرشاي الرباطي الأندلسي المراكشي (المتوفى سنة 1261 هـ) رسالة في بدع ليلة عاشوراء بمراكش (2).

ذكر فيه جملة من المنكرات التي تقع في حفلة ليلة عاشوراء، كتشبه الرجال بالنساء، وتشبه الرجال باليهود والنصارى، وكالمحاكاة لأناس معينين، واتخاذ الصور، والغناء، وغير ذلك.

وألف القاضي أبو العباس أحمد بن القاضي الفلاني (المتوفى سنة 1025هـ) رسالة في ذم مناكير المآثم، مثل النياحة وضرب الخدود واجتماع النساء بدار الميت، ورفع الأصوات وغيرها، سماها: رد البدع الفاسدة (3).

وتكلم محمد بن عبد السلام بن ناصر الدرعي الناصري (ت1239هـ) عن عدد من بدع المتصوفة وأتباع الزاوية الناصرية، سماها: المزايا فيما حدث من البدع بأم الزوايا (4).


(1) سيأتي قريبا.
(2) مخطوط في الخزانة الملكية رقم (12584) - (12452). ...
وذكر ملخصه ابن ابراهيم في الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام (6/ 298 - 302).
والمخطوط (12584) يقع في 32 ورقة.
(3) مخطوط بالخزانة الحسنية رقم (12212 - 6833) ويقع في 16 صفحة.
(4) مخطوط بالحسنية (11038 - 4297 - 12013) والعامة (3548) ومؤسسة علال الفاسي (274 - 175).
وقد طبع بدار الكتب العلمية، بتحقيق عبد المجيد الخيالي، واعتمدت على النسخة رقم (11038 و4297).

والناصري صوفي، لكنه استنكر على إخوانه عددا من البدع والمحدثات.

ومن البدع التي نبه عليها: خروج الناس إلى المصلى في جماعات يهللون ويكبرون جماعة، وأن الواجب الذكر على الانفراد (ص 4أ).

وكذا الدعاء جماعة عند الرجوع من المصلى (4ب).

وزيارة القبور يوم العيد (4ب).

والمجيء بالزكاة للزاوية (5ب).

والذبيحة على الأشياخ بنية التقرب إليهم ولو سمى الله (7أ).

واجتماع الرجال والنساء للحضرة (8أ) (1).

وصرف الأحباس لغير مصارفها الشرعية (27ب).

والدعاء للسلاطين في العيد والجمعة (35ب).

ونبذ الحرث والتجارة (31ب).

وذكر أشياء كثيرة أغلبها محرمات.

وألف عبد السلام بن محمد السرغيني (ت1354هـ) رسالة صغيرة حظ فيها على السنة وحذر من البدع ونقل كلام أئمة السلف في التحذير من


(1) كل ما تقدم هو من النسخة رقم: 10380، وما بعدها من النسخة الأخرى.

البدع وأهلها، ونص على جملة من مناكير المواسم وغيرها، سماها: مسامرة في الانتصار للسنة وقمع البدعة (1).

وهي عبارة عن محاضرة قيمة ألقاها بنادي المسامرات بالمدرسة العليا الإدريسية بفاس.

وساق رسالة المولى سليمان في إنكار البدع والأضرحة، وكلاما لأحمد الناصري في إنكار عدد من البدع.

وألف كذلك أحمد بن خالد الناصري، (المتوفى سنة 1315هـ) صاحب الاستقصا كتابا حافلا في إنكار البدع والمحدثات، سماه: تعظيم المنة في نصرة السنة (2).

وسبب تأليفه للكتاب أنه قرر أن الذكر بالاسم المفرد بدعة لا تجوز فرد عليه بعض الصوفية، فرد عليهم بهذا الكتاب.

وقد نبه فيه على بدع كثيرة، منها:

الذكر الجماعي عقب الصلاة (28).

ورقص الفقراء حول الميت بعد تغسيله (49 ب).

والهيللة أمام الجنازة (50).

وذكر من البدع كذلك: اتخاذ القبور مساجد (62).

واتخاذ البوق والمزمار بالمآذن (69).

ورواية حديث من لغا فلا جمعة له يوم الجمعة، كما جرت به العادة ببلدنا (111).

ومساعدة النصارى في أعيادهم ببيع الثوب والأكل لهم ونحوه (133).

