المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412282
يتصفح الموقع حاليا : 358

البحث

البحث

عرض المادة

الدين القيِّم

بقلم: فاتن صبري

Www.fatensabri.com

 

من كتاب: لماذا الدين ؟ رحلة من الذاكرة

 

والذين آمنوا أشد حبًّا لله:

في زيارة لنا لمعلَم من المعالم المميزة في هونغ كونغ، وجدنا الناس تتهافت على الصلاة لتمثال بوذا وتقريب القربات له، ودائمًا ما كان يدور في خاطري كيف أن غواتاما استخدم كلمة "بوذا" بسياق كلمة "نبيّ"، وعنى بذلك الشخص الذي يتم تنويره بالوحي الإلهي. وكان قد قال لأتباعه:" أنا لم أكن أول بوذا ولن أكون آخر بوذا"، وعندما يشعر البوذي بخوف شديد فإنه يلجأ إلى القوة التي في السماء لطلب الإغاثة"[1]. ووسط الازدحام الشديد والأفكار التي تدور في خلدي عن اعتقادات هذه الشعوب، سمعت زوجي يقول بصوت واضح وعالي نسبيًا: لا إله إلا الله. ابتسمت وقلت له: أخفض صوتك فنحن محاطون بالناس، قال لي: صدقيني لا أستطيع اخفاض صوتي، لا أستطيع أن أتمالك نفسي. فقلت في نفسي سبحان من جَبَلَ القلوب السليمة على ذِكره، وتذكرت الآية الكريمة: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ"[2]، وسُعدتُّ كثيرًا.

أمَر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القَيِّم:

إن بالنظر إلى الثقافات والحضارات المختلفة للأمم، واختلاف اللغات والمعتقدات للشعوب، نجد أنه يوجد قواسم مشتركة فيما يتعلق بالقيم والأخلاق والمعاني الإنسانية، كما تتشابه كثيرًا مشاكلنا وتحدياتنا وطموحاتنا.  فالشعوب لا تتشارك فقط في القِيم والأخلاق والمعاني الإنسانية، بل وأيضا في الخلفية التاريخية وأصول الدين والعقيدة، فنحن جميعًا نلتقي في آدم ولا بد أن آدم كان له دين ومعتقد واحد. وإن اختلاف الديانات والمعتقدات جاءت من البشر.

وبإمعان النظر في معتقدات الشعوب، نكتشف أن غالبية الأمم التي لديها موروث ديني ولديها رموز دينية مختلفة لا تزال تؤمن بوجود خالق للكون وتلجأ إليه عند الشدائد، مما يؤكد أن هذه الديانات والمعتقدات لها أصول تاريخية نابعة من ديانة أصلية واحدة صحيحة.  وأن ما لدى الشعوب الحالية من تراث ديني يحوي بداخله على مبدأ التوحيد والإيمان بإله واحد والتفرد بعبادته، وأن هناك دلائل وشواهد في هذه الديانات والكتب تشير إلى أن جذورها وأصولها ترجع إلى عقيدة التوحيد.

أتذكر عندما كان ابني يقضي وقت الاجازة السنوية في العمل التطوعي في مجال الدعوة إلى الله، وقد كان طالبًا في كلية الهندسة آنذاك. كان قد أخبرني يومًا، أنه في أثناء حواره مع شخص من الديانة الهندوسية قد لفت نظره أن الهندوسي يؤمن بإله واحد أحد، لكنه يلجأ بالتوسل لغير الله، حيث قال له الهندوسي: نحن نشتري آلهتنا حسب إمكانيتنا، فمن لديه المال يشتري إلهًا من ذهب، والفقير يشتري إلهًا من خشب، فتعجب ابني من قوله وسأله: وعند حدوث خلل في الطائرة وتدركون أنكم هالكون لا محالة ماذا تفعلون؟ قال: نلجأ إلى الإله الواحد الذي في السماء. فقال له ابني: إذًا لماذا لا تلجؤوا له كل يوم وفي كل وقت لتتوحد قلوبكم لما فيه خيركم.

تذكرت حين انتهى ابني من سرد القصة قصة عمران بن حُصَين، عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه:" يا حُصَين كم تعبد اليوم إلهًا؟ قال الأب: سبعةٌ ستةٌ في الأرض وواحدٌ في السَّماء. قال النبي الكريم: فأيهم تَعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السَّماء. فقال له النبي: فاترك الذين في الأرض واعبد الذين في السماء، فأسلم الحصين"[3].

