المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409110
يتصفح الموقع حاليا : 335

البحث

البحث

عرض المادة

علماء المغرب والقبورية

أعني بالقبورية: المبالغة في تعظيم القبور والتمسح بها وبناء القباب عليها، وقد اشتهر في العصر الحديث أن الدعوة الوهابية- كما يحلو للبعض أن يسميها- من أعظم الدعوات محاربة لها، لكن ليس هذا الموقف خاصا بدعوة محمد بن عبد الوهاب، بل درج علماء المغرب على الإفتاء بذلك قبل ظهور الدعوة الوهابية بأزمان.

بل هذا إمام المذهب مالك بن أنس رحمه الله قد صح عنه من وجوه النهي عن تشييد القبور والبناء عليها وتجصيصها وغير ذلك، وبالغ في النهي عن المبالغة في تعظيم قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - والتمسح به، وحذر من تتبع الآثار والمشاهد، ونهى عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، ونهى عن التوسل بغير الله.

وقد فصلت الكلام حول هذا في رسالتي: "عقيدة الإمام مالك". وأكتفي هنا بنقل واحد عن الإمام مالك وأتبعه بأقوال بعض أئمة المذهب.

قال مالك: أكره تجصيص القبر والبناء عليه، وهذه الحجارة التي يبنى عليها. المدونة (1/ 170).

قال سحنون معلقا: فهذه آثار في تسويتها فكيف بمن يريد أن يبني عليها. انتهى.

فهذا نهي صريح من إمام المذهب عن البناء على القبور وتجصيصها، كما يفعل أهل الجهالة والصوفية في بلدنا.

وأنصح بالرجوع إلى الرسالة المذكورة ففيها من النقول عن الإمام مالك ما يشفي العليل، ويروي الغليل.

وقد تابعه على هذا كثير من أتباع مذهبه، فمن ذلك:

قال محمد العتبي (المتوفى سنة 255هـ) في المستخرجة (2/ 254 - شرحها البيان والتحصيل): وسئل ابن القاسم عن قول عمر عند موته: ولا تجعلوا علي حجرا؟ قال: ما أظن معناه إلا من فوق على وجه ما يبنى على القبر بالحجارة. وقد سألت مالكا عن القبر يجعل عليه الحجارة يرصص بها عليه بالطين؟ وكره ذلك، وقال لا خير فيه، وقال: لا يجير ولا يبنى عليه بطوب ولا حجارة.

وقال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة (70): ويكره البناء على القبور وتجصيصها.

وقال النفراوي في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 427): وكما يكره البناء على القبور على الوجه المذكور يكره تجصيصها، أي: تبييضها.

وقال العدوي في حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني (1/ 422): قوله: "ويكره البناء على القبور" أي: كقبة أو بيت أو سقف، وكذا حواليه لما فيه من التفضيل على الناس.

وقال ابن أبي زيد القيرواني في النوادر (1/ 652): من العتبية (1) من سماع ابن القاسم: وكره مالك أن يرصص على القبور بالحجارة والطين، أو يبنى عليها بطوب، أو حجارة، قال: وكره هذه المساجد المتخذة على القبور، فأما مقبرة داثرة يبنى فيها مسجد يصلى فيه لم أر به بأسا، وكره ابن القاسم أن يجعل على القبر بلاطة ويكتب فيها، ولم ير بالحجر والعود والخشبة بأسا، يعرف الرجل به قبر وليه، ما لم يكتب فيه، ولا أرى قول عمر: ولا تجعلوا على قبري حجرا، إلا أنه أراد من فوقه على معنى البناء. ومن كتاب ابن حبيب: ونهي عن البناء عليها والكتاب والتجصيص وروى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ترفع القبور، أو يبنى عليها، أو يكتب فيها، أو تقصص. وروي تجصص، وأمر بهدمها وتسويتها بالأرض، وفعله عمر، قال ابن حبيب: تقصص، أو تجصص يعني تبيض بالجير، أو بالتراب الأبيض، والقَصَّة الجير وهو الجص ... انتهى.

