المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413599
يتصفح الموقع حاليا : 219

البحث

البحث

عرض المادة

علماء المغرب والدعوة الوهابية

من أهم أصول الدعوة الوهابية:

- اعتقاد العقيدة السلفية وتجنب العقائد المخالفة لها، ومن بينها الأشعرية.

- محاربة البدع المحدثة في الدين، ووجوب اتباع السنة.

- عدم جواز تعظيم القبور والأضرحة.

وقد تبين من خلال هذه الرسالة أن عددا من علماء المغرب قالوا بمضمون هذه الأصول قبل ظهور المذهب الوهابي، ولذلك فمن المجزوم به والمقطوع به بطلان ادعاء من زعم أن عقائد المذهب الوهابي طارئة على المغرب.

لكن أول اتصال مباشر وواضح حدث بين الدعوة الوهابية وبين المغاربة كان في عهد السلطان المولى سليمان.

قال الناصري في الاستقصا (8/ 120): ولما استولى ابن سعود على الحرمين الشريفين بعث كتبه إلى الآفاق كالعراق والشام ومصر والمغرب, يدعو الناس إلى اتباع مذهبه, والتمسك بدعوته, ولما وصل كتابه إلى تونس بعث مفتيها نسخة منه إلى علماء فاس فتصدى للجواب عنه الشيخ العلامة الأديب أبو الفيض حمدون بن الحاج (1).

قلت: وردت الرسالة من تونس سنة 1227/ 1812 (2).

وقد ذكر الرسالة أبو القاسم الزياني في الترجمانة (394 - فمابعد) (3)، وذكرتها بتمامها في بحثي: "دخول دعوة محمد بن عبد الوهاب إلى المغرب". المنشور ضمن كتابي: صفحات مشرقة.

ومما قال فيها: وإذا علم هذا فمعلوم ما جئتم به من حوادث الأمور التي أعظمت الإشراك به والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات, وتفريج الكربات, التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسماوات, وكذلك التقرب إليهم بالزيارة وذبح القربات, والاستعانة بهم في كشف الشدائد, وجلب الفوائد, إلى غير ذلك من أنواع العبادات التي لا تصح إلا لله.

وصرف شيء من أنواع العبادات لغير الله كصرف جميعها, لأنه سبحانه أغنى الأغنياء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه, وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى, ويشفعوا لهم عنده, وأخبر أنه {لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر:3] , وقال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:18].

وأخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط بوسم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك به, وإذا كانت الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [الزمر:44] فلا يشفع أحد عنده إلا بإذنه {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]. وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} [طه:109].

وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28].

فالشفاعة حق, ولا تطلب إلا من الله كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] , وقال تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} [يونس:106].

فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد الشفعاء, وصاحب المقام المحمود, وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذنه, ولا يشفع ابتداء، بل يأتي فيخر لله ساجدا فيحمد أنعامه بمحامد نعمه أياما فيقول له: ارفع رأسك وسل تعط: واشفع تشفع، ثم يحد له حدائد يدخلهم الجنة, فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء؟.

وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من المسلمين, قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم, ممن سلك سبيلهم ودرج على مناهجهم, وما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم, وتعظيم قبورهم, ببناء القباب عليها, وإسراجها والصلاة عندها, واتخاذها أعيادا وجعل الصدقة والنذر لها.

فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها - صلى الله عليه وسلم - وحذر أمته منها, وفي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد أقوام من أمتي الأوثان» (2).

وهو - صلى الله عليه وسلم - حمى حماية الدين وحمى جانب التوحيد أعظم حماية ووسم كل طريق موصل إلى الشرك.

 


(1) ونحوه في الإعلام للعباس بن إبراهيم (10/ 68) والترجمانة (393).
وابن الحاج توفي سنة (1232) انظر ترجمته في الإعلام (2/ 275).
(2) هكذا في الجيش العرمرم (289) لمحمد بن أحمد أكنسوس, وعند الناصري (8/ 120) أنها سنة 1226.
وانظر الترجمانة الكبرى (293) لأبي القاسم الزياني.
(3) في خزانة تطوان (102 مجموع) نسخة من الرسالة, وكذا في الخزانة الملكية.
وأقدم مصدر لها هو الترجمانة الكبرى لأبي القاسم الزياني (394 - فما بعد) نشر وزارة الأنباء 1387/ 1967.
ونشرها كذلك بتمامها أبو تراب في مجلة الدارة السعودية. ع1 س7 ص16. 6 عن نسخة الخزانة الملكية.

(2) رواه أبو داود (4252) وابن ماجه (2/ 1304) وأحمد (5/ 278) وغيرهم.