ففرحت وقلت لابني: سبحان الذي هداك لهذا الجواب.

"فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ"  [4].                            

 

"... إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"[5].

ولن أنسى إجابة زائرة هندوسية عندما سألتها عن خوفها الشديد مني عندما كنت أكلمها عن المفهوم الحقيقي للإله، قالت: أنا أخاف أن أناقشك لأنكِ قد تكوني أنتِ الله، حيث لديكِ كثير من العلم، فالإله قد يأتي بصورة إنسان أو ربما حيوان ليعلمنا درسًا معينًا، وقد يكون قد أتى في صورتك.

حينها شعرت بمشاعر مختلطة بين الرغبة في الضحك من إجابتها، والحزن على حالها، والتعجب من الحال التي وصل إليها هؤلاء الناس.

قلت لها: عجيب أمرك، أنا لا أستطيع أن أتخيل أبي أو زوجي في صورة حيوان أو أي مخلوق آخر، كيف تقبلين هذا التصور للإله الخالق، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

وأتذكر هنا قصة زائر هندوسي كان قد جاء برفقة ابنته وزوجها المسلمَيْن، ودموع ابنته شوقًا لسماع خبر قبول والدها لاعتناق الإسلام لا زالت في ذاكرتي.

كان فعلاً قد قبل عرضًا مني لاعتناق الإسلام عندما أجبته عن سؤال يدور في ذهنه، قال: أنا مقتنع بالإسلام، ولكن أشعر أنني حين أُصبح مسلمًا سوف يكون تصرفي هذا فيه كثير من قلة الاحترام لوالديّ وعدم الوفاء لهما بعد موتهما.

قلت له: وهل نسيت حق خالقك الذي خلقك وصَوَّرك وكرَّمك وأعطاك المال والولد؟ إن كان أبواك قد ألقيا بنفسيهما في البحر ليغرقا، هل كنت سترمي بنفسك؟ مستقبلك مع خالقك وليس مع أبويك. ولو كان لأبويك الفرصة للعودة للحياة لنصحاك بالإسلام.

وكنت قد أكدت قبل نطقه بالشهادة على ضرورة الإيمان باليوم الآخر وترك عقيدة تناسخ الأرواح، وهذه من النقاط الأساسية التي يجب التركيز عليها. وكان قد سألني عن السبب.

قلت له: هل تقبل إدارة أي مدرسة أو جامعة لأيٍّ من تلاميذها أن يُكمل أحدًا عنه الاختبار عند انتهاء الوقت المحدد؟ الحياة هي ورقة اختبارك.

إننا لو تأملنا الانسجام الموجود بين أجساد البشر وأرواحهم لتَبيَّن لنا أنه من غير الممكن جعل هذه الأرواح تسكن في أجساد الحيوانات ولا يمكن لها التجول بين النباتات والحشرات (تناسخ الأرواح) ولا حتى في أشخاص.  لقد مَيَّز الله الإنسان بالعقل والمعرفة وجعله خليفة في الأرض، وفضَّله وكرَّمه ورَفع من شأنه على كثير من الخلائق. ومن عدل الخالق وجود يوم القيامة والحساب والجنة والنار، لأن كل الأعمال الصالحة والسيئة سوف تقاس وتُوزن في هذا اليوم.

" فمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ "[6].

ومن القصص الجميلة التي رواها لنا أحد شيوخنا الأفاضل في مجال الدعوة، كانت عن شخص من الديانة الهندوسية والذي كان قد سافر لأول مرة في حياته، وكان قد وضع إلههُ الصغير في حقيبة السفر مع باقي أمتعته الشخصية، وعندما وصلت الطائرة إلى وجهتها ضاعت الحقيبة، وذهب إلى استعلامات المطار ليُبلغ عن فقدانها، وعندما سألوه عن محتويات الحقيبة خجل أن يخبرهم أن إلههُ داخل الحقيبة، وقد كان هذا الموقف المحرِج نقطة انطلاق له للبحث عن الحقيقة وإدراك فداحة ما ارتكبه طول حياته من عبادة ما لا ينفع ولا يضر من دون الله. وانتهى به المآل إلى الإسلام. وعندها أيقن أن فقدانه للحقيبة في ذلك اليوم كان من حُسن حظه وليس كما ظن في البداية.

