المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409015
يتصفح الموقع حاليا : 232

البحث

البحث

عرض المادة

موجد الوجود

بقلم: فاتن صبري
Www.fatensabri.com 
من كتاب: دين عالمي

إذا ألقى شخص قطعة نقدية ووقعت في يده على أحد وجهيها ( صورة أو كتابة)، فهنا يفسر الجميع هذا الحدث بالصدفة، لكن إذا كنا نعلم كل العوامل المرتبطة بهذا الفعل، مثل كثافة المادة على سبيل المثال، رطوبة الهواء، درجة الحرارة، ضغط الهواء، الارتفاع التي ستقع منه، القوة التي رمى فيها الشخص هذه القطعة النقدية، وعندما تقع ما هو التأثير الذي ستحدثه على يده، والضغط الذي سيقع على يده وقوة الارتداد. فإذا وضعنا كل هذه العوامل في الحسبان في معادلتنا فيمكننا التنبؤ باحتمال كبير أنها ستكون صورة أو كتابة. فحقيقة جهلنا بهذه العوامل هو ما يطلق عليه الجميع لقب صدفة. لكن إذا حصرنا جميع هذه العوامل، ويكون ذلك في المختبرات العلمية، فلن يكون هناك صدفة في تلك الحالة.  فلا يمكن للصدفة أن تكون موجدة للكون، لأن الصدفة ليست سببًا رئيسيًا، وإنما هي نتيجة ثانوية تعتمد على توافر عوامل أخرى (وجود الزمان، المكان، المادة والطاقة) لكي يتكون من هذه العوامل شيء بالصدفة أصلاً. فلا يمكن استخدام كلمة "صدفة" لتفسير أي شيء لأنها لا شيء على الإطلاق.

يتحدث العالم بأسره اليوم عن كتاب شارك فيه 20 فيلسوفًا وعالمًا وقد أثار ضجة كبيرة في فرنسا.

هذا الكتاب من أفضل الكتب مبيعًا في فرنسا حاليًا على الرغم من ضخامته وسعره المرتفع نسبيًا. وقد تم تأليفه بالاشتراك مع عشرين شخصية من كبار العلماء والفلاسفة. وبالتالي فهو كتاب جماعي، إذا جاز التعبير. هذا وقد كتبت عنه جريدة «الفيغارو» فور صدوره قائلة: هذا حدث هائل. أخيرًا العلم الفيزيائي الفلكي يتوصل إلى البرهنة على وجود الله.

جميع هذه الاكتشافات العلمية تخلص إلى النتيجة التالية: أن للكون بداية محددة تمامًا، أي أنه مخلوق في لحظة ما، وإذا كانت له بداية فهذا يعني وجود سبب أو مسبب لهذه البداية. وبالتالي فالخلاصة الأكثر منطقية تدفعنا إلى الاعتقاد بوجود قوة عظيمة تقف خلف الظواهر. من الذي أعطى النقرة الأولى للانفجار الكبير وخلق العالم؟ باختصار شديد، كل هذا دليل على وجود خالق أعظم للكون. كل هذه الاكتشافات والنظريات تتالى بعضها وراء بعض على مدار القرن العشرين[1].

قال لي زائرٌ أمريكي يومًا:

إن الإيمان بوجود خالق يعطل العقل ويخالف العلم والمنطق.

قلت له:

 إن الموقف العدل من العقل هو التوسط، وذلك بالجمع بين كونه مصدرًا للمعرفة وبين احترام حدوده التي لا يستطيع تجاوزها.

إن دور العقل هو الحكم على الأمور والتصديق عليها، فعجْز العقل عن التوصل إلى الغاية من وجود الإنسان مثلاً، لا يُلغي دوره، بل يعطي الفرصة للدين ليخبره بما عجز عن إدراكه، فيخبره الدين عن خالقه ومصدر وجوده والغاية من وجوده، فيقوم هو بالفهم والحُكم والتصديق على هذه المعلومات، فبذلــك يكون الاعتراف بوجود الخالق لم يعطل العقل ولا المنطق.

قلت له أيضًا:

إن فكرة إنكار وجود خالق للكون هي التي تخالف العقل، المنطق والعلم الحديث، وليس الإيمان كما تعتقد.