وذكر أشياء أخرى ستأتي ضمن الفصل الخاص بالصوفية.

وأقتصر على نقل واحد منه، قال: سئل الشيخ أبو الحسن سيدي علي ابن هارون عن مسألة قول لا إله إلا الله محمد رسول الله عقب الصلوات، هل ذلك بدعة مستحسنة؟

فأجاب بما نصه: إن الذكر مطلوب ومندوب إليه، ومرغب فيه، والإكثار منه، وترتيبه بعد الصلوات يذكرون بصوت واحد من البدع التي ينهى عنها، لما يتطرق إليها من الزيادة في الدين ما ليس منه، ولم يكن هذا في الصدر الأول فيجب قطعه.

وفي المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب لأحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي المتوفى سنة (914 هـ) التنبيه على عدد من البدع والمخالفات والمحدثات، وخصوصا محدثات المتصوفة ومن البدع التي نبه عليها:

الدعاء إثر الصلاة. (1/ 283).

ورواية الحديث (2/ 485).

 


(1) طبع على الحروف بفاس، ثم طبع بعد ذلك، وهي تقع في 44 صفحة.
(2) منه عدة نسخ مخطوطة بالخزانة العامة، رقم (66 - 530 د) والصبيحية، رقم (346)، وبخزانة أبي خبزة.

ونقل عن الشاطبي المنع من قراءة الحزب جماعة (11/ 112) (1).

وذكر عن أبي سعيد بن لب المنع من الذكر أمام الجنازة. وقد تقدم.

ونقل عن الشاطبي (1/ 323 - 327) المنع من قراءة القرآن في القبور.

ونقل (11/ 113) قول الشاطبي في المنع من الدعاء جماعة في أدبار الصلوات.

وعد من البدع البناء على القبور وتجصيصها وشد الرحال إلى زيارتها (11/ 152).

والاحتفال بالسنة الميلادية (11/ 150).

وغيرها من البدع (2).

وأقتصر في هذا المقام على نقل ثلاثة فتاوى:

الأولى: حول حديث الإنصات الذي جرت به عادة المغاربة، واعتبروه جزءا لا يتجزأ من المذهب المالكي.

والثانية: في عدم جواز الزيادة على المشروع في العبادات، ووجوب الاقتصار على ما ورد في النصوص الثابتة في السنة المطهرة.

والثالثة: في حكم الاجتماع عند موت الميت.


(1) ونقل صاحب المعيار عن آخرين إجازة ذلك.
(2) جمعها إسماعيل الخطيب في المختار من تعظيم المنة والمعيار في بدع العبادات والعادات والطرقية. طبعة الهداية بتطوان.

الفتوى الأولى: نقل الونشريسي في المعيار المعرب عن أبي عبد الله محمد بن عبد المومن التازي (2/ 485) قوله: ومنها قول بعد الناس ما أحدث من النداء عند إرادة الخطيب أن يخطب بقوله: روى مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت» (1). أنصتوا رحمكم الله.

ابن الحاج (2): والعجب من بعض الناس أنهم ينكرون على مالك رحمه الله تعالى أخذه بعمل أهل المدينة واستحسنوا هذا الفعل، واحتجوا على صحته بأنه من عمل أهل الشام وعادتهم المستمرة. انتهى.

واستمر عمل تلمسان على رواية هذا الأثر واستمر عمل فاس على تركه، وهو الصواب إن شاء الله. انتهى.

فانظر كيف يقرر هذا الإمام المالكي بأن الصواب ترك رواية حديث الإنصات يوم الجمعة، الذي تلزم به وزارة الأوقاف المغربية جميع المساجد، وتعتبر الالتزام به من أهم المهمات، والإخلال به من أسباب التوقيف والإقالة من العمل.

وقرر الإمام أبو إسحاق الشاطبي المالكي بدعية هذا العمل كذلك ...

الفتوى الثانية: قال الونشريسي في المعيار المعرب (1/ 148 - 149): وسئل - أي العلامة ابن لب - عن قارئ قرأ في الاشفاع في رمضان، فلما بلغ سورة والضحى أخذ يقول آخر كل سورة: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، فأنكر عليه ذلك فقال: كذلك أفعل وأزيد منه، وظهر منه عناد كبير.