وقال محمد العتبي في البيان والتحصيل (2/ 254): وسئل ابن القاسم عن قول عمر عند موته ولا تجعلوا علي حجرا قال: ما أظن معناه إلا من فوق على وجه ما يبنى على القبر بالحجارة، وقد سألت مالكا عن القبر يجعل عليه الحجارة يرصص بها عليه بالطين وكره ذلك، وقال: لا خير فيه. وقال: لا يجير ولا يبنى عليه بطوب ولا بحجارة.

وقال خليل في المختصر (55): وتطيين قبر أوتبييضه وبناء عليه، أو تحويز وإن بوهي به حرم وجاز للتمييز كحجر، أو خشبة بلا نقش.

وقال أبو العباس القرطبي في المفهم (2/ 626) معلقا على حديث جابر - رضي الله عنه -: نهى أن يجصص القبر ويبنى عليه، وبظاهر هذا الحديث قال مالك، وكره البناء والجص على القبور، وقد أجازه غيره وهذا الحديث حجة عليه.

وتكلم الإمام أبو عبد الله القرطبي عن مسألة اتخاذ القبور مساجد وشدد في المنع، وحرم المبالغة في تشييد القبور وتعلية بنائها. قال رحمه الله في تفسيره (10/ 247 - 248): فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه، ممنوع لا يجوز ... قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد.

وقال بعد أن أورد حديث الأمر بتسوية القبور: قال علماؤنا: ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة، وقد قال به بعض أهل العلم وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ... وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما فذلك يهدم ويزال فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبها بمن كان يعظم القبور ويعبدها. وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال هو حرام. انتهى.

فليتأمل القارئ هذا الكلام ما أصرحه في إبطال القبورية وصورها، وما أشده على القبوريين والخرافيين.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 168) معلقا على حديث قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد: هذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء والصالحين مساجد.

وكلام المالكية في هذا الباب كثير جدا يتعذر استقصاؤه، وفي ما ذكرت كفاية، ويراجع له شروح مختصر خليل وشروح الرسالة.

وهذا الإمام أبو الوليد ابن رشد (المتوفى سنة: 520 هـ)، وهو أحد أشهر علماء المالكية وفقهائها الكبار.

قال ابن فرحون في الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (2/ 238) في ترجمته: زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب، ومقدمهم، المعترف له بصحة النظر، وجودة التأليف، ودقة الفقه. وكان إليه المفزع في المشكلات بصيراً بالأصول والفروع، والفرائض، والتفنن في العلوم. وكان الدراية أغلب عليه من الرواية، كثير التصانيف مطبوعها. انتهى.

هذا الإمام يرى وجوب هدم القباب والسقائف المبنية على القبور كما هو رأي علماء الدعوة الوهابية:

قال الونشريسي في المعيار المعرب (1/ 318): وأفتى ابن رشد بوجوب هدم ما بني في مقابر المسلمين من السقائف والقبب والروضات.

وقال الونشريسي في المعيار كذلك (7/ 468): وسئل - أي الإمام ابن رشد- عما ابتدع من بناء السقائف والقبب والروضات على مقابر الموتى، وخولفت فيه السنة، فقام بعض من بيده أمر فهدمها وغيرها وحط سقفها وما علا من حيطانها إلى حد جذورها، هل يلزم أن يترك من جداراتها ما يدفع دخول الدواب فيها أم لا؟ قطعا للذريعة، ولا يترك منها إلا ما أباحه أهل العلم من الجدار اليسير ليتميز به قبور الأهل والعشائر للدفن، وكيف إن قال بعضهم: لبقاء جداري منفعة لصيانة ميتي لئلا يتطرق إليه بالحدث عليه، لا سيما ما كان منها بقرب العمران؟ وهل عذر يوجب أن يترك عليها من الجدرات أقل ما يمنع هذا أم لا؟ لأن الضرر العام بظهور البدعة في بنائها وتعليتها أعظم وأشد، مع أنه لا يؤمن من استتار أهل الشر والفساد فيها في بعض الأحيان، وذلك أضر بالحي والميت من الحدث عليه، ومراعاة أشد الضررين وأخفهما مشروع. بينه وجاوب عليه مأجورا إن شاء الله.

فأجاب: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا ووقفت عليه.

