المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409112
يتصفح الموقع حاليا : 364

البحث

البحث

عرض المادة

نصوص السلف وبيان مخالفة الاشاعرة لهم في إثبات صفة النزول لله تعالى على الحقيقة

وقد أطبقت كلمة السلف والأئمة على إثبات صفة النزول لله تعالى على الحقيقة لا على المجاز:

- الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (150 هـ)

قال في إثبات النزول لله: (ينزل بلا كيف) (1) اهـ.

- الإمام الحافظ الحجة حماد بن سلمة بن دينار البصرى أبو سلمة (167 هـ)

روى عبد العزيز بن المغيرة عن حماد بن سلمة: أنه حدثهم بحديث نزول الرب عز وجل فقال: (من رأيتموه ينكر هذا فاتهموه) (2) اهـ.


(1) سبق تخريجه حاشية 24.
(2) ذكره الذهبي في السير (7/ 451).

- الإمام الحافظ حماد بن زيد (179 هـ)

سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال: يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء «ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا»، قال: (حق، كل ذلك كيف شاء الله) (1) اهـ.

- الفضيل بن عياض (187هـ)

قال الفضيل بن عياض: (وكل هذا: النزول، والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الإطلاع، كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطلع، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، فاذا قال الجهمى: أنا أكفر برب يزول عن مكانه. فقل: بل أومن برب يفعل ما يشاء) (2) اهـ.

وهذا ظاهر في إثبات النزول الحقيقي لله، الذي يلزم من إثباته عند الجهمية زوال الله عن مكانه، ولذلك أجاب بهذا الجواب، فإن الله ليس كمثله شيء، ولا كنزوله نزول شيء.

- الإمام الحافظ يحيى بن معين (233 هـ)

قال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: (قال يحيى بن معين: إذا قال لك الجهمي: كيف ينزل؟ فقل: كيف صعد) (3) اهـ.


(1) سبق تخريجه حاشية 26.
(2) سبق تخريجه حاشية 28.
(3) رواه ابن بطة في الإبانة (3/ 203 - 206).

وقال ابن وضاح: (سألت يحيى بن معين عن التنزل؟ فقال: أقر به ولا تحد فيه بقول. قال: وقال لي ابن معين: صدق به ولا تصفه.) (1) اهـ.

وجعله الصعود مقابلاً للنزول صريح في إثبات حقيقة النزول لله تعالى.

- الإمام الحافظ ابن راهويه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي (238 هـ)

روى الحاكم بإسناده عن أحمد بن سعيد بن إبراهيم بن عبد الله الرباطي قال: (حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم، وحضر إسحاق ابن إبراهيم، يعني ابن راهويه، فسئل عن حديث النزول: أصحيح هو؟. قال: نعم. فقال له بعض قواد عبد الله: يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة؟ قال: نعم. قال: كيف ينزل؟.

فقال له إسحاق: أثبته فوق حتى أصف لك النزول.

فقال الرجل: أُثبته فوق.

فقال إسحاق: قال الله عز وجل: {وجاء ربك والملك صفا صفا} الفجر22.


(1) سبق تخريجه حاشية 138.

فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب هذا يوم القيامة.

فقال إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟) (1) اهـ.

وهذا صريح في إثبات النزول لله تعالى على الحقيقة، ولذلك قال لمن أنكر النزول: "أثبته فوق". لأن من لا يؤمن بعلو الله تعالى، لا يقر بنزوله. وهذا يدل على أن النزول الذي وصف الله نفسه به هو على حقيقته، وهو ما كان من أعلى.

وقال الذهبي: (وقال أبو العباس السراج سمعت إسحاق الحنظلي يقول: (دخلت على طاهر بن عبد الله بن طاهر، وعنده منصور بن طلحة، فقال لي منصور يا أبا يعقوب تقول أن الله ينزل كل ليله؟.