وإلهكم إلهٌ واحد:

منذ ظهور الإنسان على الأرض - منذ عهد آدم - أرسل رب العالمين الرسل، وكان يختار أكثر الرجال ورعًا وتقوى في قومه ليكون نبيًا وحكمًا بينهم، ولتذكيرهم بإخلاص العبودية لله وحده. وكلما قام الناس بتحريف رسالة الأنبياء السابقين وحادوا عن الطريق السليم وعبدوا غيره، كان الله يُرسل نبيًا جديدًا ليقود الناس ويعيدهم إلى الطريق الصحيح وتوجيههم مرةً أخرى لعبادته وحده.

أرسل الخالق رسالة واحدة إلى جميع الأمم وطريق واحد للخلاص، عبارة عن رسالة واضحة بسيطة وهي: الإيمان بإله واحد، وعبادته وحده. كان وجود النبي في قومه بمثابة المشكاة التي تنير الطريق لأتباعه وتوضح لهم وسيلة الحصول على الخلاص، وذلك باتباع تعاليم هذا النبي وأفعاله بعبادة الخالق وحده، وليس كما يفهم البعض خطأً أن يجعلوا نبيهم وسيط أو إله للتقرب لرب العالمين من خلاله.

كما أن العديد من الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله للأمم المختلفة ذُكرت أسمائهم في القرآن الكريم (مثل المسيح عيسى، موسى، إبراهيم، نوح، داود، سليمان، إسماعيل، إسحق ويوسف، إلخ....)، هناك آخرون لم يُذكروا. فإن احتمالية كون بعض الرموز الدينية في الهندوسية والبوذية (مثل راما، كريشنا، وغواتاما بوذا) أن يكونوا أنبياء أرسلهم الله هي فكرة غير مستبعدة، غير أن هذه الشعوب استخدمت هذه الرموز للشرك بالله. وبينما تتذرَّع بعض الشعوب بأن الله لم يبعث فيهم رسولاً ولا نبيًا كما أرسل النبي محمد للعرب، فيأتي القرآن الكريم ليؤكد عكس ذلك في قوله تعالى:

"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ" [7].

وقوله تعالى:

"إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ"[8].

وهنا تتجلَّى عظمة الإسلام في شموليته وبساطته، فمصطلح الإسلام غير مرتبط بأي شخص أو مكان أو جماعة خاصة، ولكنه يعكس العلاقة مع رب العالمين.

أذكر هنا قصة لمدرس اللغة الفرنسية الكاثوليكي في أفريقيا، أنه قال لي يومًا أمام الطلاب في الفصل- وقد كنت المسلمة الوحيدة بينهم- حيث قال: أنا أحب الإسلام.

قلت له: لماذا؟

قال: المسلمون يعبدون إلهًا واحدًا، ولديهم كتابًا مقدسًا واحدًا، ويصلون باتجاه واحد، فأنا معجب جدًا بهذا الدين.

شعرت حينها بفرحة كبيرة وفخر بهذا الدين العظيم، وكانت هذه اللحظة نقطة انطلاق لي لتكريس وقتي وجهدي لدراسة الطريقة السليمة لعرض الإسلام، وتغيير أسلوب الحوار الدارج بين الدعاة، والذي يُنفِّر من الإسلام أكثر مما يُقرِّب إليه. فالإسلام دين الفطرة، بسيط ومفهوم، ولكن يُعرَض بطريقة معقدة وتكاد تكون خاطئة. وقد أعجبني قول سمعته مرة: أن الإسلام سلعة جيدة ولكن المسوق لها فاشل.

في زيارة لزائر أرجنتيني لمركزنا فاجأني بقوله: أنا معي خمس دقائق فقط هنا، وأريد أن أعرف بثلاث دقائق فقط ما هو الفرق بين النصراني والمسلم قبل أن أخرج لأتمكن بباقي الوقت من التقاط بعض الصور للمسجد.

قلت في نفسي: ماذا عليَّ أن أقول بهذه الدقائق الثلاث، واحترت لوهلة، لكنني شعرت بقوة مفاجئة للرد عليه بسرعة وقلت له: هل لديكم في الأرجنتين من النصارى (المسيحيين) من نشأ في أُسرة نصرانية وتعمَّد، وعندما كبر قال: أنا غير مقتنع بأن الله له ولد، وهو بالنسبة لي واحد أحد والمسيح هو نبيٌ فقط، وأنا ألجأ إلى الله في الدعاء مباشرةً ولا ألجأ إلى المسيح؟

قال لي: نعم، هناك الكثير وأنا واحد منهم.