وما بني من السقائف والقبب والروضات في مقابر المسلمين هدمها واجب، ولا يجب أن يترك من حيطانها إلا قدر ما يمتاز به الرجل قبور قرابته وعشيرته من قبور سواه لئلا يأتي من يريد الدفن في ذلك الموضع فينبش قبور أوليائه، والحد في ذلك ما يمكن دخوله من كل ناحية ولا يفتقر فيه إلى باب، وبالله التوفيق. انتهى.

وقال السلطان العلوي المولى سليمان بن محمد (المتوفى سنة 1238هـ) في كتابه "حسن المقالة في تطهير النفس مما يشين الحج ويسلب كماله" لما ذكر آداب زيارة القبر النبوي (ص12ب) من النسخة الملكية: ولا يلمس المقام ولا يقبله، بل يتباعد عنه قليلا، أربعة أذرع أو ما هو قدرها، ولا يطوف بالقبر الشريف، أو يلقي المنادل والثياب عليه، كما يفعله بعض الجهلة (2).

فهذا سلطان علوي وأحد العلماء المشهورين بالعلم يفتي بعدم جواز المبالغة في تعظيم القبر النبوي، فما بالك بما دونه.

ولأبي بكر الطرطوشي كلام جيد في الموضوع موافق لما تقدم، قال في الحوادث والبدع (113): ولا يتمسح بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يمس، وكذلك المنبر، ولكن يدنو من القبر فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو مستقبل القبلة يوليه ظهره. وقيل: لا يوليه ظهره ويصلي ركعتين قبل السلام عليه. وقيل: واسع أن يسلم عليه قبل أن يركع. انتهى.

وبعض صوفية زماننا ينعتون من منع من التمسح بالقبر بالوهابية، فما رأيهم في كلام أبي بكر الطرطوشي هذا. أهو وهابي كذلك؟

وممن عرف من علماء المغرب أبطل القبورية العلامة المكي الناصري، حيث قال في إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة (19 - 20): فمنهم الذين اتخذوا القبور حرمات ومعابد، فبنوا عليها المساجد والمشاهد وزخرفوها بما يجاوز حد السرف بمراتب، واصطلحوا فيها على بناء النواويس واتخاذ الدرابيز والكسا المذهبة وتعليق الستور والأثاث النفيسة وتزويق الحيطان وتنميقها، وإيقاد السرج فوق تلك القبور ككنائس النصارى، وسوق الذبائح إليها، وإراقة الدماء على جدرانها، والتمسح بها، وحمل ترابها تبركا والسجود لها وتقبيلها، واستلام أركانها، والطواف حولها، والنذر لأهلها، وتعليق الآمال بهم، والتوسل إليهم بالله ليقضوا لسائليهم الحوائج، كما يزعمون، فيقولون عند زيارتهم: (قدمت لك وجه الله يا سيدي فلان، إلا ما قضيت لي حاجتي)، جاعلين الحق سبحانه وتعالى وسيلة تقدم إلى أولئك المقبورين للتوصل إلى نيل أغراضهم.

مع أن الميت قد انقطع عمله، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فكيف لمن استغاث به أو سأله قضاء حاجته أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، واستعانة ذلك الميت وسؤاله لم يجعلهما سبحانه سببا لإذنه، وإنما السبب في إذنه كمال التوحيد فجاء هذا بسبب يمنع الإذن، وهو بمنزلة من استعان في حاجته بما يمنع حصولها، على أن الميت محتاج إلى من يدعو له ويترحم عليه ويستغفر له، كما أوصانا النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس أولئك القبوريون هذا وزاروهم زيارة العبادة لقضاء الحوائج والاستعانة بهم، وجعلوا قبورهم قريبة من أن تصير أوثانا تعبد، وقد شاع هذا بين المسلمين وذاع، وعم كل ما يستوطنون به من البقاع.