فأجاب: إن ذكر الله حسن، وفيه الأجر والثواب، لكن على طريقة الاقتداء والاتباع، لا على مقتضى الأهواء والابتداع.

ومن الكلمات الجامعة لخير الدنيا والآخرة: اتبع لا تبتدع، اتضع لاترتفع، من ورع لا يتسع.

أفيحسن أن يعوض من قراءة الصلاة ذكر غيرها أو شغل المأموم بالذكر عن سماعه قراءة الإمام في الجهر؟!

وللعبادة ووظائف الطاعات حدود وخصوص وأحوال وشروط، والقراءة سنة تتبع، وطريقة هي المورد والمشرع، ولا يجوز فيها العدول عما روي إلى غيرها، والخروج عما دخل في باب المروي وصح في نقله، وخلاف ذلك بدعة وضلالة، وتنقص لما درج عليه السلف من سنة القراءة.

ولقد كان بعض المعلمين للقراءة هنا يأمر الصبي في بدء القراءة بالاستعاذة والبسملة وزيادة الصلاة على الرسول عليه السلام قبل الشروع في القراءة، فسمع بذلك الشيخ شيخ الإسلام في عصره أبو إسحاق بن العاصي،

 


(1) رواه الشيخان.
(2) المدخل (2/ 268).

فاستحضر المعلم وأغلظ له في القول على تلك الزيادة، حتى ربما أقسم له إن عاد إلى مثل ذلك ليوجعنه بالسياط ضربا، فانتهى الرجل.

وهكذا ينبغي أن يفعل بذلك المبتدع المذكور، فإن انتهى وإلا فيجب تأخيره عن الإمامة وهجره وأخذه بما يكره ويسوؤه.

والحق واضح، والطريق لاحب لائح، والناكب عنه هالك. انتهى.

فتأمل تقرير هذا الإمام المالكي السنة، ورده للبدع التي لا دليل عليها من كتاب ولاسنة.

الفتوى الثالثة: قال أبو إسحاق الشاطبي: قال الطرطوشي: فأما المآثم فممنوعة بإجماع العلماء، والمآثم هو الاجتماع في المصيبة، وهي بدعة منكرة، ولم ينقل فيه شيء، وكذلك ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والرابع والسابع والشهر والسنة، فهو طامة ... إلى آخر كلامه. المعيار (1/ 328).

وتكلم العلامة أبو القاسم محمد بن علي بن خجو الحساني (ت956هـ) في شرح نظم بيوع ابن جماعة (1) عن عدد من المخالفات التي سماها بدعا، وأغلبها محرمات.

وذكر ابن خجو فيها جملة.

منها: اختلاط الرجال والنساء في الأعراس وغيرها والنياحة وضرب الخدود وشق الجيوب وحلق الشعر ورفع الصوت بالويل والثبور.

وذكر من البدع كذلك: الوسم، وذبح الحيوان على رجل المريض، واقتناء دم الأضاحي للتداوي والتبرك وجعل العجين والدقيق أو الملح في فم الأضحية.

وذكر منها كذلك: إظهار العورة، والتطير، وترك العمل يوم الحسوم وغيره، ومنع الزكاة وإطعامها لمن يريد.

وذكر منها اتخاذ الجهال قدوة في الدين.

وذكر من البدع المذمومة شد الرحل لزيارة غير المساجد الثلاثة.

ومما قال: فمن أقام الرحلة للصلاة في مسجد من المساجد غير المساجد المذكورة فإنه مبتدع، وإن تواطأ على ذلك قوم، وليس هناك قبر ولي يزار، فليمنعوا ويقاتلوا على ذلك.

وذكر من البدع تزين الرجال بزينة النساء كالصبغ بالحناء في أيديهم وأرجلهم، وجعل الأخراص في آذانهم وغير ذلك.

وقال: ومن البدع المحرمة التعظيم للأحجار والتداوي بها.

وعد من البدع: الكهانة.

وتكلم العلامة المكي الناصري في إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة (20 - 21) على وجوب اتباع السنة وترك البدع المحدثات بكلام جيد قوي، أقتطف منه قوله: ومنهم من لم يرضوا بالشرع المبين، فابتدعوا أحكاما في الدين وشرعوا واجبات وسننا ومستحبات واخترعوا عبادات وقربات، لم يأت بها الإسلام ولا عهد له بها، كأن الله تعالى ترك لنا ديننا ناقصا فأكملوه,

 


(1) مخطوط بمؤسسة علال الفاسي، رقم (378). والعامة رقم (917ق).
وقد اعتمدت على نسخة علال الفاسي.