 

يقول الباحث البريطاني صبور أحمد:

العلم مبني على الرياضيات والمنطق، فالعلم لا يستطيع أن يشرح الرياضيات التي هو مبني عليها في الأساس.

إن مصدر عقلانية الإنسان كان ولازال مشكلة أساسية عند الملحدين، والذين اعترفوا بفشلهم للتوصل إليه، ومن خلال مصدر تعقل الإنسان ممكن أن نحصل على المنهج العلمي.

لذلك فإنه بنفس الطريقة التي لا يستطيع العلم تفسير الأساسيات التي بُني عليها، فهو لا يستطيع تفسير أصل المنطق والتعقل.

فيلجأ الملحد حينها لأن يتخذ موقفًا غير واقعيًا باستخدام منهجًا مضادًا للعلم، ويدعي أنه أفضل ما توصل إليه من نماذج قابلة للعمل، لكن ليس من حقه الإدعاء بأنه النموذج الصحيح الحقيقي.

بوجود خالق للكون هو التفسير الوحيد للعقلانية، والتي هي المقدرة على التفكير، التأمل في الكون، ممارسة العلم، الحساب، الاستنتاج، وزن الأمور، اكتشاف قوانين الكون التي خلقها الخالق، الخ.

قال الملحد المؤيد لنظرية داروين[2]:

أعطني دليلاً على وجود الخالق.

قلت له:

 إن استخدام مصطلح دليل بحد ذاته يدل على استخدامك لعقلانيتك. وقد فشل أتباع نظرية داروين إثبات معنى وتفسير لوجود هذه العقلانية ولا حتى مصدرها من خلال نظريتهم.

فالسؤال عن دليل وجود الخالق ينبع من منطق وعقلانية. الملحدون يستخدمون العقلانية التي لا يمكن إثباتها إلا بوجود الخالق للسؤال عن دليل وجود هذا الخالق. فالسؤال بحد ذاته دليل على وجود خالق.

إن هناك كثير من المعتقدات لا يمكن دحضها، كإيماننا بأن العالم حقيقي على سبيل المثال. وبالتالي فإنه لا يمكننا دحض الإيمان بوجود خالق للكون لأنه هو التفسير للواقع نفسه، وليس مبنيًا على استنتاج من الواقع، والذي لا يحتاج إلى تفسير.

قال أرسطو الفيلسوف الشهير:

"إذا شككت في كل معتقد فلن تحصل على المعرفة. هناك أشياء يجب أن تقر بصحتها، والتي هي الأساس الذي يُبنى عليها لاحقًا كل شيء".

ممكن للشخص استخدام منطقه وعقله لأن يصبح ملحدًا، هندوسيًا، بوذيًا، نصرانيًا، الخ، لكن المقدرة على إدراك مصدر هذا العقل والمنطق، ومعرفة أسماء وصفات هذا المصدر الحقيقية (واحد أحد لا يتجسد في صورة إنسان ولا صنم أو حجر وليس له ولد، كلي القدرة، كلي العلم إلخ)، وتفسير هذه العقلانية التي نمتلكها، والتي تميزنا عن بقية المخلوقات والتي تتجاوز قيمتها ما يحتاجه الإنسان للبقاء والتكاثر، هذه المقدرة هو ما يجعل الإنسان قادر على التمييز بين الحق والباطل، والدين الصحيح والدين الخاطئ.

على الرغم من أنهم لم يعترفوا بذلك أبدًا، يُشير العلماء من الملحدين إلى الخالق بأسماء أخرى (الطبيعة الأم، قوانين الكون، الانتخاب الطبيعي “نظرية داروين”، إلخ…)، في محاولات بائسة للهروب من مَنطق الدين والاعتقاد بوجود خالق.

إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ (النجم:23).

ومما سمعت وأعجبني أيضًا:

يقول فلاسفة علوم الأحياء الملحدين معلنين فشلهم، ومنهم عالم الأحياء والفيلسوف الأمريكي أليكس لوزومبيرغ :

إن الانتخاب الطبيعي لا يعطي تفسير للحقيقة ولكنه يفسر التكاثر والبقاء فقط.