قلت له: إذًا أنت مسلم دون أن تدري.

فذُهل وقال: عجيب! إذًا فأنا مسلم؟

قلت له: نعم، لكن عليك أن تقبل بمحمد عليه الصلاة والسلام على أنه خاتم رسل الله، لأنك قد سمعت عنه مني هنا.

قال: نعم أقبل، وعقَّب قائلاً: عند دخولي المركز كان أقصى أملي أن أعرف الفرق بين المسلم والنصراني، ولم أكن أتوقع أن أخرج من هذا المكان مسلمًا. شكرًا لكِ أن أنرتِ دربي.

قلت له: الحمد والشكر لله وحده أن هدانا جميعًا لدين الحق.

المنطقي من الله والمعقد من البشر:

سألني يومًا زائرٌ ألماني، وقد كان واحدًا من ضمن مجموعة كبيرة من الألمان الذين يستمعون إلى تعريف بالإسلام كنت ألقيه بنفسي عليهم باللغة الألمانية، قال: إذا كان الإسلام بهذه البساطة والمنطقية كما تقولين، فلماذا يتسبب المسلمون بكل هذه المشاكل السياسية؟

وقد كان هذا السؤال أمام المجموعة وكان عليَّ أن أتدارك الموضوع حتى لا يُفسد هجومه هدوء الحوار.

قلت له فورًا: أنا فقط للعلم سوف أموت وحدي، وسوف أُبعث وحدي، وسوف ألقى الله وحدي، بدون أهلي ومالي. إنني سوف ألقى الله بثلاثة أجوبة لثلاثة أسئلة وهي: من ربك، ما دينك ومن رسولك؟ والله ينتظر مني الإجابة، وهي: أن الله الخالق ربي، وديني هو الإيمان به وعبادته وحده بدون وسيط، ونبيّي محمد خاتم الرسل، وباعترافي بمحمد خاتم الرسل أكون قد آمنت بجميع الرسل الذين سبقوه، وهذا فرض وواجب على كل مسلم.

"قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"[9].

 

" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "[10].

قلت له: وأنتم أيضًا، وكل إنسان على وجه الأرض، سوف يقابل الله وحده، والحياة قصيرة، والموت يداهمنا فجأة، متى سوف نتعلم كيف نفرق بين المشاكل السياسية والدين؟ أما آن الأوان لنتعلم كيف نحدد أولوياتنا؟

فهدأ الرجل وصفقت المجموعة فرحًا بالإجابة.

قلت لهم جميعًا بعد ذلك: أريد أن أسألكم سؤالاً، إنه لمن المعروف أن كل أُمَّة وشعب من الشعوب لديهم عادات، تقاليد، أهواء وبدع.

قلت لهم مسترسلة: شخص بسيط مثلي هنا أو آخر في الصين، أو لديكم في ألمانيا أو في أمريكا الجنوبية أو أفريقيا مثلاً، كيف يستطيع أن يُفرِّق مبدئيًّا بين دين الله البسيط وتقاليد وبِدع شعب المكان الذي هو فيه قبل قراءة أي كتاب ديني؟

أخذوا يحاولون التخمين، وبعد أن فشلوا بإعطائي الجواب الصحيح، قلت لهم: كلكم تعرفون مصطلح يُدعى الفطرة السليمة أو المنطق السليم، فكل ما هو منطقي من الله، وكل ما هو معقد من البشر، وضحكوا جميعًا بشدة، ومنهم من صفق ثانيةً.

قلت لهم: على سبيل المثال، إذا أخبركم رجل دين مسلم أو نصراني أو هندوسي أو من أي ديانة أخرى، أن للكون خالق واحد أحد، ليس له شريك ولا ولد، لا يأتي إلى الأرض بصورة إنسان أو حيوان ولا حجر ولا صنم، وأنه علينا أن نعبده وحده ونلجأ إليه وحده بالشدائد، فهذا فعلاً دين الله، أما إن أخبركم عالِم دين مسلم أو نصراني أو هندوسي الخ، أن الله يتجسد بأي صورة معروفة لدى البشر، ويجب أن نعبده ونلجأ إليه عن طريق أي شخص أو نبي أو قسِّيس أَو قدِّيس، فهذا من البشر، اتركوه.

