المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413612
يتصفح الموقع حاليا : 233

البحث

البحث

عرض المادة

دلالة السنة والسلف على جواز السؤال عن الله تعالى بأين؟

من أدلة أهل السنة والجماعة على إثبات علو الله تعالى بذاته على خلقه، التصريح في السؤال عن الله تعالى بلفظ (الأين).

فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال: (وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة) (1).

وهذا صريح في جواز السؤال عن الله تعالى بـ "أين" والجواب عنه بالقول بأنه في السماء، وأنه علامة على صحة الإيمان بالله، لما فيه من معرفة الله تعالى بإثبات علوه على خلقه، وأنه في السماء.

وقد أجمع السلف على صحة السؤال عن الله تعالى به، وعلى وجوب الجواب الجواب بكونه تبارك وتعالى في السماء، وأنكروا على من منع ذلك، بل اعتبروا المنع منه رداً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنكاراً لعلو الله تبارك وتعالى.

وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كفاية وغنية بحمد الله، وفيه حجة دامغة على من أبطل ذلك ومنعه، ولكن أكثرهم لا يفقهون.

 


(1) رواه مسلم (537).

نصوص السلف الدالة على جواز السؤال عن الله بـ: أين؟

ومع ذلك فأنا أذكر هنا بعض نصوص السلف الدالة على ذلك، والمؤكدة لما جاء في الحديث:

- سليمان بن طرخان التيمى أبو المعتمر البصرى (143 هـ)

قال صدقة: (سمعت التيمي يقول: لو سُئلت أين الله تبارك وتعالى؟

قلت: في السماء.

فإن قال: فأين عرشه قبل أن يخلق السماء؟

قلت: على الماء.

فإن قال لي: أين كان عرشه قبل أن يخلق الماء؟

قلت: لا أدري) (1) اهـ.

- الإمام العلامة الحافظ الناقد عثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ)

قال في الرد على قول المعارض بالمنع من السؤال عن الله


(1) رواه اللالكائي (3/ 401) وأورده الذهبي في العلو (ص130).

بـ"أين": (وصرحت أيضاً بمذهب كبير فاحش من قول الجهمية. فقلت: إذا قالوا لنا: أين الله؟ فإنا لا نقول بالأينية بحلول المكان. إذا قيل: أين هو؟ قيل: هو على العرش وفي السماء.

فيقال لك أيها المعارض: ما أبقيت غاية في نفي استواء الله على العرش واستوائه إلى السماء، إذ قلت: لا نقول: إنه على العرش وفي السماء بالأينية. ومن لم يعرف أن إلهه فوق عرشه، فوق سماواته، فإنما يعبد غير الله، ويقصد بعبادته إلى إله في الأرض، ومن قصد بعبادته إلى إله في الأرض كان كعابد وثن، لأن الرحمن على العرش، والأوثان في الأرض، كما قال لجبريل: {عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين} التكوير20، ففي قوله دليل على البينونة والحد بقوله {ثم} لا ها هنا في الكنف والمراحيض كما ادعيتم.

وإن أبيت أيها المعارض أن تؤين الله تعالى وتقر به أنه فوق عرشه، دون ما سواه، فلا ضير على من أينه، إذ رسوله ونبيه - صلى الله عليه وسلم - قد أينه فقال للأمة السوداء: "أين الله؟ قالت: في السماء، قال: أعتقها فإنها مؤمنة" وكذلك أينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخليله إبراهيم أنه في السماء) .... إلى أن قال: (وأما قولك: لا يوصف بأين. فهذا أصل كلام جهم) (1) اهـ.


(1) الرد على المريسي (1/ 489).

فتأمل قوله في أن المنع عن السؤال بأين، هو أصل الجهمية!!

- القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء (458 هـ)

قال بعد روايته لحديث الجارية: (اعلم أن الكلام في هذا الخبر في فصلين:

أحدهما: في جواز السؤال عنه سبحانه بأين هو؟ وجواز الإخبار عنه بأنه في السماء.

والثاني: قوله "اعتقها فإنها مؤمنة".

أما الفصل الأول فظاهر الخبر يقتضي جواز السؤال عنه، وجواز الإخبار عنه بأنه في السماء، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها "أين الله؟ "، فلولا أن السؤال عنه جائز لم يسأل، وأجابته بأنه في السماء وأقرها على ذلك، فلولا أنه يجوز الإخبار عنه سبحانه بذلك لم يقرها عليه ... ) إلى أن قال: (وقد أطلق أحمد القول بذلك فيما خرجه في "الرد على الجهمية" .. ) (1) اهـ.

- شيخ الإسلام الحافظ أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي (481 هـ)

قال في بيان موافقة الأشاعرة للجهمية: (فاسمعوا يا أولي الألباب، وانظروا ما فضل هؤلاء -أي الأشاعرة- على أولئك


(1) إبطال التأويلات (1/ 232).

-أي الجهمية-، أولئك قالوا: -قبح الله مقالتهم- إن الله موجود بكل مكان، وهؤلاء يقولون: ليس هو في مكان ولا يوصف بأين.

وقد قال المبلغ عن الله عز وجل لجارية معاوية بن الحكم - رضي الله عنه -: "أين الله".) (1) اهـ.

- تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي (600 هـ)

قال بعد روايته لحديث الجارية: (ومن أجهل جهلاً، وأسخف عقلاً، وأضل سبيلاً، ممن يقول: إنه لا يجوز أن يُقال: أين الله؟ بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله: أين الله؟) (2) اهـ.

- الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748 هـ)

قال بعد ذكر حديث الجارية: (وهكذا رأينا كل من يُسأل: أين الله؟ يبادر بفطرته ويقول: في السماء. ففي الخبر مسألتان:

إحداهما: شرعية، قول المسلم أين الله.

وثانيهما: قول المسؤول: في السماء.


(1) ذم الكلام وأهله (5/ 135).
(2) عقائد أئمة السلف (ص75).

فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى - صلى الله عليه وسلم -) (1) اهـ.

فرع: في تقرير هذا الأصل من كلام أبي الحسن الأشعري

قال في "الإبانة" في باب ذكر الاستواء على العرش: (دليل آخر:

وروت العلماء رحمهم الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن العبد لا تزول قدماه من بين يدي الله عز وجل حتى يسأله عن عمله).

وروت العلماء أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمة سوداء فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أعتقها في كفارة، فهل يجوز عتقها؟

فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: فمن أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أعتقها فإنها مؤمنة.

وهذا يدل على أن الله تعالى على عرشه فوق السماء .. ) (2) اهـ.

فرع: تقرير هذا الأصل من قول عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان

قال فى كتاب "الصفات" فى باب القول فى الاستواء فيما نقله عن ابن فورك: (فرسول الله وهو صفوة الله من خلقه وخيرته من بريته وأعلمهم جميعاً به يجيز السؤال بأين، ويقوله يستصوب قول القائل إنه في السماء، ويشهد له بالإيمان عند ذلك، وجهم بن صفوان وأصحابه لا يجيزون الأين زعموا، ويحيلون القول به، ولو كان خطأ كان رسول الله أحق بالإنكار له، وكان ينبغي أن يقول لها لا تقولي ذلك فتوهمين أن الله عز وجل محدود وأنه في مكان دون مكان، ولكن قولي إنه في كل مكان دون مكان، لأنه الصواب دون ما قلت، كلا لقد أجازه رسول الله مع علمه بما فيه وأنه أصوب الأقاويل، والأمر الذي يجب الإيمان لقائله، ومن أجله شهد لها بالإيمان حين قالته، فكيف يكون الحق في خلاف ذلك والكتاب ناطق به وشاهد له.

قال: ولو لم يشهد لصحة مذهب الجماعة في هذا الفن خاصة إلا ما ذكرنا من هذه الأمور لكان فيه ما يكفي، كيف وقد غرس في بنية الفطرة ومعارف الآدميين من ذلك ما لا شيء أبين منه ولا أوكد لأنك لا تسأل أحداً من الناس عنه عربياً ولا عجمياً ولا مؤمناً ولا كافراً فتقول: أين ربك؟ إلا قال: في السماء إن أفصح، أو أوما بيده أو أشار بطرفه إن كان لا يفصح، لا يشير إلى غير ذلك من أرض ولا سهل ولا جبل، ولا رأينا أحداً داعياً له إلا رافعاً يديه إلى السماء، ولا وجدنا أحداً غير الجهمية يسأل عن ربه فيقول في كل مكان كما يقولون، وهم يدعون أنهم أفضل الناس كلهم، فتاهت العقول وسقطت الأخبار واهتدى جهم وحده وخمسون رجلاً معه نعوذ بالله من مضلات الفتن) اهـ.

ثم قال ابن فورك: فقد حقق رحمه الله في هذا الفصل شيئاً من مذاهبه، أحدها: إجازة القول بأين الله؟ في السؤال عنه، والثاني: صحة الجواب عنه بأن يقال: في السماء، والثالث: أن ذلك يرجع فيه إلى الإجماع من الخاصة والعامة) (3) اهـ.

خلاصة الفصل:

أولاً: جواز السؤال عن الله تعالى بـ: أين الله؟، والجواب عنه: بأنه في السماء، ولا يستلزم هذا تحديداً، ولا تكييفاً، ولا شيئاً من لوازم صفات المخلوقين، وأنه مذهب السلف بلا خلاف بينهم اتباعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

ثانياً: أن أبا الحسن الأشعري وعبد الله بن سعيد بن كلاب موافقان للسلف في هذه المسألة، ومنكران على من منع السؤال بأين، وعليه فإن كل من يزعم الانتساب إليهما مع مخالفته لهما فدعواه باطلة.

ثالثاً: أن الذي ينكر السؤال عن الله تعالى بأين، إنما هم المعطلة كالجهمية والمعتزلة وكل من وافقهم على هذا.

رابعاً: موافقة الأشاعرة للجهمية والمعتزلة في إنكار السؤال عن الله تعالى بأين، وبه يتبين بطلان ما ادعاه الأشعريان من موافقة الأشاعرة للسلف.


(1) العلو (ص28).
(2) الإبانة للأشعري (ص103).

(3) نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (6/ 193) وفي نقض التأسيس (ص51 - 53) وفي مجموع الفتاوى (5/ 319) ونقله ابن القيم في الصواعق المرسلة (4/ 1238) وفي اجتماع الجيوش الإسلامية (ص282).

  • الاربعاء AM 10:08
    2022-06-01
  • 1071
Powered by: GateGold