قلت: نؤمن به، إذا أنت لا تؤمن أن لك في السماء رباً لا تحتاج أن تسألني عن هذا. فقال له طاهر الأمير: ألم أنهك عن هذا الشيخ.) (2) اهـ.

وقال الذهبي: (وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين قال له: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء اهـ.


(1) رواه الصابوني في عقيدة السلف وأهل الحديث (ص51) وأورده الذهبي في العلو (ص179).
(2) رواه أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (4/ 326).

ثم قال الذهبي معلقاً: قلت هذه الصفات من الاستواء، والإتيان، والنزول، قد صحت بها النصوص ونقلها الخلف عن السلف، ولم يتعرضوا لها برد ولا تأويل، بل أنكروا على من تأولها مع إصفاقهم على أنها لا تشبه نعوت المخلوقين، وأن الله ليس كمثله شيء، ولا تنبغي المناظرة ولا التنازع فيها، فإن في ذلك مخولة للرد على الله ورسوله، أو حوماً على التكييف أو التعطيل.) (1) اهـ.

وقال أحمد بن علي الآبار: (إن عبد الله بن طاهر قال لإسحاق بن راهويه: ما هذه الأحاديث التي يحدث بها أن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا والله يصعد وينزل؟!

قال فقال له إسحاق: تقول إن الله يقدر على أن ينزل ويصعد ولا يتحرك؟

قال: نعم.

قال: فلم تنكر؟!) (2) اهـ.

وجَعْلُ إسحاق الصعود مقابلاً للنزول ظاهرٌ في أن نزول الله تعالى حقيقة لا مجاز.

وقال إسحاق مؤصلاً: (لا يجوز الخوض في أمر الله كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين، لقول الله تعالى: {لا يُسأل عما يفعل وهم


(1) ذكره الذهبي في السير (11/ 367).
(2) رواه اللالكائي (3/ 452).

يُسئلون} الأنبياء23، ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الله بصفاته وفعاله بفهم كما يجوز التفكر والنظر في أمر المخلوقين، وذلك أنه يمكن أن يكون الله عز وجل موصوفاً بالنزول كل ليلة إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما يشاء، ولا يُسأل كيف نزوله، لأن الخالق يصنع ما شاء كما يشاء) (1) اهـ.

- إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (241 هـ)

قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: (ينزل ربنا وجل كل ليلة حتى يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا" أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: صحيح.

وقال إسحاق: قال إسحاق بن راهويه: ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي) (2) اهـ.

وقال أحمد بن الحسين بن حسان: (قيل لأبي عبد الله: "إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة"؟ قال: نعم، قيل له: وفي شعبان كما جاء الأثر؟ قال: نعم.

وقال يوسف بن موسى: قيل أبي عبد الله: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء من غير وصف؟ قال: نعم.) (3) اهـ.


(1) رواه أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (4/ 325).
(2) رواه ابن بطة في الإبانة (3/ 205) والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/ 260).
(3) إبطال التأويلات (1/ 260).

وقال القاضي أبو يعلى: (وقال أحمد في رسالته إلى مسدد: إن الله عز وجل ينزل في كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يخلو منه العرش.

قال القاضي معلقاً: فقد صرح أحمد أن العرش لا يخلو منه، وهكذا القول عندنا في قوله {وجاء ربك والملك} الفجر22، والمراد به مجيء ذاته لا على وجه الانتقال.) (1) اهـ.

وقول الإمام أحمد أنه ينزل ولا يخلو منه العرش ظاهر في أن النزول حقيقة، وأنه نزول الله تعالى لا نزول أمره، ولا نزول ملك. ومعلوم أن من لا يعتقد أن الله فوق العرش فهو لا يعتقد نزوله، لا بخلو، ولا بغير خلو.

قال حنبل بن إسحاق: (سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ينزل إلى السماء الدنيا»، فقال أبو عبد الله: (نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد شيئا منها إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على رسول الله قوله، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق.