وأودع لنا فيه سبحانه بعض الفساد فلم يوافقوا عليه وأصلحوه، أو لم ينزل على رسوله يوم حجة الوداع تلك الآية الكريمة المشيرة إلى إكمال هذا الدين الإسلامي {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3] أو لم يقل رسوله في خطبته فيها: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي» (1).

أو لم يتم تبليغ رسالته فهم أتموها لنا، أو كتم أو أسر شيئا من الدين كما يزعمون، تعالى الله عما يقولون، وتنزه رسوله عما يأفكون.

مسألة قراءة القرآن جماعة:

صح عن الإمام مالك رحمه الله إنكار قراءة القرآن جماعة، وتابعه على هذا عدد من علماء المالكية، وأبى ذلك آخرون، وأجازوا قراءة القرآن جماعة.

ومن النصوص المأثورة عن الإمام مالك في ذلك:

قال محمد العتبي الأندلسي المالكي (المتوفى سنة 255هـ) في العتبية (1/ 298): قال ابن القاسم: قال مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية، فكره ذلك وأنكر أن يكون من فعل الناس. انتهى.

قال ابن رشد في البيان والتحصيل (1/ 298): إنما كرهه لأنه أمر مبتدع ليس من فعل السلف، ولأنهم يبتغون به الألحان وتحسين الأصوات بموافقة بعضهم بعضا وزيادة بعضهم في صوت بعض على نحو ما يفعل في الغناء، فوجه المكروه في ذلك بَيِّن، والله أعلم.

وقال محمد العتبي الأندلسي المالكي كذلك في العتبية (1/ 242): وسئل عن القراءة في المسجد فقال: لم يكن بالأمر القديم، وإنما هو شيء أحدث، ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، والقرآن حسن.

قال ابن رشد في البيان والتحصيل (1/ 242): يريد أن التزام القراءة في المسجد بإثر صلاة من الصلوات أو على وجه ما مخصوص حتى يصير ذلك كأنه سنة مثل ما يفعل بجامع قرطبة إثر صلاة الصبح، فرأى ذلك بدعة، وأما القراءة على غير هذا الوجه فلابأس بها في المسجد ولا وجه لكراهيتها ... إلى آخر كلامه.

وقال محمد العتبي الأندلسي المالكي كذلك في العتبية (2/ 17): وسئل عن دراسة القرآن بعد صلاة الصبح في المسجد، يجتمع عليه نفر فيقرؤون في سورة واحدة، فقال: كرهها مالك ونهى عنها ورآها بدعة.

وكرر مالك نفس الشيء كما في العتبية كذلك (18/ 349 - البيان والتحصيل) وقال: لا يعجبني ولا أحبه، واحتج بقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204].

وذكر الطرطوشي في الحوادث والبدع (117 - 118) قراءة القرآن جماعة ضمن البدع، غير أنه أجازه بالإدارة أي: أن يقرأ هذا، ثم يقرأ الذي بعده، فهذه غير داخلة في القراءة جماعة.

ونقل (118) من مختصر ما ليس في المختصر لابن شعبان قول مالك: والذين يجتمعون ويقرؤون سورة واحدة حتى يختموها، يختمها كل واحد على إثر صاحبه مكروه منكر، ولو قرأ أحدهم منها آيات، ثم قرأ الآخر على إثر صاحبه، والآخر كذلك، لم يكن به بأس، هؤلاء يعرضون بعضهم على بعض.

وسئل أبو إسحاق الشاطبي عن قراءة الحزب بالجمع هل يتناوله قوله عليه السلام: «ما اجتمع قوم في بيت». الحديث كما وقع لبعض الناس أهو بدعة؟

فأجاب: إن مالكا سئل عن ذلك فكرهه، وقال: هذا لم يكن من عمل الناس. وفي العتبية: سئل عن القراءة في المسجد يعني على وجه مخصوص كالحزب ونحوه، فقال: لم يكن بالأمر القديم، وإنما هو شيء أحدث، يعني أنه لم يكن في زمان الصحابة والتابعين، قال: ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها. وقال في موضع آخر: أترى الناس اليوم أرغب في الخير ممن مضى؟ يعني أنه لو كان في ذلك خير لكان السلف أسبق إليه، يدل على أنه ليس بداخل تحت معنى الحديث. المعيار (11/ 112).

