المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413692
يتصفح الموقع حاليا : 244

البحث

البحث

عرض المادة

الكلام حول العقيدة المنسوبة للإمام أحمد لأبي الفضل التميمي

وأما ما نقله الأشعريان (ص194) عن الإمام أحمد من قوله: (إن لله تعالى يدين، وهما صفة له في ذاته، ليستا بجارحتين وليستا بمركبتين ولا جسم، ولا من جنس الأجسام ... الخ)

ففيه أمور مهمة:

الأمر الأول: أن هذا ليس من كلام الإمام أحمد، بل هو مما ذكره أبو الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي في مصنفه في اعتقاد الإمام أحمد بما فهمه من اعتقاده بلفظ نفسه، فجعل يقول: كان أبو عبد الله، ويذكر من اعتقاد الإمام أحمد بما فهمه ورآه، لا بما نص عليه الإمام أحمد، فصار بمنزلة من يصنف كتاباً في الفقه على رأي بعض الأئمة، ويذكر مذهبه بحسب ما فهمه ورآه، وإن كان غيره بمذهب ذلك الإمام أعلم منه بألفاظه وأفهم لمقاصده، فإن الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة، ومن المعلوم أن أحدهم يقول: حكم الله كذا أو حكم الشريعة كذا بحسب ما اعتقده عن صاحب الشريعة، بحسب ما بلغه وفهمه، وإن كان غيره أعلم بأقوال صاحب الشريعة وأعماله وأفهم لمراده.

وكان التميميون أبو الحسن التميمي وابنه وابن ابنه ونحوهم مائلين إلي الأشاعرة، وكان بين أبي الحسن التميمي وبين القاضي أبي بكر بن الباقلاني من المودة والصحبة ما هو معروف مشهور، ولهذا اعتمد الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه الذي صنفه في مناقب الإمام أحمد لما ذكر اعتقاده، اعتمد على ما نقله من كلام أبي الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي في اعتقاد الإمام أحمد، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.

وكثيرٌ مما ذكره أبو الفضل التميمي مخالف لمعتقد الإمام أحمد الثابت عنه، كما نقل عنه نفي الجسم والجوارح والتركيب ونحو هذه الألفاظ، وقد كانت طريقة الإمام أحمد وأمثاله من الأئمة أنهم لا يطلقون هذه الألفاظ لا نفياً ولا إثباتاً، بل يقولون إثباتها بدعة كما أن نفيها بدعة، وإنما يلتزمون ما جاء في الكتاب والسنة من صفة الله تعالى.

قال الإمام أحمد: (ولا يبلغ الواصفون صفته، ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، ولا نتعدى ذلك) (1) اهـ.

[[المصادر التي تمكن من خلالها معرفة عقيدة الإمام أحمد]]

ومن المعلوم أن عقيدة الإمام أحمد إنما تؤخذ مما ذكره بلفظه، لا مما فُهم من كلامه، ومصادرها متنوعة:

المصدر الأول: ما كتبه وسطره بنفسه ككتاب "الرد على الجهمية والزنادقة"، وكرسائله إلى أصحابه كرسالته إلى مسدد، ورسالته إلى عبدوس بن مالك العطار، ورسالته إلى الحسن بن إسماعيل الربعي، ورسالته إلى محمد بن يونس السرخسي، وغيرها من رسائله المنقولة عنه بالإسناد الثابت.

المصدر الثاني: مما صح عنه من كلامه وألفاظه المنقولة عنه، كما عند الخلال في "السنة" وفي "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وفي غيرها من كتبه، وكذلك ما نقله ابنه عبد الله في كتاب "السنة" وفي مسائله عن والده، وما نقل في مرويات "مسائل الإمام أحمد" كرواية أبي داود، ورواية ابن هانئ، ورواية صالح بن الإمام أحمد، وكذلك "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" برواية الكوسج، وككتاب "الورع" للمروذي، وكذلك ما نُقل عنه في الكتب المسندة في السنة ككتاب "خلق أفعال العباد" للبخاري، وكتاب "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي، وكتب ابن منده، وكتب ابن بطة، و"الشريعة" للآجري، و"إبطال التأويلات" للقاضي أبي يعلى وغيرها من كتبه.