حتى قلت لأبي عبد الله: «ينزل الله إلى سماء الدنيا» قال: قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟

فقال لي: اسكت عن هذا، مالك ولهذا، أمض الحديث على


(1) المرجع السابق (1/ 261).

ما روي بلا كيف ولا حد، إنما جاءت به الآثار، وبما جاء به الكتاب قال الله عز وجل: {فلا تضربوا لله الأمثال} النحل74، ينزل كيف يشاء، بعلمه، وقدرته، وعظمته، أحاط بكل شيء علماً، لا يبلغ قدره واصف ولا ينأى عنه هرب هارب) (1) اهـ.

- الإمام العلامة الحافظ الناقد عثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ)

قال في "الرد على المريسي" في تحقيق نزول الله بنفسه: (فادعى المعارض أن الله لا ينزل بنفسه إنما ينزل أمره ورحمته ... إلى أن قال: وهذا أيضاً من حجج النساء والصبيان ومن ليس عنده بيان) (2) اهـ.

ومعلوم أن السلف لو لم يكونوا يعتقدون نزوله تعالى بنفسه، لكانوا هم والجهمية سواء.

وقال في "الرد على الجهمية": (فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، لا ينكرها منهم أحد ولا يمتنع من روايتها، حتى ظهرت هذه العصابة فعارضت آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برد، وتشمروا لدفعها بجد، فقالوا: كيف نزوله هذا؟

قلنا: لم نكلف معرفة كيفية نزوله في ديننا، ولا تعقله قلوبنا، وليس كمثله شيء من خلقه فنشبه منه فعلاً أو صفة بفعالهم وصفتهم، ولكن ينزل بقدرته ولطف ربوبيته كيف يشاء، فالكيف منه غير معقول، والإيمان بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نزوله واجب، ولا يسأل الرب عما يفعل كيف يفعل وهم يسألون، لأنه القادر على ما يشاء أن يفعله كيف يشاء، وإنما يقال لفعل المخلوق الضعيف الذي لا قدرة له إلا ما أقدره الله تعالى عليه: كيف يصنع؟ وكيف قدر؟.

ولو قد آمنتم باستواء الرب على عرشه، وارتفاعه فوق السماء السابعة بدءاً إذ خلقها، كإيمان المصلين به، لقلنا لكم: ليس نزوله من سماء إلى سماء بأشد عليه، ولا بأعجب من استوائه عليها إذ خلقها بدءاً، فكما قدر على الأولى منهما كيف يشاء، فكذلك يقدر على الأخرى كيف يشاء.

وليس قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نزوله بأعجب من قول الله تبارك وتعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} البقرة210. ومن قوله: {وجاء ربك والملك صفا صفا} الفجر22. فكما يقدر على هذا يقدر على ذاك.

فهذا الناطق من قول الله عز وجل، وذاك المحفوظ من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأخبار ليس عليها غبار، فإن كنتم من عباد الله

 


(1) سبق تخريجه حاشية 31.
(2) الرد على المريسي (1/ 214).

المؤمنين، لزمكم الإيمان بها، كما آمن بها المؤمنون، وإلا فصرحوا بما تضمرون، ودعوا هذه الأغلوطات التي تلوون بها ألسنتكم، فلئن كان أهل الجهل في شك من أمركم، إن أهل العلم من أمركم لعلى يقين) (1) اهـ.

وقال بعد ذلك كلاماً مهماً يمثل قاعدة من قواعد أهل السنة وهو قوله: (قد علمتم ذلك ورويتموها -أي أحاديث النزول وآثار الصحابة والتابعين- كما رويناها إن شاء الله، فائتوا ببعضها أنه لا ينزل منصوصاً كما روينا عنهم النزول منصوصاً حتى يكون بعض ما تأتون به ضداً لبعض ما أتيناكم به، وإلا لم يُدفع إجماع الأمة ةما ثبت عنهم في النزول منصوصاً بلا ضدٍ منصوصٍ من قولهم، أو من قول نظرائهم، ولم يُدفع شيء بلا شيء، لأن أقاويلهم ورواياتهم شيء لازمٌ وأصل منيع، وأقاويلكم ريح ليست بشيء. ولا يلزم أحداً منها شيء إلا أن تأتوا فيها بأثر ثابت مستفيض في الأمة كاستفاضة ما روينا عنهم، ولن تأتوا به أبداً .. ) (2) اهـ.

