المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412584
يتصفح الموقع حاليا : 294

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى تأويل ابن عباس - رضي الله عنه - لمجيء الرب عز وجل

زعم الأشعريان أن ابن عباس - رضي الله عنه - تأول مجيء الرب عز وجل، معتمدين على ما ذكره النسفي في تفسيره عند قوله تعالى: {وجاء ربك والملك} الفجر 22، ما نصه: (وعن ابن عباس: أمره وقضاؤه) اهـ. ومثله ما نقلاه عن الحسن.

 دعوى تأويل ابن عباس - رضي الله عنه - للفظ (الأعين)

زعم الأشعريان أن ابن عباس - رضي الله عنه - تأول العين لله تعالى، فقالا: (قال تعالى: {واصنع الفلك بأعيننا} الطور 48، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: بمرأى منا ... ).

والجواب أن يقال:

أولاً: أن هذا الأثر ليس بثابت عن ابن عباس - رضي الله عنه -، فإن البغوي ذكره بغير إسناد، والثابت عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال في قوله: {واصنع الفلك بأعيننا} هود37: بعين الله (1).

وقال عطاء: عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله عز وجل {تجري بأعيننا} القمر14، قال: أشار بيده إلى عينيه (2).

وهذا صريح منه في إثبات العينين لله تعالى.

وهذا هو المعروف عن السلف، فقد صح مثله عن أبي عمران الجوني، وقتادة، ومطرف، وخالد بن معدان، وأبو نهيك، وغيرهم.

ثانياً: أن هذا الأثر - على فرض ثبوته - ليس من التأويل في شيء، وإنما هو من التفسير باللازم، إذ أنه من المعلوم أن الله تبارك وتعالى يبصر ويرى ما يصنعه نوح عليه السلام، وما يكيده به قومه، فقال له مسلياً: إنك تحت نظرنا، وبمرأى منا، فلا تخف، وليس هذا من تأويل العينين في شيء، ولا من صرف اللفظ عن ظاهره.

إنما يصح التأويل الذي يزعمانه إذا لم يُثبت لله تعالى عين.

ومعلوم لكل عاقل أن نوحاً عليه السلام لم يكن في نفس عين الله تعالى، فذات الله ليست محلاً للمخلوقات، تعالى الله عن ذلك، وإنما المراد الحفظ والكلاءة.

بل ثبوت اللازم ثبوت الملزوم. كما لو قال قائل في قوله تعالى: {إنني معكما أسمع وأرى} طه46، أي: أنتما في حفظي ورعايتي، لكان صحيحاً، وليس هذا تأويلٌ للرؤية أو السماع، بل هو إثبات لهما لثبوت لازمهما.

قال الدارمي في رده على المريسي: (وأما تفسيرك عن ابن عباس في قوله: {فإنك بأعيننا} الطور 48، أنه قال: بحفظنا وكلاءتنا، فإن صح عن ابن عباس في قوله: {فإنك بأعيننا} الطور 48، أنه قال: بحفظنا وكلاءتنا، فإن صح قولك عن ابن عباس فمعناه الذي ادعيناه، لا ما ادعيت أنت، يقول: بحفظنا وكلاءتنا بأعيننا، لأنه لا يجوز في كلام العرب أن يوصف أحد بكلاية إلا وذالك الكالي من ذوي الأعين، فإن جهلت فسم شيئاً من غير ذوي الأعين يوصف بالكلاية. وإنما أصل الكلاية من أجل النظر، وقد يكون الرجل كالياً من غير النظر، ولكنه لا يخلو أن يكون من ذوي الأعين، وكذلك معنى قولك: عين الله، فافهم) (3) اهـ.

وقد نقل أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين، والإبانة، إجماع أهل السنة على إثبات العينين لله تعالى، كما سيأتي بيانه في الفصل الثاني من الباب الخامس.

 دعوى تأويل ابن عباس - رضي الله عنه - للفظ (الأيد):

زعم الأشعريان أن ابن عباس - رضي الله عنه - تأول اليد لله تعالى، فقالا: (قال تعالى: {والسماء بنيناها بأيد} الذاريات47، قال - رضي الله عنه -: بقوة وقدرة. (القرطبي)) اهـ.

 


(1) رواه ابن أبي حاتم (6/ 2026) وابن جرير (12/ 34) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص396).
(2) سبق تخريجه حاشية 15.

(3) الرد على المريسي (2/ 831).

والجواب: أن لفظ "الأيد" هنا ليس جمع اليد، بل أصله "أيد".

قال ابن منظور في اللسان باب "أيد": (أيد: الأَيْدُو الآدُ جميعاً: القوة، قال العجاج: من أَن تبدّلت بآدِي آدا يعني قوّة الشباب. وفي خطبة علي كرم الله وجهه: وأَمسكها من أَن تمور بأَيدِه أَي بقوّته، وقوله عز وجل: {واذكر عبدنا داود ذا الأَيْد} ص17، أَي: ذا القوة .... وقد أَيَّدَه على الأَمر. أَبو زيد: آد يَئِيد أَيْداً إِذا اشتد وقوي. والتأْييد: مصدر أَيَّدته أَي قوّيته، قال الله تعالى: {إِذ أَيدتك بروح القدس} المائدة110، وقرىء: {إِذ آيَدْتُك} أَي قوّيتك) (1) اهـ.

وقال صاحب مختار الصحاح في باب "يدي": (وقال الله تعالى: {والسماء بنيناها بأَيْدٍ} الذاريات47، قلت: قوله تعالى {بِأَيْد} أي: بقوة، وهو مصدر آد يئيد إذا قوي، وليس جمعاً ليد ليذكر هنا، بل موضعه باب الدال، وقد نص الأزهري على هذه الآية في الأيد بمعنى المصدر، ولا أعرف أحداً من أئمة اللغة أو التفسير ذهب إلى ما ذهب إليه الجوهري من أنها جمع يد) (2) اهـ.


(1) لسان العرب / مادة "أيد"
(2) مختار الصحاح / باب "يدي".

وقد أجاب عن استدلالهما هذا إمامهم أبو الحسن الأشعري حيث قال في "الإبانة" في رده على الجهمية والمعتزلة الذين تأولوا صفة اليد لله تعالى: (مسألة: وقد اعتل معتل بقول الله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد} الذاريات47، قالوا: الأيد القوة، فوجب أن يكون معنى قوله تعالى: {بيدي} ص75، بقدرتي، قيل لهم: هذا التأويل فاسد من وجوه:

أحدها: أن "الأيد" ليس بجمع لليد؛ لأن جمع "يد" أيدي، وجمع "اليد" التي هي نعمة أيادي، وإنما قال تعالى: {لما خلقت بيدي} ص75، فبطل بذلك أن يكون معنى قوله: {بيدي} ص75، معنى قوله: {بنيناها بأيد}) (1) اهـ.

وقال ابن خزيمة في التوحيد: (وزعم بعض الجهمية: أن معنى قوله: «خلق الله آدم بيديه» أي بقوته، فزعم أن اليد هي القوة، وهذا من التبديل أيضا، وهو جهل بلغة العرب، والقوة إنما تسمى الأيد بلغة العرب، لا اليد، فمن لا يفرق بين اليد والأيد فهو إلى التعليم والتسليم إلى الكتاتيب أحوج منه إلى الترؤس والمناظرة.) (2) ا. هـ.


(1) الإبانة للأشعري (ص108).
(2) التوحيد (ص87).

 

  • الخميس AM 07:46
    2022-06-02
  • 1274
Powered by: GateGold