قلت لهم: إنه يكفي لأن تذهبوا لزيارة للهند مثلاً، وتقولوا بين الجماهير: الخالق الإله واحد، لأجاب الجميع وبصوت واحد: نعم، نعم الخالق واحد. فقلت للمجموعة: وهذا فعلاً ما هو مكتوب في كتبهم[11].

لكنهم يختلفون ويتعاركون وقد يذبح بعضهم البعض على نقطة أساسية وهي: الصورة والهيئة التي يأتي بها الله إلى الأرض. فالهندي النصراني يقول مثلاً: الله واحد، لكنه يتجسد في ثلاثة أقانيم (الآب، الابن والروح القدس)، والهندي الهندوسي منهم من يقول: يأتي الله بصورة حيوان أو إنسان أو صنم.

قلت لهم: لو تفكرون بتعمق لوجدتم أن جميع المشاكل والفروقات بين طوائف الديانات والديانات نفسها هي بسبب الوسطاء التي يتخذها البشر بينهم وبين خالقهم، فمثلاً طوائف الكاثوليكية وطوائف البروتستانت وغيرها، وطوائف الهندوسية، تختلف على كيفية التواصل مع الخالق، وليس على مفهوم وجود الخالق نفسه، فلو عبدوا الله جميعهم مباشرة لتوحدوا.

 

"قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"[12].

قلت لهم مسترسلة: إضافةً إلى ذلك، يجب أن تعرفوا أن دين الله واضح ومنطقي ولا ألغاز فيه. فأنا هنا إن أردت أن أقنعكم بأن محمدًا إله عليكم أن تعبدوه، فعليَّ أن أبذل مجهودًا كبيرًا لكي أقنعكم بهذا، ولن تقتنعوا أبدًا، لأنكم قد تسألوني: كيف يكون محمدًا إله وقد كان يأكل ويشرب مثلنا؟ وقد ينتهي بي المطاف لأقول لكم: أنتم لم تقتنعوا لأنه لغز ومفهوم غامض، سوف تفهموه عند لقاء الله كما يفعل الكثير اليوم في تبريرهم لعبادة المسيح وغيره. وهذا المثال يبرهن على أن دين الله الصحيح لا بد أن يكون خالي من الألغاز، والألغاز لا تأتي إلا من البشر.

قلت لهم مسترسلة: دين الله أيضًا مجاني، فالجميع لديه الحرية في الصلاة والتعبد في بيوت الله دون الحاجة لدفع اشتراكات للحصول على عضوية للتعبد فيها، أما إن كان فُرض عليَّ أن أسجل وأدفع النقود في أيٍّ من دور العبادة للتعبد فهذا من البشر.

أما إن أخبرني رجل الدين أن عليَّ أن أُخرج صدقةً لمساعدة الناس مباشرة فهذا من دين الله.

والناس سواسية كأسنان المشط الواحد في دين الله، فإنه لا فرق بين عربيّ ولا أَعجميّ ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى. فلو أخبروكم أن هذا المسجد أو الكنيسة أو المعبد للأبيض فقط والأسود له مكان منفصل، فهذا من البشر.

قلت لهم: تكريم المرأة والرفع من شأنها هو أمر من الله، لكن قمع المرأة من البشر.

فسأل أحدهم: فلماذا المرأة المسلمة في أفغانستان مقمعة إذًا؟

قلت له: وهل تظن أن المرأة البوذية أو النصرانية في أفغانستان تعيش في الجنة؟

إذا كانت المرأة المسلمة مقمعة في أفغانستان، فالهندوسية أيضًا مقمعة والبوذية والنصرانية هناك، هذه ثقافة شعوب، وليس لها علاقة بدين الله الصحيح في شيء.

قلت لهم معقبة: دين الله الصحيح دائمًا في توافق وتناغم مع الفطرة، فمثلاً، أي مدخن للسيجار أو شارب للخمر يطلب من أولاده دائمًا الابتعاد عن شرب الخمر والتدخين لقناعته العميقة بخطرهما على الصحة والمجتمع.

فعندما يُحرِّم الدين الخمر مثلاً، فهذا بالفعل أمرٌ من أوامر الله، لكن إذا جاء الدين ليحرِّم الحليب على سبيل المثال، فهذا ليس فيه منطق، فالجميع يعلم أن الحليب مفيدٌ للصحة. إن من رحمة الله ولطفه في خلقه أن سمح لنا بأكل الطيبات ونهانا عن أكل الخبائث.