وقال أخوه العلامة الأديب أبو عبد الله محمد بن اليمني الناصري الجعفري الرباطي، (المتوفى سنة: 1391هـ) في "ضرب نطاق الحصار على أصحاب نهاية الانكسار" (ص66 - 67 - 68) متحدثا عن فرق المعتزلة والخوارج وغيرهم: على أن تلك الفرق الضالة قد ذهب جلها، إن لم نقل كلها بما له وما عليه، ولم تكن في نظري ونظر ذوي النظر الصائب ممن مارس التاريخ وزاوله، إلا أتقى وأنقى بكثير وأبعد نظرا، وأبهى مخبرا ومنظرا من بعض الفرق الموجودة الآن، إذ ليس منهم من كان يفضل كلام المخلوق العاجز الضعيف الحادث على كلام الخالق القادر القوي القديم سبحانه، ولا من يتخذ ضرائح الأولياء والصلحاء ملجأ وكعبة وقبلة يتوجهون إليها، كما يتوجهون إلى الله تعالى، ويتطوفون بها، ويتمسحون بجدرانها، ويقبلون درابيزها وكساها كما يقبلون الحجر الأسود، ويركعون أمامها بجوارحهم وجوانحهم، ويسجدون لها بكيفية أرقى من السجود لله، معفرين خدودهم على ترابها، بل لم يكن فيهم من يتلبس بالمنكرات وهو يعتقد أنها عبادة تقربه من الله زلفى، ولا من يبيع دينه بدنيا غيره مؤخرا الصلاة عن وقتها لخدمة شيخ من المشايخ أو حضور حضرته، ولا من يتخذ طبلا ولا مزمارا ولا آلة لهو وطرب في المعابد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

بل ذهب بعض علماء المغرب أبعد من هذا بكثير فهذا العلامة أحمد بن محمد بن تاويت التطواني ألف رسالة سماها: إخراج الخبايا في تحريم البناء على القبور والصلاة بالزوايا.

حرم فيه البناء على القبور والصلاة في المقابر والزوايا.

والرسالة بتقريظ وتأييد العلامة محمد كنون المذكوري.

ومما قال العلامة محمد كنون المذكوري في تقريظه: فقد راجعت ما كتبه وحرره فضيلة الفقيه العلامة سيدي أحمد بن محمد ابن تاويت التطواني في رسالته المسماة: " بإخراج الخبايا في تحريم البناء على القبور والصلاة بالزوايا". رادا فيها على من أجاز ذلك معتمدا على قول الشيخ خليل والمدونة أولا. وسكوت علماء فاس على تنبيه الناس على صحة صلاتهم بضريح المولى إدريس وغيره ثانيا.

ولقد أجاد حفظه الله وأتى بالنصوص المستمدة من الينبوع الصافي السلسبيل كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يشفي الغليل ويبرئ العليل، وأسمع لو نادى حيا، ولكن لا حياة لمن ينادي. ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم.

إذ التقليد الأعمى سرى في أمزجتهم وعقولهم، وامتزج بدمهم ولحمهم، فلا تنفع فيهم أدلة الكتاب الكريم ولا سنة رسوله، ولا أقوال وأفعال الخلفاء الراشدين، ولا العشرة المبشرين بالجنة، ولا سائر الصحابة والتابعين وأتباعهم الذين هم خير القرون بشهادته - صلى الله عليه وسلم -.

هذا، وإنني كنت سئلت عن مثل ما جاء في الرسالة المذكورة من بعض النواحي، فأجبت بمثل ما أتى في هاته الرسالة، كما أنني كنت أقرر ذلك غيرما مرة سواء في الدروس أو في المجتمعات ..

إلى أن قال: أما البناء على القبور سنقول فيه ما قلنا في شأن الصلاة، إذ كل ذلك مخالف للشرع. كما قاله وبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكما هو مبين كذلك في الرسالة المشار إليها فلا داعية للتطويل بجلب الأولى على ذلك والاستدلال، "فماذا بعد الحق إلا الضلال".

ومن الكتب المصنفة في ذلك أيضا: كتاب "حكم السنة والكتاب في وجوب هدم الزوايا والقباب" للشيخ العلامة عبد الرحمان محمد النتيفي الجعفري الزياني (المتوفى سنة 1385هـ) الذي كان يحضر المجالس العلمية للسلطان محمد الخامس رحمه الله.

وقد حققته قديما، ولا زال لم يطبع.