فنهى أن يجصص القبر ويبنى عليه، كما ثبت في صحيح مسلم من طريق جابر (1) , وثبت فيه لفظ أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره ألا يدع قبرا مشرفا إلا سواه ولا عاليا إلا طمسه (2).

ولذا قال غير واحد من العلماء, يجب هدم القباب المبنية على القبور، لأنها أسست على معصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... إلى آخر الرسالة.

الجواب المغربي على الرسالة:

لما وصلت الرسالة إلى السلطان المولى سليمان بن محمد أمر كبير علمائه أبا الفيض حمدون بن الحاج بتحرير جواب عن هذه الرسالة وأوفد نجله إبراهيم سنة 1226 بالجواب مع جماعة من العلماء والأعيان.

وتكلم بلسان الوفد محمد بن إبراهيم الزداغي قاضي مراكش (3).

قال أكنسوس في الجيش العرمرم الخماسي (1/ 291 - 292): حدثنا جماعة وافرة ممن حج مع المولى إبراهيم في تلك الحجة مثل الفقيه العلامة القاضي السيد محمد بن إبراهيم الزداغي المراكشي، والفقيه العلامة القاضي السيد العباس بن كيران الفاسي، والفقيه الشريف البركة سيدي الأمين بن جعفر الحسني الرتبي، والفقيه الموقت الصادق الأمين السيد عبد الخالق الوديي حدث كل واحد منهم أنهم مارأوا من ذلك السلطان سعود، ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة , وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الاستقامة، والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام، ونهي عن المناكر المحرمة، وتنقية الحرمين الشريفين من القذرات والآثام التي كانت تفعل بها جهارا بلا إنكار.

وذكروا أن حاله كحال أحد من الناس لا تميزه من غيره بزي ولا لباس ولا مركوب , وإنه لما اجتمع بالشريف الخليفة مولانا إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لأهل البيت الشريف , وجلس معه كجلوس هؤلاء المذكورين وغيرهم من خاصة مولانا إبراهيم , وكان الذي تولى الكلام معه هو القاضي ابن إبراهيم الزداغي.

وكان من جملة ما قال لهم إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية, فأي شيء رأيتمونا خالفنا فيه السنة، وأي شيء سمعتموه عنا قبل رؤيتكم لنا.

فقال له القاضي المذكور: بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوي.

 


(1) رواه مسلم (970).
(2) رواه مسلم (969).
(3) الجيش العرمرم الخماسي (196) والتيارات السياسية والفكرية (86) والمغرب عبر التاريخ (3/ 159) ومن قضايا الفكر لدى المؤلفين المغاربة زمان محمد الثالث وابنه سليمان لأحمد العراقي (ص203) ندوة الحركة العلمية في عصر الدولة العلوية، مطبعة النجاح الجديدة.

فقال لهم: معاذ الله، إنما نقول كما قال مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة انتهى (1) , فهل في هذا مخالفة؟

فقالوا له: لا، وبمثل هذا نقول نحن أيضا.

ثم قال له القاضي: وبلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي وإخوانه من الأنبياء عليهم السلام في قبورهم.

فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلام ارتعد ورفع صوته بالصلاة والتسليم عليه, وقال: معاذ الله تعالى، بل نقول إنه - صلى الله عليه وسلم - حي في قبره, وكذلك غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء.

ثم قال له القاضي: وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته - صلى الله عليه وسلم - وزيارة الأموات قاطبة مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها.

فقال له: معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا, وهل منعناكم أنتم منها لما عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وآدابها , وإنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية ويطلبون من الأموات أن تقضي لهم أغراضهم التي لا يقضيها إلا الربوبية , وإنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الموتى وتذكار مصير الزائر إلى مثل ما صار إليه المزور, ثم يدعو له بالمغفرة ويستشفع به إلى الله تعالى, ويسأل الله تعالى المنفرد بالإعطاء والمنع بجاه ذلك الميت إن كان ممن يليق أن يستشفع به, هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه.


(1) ورد هذا الأثر عن الإمام مالك من طرق سبعة، أحدها حسن، انظرها في كتابي: عقيدة الإمام مالك السلفية، طبع دار الضياء، مصر.

ولما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سدا للذريعة , فأي مخالفة للسنة في هذا القدر. انتهى.