ويقولون أيضًا:

إن كل ما لدينا لتفسير الكيمياء الحيوية، علم الأحياء، التشريح، واللغويات هو التكاثر والبقاء فقط، وبالتالي لا نستطيع الوثوق في عقلانيتنا لأننا لا نملك تفسير لها.

كتب تشارلز داروين إلى صديقه ويليام جراهام رسالة في عام ١٨٨١ يقول فيها:

"ينتابني شك فظيع حول ما إذا كانت قناعات عقل الإنسان والذي بدوره تطور عن عقول كائنات أدنى مثل القرد، تتمتع بأية قيمة أو تستحق أدنى ثقة، فهل يمكن لشخص أن يثق في قناعات عقل قرد؟ إن وجدت قناعات في مثل هذا العقل".

المشكلة لدى الداروينين تظهر أيضًا عندما يريدون أن يعطوا تفسيرًا عن المعتقدات الصحيحة والمعتقدات الخاطئة (التفريق بين الحق والباطل).

على سبيل المثال يقول العلماء: بعض أنواع الفطر سام وبعضها غير سام، فممكن أن يبقى الإنسان على قيد الحياة ويعيش على اعتقاد خاطئ وهو أن جميع أنواع الفطر سامة. فهو لا يستطيع التفرقة بين السام وغير السام وبين الحق والباطل لأنه غير موجه للحق، ولكنه موجه للبقاء والتكاثر من وجهة النظر الداروينية.

فكيف لهم أن يثقوا في عقلانيتهم بينما عقلانيتهم غير موجهة للحق ولكنها موجهة للتكاثر والبقاء فقط، وذلك حسب نظرية داروين؟

والعقلانية والتي هي القدرة على التفكير خاصية بحد ذاتها تتمحور حول الحقيقة وليس حول البقاء والتكاثر.

ولقد واجهت الداروينيون باعترافهم مشكلة مصدر عقلانية الإنسان كما ذكرنا سابقًا، وتساءلوا كيف لمادة غير حية غيبية تظهر في المادة الملموسة والتي تؤدي إلى العقلانية؟ كيف للعقلانية أن تنشأ من مصدر عشوائي غير عقلاني؟ وأقروا أن نظريتهم لا تجيب على هذا السؤال كما ذكرنا ولم تستطع أن تعطي تفسيرًا له.

فكيف للملحد أن يثق بعقله ومنطقه بينما عقله لم يساعده على معرفة مصدر تعقله.

فهنا وقع الداروينيون في مشكلة وهي مصدر تعقل الإنسان.

فالحيوان يعقل أيضًا في بحثه عن غذائه ومكان إقامته وما إلى ذلك، لكنه لا يمتلك القدرة على التفكير التي تمكنه من التفرقة بين الحق والباطل.

وهذا ما تميز به الإنسان، والذي هو هبة من خالق الكون له وهو سر التكليف.

فكان لدى أتباع هذه النظرية خيارين فقط:

  • إما أن يعتبروا أنفسهم لا عقلانيين، ولايتميزوا عن أي حيوان أو جماد بناءً على نظريتهم.
  • أو أن يعترفوا بمصدر خارج عن نطاق الطبيعة غيبي مستقل بذاته، قد أوجد لهم عقلانيتهم.

فبدون حقيقة وجود الخالق لا يوجد عقل ليعقل به الإنسان، بعد أن فشلت محاولات معرفة مصدر عقلانية ومنطق الانسان من خلال نظرية الانتقاء العشوائي والتي هي عمياء لأي شيء صحيح أو خاطئ.

يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري:

"الله هو الذي يعطي للقيم معناها، الله هو الذي يعطي للوجود معناه، بدونه لا معنى للوجود، لا معنى للقيم، وبديله هو العبث، اللا معنى".

====================================

[1]   كتاب الله، العلم، البراهين.

https://arabicpost.net/%D8%AB %D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/2021/12/03/%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%86/

[2] نظرية داروين تنص على أن نشأة الإنسان كانت نتيجة أخطاء متتالية في المادة الوراثية.

  • السبت PM 02:49
    2022-06-04
  • 1326
Powered by: GateGold