ذهب فيه رحمه الله إلى وجوب هدم كل ما بني على القبور والزوايا.

وممن تعرض لهذه المسألة كذلك وأفتى بعدم جواز بناء الأضرحة وعدم جواز تعظيم القبور والمبالغة في تشييدها ونحوها العلامة محمد كنوني المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب، وأيده في ذلك أمينها العام العلامة عبد الله كنون.

قال رحمه الله: الجواب عن السؤال الثالث حول القبة التي تبنى على أضرحة الأولياء والصالحين، فذلك حرام وبدعة لم تكن في عهده - صلى الله عليه وسلم -، ولا في عهد خلفائه الراشدين ولا في عهد الصحابة والتابعين، فقد نص العلامة الشوكاني رحمه الله أن بناء القبب والمساجد على القبور أمر محدث في الإسلام من قريب. اهـ.

ومعلوم أن وفاته كانت سنة 1250هـ. لما في ذلك من الإسراف وتضييع الأموال والزينة مما لا يرجع على الميت بنفع، وهذا المقام مقام خشوع وخضوع، لا مقام زينة وفخر، ومما قاله الشيخ الشوكاني أيضا في رسالته المسماة (شرح الصدور في تحريم رفع القبور) ما نصه:

اعلم أنه قد اتفق الناس سابقهم ولاحقهم، وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت أن رفع القبور والبناء عليها، بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها، واشتد وعيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفاعلها ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين لكنه وقع للإمام يحيي بن حمزة (3) مقالة تدل على أنه لا بأس بالقباب والمشاهد على قبور الفضلاء، ولم يقل بذلك أحد غيره، ولا روي عن أحد سواه، إلى أن قال: فقد عرفت من هذا أنه لم يقل بذلك إلا الإمام يحيى، وعرفت دليله الذي استدل به، وهو استعمال المسلمين من غير نكير، ثم قال: فإذا عرفت هذا تقرر أن هذا خلاف واقع بين الإمام يحيي وبين سائر العلماء من الصحابة والتابعين ومن المتقدمين من أهل البيت ومن المتأخرين، ومن أهل المذاهب الأربعة وغيرها ومن جميع المجتهدين، أولهم وآخرهم الخ، ثم استشهد بآيات قرآنية كقوله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7] وكقوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران:31] الخ.


(1) (2/ 219 - 220 - البيان والتحصيل).

(2) توجد منه نسخة مخطوطة بمؤسسة علال الفاسي (410)، وأخرى بالخزانة الملكية، رقم (12032)، والعامة رقم (963/ 4ك).

(3) يحيي بن حمزة هذا من أئمة الزيدية، ولا عبرة بأقوالهم عند أهل السنة.

كما استدل بحديث الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (1) ...

وذكر نصوصا أخرى في النهي عن تعظيم القبور.

وقال: السؤال السادس: حول الاستسقاء عند ضريح ولي كل عام في موعد محدد مع حفلة يسمونها الصدقة.

الجواب عنه: أن الاستسقاء جعلت له الشريعة الإسلامية صلاة تخصه، فقد روى الأئمة أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي، ورواه مسلم ولم يذكر الجهر بالقراءة عن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خرج يستسقي، قال: فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة (2) اهـ.

هذه هي الصلاة المشروعة في الاستسقاء، لا أن يذهب الأحياء إلى الأموات ويقيمون عندهم الحفلات في أوقات مألوفة وأماكن معروفة، فأين الصلاة وأين الدعاء إلى الله، والالتجاء والتضرع إليه، كما وصف لنا ابن عباس في حديثه الذي رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه، أن


(1) رواه البخاري (1/ 1265 - 1324) (4/ 4177) ومسلم (1/ 529).
(2) رواه البخاري (978 - 979) وأبو داود (1161 - 1166 - 1167) والنسائي (1509 - 1510 - 1519) ومالك (448) وابن أبي شيبة (7/ 315) وابن حبان (2865 - 2866) والدارمي (1534) والبيهقي (3/ 350) والحاوي (1/ 323 - 325) والحميدي (1/ 201) والطيالسي (1100) وعبد الرزاق (2/ 221) عن عبد الله بن زيد.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج متواضعا مبتذلا متخشعا متضرعا فصلى ركعتين الخ (1)، وأين الاستغفار الذي كان يفعله الصحابة الكرام عند ذلك، لأن منع المطر لا يكون إلا عن ذنوب ومعاصي، والاستغفار يمحوها، فيزول بزوالها المانع من المطر.

