المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414989
يتصفح الموقع حاليا : 301

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى تأويل الإمام مالك لصفة النزول

دعوى تأويل الثوري للاستواء:

قال الأشعريان (ص236): (وأول سفيان الثوري الاستواء على العرش: بقصد أمره، والاستواء إلى السماء: بالقصد إليها (مرقاة المفاتيح 2/ 137)) اهـ.

وهذا الأثر ذكره ملا على القاري في "المرقاة" جزافاً بلا إسناد ولا عزو، ولا يُعرف هذا التأويل عن الثوري. بل المعروف المتواتر عنه قوله في جميع الصفات: (أمرّوها كما جاءت بلا كيف). وقد سبق تخريجه والكلام عليه.

ولا يُعرف عن أحد من السلف قط أنه أوّل الاستواء لله تعالى بغير العلو، سواء ما عُدّي بـ على (استوى على) أو ما عُدّي بـ إلى (استوى إلى).

[ دعوى تأويل الإمام مالك لصفة النزول]

زعم الأشعريان أن الإمام مالكاً قد أول صفة النزول لله تعالى فقالا: (سئل الإمام مالك رحمه الله عن نزول الرب عز وجل، فقال: "ينزل أمره كل سحر، فأما هو عز وجل فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل سبحانه لا إله إلا هو) ا. هـ

فالجواب: أن هذا الأثر لا يصح عن الإمام مالك لأمور:

أولها: أنه من رواية حبيب كاتب مالك، وهو كذاب

قال أبو داود: (كان من أكذب الناس)، وقال: (أحاديثه كلها موضوعة)، وقال ابن حبان: (يروي الموضوعات عن الثقات) (1).

وقال ابن عدي: (وعامة حديث حبيب موضوع المتن مقلوب الإسناد، ولا يحتشم حبيب في وضع الحديث على الثقات، وأمره بيّن في الكذابين) (2) اهـ.

وللأثر طريق آخر ذكره ابن عبد البر في التمهيد من طريق محمد بن علي الجبلي عن جامع بن سوادة عن مطرف عن مالك أنه سئل عن حديث التنزل فقال: (يتنزل أمره) (3).

وهذا إسناد مظلم، فإن محمد بن علي الجبُّلي قال عنه الخطيب: (قيل إن كان رافضياً شديد الرفض) (4) اهـ.


(1) ميزان الاعتدال (1/ 452).
(2) الكامل في ضعفاء الرجال (2/ 414).
(3) التمهيد (7/ 143).
(4) تاريخ بغداد (3/ 101) وميزان الاعتدال (3/ 675) ولسان الميزان (5/ 303).

وأما جامع بن سوادة فمجهول، وقد روى له الدارقطني في غرائب مالك حديثاً ثم قال: (الحديث باطل، وجامع ضعيف) (1) اهـ.

وقال عنه ابن الجوزي في الموضوعات بعد أن روى له حديث الجمع بين الزوجين: (هذا موضوع وجامع مجهول) (2) اهـ.

الثاني: أن هذا الأثر مخالف للمعروف المستفيض عن الإمام مالك من إمرار الصفات على ظاهرها، وعدم التعرض لها بتأويل ولا غيره.

كما في رواية الوليد بن مسلم عنه حيث قال: (سألت الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف) (3) اهـ.

وكما في الأثر المشهور المستفيض عنه لما سئل عن كيفية الاستواء فقال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول .. ) (4).

وكذا ما رواه ابن أبي زمنين في "أصول السنة" حيث قال في "باب الإيمان بالنزول": (ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى سماء


(1) ميزان الاعتدال (1/ 387) ولسان الميزان (2/ 93).
(2) الكشف الحثيث لابن سبط ابن العجمي (ص83).
(3) سبق تخريجه حاشية 117.
(4) سبق تخريجه حاشية 127.

الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حداً، وذكر الحديث من طريق مالك وغيره إلى أن قال: وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن الزهري عن ابن عباد قال: ومن أدركت من المشائخ مالك، وسفيان، وفضيل بن عياض، وعيسى بن المبارك، ووكيع، كانوا يقولون: إن النزول حق) (1) اهـ. فهذا هو المعروف المشهور المستفيض عن الإمام مالك.

أما قول الأشعريّيْن عن هذا الأثر مدافعين عن ضعفه وعدم ثبوته (حاشية ص130): (إلا أن أصحاب المذهب أعرف بأقوال إمامهم من غيرهم، لا سيما إذا كان القول مشهوراً عندهم شهرة مستفيضة) اهـ.