فدونك هذا الأصل العظيم، عض عليه بالنواجذ، واعمل به في كل ما يدعيه أهل التأويل والتحريف في صفات الله تعالى.


(1) الرد على الجهمية (ص93).
(2) المرجع السابق (ص97).

- الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن وضاح المرواني (287 هـ)

قال: (كل من لقيت من أهل السنة يصدق بها، لحديث التنزل.) (1) اهـ.

ومعلوم قطعاً أن النزاع لم يكن في إثبات أحاديث النزول، وإنما في إثبات حقيقتها لله تعالى، وهو الأمر الذي تنكره الجهمية وتتأوله.

- أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي (295 هـ)

قال والد أبي حفص بن شاهين: حضرت أبا جعفر، فسئل عن حديث النزول، فقال: (النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) (2) اهـ.

- الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ)

قال: (قيل له -أي للمعطل-: فما أنكرت من الخبر الذي روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه يهبط إلى السماء الدني فينزل إليها"؟

فإن قال: أنكرت ذلك، أَنَّ الهبوط نقلة، وأنه لا يجوز عليه الانتقال من مكان إلى مكان، لأن ذلك من صفات الأجسام المخلوقة.

قيل له: فقد قال جل ثناؤه {وجاء ربك والملك صفا صفا} الفجر22، فهل يجوز عليه المجيء؟ فإن قال: لا يجوز ذلك عليه، وإنما معنى هذا القول: وجاء أمر ربك.

قيل: قد أخبرنا تبارك وتعالى أنه يجيء هو والملَك، فزعمت أنه يجيء أمره لا هو، فكذلك تقول: أن الملك لا يجيء، إنما يجيء أمر الملَك لا الملَك، كما كان معنى مجيء الرب تبارك وتعالى مجيء أمره.

فإن قال: لا أقول ذلك في الملَك، ولكني أقول في الرب.

قيل له: فإن الخبر عن مجيء الرب تبارك وتعالى والملَك خبر واحد، فزعمت في الخبر عن الرب تعالى ذكره أنه يجيء أمره لا هو، فزعمت في الملك أنه يجيء بنفسه لا أمره، فما الفرق بينك وبين من خالفك في ذلك فقال: بل الرب هو الذي يجيء، فأما الملك فإنما يجيء أمره لا هو بنفسه؟!

فإن زعم أن الفرق بينه وبينه: أن الملك خلق لله جائز عليه الزوال والانتقال، وليس ذلك على الله جائزاً.

قيل له: وما برهانك على أن معنى المجيء والهبوط والنزول هو النقلة والزوال، ولا سيما على من يزعم منكم ان الله تقدست أسماؤه لا يخلو منه مكان. وكيف لم يجز عندكم أن يكون معنى المجيء والهبوط والنزول

 


(1) سبق تخريجه حاشية 147.
(2) ذكره الذهبي في السير (13/ 547).

بخلاف ما عقلتم من النقلة والزوال من القديم الصانع، وقد جاز عندكم أن يكون معنى العالم والقادر منه بخلاف ما عقلتم ممن سواه، بأنه عالم لا علم له، وقادر لا قدرة له؟ .... إلى أن قال: فإن قال لنا منهم قائل: فما أنت قائل في معنى ذلك؟

قيل له: معنى ذلك ما دل عليه ظاهر الخبر، وليس عندنا للخبر إلا التسليم والإيمان به، فنقول: يجيء ربنا جل جلاله يوم القيامة والملك صفاً صفاً، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلة، ولا نقول: معنى ذلك ينزل أمره، بل نقول: أمره نازل إليها في كل لحظة وساعة، وإلى غيرها من جميع خلقه الموجودين ما دامت موجودة. ولا تخلو ساعة من أمره فلا وجه لخصوص نزول أمره إليها وقتاً دون وقت، ما دامت موجودة باقية.) (1) اهـ.

- إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة (311 هـ)

قال في تحقيق صفة النزول لله: (باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة، نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية، لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، أعلمنا أنه ينزل والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه عليه


(1) التبصير (ص148 - 149).

السلام بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه، من أمر دينهم فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية، إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصف لنا كيفية النزول وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح: أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا، الذي أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل) (1) اهـ.

- الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري الشافعي (360 هـ)

قال: (باب الإيمان والتصديق بأن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة قال محمد بن الحسين رحمه الله: الإيمان بهذا واجب، ولا يسع المسلم العاقل أن يقول: كيف ينزل؟ ولا يرد هذا إلا المعتزلة، وأما أهل الحق فيقولون: الإيمان به واجب بلا كيف، لأن الأخبار قد صحت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة» والذين نقلوا إلينا هذه الأخبار هم الذين نقلوا إلينا الأحكام من الحلال والحرام، وعلم الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، فكما قبل العلماء عنهم ذلك كذلك قبلوا منهم هذه السنن، وقالوا: من ردها فهو ضال خبيث، يحذرونه


(1) التوحيد (ص125 - 126).

ويحذرون منه) (1) اهـ.

- أبو الحسن علي بن عمر الحربي السكري (386 هـ)

قال في كتاب "السنة": (أن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، من غير أن يقال: كيف؟. فإن قيل: يَنزِل أو يُنزِل؟ قيل: يَنزل بفتح الياء وكسر الزاي. ومن قال: يُنزل بضم الياء فقد ابتدع. ومن قال: يُنزل ضياءاً ونوراً فهذا أيضاً بدعة، وردّ على النبي - صلى الله عليه وسلم -) (2) اهـ.

- أبو عبد الله عبيد الله بن محمد العكبري الحنبلي ابن بطة (384 هـ)

قال: (فنقول كما قال: "ينزل ربنا عز وجل" ولا نقول: إنه يزول، بل ينزل كيف شاء، لا نصف نزوله، ولا نحده، ولا نقول: إن نزوله زواله) (3) اهـ.

- الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين (399 هـ)

قال فى باب "الإيمان بالنزول" قال: (ومن قول أهل السنة: أن الله ينزل الى سماء الدنيا، ويؤمنون بذلك، من غير أن يحدوا فيه حداً،) -وذكر الحديث من طريق مالك وغيره الى أن قال: (وأخبرنى


(1) الشريعة (ص319).
(2) نقله عنه أبو القاسم التيمي في المحجة (1/ 248).
(3) الإبانة (3/ 240).

وهب عن ابن وضاح عن الزهرى عن ابن عباد قال: ومن أدركت من المشائخ: مالك، وسفيان، وفضيل بن عياض، وعيسى بن المبارك، ووكيع، كانوا يقولون: إن النزول حق. قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدى عن النزول؟ قال: نعم أومن به، ولا أحدّ فيه حداً. وسألت عنه ابن معين؟ فقال: نعم أقر به ولا أحد فيه حداً.

قال محمد: وهذا الحديث يبين أن الله عز وجل على العرش فى السماء دون الأرض، وهو أيضاً بيّن فى كتاب الله، وفى غير حديث عن رسول الله) (1) اهـ.

واستدلاله بحديث النزول على على الله تعالى وأنه فوق عرشه، صريح في إثبات النزول حقيقة، وهو ما كان من أعلى.