وقال في الاعتصام (2/ 396): وقد أحدث بالمغرب المتسمي بالمهدي تثويباً عند طلوع الفجر وهو قولهم: "أصبح ولله الحمد" إشعاراً بأن الفجر قد طلع، لإلزام الطاعة، ولحضور الجماعة، وللغدو لكل ما يؤمرون به. فَمَحَّضَه هؤلاء المتأخرون تثويباً بالصلاة كالأذان. ونقل أيضاً إلى أهل المغرب الحزب المحدث بالإسكندرية، وهو المعتاد في جوامع الأندلس وغيرها، فصار ذلك كله سنة في المساجد إلى الآن، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقال (2/ 301) عادًّا البدع الإضافية: ومن ذلك قراءة القرآن بهيئة الاجتماع. وانظر (2/ 321).

وممن اختار المنع من قراءة القرآن مفتي رابطة علماء المغرب العلامة محمد كنوني المذكوري، وأيده الأمين العام للرابطة علامة المغرب بغير منازع عبد الله كنون.

 


(1) أخرجه مالك بلاغا (رقم 1594) ووصله الحاكم (1/ 171) والمروزي في السنة (26) والبيهقي في الاعتقاد (228) وفي دلائل النبوة (5/ 449) من طريق ابن أبي أويس حدثني أبي عن ثور بن يزيد الديلي عن عكرمة عن ابن عباس.
وسنده فيه ضعف: إسماعيل بن أبي أويس فيه لين، كما في الميزان، وأبوه فيه ضعف كذلك.
ورواه ابن عبد البر في التمهيد (24/ 331) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده.
وكثير متروك، كما في الميزان والتهذيب.
ورواه الحاكم (1/ 172) وابن عبد البر (24/ 331) والعقيلي في الضعفاء (2/ 250) من طريق صالح بن موسى الطلحي عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة.
وصالح الطلحي ضعيف جدا، كما في الميزان.
وله شواهد، منها عن عروة مرسلا، رواه البيهقي في الدلائل (5/ 448)، وفي سنده ابن لهيعة.
ومنها عن موسى بن عقبة مرسلا، رواه البيهقي في الدلائل (5/ 448).
والحديث حسنه الألباني في تخريج المشكاة (1/ 66)، وانظر السلسلة الصحيحة (4/ 361) وبصائر ذوي الشرف للهلالي (137).

قال محمد كنوني في جوابه على أسئلة وردت على الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب: الجواب عن السؤال العاشر: حول قراءة القرءان بالصفة الجماعية، على النحو الذي يفعله قراؤنا.

والجواب هو أن الله تعالى يقول: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون، لذلك كان السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم، لا يقرأون مثل هذه القراءة المسؤول عنها، بل يقرأ الواحد ويستمع الباقون، وذلك بإجادة التلاوة وإجادة الاستماع، فيدخل الجميع في رحمة الله، وقد روى لنا من ذلك صورة فريدة، أبو عبد الله البخاري، وكذلك مسلم من حديث الأعمش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اقرأ علي»، فقلت يا رسول الله، اقرأ عليك وعليك أنزل، قال: «نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري»، فقرأت سورة النساء، حتى أتيت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً} [النساء:41]. فقال: حسبك الآن، فإذا عيناه تذرفان (1)، قال الحافظ ابن كثير: وقد روي من طرق متعددة عن ابن مسعود، فهو مقطوع به عنه، ورواه أحمد من طريق أبي حيان (2) وأبي رزين (3) عنه. اهـ


(1) رواه البخاري (4306 - 4762 - 4768) ومسلم (800) وأبو داود (3668) والترمذي (3025) وأحمد (1/ 380 - 432) وابن حبان (735) وابن أبي شيبة (6/ 155) وأبو يعلى (5228) والبزار (1510 - 1564) والطبراني في الكبير (9/ 80) عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله.
(2) مسند أحمد (1/ 374).
(3) مسند أحمد (1/ 374).