ولا أدري هل يعرف الأشعريان معنى الشهرة المستفيضة أم لا؟

فإن القول المستفيض المشهور عن الإمام هو الذي يُروى عنه بطرق متعددة، وينقله كبار أصحابه ومعاصريه، أما ما رواه المتأخرون عنه بسند موضوع، ولا يعرف له أصل صحيح عنه، ولا ذكره أحد من ثقات أصحابه الذين لازموه، ولا سطروه في كتبهم مما نقلوه عن إمامهم، فكيف يكون هذا مشهوراً شهرة مستفيضة!!!

وهذا الأثر لا يثبت عن الإمام مالك، فضلاً عن شهرته عنه، وإنما ينقله من يعتقد تأويل الصفات، وأنها ليست على حقيقتها، فيفرح بمثله معرضاً عما في الكتاب والسنة وما تواتر عن سلف الأمة، ومعرضاً عما هو المعروف عن إمامهم.

وحسبك بهذا الأثر نكارةً أنه لم يُذكر في شيء من كتب السنة التي تنقل معتقد السلف وأقوالهم قط، ولا في شيء من كتب أصحاب الإمام مالك التي تنقل أقواله واختياراته كالمدونة وغيرها، ولم يُسطر في كتاب يحكي عقيدة الإمام مالك، كالرسالة لابن أبي زيد القيرواني. فكيف بمكن بعد هذا أن يكون مشهوراً مستفيضاً عن الإمام مالك!!!

وأظهر منه في البطلان والكذب ما حكياه عن الإمام مالك فقالا (ص129): (ذكر الإمام ناصر الدين بن المنير الإسكندري المالكي في كتابه "المنتقى في شرف المصطفى" لما تكلم عن الجهة وقرر نفيها قال: "ولهذا أشار مالك رحمه الله تعالى في قوله "لا تفضلوني على يونس بن متى" فقال مالك: إنما خص يونس للتنبيه على التنزيه لأنه رفع إلى العرش، ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفضل، ولَمَا نهى عن ذلك) ا. هـ) اهـ.

وهذا كذب على الإمام مالك بلا ريب، وافتراء عليه وبهتان، فأين وجدتم هذا القول عن مالك؟، وفي أي كتاب مسند أثرتموه؟!!!

 


(1) سبق تخريجه حاشية 64.

وهذا إنما قاله أبو المعالي الجويني، منكراً علو الله تعالى على خلقه، وارتفاعه بذاته على عرشه.

وهذا الحديث المذكور ليس له أصل

قال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار: (غريب جداً) (1).

والزيلعي كثيراً ما يطلق هذا اللفظ على ما كان موضوعاً. ذكر ذلك الشيخ ثناء الله الزاهدي في "توجيه القاري" (2).

وإنما المعروف ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) (3).

وفي الصحيحين عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما نحوه.

[ دعوى تأويل الإمام أحمد مجيء الله تعالى]

زعم الأشعريان أن الإمام أحمد قد تأول صفة المجيء لله تعالى فقالا: (جاء في البداية والنهاية للإمام الحافظ ابن كثير ما نصه: "روى البيهقي عن الحاكم عن عمرو بن السماك عن حنبل: أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعالى: {وجاء ربك} الفجر22، أنه جاء ثوابه. ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه) اهـ.


(1) تخريج الأحاديث والآثار (1/ 264) وقال المحقق في الحاشية: (قال ابن حجر: لم أجده).
(2)؟؟؟
(3) رواه البخاري (4/ 1694) ومسلم (2376).

ثم قالا: (ونقل ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى عن الإمام أحمد في قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} البقرة210،أنه قال: المراد به قدرته وأمره.) اهـ.

والجواب أن يقال:

أولاً: أن هذه الرواية التي رواها حنبل، إنما قالها الإمام أحمد -على فرض ثبوتها- في مناظرته للجهمية في القرآن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية لما ذكر كلام ابن الجوزي وما نقله عن القاضي أبي يعلى: (قلت: هذا الذي ذكره القاضى وغيره أن حنبلاً نقله عن أحمد فى كتاب المحنة، أنه قال ذلك فى المناظرة لهم يوم المحنة لما احتجوا عليه بقوله "تجيء البقرة وآل عمران" قالوا": والمجيء لا يكون إلا لمخلوق، فعارضهم أحمد بقوله: {وجاء ربك} الفجر22، أو {يأتى ربك} الأنعام158، وقال: المراد بقوله تجيء البقرة وآل عمران ثوابهما، كما فى قوله {وجاء ربك} أمره وقدرته) (1) اهـ.

وهذا يدل على أن الإمام أحمد إنما قاله على سبيل المعارضة وإبطال حجة الخصم من كلامه وما يعتقده، وهذا من باب التنزل، فإن الجهمية كانت تتأول مجيئه سبحانه وإتيانه بمجيء وإتيان أمره، لا أنه يجيء بنفسه، ولم يكن هذا دالاً عندهم على أن من نُسب إليه


(1) مجموع الفتاوى (16/ 405).