- شيخ الإسلام الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (449 هـ)

قال رحمه الله في إثبات حقيقة النزول والرد على من تأولها أو كيفها: (وقال بعضهم- أي السلف-: "ينزل نزولا يليق بالربوبية بلا كيف، من غير أن يكون نزوله مثل نزول الخلق، بل بالتجلي والتملي، لأنه جل جلاله منزه أن تكون صفاته مثل صفات الخلق، كما كان منزهاً أن تكون ذاته مثل ذوات الخلق، فمجيئه وإتيانه ونزوله على حساب ما يليق بصفاته، من غير تشبيه وكيف ... ) إلى أن قال: (فلما صح خبر النزول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقر به أهل السنة، وقبلوا الخبر، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعتقدوا تشبيهاً له بنزول خلقه، وعلموا وتحققوا واعتقدوا أن صفات الله سبحانه لا تشبه صفات الخلق، كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق تعالى الله عما يقول المشبهة والمعطلة علوا كبيرا، ولعنهم لعناً كثيراً.

وقرأت لأبى عبد الله ابن أبي جعفر البخاري، وكان شيخ بخارى في عصره بلا مدافعة، وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني، قال أبو عبد الله:- أعني ابن أبى حفص هذا- سمعت عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول: سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول الله عز وجل {وجاء ربك والملك صفا صفا} الفجر22، قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى لذاك، ولا ندري كيفية مجيئه، فقلت لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف مجيئه، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيت من أنكر أن الملك يجيء صفاً صفاً ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب. قلت: فكذلك إن أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب) (2) اهـ.

وما ذكره عن حماد بن أبي حنيفة صريح في أن مجيء الله عز وجل المذكور في الآية هو المجيء المعروف في اللغة الذي من أصل معناه المجئ المضاف إلى الملائكة، مع التباين في الحقيقة والكيفية، إذ ليس كمثل مجيئه سبحانه مجيء شيء.

- الإمام الحافظ أبو مسعود عبد الجليل بن محمد الأصبهاني كوتاه (553 هـ)

قال الذهبي: (قال السمعاني: لما وردت أصبهان، كان ما يخرج من داره إلا لحاجة مهمة، كان شيخه إسماعيل الحافظ هجره ومنعه من حضور مجلسه لمسألة جرت في النزول، وكان كوتاه يقول: النزول بالذات، فأنكر إسماعيل هذا وأمره بالرجوع عنه فما فعل.)

قال -الذهبي معلقاً-: ومسألة النزول، فالإيمان به

 

 


(1) سبق تخريجه حاشية 64.

(2) عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص60 - 63).

واجب، وترك الخوض في لوازمه أولى، وهو سبيل السلف، فما قال هذا: نزوله بذاته إلا إرغاماً لمن تأوله وقال: نزوله إلى السماء بالعلم فقط، نعوذ بالله من المراء في الدين) (1) اهـ.

- أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلاني (561 هـ)

قال في كتابه "الغنية": (وأنه تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، كيف شاء وكما شاء، فيغفر لمن أذنب، لا بمعنى نزول الرحمة وثوابه كما ادعته المعتزلة والأشعرية للأحاديث الصحيحة في ذلك ... ثم ذكر آثار السلف) (2) اهـ.

- تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي (600 هـ)

قال: (وتواترت الأخبار وصحت الآثار بأن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيجب الإيمان والتسليم له، وترك الاعتراض عليه، وإمراره من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تأويل، ولا تنزيه ينفي عنه حقيقة النزول) (3) اهـ.


(1) سير أعلام النبلاء (20/ 330).
(2) نقله عنه ابن الألوسي في جلاء العينين (ص461).
(3) عقائد أئمة السلف (ص80).

- الحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (795 هـ)

قال: (وقد اعترض بعض من كان يعرف هذا على حديث النزول ثلث الليل الآخر، وقال ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان، فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين. ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام قبح هذا الاعتراض. وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو خلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه بل بادروا إلى عقوبته وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين.) (1) اهـ.