وغطاء الرأس للمرأة والاحتشام للرجال والنساء مثلاً أمرٌ من الله، لكن تفاصيل الألوان والتصاميم من البشر، فالمرأة الصينية الريفية الملحدة والريفية النصرانية السويسرية تلتزم بغطاء الرأس، على أساس أن الاحتشام شيء فطري.

فهكذا نستطيع أن نفرق بين الحق والباطل قبل أن نقرأ أي كتاب ديني.

والإرهاب مثلاَ، منتشر بأشكال كثيرة في العالم بين طوائف جميع الديانات، وقد عشت في أفريقيا لفترة طويلة وأعلم أن هناك طوائف نصرانية في أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم تقتل وتمارس أبشع أنواع القمع والعنف باسم الدين وباسم الله، وهم يشكلون 4% من تعداد نصارى العالم. بينما من يمارس الإرهاب باسم الإسلام يشكلون 01, 0% من تعداد المسلمين، وليس هذا فحسب، بل الإرهاب منتشر أيضًا بين طوائف البوذية والهندوسية وغيرها من الديانات الأخرى.

لكن تسليط الضوء بوسائل الإعلام على الأمثلة السيئة من المسلمين والجيدة من غير المسلمين، وإلقاء لقب إرهابي على المسلم الذي يقتل غيره، ولقب مريضًا نفسيًا على غير المسلم الذي يقتل الغير، هذا ما لا نقبله أبدًا.

وهذا ما قلته لصحفي فرنسي أثناء حواري معه بهذا الخصوص، قلت له: أنتم في الإعلام تلعبون دورًا خطيرًا في تشويه صورة الإسلام من خلال حرصكم المتواصل على نقل أخبار هذه الأمثلة السيئة من المسلمين.

فقال: عذرًا، نحن لا ننقل إلا الحقيقة ولا ننقل الأخبار الزائفة.

قلت له: أنا لا أدَّعي أن أخباركم زائفة، أنا أقول: إنكم حين تخصصون زاويةً في مجلاتكم الإخبارية للحديث عن الأمثلة السيئة من المسلمين، عليكم أيضًا أن تخصصوا زاوية أخرى للحديث عن غيرهم، وعندما تُلقبوا القاتل المسلم بالإرهابي، فعليكم أن تُلقبوا القاتل غير المسلم بالإرهابي أيضًا.

قال: كلامك فيه كثير من الصحة.

فأقِم وجهك للدين القَيِّم:

 

"قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"[13].

"وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"[14] .

إن الدين هو: مجموعة العلاقات والأخلاقيات والقيم التي تربط الإنسان بخالقه وبالمجتمع من حوله.

أولا: جزء يختص بالعلاقة مع رب العالمين.

ثانيا: جزء يختص بتنظيم العلاقات الإنسانية.

تُشدد الوصايا في الآيات الكريمة أعلاه على المحافظة على الحقوق، وعلى رأسها حق رب العالمين في اخلاص العبودية له، وهي النقطة التي تغطي العلاقة بين الإنسان وخالقه.

ومن ثم حق الوالدين بالإحسان لهما، ومن ثم حق الأولاد في الحصول على حياة كريمة، والنهي عن اقتراف الفواحش أو حتى الاقتراب منها، وعدم قتل النفس البشرية بغير حق والمحافظة على مال اليتيم والقسط في الوزن والمكيال، والعدل عند القول والفعل، والوفاء بالعهود وعلى رأسها العهد مع رب العالمين.

ورغم وجود هذه الوصايا في الديانات الأخرى المنتشرة في العالم، إلا أنه من العجيب أنني قد وجدت من خلال حواراتي مع غير المسلمين أنهم يتذكرون كل الوصايا إلا الوصية الأولى، فعندما أطلب منهم سردها لي فإنهم غالبًا ما يبدؤون من الثالثة، ويُعللون ذلك بأنهم دائمًا ما ينسون الوصية الأولى والوصية الثانية، واللاتي تنصان على أهمية الإيمان بالله وعبادته وحده وعدم الشرك به. وهذا دليل على تجاهل هاتين الوصيتين بصورة متعمدة من قبل رجال الدين والمؤسسات الدينية لكسب فوائد دنيوية وسياسية.