نعم، ثبت أن سيدنا عمر استسقى بسيدنا العباس رضي الله عنهما عند القحط، فقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم انا كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا فيسقون. (2) اهـ.

وقد بينوا صفة ما دعا به العباس هذه الواقعة أنه قال: اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث، قال: فأرخت السماء مثل الجبال، حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس.

ومن هنا استحب العلماء الاستسقاء بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوءة، وكثرة الاستغفار، هو الذي لم يزد عليه عمر عندما خرج يستسقي مرة أخرى، حيث قرأ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً} [نوح: 10 - 11] و {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً} [هود: 52] الآية.


(1) رواه النسائي (1521) والترمذي (558) وابن ماجه (1266) وأحمد (1/ 269 - 355) وابن خزيمة (1405 - 1419) والحاكم (1218) والبيهقي (3/ 344) والدارقطني (2/ 67) وابن أبي شيبة (7/ 315) عن ابن عباس.
(2) رواه البخاري (964 - 3507) وابن حبان (2861) والبيهقي (3/ 352) والطبراني في الكبير (1/ 72) والطبراني في الأوسط (2437) عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس.

فقيسوا أعمالكم يا من يقيمون الحفلات عند قبور الأموات التي تذكر الآخرة لا أفراح الدنيا، على أعمال رسولكم - صلى الله عليه وسلم -، وأعمال خلفائه الراشدين والصحابة المهتدين، فحينئذ يظهر أنكم تطلبون القحط لا القطر، حيث تركتم التوجه إلى ربكم الحي الدائم بالخضوع والخشوع، والاستغفار والخنوع إلى قبر، الله أعلم بحال صاحبه غافلين عن قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 194 - 196].

وقال: حكم النذر للقبور وزيارة النساء لها.

الجواب عن السؤال السابع: حول النذور التي يفعلها العامة في البوادي للأولياء، والصالحين الأموات.

إن النذر كما رواه النسائي (1)

عنه - صلى الله عليه وسلم - من طريق عمران بن حصين: نذران، فما كان من نذر في طاعة الله، فذلك لله وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية الله، فذلك للشيطان ولا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين.


(1) رواه النسائي (3845) والبيهقي (10/ 70) عن محمد بن الزبير عن رجل عن عمران.

وهذا سند ضعيف، محمد بن الزبير هو الحنظلي ضعيف، وشيخه مجهول، ورواه البيهقي فسمى الرجل المجهول: الحسن البصري، لكم الحسن لم يسمع من عمران، وفيه ابن الزبير كما تقدم.
وله شاهد عن ابن عباس، رواه ابن الجارود (935) والبيهقي (10/ 72).
ويغني عنه حديث ابن عباس وعائشة عند البخاري (6318 - 6322) وغيره وسيأتي.

وقال الشيخ خليل في مختصره: وإنما يلزم به ما ندب، كلله علي أو علي ضحية الخ.

إلى أن قال: فاتضح أن بعد ما نذروه للأموات والقبور، وما نذروه لله الحي الدائم الشكور كبعد ما بينهما للمتأمل المنصف، والله يعصمنا من الزلل.

وقال كذلك: الجواب عن السؤال الثامن: حول زيارة النساء للقباب وأضرحة الأولياء والقبور.

الزيارة سيف ذو حدين، فتارة يكون مرغوبا فيها إذا كان القصد من الزائر التفكر والاعتبار بمصارع الأموات، وملاحظة أنه يجري عليه ما جرى عليهم، إذ كل نفس ذائقة الموت {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:34] كما قال الله تعالى فيحصل له بذلك الخشوع، وربما يترتب عن ذلك الرجوع إلى صراط الله المستقيم، بحيث تكون تلك الزيارة حافزة له على أفعال الخير، والابتعاد عن أفعال الشر، فهذه كما قلنا مرغوب فيها ويرشد إليها حديث بريدة عند مسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، وفي رواية: فمن أراد أن يزور القبور فليزرها، فإنها تذكره الآخرة (1) اهـ.