وهذا ظاهر في أن النزول الثابت لله في الثلث الأخير من الليل هو على حقيقته اللائقة بالله، وهو ما كان من علو، ولذلك أورد المعترضون من أهل البدع على إثبات حقيقته من أنه يلزم منه أن يكون الله نازلاً على الدوام، لما انقدح في أذهانهم من التشبيه، وهو غير لازم إذ {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11.

فمن ادعى بعد هذه النصوص المستفيضة: أن السلف متفقون على تأويل النزول، وأنه لا يراد به الحقيقة، وأن منهم من يسكت، ومنهم من يصرح بالمعنى المجازي، فلا ريب أنه قال بالكذب والبهتان، وحاله كحال من ينكر الشمس في رابعة النهار

وهل يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل


(1) فضل علم السلف على الخلف (ص48).

فرع: إثبات صفة النزول الحقيقي لله من كلام أبي الحسن الأشعري

قال في سياق معتقده الموافق لأهل الحديث: (ونصدق جميع الروايات التي التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا، وأن الرب عز وجل يقول: (هل من سائل، هل من مستغفر) وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قاله أهل الزيغ والتضليل) (1) اهـ.

ومعلوم أن أهل الزيغ في هذه الصفة هم من يتأولون النزول ولا يجعلون الله متصفاً به على الحقيقة، ولذلك أكد اتصاف الله به بكونه سبحانه هو الذي ينزل فينادي عباده، لا ملك ولا غيره فقال "وأن الرب عز وجل يقول".

ثم قال رحمه الله مستدلاً بنزوله تعالى على إثبات علوه: (ومما يؤكد أن الله عز وجل مستو على عرشه دون الأشياء كلها، ما نقله أهل الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ) ثم ذكر أحاديث النزول (2).

وقال في سياق معتقد أهل الحديث: (وأنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال: "وجاء ربك والملك صفاً صفاً" وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث) (3) اهـ.

خلاصة الفصل:

أولاً: أن السلف مجمعون على إثبات النزول لله تعالى، كما ثبت في السنة المتواترة، بلا تشبيه ولا تمثيل، ولا تنزيه ينفي حقيقة النزول، بل يثبتون نزولاً لائقاً به سبحانه، لا يماثل نزول المخلوقين. وأن السلف يقولون بمثل ذلك في كل الصفات الاختيارية الفعلية لله تعالى كالمجيء، والإتيان، والدنو، ونحو ذلك من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة.

ثانياً: أن أبا الحسن الأشعري موافق للسلف في إثبات حقيقة النزول لله تعالى، من غير تأويل، ولا تحريف.

ثالثاً: أن الجهمية كانت تنكر أن ينزل الله بنفسه، وتتأول ذلك بنزول أمره، أو نزول ملك ونحوه، وأن هذا هو الذي أنكره السلف عليهم.


(1) الإبانة للأشعري (ص51).
(2) المرجع السابق (ص99).
(3) مقالات الإسلاميين (1/ 285).

رابعاً: موافقة الأشاعرة للجهمية في تأويل النزول، وأنه لا يراد به الحقيقة، بل هو من مجازات الكلام.

قال أبو المعالي الجويني في "الإرشاد": (والوجه: حمل النزول، وإن كان مضافاً إلى الله تعالى، على نزول ملائكته المقربين .... إلى أن قال: ومما يتجه في تأويل الحديث أن يُحمل النزول على إسباغ الله نعماءه على عباده .. ) (1) اهـ.

وقال أيضاً في صفة المجيء: (بل المعني بقوله: {وجاء ربك} الفجر22: أي جاء أمر ربك وقضاؤه الفصل وحكمه العدل) (2) اهـ.

خامساً: بطلان دعوى الأشعريين في أن الأشاعرة متبعون للسلف، سائرون على نهجهم، وأنهم من أهل السنة.


(1) الإرشاد (ص161).
(2) المرجع السابق (ص159).

 

  • الخميس AM 07:12
    2022-06-02
  • 3025
Powered by: GateGold