أما فيما يتعلق بطبيعة باقي الوصايا والقوانين الأخلاقية العالمية للدين، فيمكن إيجازها على النحو التالي:

إن مجموعة المبادئ التوجيهية الأخلاقية والتي تقيد السلوك البشري يمكن الإشارة إليها بالضمير الداخلي للإنسان أو الحاكم أو الرقيب الإنساني، ويتم تعزيز هذا الضمير أو الرقيب من خلال التربية والتعليم، ويتم تغذيته بالمعلومات والثقافة من البيئة المحيطة بالإنسان.

وهذه المبادئ فطرية معنوية لا تُشرح ولا تُفسَّر للناس، ولا ينبغي فرضها بالقوة، لأنها جزء من التصرف الفطري للإنسان، وبالتالي فإن الناس مدركون لهذه القيم الأخلاقية بشكل طبيعي وغريزي. فمثلاً الصدق والأمانة هي صفات وفضائل طبيعية، بينما الاحتيال والخداع صفات منبوذة بطبيعتها، ويمكن للمرء بسهولة انتهاك أو تجاوز هذه القواعد والأوامر الأخلاقية لأنها ليست مادية ملموسة، لذلك كان على المجتمع المتحضر أن يضع قواعد اجتماعية يتم المحاسبة عليها من خلال نظام المكافأة والعقوبة، وأي شخص يحاول تقويض هذه القيم يجب أن يُحاسَب ويُحاكَم.

هذه المبادئ الأخلاقية عبارة عن التزامات اجتماعية لا يمكن الاختلاف عليها، أو أن تصبح موضوع استفتاء عام. إنها حقائق اجتماعية لا غنى للمجتمع عنها في محتواها ومعناها، فدائمًا مثلاً ما يُنظر إلى عدم احترام الوالدين أو الكذب على أنه سلوك بغيض، ولا يمكن تبريره على أنه صدق أو احترام.

إن تثبيت وإرساء هذه القيم الأخلاقية كمعايير اجتماعية لا يعني عدم وجود الفجور والشر في هذا العالم. إن الدين واقعي وعملي ولا يوجد فيه أوهام ولا يفترض المثالية، إنه يُقر بوجود الخير والشر كما ويُقر بوجود الحياة والموت.

 

" كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ"[15].

جميع هذه المبادئ التوجيهية والأخلاقية مترابطة بشكل قوي وتشكل شبكة كلية من الروابط والصلات لا تسمح بالتفكك أو الانقسام، لأنها تُمثل مسارًا مستقيمًا واحدًا لا يمكن تجزئته.

" وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [16].

إن الالتزام بهذه المبادئ الأخلاقية لا يتطلب قوة أو مهارة من الفرد. إن الإيمان بالخالق واتباع الوصايا الأخلاقية لا يتطلب ذكاءً حادًا، ولا قدرات خاصة، ولا يحتاج المرء أن يكون موهوبًا أو مبدعًا بشكل استثنائي حتى يعرف أن قتل الآخرين هو تصرف خاطئ، والنفور من هذه الخصلة متأصل في الطبيعة البشرية. إن أركان الإسلام ووصاياه لا تحتمل التأويل أو أنصاف الحلول.

 

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"[17].

يمكن اعتبار الأخلاق على أنها قانون روحي اجتماعي يُرسي أساس العلاقة بين أعضاء الجنس البشري، ولا شك أنه يُميِّز البشر عن الحيوانات، وهو ساري المفعول بغض النظر عن الهيكل الاقتصادي في المجتمع.

تتميز أخلاق الدين بصلاحيتها على المستوى العالمي، هذه الأخلاق تختلف عن العادات والتقاليد (العُرف). فالأحكام والأخلاقيات والقيم عبارة عن قواعد دقيقة وقوانين ثابتة ومحددة، وهي موجودة منذ عهد نوح وحتى آخر الرسل محمد عليهم الصلاة والسلام على شكل وصايا وهي صالحة لكل زمان ومكان، وتتقاسمها العديد من الثقافات المختلفة في العالم، ويتم التقيد بها بغض النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي أو البيئة الاجتماعية.

وتُعتبر القاسم الإنساني المشترك الذي يوحد الثقافات والأنظمة السياسية، ويوحد العرق والطبقة والجنس. إنها تؤثر بشكل مباشر على السلوك الاجتماعي للفرد عند إضفاء الطابِع التشريعي والقانوني عليها كمواد دستورية أو قوانين محلية. كما يجدر الإشارة هنا أن الديانات دعت أيضًا للأخذ بالعُرف (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وهو احترام التقاليد والعادات للمجتمع التي لا تتنافى مع القيم والأخلاق العامة. وهو ما اعتاد عليه أغلب الناس أو طائفة منهم وساروا عليه من قول أو فعل، مما لا يخالف شريعة الدين القيِّم.