وتارة تكون حراما إذا خالطتها أمور محرمة كما يجري في زمننا، ولا سيما في أكثر المدن من خروج النساء متبرجات بزينة، متعطرات، وفيهن الكاشفات عما أمر الله به أن يستر، وخصوصا في بعض المناسبات، كأيام عاشوراء حيث تمتلئ المقابر بالغادي والرائح، والجاد والمازح، فيقع الاختلاط بين الرجال والنساء، فما شئت من غمزات وهمسات ومقدمات ومواعد، فهذه لا يقول مسلم بإباحتها، وما على الشاك في هذا إلا أن يختبر.

يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا

فعلى من ولاه الله أمور المسلمين أن يمنع هاته الزيارة التي لا ترضي الله ولا البشر.

وقال محمد كنوني كذلك لما ذكر البدع المحرمة (71): ومنها البدع المحرمة كبناء القبب على القبور وزخرفتها وإيقاد الأنوار فيها حتى تبهر بمظهرها ضعاف الإيمان إلى الالتجاء إليها.

قلت: وقد نص جمع من أئمة المالكية على كراهة قراءة القرآن في القبور.

وقال الحطاب في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل (3/ 226) في فرع أفضل أركان الحج: ومذهب مالك كراهة القراءة على القبور، نقله سيدي ابن أبي جمرة في شرح مختصر البخاري. انتهى.

ونص على المنع منها: أبو إسحاق الشاطبي، كما في المعيار (1/ 327 - 328). وكذا نص على بدعية قراءة "يس" حال تغسيل الميت (1/ 327).

وذكر العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي الشهير بابن الحاج (المتوفى سنة 737 هـ) في كتابه "المدخل" من البدع: قراءة القرآن حال الدفن في المقابر، كما هو عمل المغاربة في بلدنا. قال (3/ 263): وينبغي أن لا يقرأ أحد إذ ذاك القرآن لوجهين: أحدهما: أن المحل محل فكرة واعتبار ونظر في المآل، وذلك يشغل عن استماع القرآن، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا}، والإنصات متعذر لشغل القلب بالفكر فيما هو إليه صائر، وعليه قادم.

الوجه الثاني: أنه لم يكن من فعل من مضى، وهم السابقون والقدوة المتبعون، ونحن التابعون، فيسعنا ما وسعهم، فالخير والبركة والرحمة في اتباعهم، وفقنا الله لذلك بمنه.

وقال (3/ 264) بعد أن ذكر أنه لا يجوز رفع القبور أكثر من تسنيمه الذي يعرف به ويميز: وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما، فذلك يهدم ويزال، فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة وتشبيها بمن كان يعظم القبور ويعبدها، وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال: هو حرام.

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد العبدي الكانوني (المتوفى سنة 1356 هـ/1935 م): في كتابه جواهر الكمال في تراجم الرجال (137 - 138 - المطبعة العربية بالبيضاء):

وإنما هو مقام كسائر المقامات التي تزار ويتبرك بها.

وقد ابتلي الناس من هذه المقامات بداهية عمياء، إذ بينما نحن ننظر فيما دهينا به من القِبب المزخرفة على أصحابها الحقيقيين، والحال أن الفقراء والمساكين في مضيعة يموتون جوعا، والناس يتباهون في زخرفة الحيطان وتنميقها وإنفاق جلائل الأموال عليها، واتخاذها شبكة لاصطياد الحطام الدنيوي، إذ ظهر لنا ما هو أدهى وأمَرّ، ألا وهو تشييد القبب على مواضع لم يدفن فيها أحد، بل بنيت لمجرد رؤيا منامية، أو لكون الصالح الفلاني مر منها، أو جلس أو أو .. رغبة منهم في جمع الحطام، قبح الله المطامع ولا بارك في أهلها.