هذا ما حدث به أولئك المذكورون سمعنا ذلك من بعضهم جماعة , ثم سألنا الباقي أفرادا فاتفق خبرهم على ذلك, وهذا المذكور كله ليس فيه ما ينكر, وغاية مايقال في الوهابي المذكور إنه من غلاة الحنابلة أتباع الإمام أحمد رضي الله عنه مثل ابن تيمية وابن حزم (1) , فإن الحنابلة رضي الله عنهم لهم مسائل ينكرها غيرهم من أرباب المذاهب, ولايضرهم ذلك، وهكذا كل أهل مذهب لايقولون إلا بقول إمامهم, وينكرون غيره, فهذا أكبر أتباع الإمام أحمد رضي الله عنه، وهو الشيخ الكامل المكمل مولانا عبد القادر الجيلالي رضي الله عنه وأرضاه, فقد ذكر في كتابه "الغنية": الطائفة الطاهرة الأشعرية التي وقع الاجماع المعتبر على معتقد السنة هو معتقدهم (2). لما ذكر الشيخ رضي الله عنه في الكتاب المذكور الفرق الضالة وعدهم عدا ذكر الأشعرية من جملتهم, وقال في حقهم: إنه لا تؤكل ذبيحتهم ولا تسنم قبورهم إذا ماتوا ولا يناكحون, وأطال في ذلك.

فإذا كان هذا واقعا من هذا الشيخ العظيم ولا ينقص ذلك من قدره شعرة واحدة, فإذا مدح شخص مولانا عبد القادر كما هو الواجب فهل يلام المادح له, ويقال له إنك مدحت من خالف الأشعرية باعتقاده باجتهاد إمامه الأعظم, فإذن لا ملامة على الشيخ العلامة الحجة أبي الفيض سيدي حمدون في مدحه لسعود بأمر أمير المؤمنين, إذ علم أنه ليس في علماء الوقت من يحسن الجواب عن ذلك الكتاب غيره, على أنه ما مدحه على اعتقاده المخالف, إنما مدحه بأفعاله الحسنة الظاهرة من تأمين الحجاز وتنظيفه وغير ذلك مما لاينكر حسنه.

ونقل النص كذلك الناصري في الاستقصا (8/ 21).

قلت: ونص الرد المغربي على رسالة محمد بن عبد الوهاب ذكره حمدون بن الحاج في ديوانه النوافح الغالية (439) , ونقله عنه أحمد العراقي في بحثه: الرد المغربي على الرسالة المنسوبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب, المنشور بمجلة المناهل ع 30 سنة 1984. ص 129.

ونقل فقرات منه الزياني في الترجمانة (389) وأكنسوس في الجيش العرمرم.

والرد المغربي عبارة عن قصيدة ميمية من البسيط, تتكون من (199) بيتا, تتخللها فقرات من النثر.

وأهم مضامين الرد كما يلي:

استهلها بذكر بعض بقاع الحرمين وفضلها وشوقه لرؤيتها.

ثم أثنى على الملك سعود وعلى محاربته للبدع والمفسدين.


(1) ابن تيمية ليس من الغلاة، بل هو من أكابر علماء الإسلام وأحد أعظم المجددين في التاريخ الإسلامي. وابن حزم ليس حنبليا أصلا.
(2) ليس في هذا إجماع قطعا، كما سأوضحه بأدلته في كتابي عقائد الأشاعرة.

 

ثم عاد للثناء على الأعمال الجليلة التي قام بها العاهل السعودي ومنها: رد البدع وإحياء السنن.

ثم شرع في نقاش طويل حول الأمور المنسوبة للدعوة.

منها تكفير الجهال الذين يغلون في بعض الأنبياء والصالحين، ونص على أنه لا يجوز تكفيرهم, لأن السلف لم يكفروا من هم أشد بدعة منهم.

ومنها مسألة الاستغاثة بالنبي وبناء الأضرحة على الأولياء، وهذه المسألة خالف فيها علماء الدعوة, فجوز بناء الأضرحة لأنها تذكر بأحوال الصالحين, وفي هدمها طمس لمعالمهم وآثارهم.

وهذه حجة داحضة، بنيت على شفا جرف هار. وليس هذا محل بسط ذلك.

ثم عاد ليؤكد أن هذا منه محض النصيحة التي أمر الرسول بها.

ثم نص على أنه على اعتقاد أحمد بن حنبل من إبقاء الصفات على ظواهرها دون تأويل (1) , وأنه مذهب والده المولى محمد بن عبد الله.

ثم ذكر شبهات تثار حول الدعوة واستبعد صحتها, ككونهم يأمرون من دان بدينهم سب والديه وقطع رحمه, ونحو ذلك.

ثم ذكر أنه لما تبين له الحق من جميع ذلك أرسل وفدا فيهم نجله وفلذة كبده بالجواب.


(1) يشير إلى مخالفته لعقائد الأشاعرة، القائمة على التأويل.