فهذه الصورة هي السائدة عند السلف الصالح، ولا زال العمل جاريا بها في المشرق، ولكن العمل في المغرب جرى بالاجتماع للقراءة في المساجد وغيرها، ومن المقرر المعلوم أن الإمام مالكا رحمه الله يقول بكراهة ذلك حيث قال: ليست القراءة في المساجد من الأمر القديم، وإنما هو شيء أحدث، ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها.

واستشهد الإمام المازري بحديث الصحيح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن

عنده» اهـ (1)، حيث قال: ظاهر الحديث يبيح الاجتماع لقراءة القرآن في المساجد، وإن كان مالك كره ذلك في المدونة، لأنه لم ير السلف يفعلونه مع حرصهم على اتباع السنة، ولعله من البدع الحسنة كقيام رمضان وغيره اهـ.

وقد نقل الفقهاء عن صاحب المعيار قوله بالجواز وتعضده الآثار الصحيحة وكرهه مالك، وبجوازه جرى العمل اهـ.

وقال ابن لب: وبقراءة الحزب في الجماعة جرى العمل، وعليه الجمهور، وذكر ابن هلال أنه بدعة، وأن بعض المتأخرين ذكر أنه جرى به العمل دون كراهة اهـ.

ولو تتبعنا كلام الفقهاء لطال بنا الحال لكثرة القيل والقال، فتبين مما سطرناه عمل السلف وعمل الخلف.

ولكن هذا القلم المتواضع يسطر هاهنا ملاحظة لم يشر لها أحد فيما وقفنا عليه من كلامهم، وهي ما يفوت القارئ في الجماعة من بعض الآيات عند تنفسه أو تنحنحه أو سعاله أو أي عارض آخر يعرض له.

وهذا العارض لا يختص به واحد، بل الجميع فيه سواء وهكذا يسري هذا الخلل عند جميع القراء وفي جميع القرآن، وهذا أمر معلوم عندهم بالضرورة.

وتارة يطرأ هذا العارض عند رأس الآية أو في وسطها أو بين الحروف فيما إذا كان هناك مد مثلا، وهناك يقع الفصل بين الجميع.

والذي ينبغي الأخذ به هو عمل السلف الصالح، ومنهم الإمام مالك رضي الله عن الجميع.

هذا مع احترامنا لساداتنا الفقهاء ومذاهبهم وآرائهم ما دام الكل يسعى لمصلحة الأمة الإسلامية وشريعتها الغراء.

وقبل إلقاء القلم، أنبه القارئ أني أعلم ما قاله بعض الفقهاء مما يخالف بعض ما سطرته في أجوبتنا هذه، ولكنني آثرت ما كتبته آخذا من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو أخبار وآثار السلف الصالح الذين هم أقرب عهدا وأصح سندا بالنسبة لمصدري التشريع الإسلامي الذي هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقربهم من القرون الثلاثة.

وإني وإن كنت أحب السابقين واللاحقين، فأنا كما قال القائل:

ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا ... بكاها فقلت الفضل للمتقدم

وإنني أشكر السائل الفاضل الذي أثار هذه المسائل التي أخذها من واقع الشعب وصميمه، كما أوجه شكري إلى أخينا العالم الجليل السيد عبد الله كنون المشرف على جريدة الميثاق والتي يوجهها توجيها دينيا، نحن في حاجة أكيدة إليه، سيما في هذا العصر الذي قل فيه الناصر لدين الله، وفق الله جهود المصلحين المخلصين. قاله وكتبه قليل الاطلاع قصير الباع، راد العلم إلى الله. محمد كنوني المذكوري.

ومنع الشيخ في نفس الفتاوى (71) تقسيم البدع مطلقا إلى خمسة أقسام.

وعد من البدع المكروهة كراهة شديدة: الختمة على الميت (72).

ومن البدع المكروهة كراهة تنزيه: المصافحة بعد أدبار الصلوات.

وجزم ببدعة الهيللة مع الجنازة، وقد تقدم كلامه.

 


(1) رواه مسلم (2699) وأبو داود (1455) والترمذي (2945) وابن ماجه (225) وأحمد (2/ 252) وابن حبان (768) وغيرهم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة.

  • الخميس AM 06:01
    2022-07-14
  • 3468
Powered by: GateGold