وهذا هو السر في كثرتها، كمثل مقامات الشيخ عبد القادر الجيلاني مع أنه لم يدخل المغرب قط. وقد شيدت قبة بقبيلة عبدة حوز آسفي أواسط القرن الماضي بموضع عُرف بالمقام ادُعي أنه مقامه، بناها رجل اسمه الحاج سلام، شرَّق وزار الشيخ عبد القادر، ولما رجع بنى له هذه القبة، ليستغلها جزاء رحلته إليه.

وبفاس خصص الجهلة ناحية من كلية القرويين، وسموها خلوة الشيخ عبد القادر، ويتمسحون بالماء المار محاذيا لها خارج المسجد.

وبدكالة قبة الزعيم السيد محمد العياشي مع أنه لم يمت هناك.

وبسوس قبة سيدنا علي بن أبي طالب يقام عليها موسم سنوي، مع أنه لم يدخل المغرب.

وبالجديدة سيدي الضاوي وسيدي بوافي، ولم يتحقق هناك أحد إلا أنهما كانا مركزين للمجاهدين، بل هذا صاحبنا سيدي محمد بن الزبير الناصري الذي توفي بآسفي سنة 1340 وهذا مقامه بدكالة بموضع يعرف "حدير" يزار ويتبرك به، وقد كان شُرع في البنيان عليه.

ولم يكتف الناس بتشييد القبب على الإنس حتى تخطوا ذلك إلى الجن، فهذا مقام شمهروش الجني بجبل "غيغاية" بأحواز مراكش للناس به ولوع.

ولو استرسلت في البحث لكان العدد أكثر والأمر أفظع، فإن ذلك دليل على ضعف الوازع الديني، وقلة اليقين بالله، حيث لم يقف الناس عند حد التغالي في الصالحين، ونسبة إدرار الأرزاق على الخلق إليهم، وأنهم هم المتصرفون في الكون، فلا يعطى شيء لأحد إلا من تحت أيديهم، حتى تجاوزوه إلى التغالي في المواضع الموهومة، وشد الرحلة إليها، والإفراط في تعظيمها، وشييد البنيان عليها، بإنفاق جلائل الأموال.

ولعمري إنه لو كان ينزل الوحي من السماء بعد النبي سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لنزل فينا أكثر من الأمم الماضية لارتكابنا أقبح الأفعال وأشنعها من غير خوف من الله ولا وجل.

أليس الذي ينسب إلى الولي أنه يعطي المال والولد والوظائف وكل شيء قد اتخذ مع الله إلها؟

أليس الذي تقول له احلف لي على حقي، يحلف لك ما شئت من المرات، وإذا ذكرت له الحلف بالولي الفلاني فإنه يقف حائرا، لما وقر في قلبه من ذلك الولي؟

أليس إنه خاف الولي أكثر من خوفه الله، وعظمه أشد من تعظيم الله؟ وهذا معنى الربوبية، بل يجب على من له معرفة بقدر الواجب الملقى على عاتقه في حق أمته أن يقوم بالتعليم والإرشاد، وبيان العقيدة الصحيحة، والفرق بين الرب والولي، لنخرج من هذه الهوة السحيقة والمفازة المهلكة، التي أوقعنا فيها الجهل بديننا، والخروج عن تعاليمه النقية، وقد صار سلفنا على منهاجه حتى بلغوا قمة المجد، ودانت لهم البلاد والعباد، ونشروا رواق العدالة والنور على أمم الأرض التي كانت أبعد الناس عن ذلك.

وها نحن قد بدلنا العلم بالجهل، والسيادة بالعبودية، والغنى بالفقر، والعز بالذلة، فيا لله ويا للعقلاء من أمة نسيت مجدها القديم، وجهلت فخرها الصميم، وقنعت من الإسلام بالاسم فقط.

 

 


(1) رواه مسلم (977 - 1977) وأبو داود (3235) - (3698) والنسائي (2032 - 4429 - 5652 - 5653) والترمذي (1054) وأحمد (5/ 350 - 355 - 361) وابن الجارود (863) وابن= =حبان (5390 - 5391 - 5400) والبيهقي (4/ 76) والطبراني في الكبير (2/ 19) والأوسط (2966 - 4912) وغيرهم كثير.

 

  • الخميس AM 05:22
    2022-07-14
  • 1138
Powered by: GateGold