وعموما فالرسالة كلها أدب واحترام ونقاش بالتي هي أحسن. وحتى المسائل التي خالف فيها اعترف لسعود برأيه وفضله, ونصح بآداب النصح ولم يسلك مسالك المخالفين للشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذين ملؤوا ردودهم عليه سبا وشتما.

ومن علماء المغرب الذين عرفوا بالدفاع عن دعوة محمد بن عبد الوهاب: العلامة الحجوي الثعالبي محمد بن الحسن (المتوفى سنة 1376) صاحب الفكر السامي (1).

فقد قال رحمه الله في ترجمة ابن تيمية من كتابه الفكر السامي (2/ 364): وأفكاره في فهم حقيقة الدين الإسلامي وتجريده عن زوائد الابتداع، وإخلاص الدعوة للتوحيد الحق وترك المغالاة في تعظيم المخلوق، كي لا يلحق بالخالق، هي الأصل في مذهب الوهابية، فتواليفه ومبادئه هي الأصول التي يرجعون إليها، ومجمل مذهبهم توحيد خالص، والعمل بالكتاب والسنة الصحيحة أو الحسنة، وترك تقاليد الأوهام، واستقلال الفكر في فهم الشريعة من كتاب وسنة وقياس، واتباع السلف ونبذ المحدثات، على هذا تدور سائر كتبه، وهذا ما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم، فهو من المجددين ... وقال في ترجمة محمد بن عبد الوهاب (2/ 373 - 374): عقيدته السنة الخالصة على مذهب السلف المتمسكين بمحض القرآن والسنة لايخوض التأويل والفلسفة، ولا يدخلهما في عقيدته ...

وأعظم خلاف بينهم وبين أهل السنة هو مسألة التوسل، وتكفيرهم من يتوسل بالمخلوق، فالخلاف في الحقيقة ليس في الأصول التي يبنى عليها التكفير أو التبديع , وإنما هو في أمور ثانوية , وأهمه هذه.

ومن جملة مبادئهم التمسك بالسنة , وإلزام الناس بصلاة الجماعة , وترك الخمر , وإقامة الحد على متعاطيها ومنعها كليا في مملكتهم , بل منع شرب الدخان ونحوه مما هو من المشتبهات , ومذهب أحمد مبني على سد الذرائع كما لايخفى، ونحو هذا من التشديدات التي لا يراها المتساهلون أو المترخصون , وكل هذا لايخالف سنة ...

وإن ابن سعود توصل بنشر هذا المذهب لأمنيته، وهي الاستقلال , والتملص من سيادة الأتراك، والنفس العربية ذات شمم , فقد بدأ أولا بنشر المذهب , فجر وراءه قبائل نجد وأكثرية عظيمة من سيوف العرب , إذ العرب لاتقوم لهم دولة إلا على دعوى دينية , ولما رأى الأتراك ذلك ووقفوا على قصده , نشروا دعاية ضده في العالم الإسلامي العظيم الذي كان تابعا لهم , وشنع علماؤهم عليه بالمروق من الدين, وهدم مؤسساته، واستخفافهم بما هو معظم بالإجماع كالأضرحة , وتكفير الإسلام, واستحلال دمائه إلى غير ذلك مما تقف عليه في غير هذا , وشايعهم جمهور العلماء في تركيا والشام ومصر والعراق وتونس وغيرها, وانتدبوا للرد عليه بأقلامهم , وخالفهم المولى سليمان سلطان المغرب، فارتضى مبادئه إلا ما كان من تكفير من يتوسل، واستحلال دمه، فلا أظن أنه يقول بذلك حتى مدحه شاعره وأستاذه الشيخ حمدون بن الحاج، وتوجهت القصيدة مع نجل الأمير المولى إبراهيم حين حج مما تقف على ذلك في تاريخنا لإفريقيا الشمالية منقولا عن أبي القاسم الزياني وغيره.

ثم حصحص الحق وتبين أن المسألة سياسية لا دينية، فإن أهل الدين في الحقيقة متفقون، وإنما السياسة نشرت جلبابها، وأرسلت ضبابها، وساعدت الأقلام بفصاحتها، فكانت هي الغاز الخانق، فتجسمت المسألة وهي غير جسيمة، ولعبت السياسة دورها على مسرح أفكار ذهب رشدها، فسالت الدماء باسم الدين على غير خلاف ديني، وإنما هو سياسي ...

 


(1) انظر ترجمته في آخر كتابه العروة الوثقى، والفكر السامي (2/ 376).

 

  • الخميس AM 04:55
    2022-07-14
  • 1258
Powered by: GateGold