المجيء والإتيان مخلوقاً، فعارضهم بهذا الأصل، فقال: فكذلك وصف الله سبحانه كلامه وهو القرآن بالمجيء في حديث "تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غيايتان" هو مثل وصف نفسه بذلك، فلا يدل على أن كلامه مخلوق، بل يحمل مجيء القرآن على مجيء ثوابه، كما حملتم مجيئه سبحانه وإتيانه على مجيء أمره وقدرته.

فالإمام أحمد ذكر ذلك على وجه المعارضة والإلزام لخصومه بما يعتقدونه في نظير ما احتجوا به عليه، لا أنه يعتقد ذلك، والمعارضة لا تستلزم اعتقاد المعارض صحة ما عارض به.

ثانياً: أن هذا مخالف للمتواتر المشهور عن الإمام أحمد في هذا الباب من وجوب إمرار الصفات على ظاهرها، ومنع التعرض لها بتأويل أو غيره. بل إن حنبلاً نفسه نقل عنه ترك التأويل والمنع منه مطلقاً:

فقال حنبل بن إسحاق: (قلت لأبي عبد الله: ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا؟ قال: نعم. قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟ قال: فقال لي: اسكت عن هذا، وغضب غضباً شديداً، وقال: مالك ولهذا؟ أمض الحديث كما روي بلا كيف) (1) اهـ.

وقال حنبل: (سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يُرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث.


(1) سبق تخريجه حاشية 31.

فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وقال حنبل في موضع آخر عن أحمد: ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه، قد أجمل الله الصفة فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء، وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه. قال: فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون صفته، ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، ولا نتعدى ذلك، ولا يبلغ صفته الواصفون، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته بشناعة شنعت، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه فهذا كله يدل على أن الله سبحانه وتعالى يرى في الآخرة) (1) اهـ.

وقال القاضي أبو يعلى في "إبطال التأويلات": (وقال يوسف بن موسى قيل لأبي عبد الله: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء من غير وصف؟ قال: نعم) (2) اهـ.


(1) سبق تخريجه حاشية 32.
(2) إبطال التأويلات (1/ 260).

وقال إسحاق بن منصور: (قلت لأحمد: "ينزل ربنا وجل كل ليلة حتى يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا" أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: صحيح.) (1) اهـ.

وقال أحمد بن الحسين بن حسان: قيل لأبي عبد الله: "إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة"؟ قال: نعم، قيل له: وفي شعبان كما جاء الأثر؟ قال: نعم.

وقال القاضي أبو يعلى: (وقال أحمد في رسالته إلى مسدد: إن الله عز وجل ينزل في كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يخلو منه العرش.

قال القاضي معلقاً: فقد صرح أحمد أن العرش لا يخلو منه، وهكذا القول عندنا في قوله {وجاء ربك والملك} الفجر22، والمراد به مجيء ذاته لا على وجه الانتقال.) (2) اهـ.

وقول الإمام أحمد أنه ينزل ولا يخلو منه العرش ظاهر في أن النزول حقيقة، وأنه نزول الله تعالى لا نزول أمره، ولا نزول ملك. ومعلوم أن من لا يعتقد أن الله فوق العرش فهو لا يعتقد نزوله، لا بخلو، ولا بغير خلو.

وهذا يؤكد أن هذه الرواية شاذة، وإنما هي وهم من حنبل.


(1) سبق تخريجه حاشية 493.
(2) إبطال التأويلات (1/ 261).

قال ابن القيم عن حنبل: (وهو كثير المفاريد المخالفة للمشهور من مذهبه، وإذا تفرد بما يخالف المشهور عنه فالخلال وصاحبه عبد العزيز لا يثبتون ذلك رواية) (1) اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (هكذا نقل حنبل، ولم ينقل هذا غيره ممن نقل مناظرته فى المحنة، كعبد الله بن أحمد، وصالح بن أحمد، والمروذى وغيره) (2) اهـ.

بل لم يذكره الإمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة" لما تكلم عن احتجاجهم على خلق القرآن بالحديث.

وقد قال الأشعريان تعليقاً على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتقريراً لثبوت الرواية: (أما كون المشهور عن الإمام أحمد عدم التأويل، فإنه لا يناقض هذه الرواية، وقد يكون المشهور المتواتر عن إمام شيء ويثبت عنه شيء آخر على سبيل الندور، لا سيما إذا لم يتعارض الأمران ويتناقضا كما هو في ما نحن فيه، وقد نقل عن السلف تجنبهم للتأويل وبغضهم للخوض في ذلك، كما أيضاً كلمات لهم في تأويل بعض الألفاظ، وكلا الأمرين لا بأس به .. ) اهـ.