 

" ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ" [18].

سألني ملحدٌ يومًا عن أهمية الالتزام بالأخلاق العالمية تحت مظلة الدين، والذي كان برأيه الاكتفاء بمعاملة الناس بعضهم بعضًا بخُلقٍ حسن دون الإيمان بالله ما دام الغرض من الحياة هو تعمير الأرض، وأنه يوجد كثير من الملحدين ملتزمون تمامًا بالأخلاق الحميدة، ويسعون جاهدين لعمارة الأرض.

قلت له: إن تعمير الأرض والخُلق الحسن ليسا الغاية للدين، لكنهما في الحقيقة وسيلة! فغاية الدين أن يُعرِّف الإنسان بربِّه ثم بمصدر وجود هذا الإنسان وطريقه ومصيره، ولا يتحقق حسن النهاية والمصير إلا بالحصول على رضا رب العالمين، والسبيل إلى ذلك يكون بتعمير الأَرض والخُلق الحسن بشرط أن تكون أفعال العبد ابتغاءً لمرضاته تعالى.

 

" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"[19].

نستنتج مما سبق أن الدين القيِّم هو: الإيمان بأن للكون خالق واحد، وهو الله الواحد الأحد، ودين الله يجب أن يكون واحد، سهل، مفهوم وبسيط، موافق للفطرة البشرية، وصالح لكل زمان ومكان. وهو:

الوحدانية: الإيمان بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ولد، وأنه هو الخالق والرازق للكون كله وما يحتويه.

العبودية: عبادة الله وحده وعدم الاشراك في عبادته أحدًا أو شيئًا آخر.

الإيمان بالرسل: اتباع الرسل والإيمان بما جاؤوا به (في تلك الفترة). (البشارة بقدوم النبيّ محمد، والحث على إتباعه والإيمان به لمن سمع عنه).[20]

الأخلاق: فعل الخيرات واجتناب السيئات.

"قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"[21].

============================================

[1] (إنجيل بوذا، صفحة 217 -218) "قال أناندا للمبارك: من يعلمنا عندما تذهب؟  فرد المبارك: لست أول بوذا جاء إلى الأرض ولن أكون الأخير. في الوقت المناسب سوف يظهر بوذا آخر في العالم ".

[2] (البقرة: 165).

[3](أخرجه الترمذي).

[4] (العنكبوت: 65).

[5] (يوسف: 40).

[6] (الزلزلة: 7-8).

[7] (غافر: 78).

[8] (فاطر: 24).

[9] (البقرة:136).

[10] (البقرة: 285).

[11] في الهندوسية:

(تشاندوجيا أوبانيشاد 6: 2-1).

"إنه إله واحد فقط ليس له ثاني".

(فيداس، سفيتا سفاتارا أبانيشاد: 4:19، 4:20، 6: 9).

" الإله لا يوجد آباء ولا سيد".
" لا يمكن رؤيته، لا أحد يراه بالعين".
"لا يوجد شبيه له".

(ياجورفيدا 40: 9).

"يدخلون الظلمة، أولئك الذين يعبدون العناصر الطبيعية (الهواء والماء والنار، إلخ). يغرقون في الظلام، أولئك الذين يعبدون السامبوتي (أشياء مصنوعة باليد مثل الوثن، الحجر، إلخ) "..

في المسيحية (النصرانية):

(إنجيل ماثيو 4: 10).

" حينئذ قال له يسوع: اذهب يا شيطان لأنه مكتوب: للرب إِلهك تسجد وإياه وحده تعبد ".

(سفر الخروج 20: 3 - 5).

 "لا يكن لك آلهة أخرى أَمامي. لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب إِلهك إِله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأَبناءِ في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ".

[12] (آل عمران:64).

[13] (الأنعام:151).

[14] (الأنعام:152).

[15] (الأنبياء:35).

[16] (الأنعام:153).

[17] (آل عمران:102).

[18] (النحل:89).

[19] (الكهف:110).

[20]  www.fatensabri.com كتاب المفهوم الحقيقي للإله. فاتن صبري.

[21] (الأنعام: 161).

 

  • الجمعة AM 11:54
    2022-06-03
  • 899
Powered by: GateGold