ولا شك أن هذا الكلام يأباه التحقيق العلمي والعقلي، إذ أن الإمام أحمد والسلف لم ينهوا عن تأويل الصفات نهياً مجرداً، بل كان نهياً مقروناً بالتغليظ، والحكم بالبدعة على من فعله، والأمر


(1) مختصر الصواعق المرسلة (2/ 260).
(2) مجموع الفتاوى (5/ 399).

بهجره والتحذير منه، وحكاية الإجماع على بطلانه، كما سبق أن نقلنا بعض كلامهم في هذا في الفصل الرابع من الباب الأول.

فكيف يستقيم أن يقع الإمام أحمد والسلف فيه!!!

أم كيف يستقيم أن يُقال: ليس هذا بتعارض ولا تناقض، أو الأمر يسير. بل الخطب عظيم. وإذا لم يكن تناقضاً، فلا ندري ما التناقض؟!!!

[ دعوى تأويل البخاري لصفة الضحك]

زعم الأشعريان أن البخاري قد تأول صفة الضحك لله تعالى فنقلا عن البيهقي في الأسماء والصفات أنه قال: (قال البخاري: معنى الضحك الرحمة .... ) اهـ.

والجواب: أن هذا لا يثبت عن البخاري لعدة أمور:

أولاً: أن البيهقي علقه عن البخاري ولم يسنده فقال: (أما الضحك المذكور في الخبر فقد روى الفربري عن محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله أنه قال: "معنى الضحك فيه الرحمة").

ولعله أخذه عن الخطابي في أعلام السنن حيث قال بعد حديث الأنصاري وامرأته وفيه: "لقد عجب الله أو ضحك من فلان وفلانة .. ": (قال أبو عبد الله: معنى الضحك: الرحمة، وهذا من رواية الفربري، ليس عن ابن معقل) (1) اهـ.


(1) أعلام السنن (2/ 1367).

قال ابن حجر في الفتح معلقاً: (قلت: ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري) (1) اهـ.

ثانياً: أن هذا معارض للمعروف من عقيدة البخاري، من كونه على طريق شيوخه كالإمام أحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم من أئمة السلف، يثبت الصفات لله تعالى كما جاءت على ظاهرها، لا يتعرض لها بتأويل ولا غيره.

وسيأتي تقرير معتقد البخاري في الباب الرابع.

[الخلاصة]

يتبين لنا مما سبق أمور:

الأمر الأول: أنه لم يثبت حرف واحد من التأويل عن السلف رحمهم الله، وهذا يؤكد ما سبق تقريره من أن السلف مجمعون على بطلان التأويل والمنع منه في صفات الله تعالى، وأن الواجب فيها إجراؤها على ظاهرها، مع نفي التشبيه والتكييف عنها.

الأمر الثاني: بطلان دعوى الأشعريين في ثبوت التأويل عن السلف، وبه ينهدم الأصل والركن الثاني من الأركان التي قام عليها كتابهما، حيث زعما أن السلف دائرون في صفات الله تعالى بين التفويض والتأويل، فإذا بطل ما زعموه من التفويض كما سبق تقريره في الفصل الثاني من الباب الأول، ثم بطل ما زعموه من التأويل هنا،


(1) فتح الباري (8/ 501).

صار الكتاب مبنياً على أساس من الباطل.

الأمر الثالث: يتبين أيضاً ضعف ما لدى الأشعريين من الحجة، حيث أنهما أُلجئا إلى مثل هذه الروايات المنكرة أو التي لا أصل عن الصحابة والسلف، فلم يجدا فيما صح عن السلف ما يؤيد دعواهما.

فأي عقيدة هذه التي لا نجد لتقريرها -بعد طول البحث والتنقيب- إلا المنكرات والبواطيل؟!!

وصدق الدارمي إذ يقول في أمثال هؤلاء: (فقلت: إن أفلس الناس من الحديث وأفقرهم فيه الذي لا يجد من الحديث ما يدفع به تلك الأحاديث الصحيحة المشهورة في تلك الأبواب إلا هذا الحديث -لحديث باطل استدل به الجهمية على إنكار نزوله تعالى-، وهو أيضاً من الحديث أفلس، لأن هذا الحديث لو صح كان عليه لا له، فالحمد لله إذ ألجأتهم الضرورة إلى هذا وما أشبهه، لأنهم لو وجدوا حديثا منصوصاً في دعواهم لاحتجوا به لا بهذا، ولكن حين أيسوا من ذلك وأعياهم طلبه تعلقوا بهذا الحديث المشتبه على جهال الناس ليروجوا بسببه عليهم أغلوطة) (1) اهـ.


(1) الرد على الجهمية (ص99).

  • الخميس AM 07:29
    2022-06-02
  • 1237
Powered by: GateGold