الأمر الثاني: أنه ليس في شيء من الكتب الذي ذكرناها شيء من هذه الألفاظ لا نفياً ولا إثباتاً.

بل الثابت عن الإمام أحمد إنكاره على الجهمية نفي لفظ الجسم، وامتنع من الموافقة على نفيه، كما هو ممتنع عن إطلاق إثباته، كما جرى في مناظرته لأبي عيسى برغوث وغيره من نفاة الصفات في مسألة القرآن في محنته المشهورة لما ألزمه بأن القول بأن القرآن غير مخلوق مستلزم أن يكون الله جسماً، فأجابه الإمام أحمد بأنه لا يدري ما يريد القائل بهذا القول، فلا يوافقه عليه، بل يعلم أنه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

[مخالفة الأشاعرة لعقيدة التميمي المنسوبة للإمام أحمد]

الأمر الثالث: أن في هذه العقيدة المنسوبة للإمام أحمد والتي اعتمد عليها الأشعريان في بيان معتقده، مسائل كثيرة مخالفة لمعتقد الأشاعرة الذي يزعم الأشعريان أنه معتقد أهل السنة، ومعتقد الإمام أحمد، وأذكر منها بعض الأمثلة:

المثال الأول: قال أبو الفضل التميمي في اعتقاد الإمام أحمد لما ذكر الوجه لله تعالى: (وذلك عنده وجه في الحقيقة دون المجاز، ووجه الله باق لا يبلى، وصفة له لا تفنى، ومن ادعى أن وجهه نفسه فقد ألحد، ومن غير معناه كفر) (2) اهـ.


(1) سبق تخريجه حاشية 32.

(2) طبقات الحنابلة (2/ 294).

وليس وجه الله عند الأشاعرة على الحقيقة، فمنهم من يقول وجهه: ذاته، ومنهم من يفوض المعنى.

قال عبد القاهر البغدادي في "أصول الدين" في صفة الوجه لله تعالى: (والصحيح عندنا أن وجهه: ذاته، وعينه رؤيته للأشياء) (1) اهـ.

وقال أبو المعالي الجويني في "الإرشاد" في فصل "اليدان والعينان والوجه": (والذي يصح عندنا: حمل اليدين على القدرة، وحمل العينين على البصر، وحمل الوجه على الوجود.) (2) اهـ

بل ذكر الأشعريان في كتابهما أن إثبات الوجه لله يستلزم التجسيم، فقالا (ص193): (إن الفرق بين الألفاظ التي تدل على الأجسام وما إليها وبين الألفاظ التي تدل على المعاني كبير وشاسع .... فالأولى ما يتبادر عند سماعها العضو والجسم ..... وإنما سيق الكلام على سبيل الاستعارة والمجاز كلفظ (اليد، والأصبع، ... ، والوجه، ... )) اهـ.

فهل يا ترى هم موافقون لما يزعمون أنه معتقد الإمام أحمد؟!!!


(1) أصول الدين (ص110).
(2) الإرشاد للجويني (ص155).

المثال الثاني: قال التميمي في اعتقاد الإمام أحمد: (إن لله تعالى يدين، وهما صفة في ذاته، .... ويفسد أن تكون يد القوة والنعمة والتفضل. لأن جمع يد: أيدٍ، وجمع تلك أياد) (1) اهـ.

وعند الأشعريّيْن أن اليد لله تستلزم التجسيم، وليست صفة له في ذاته، بل إما التفويض مع امتناع أن تكون صفة له على الحقيقة، وإما تأويلها بالنعمة أو القدرة.

فقالا (ص153): (مثال على هذا -أي التفويض- قوله تعالى: {بل يداه مبسوطتان} المائدة64، يفهم منه على سبيل الإجمال معنى الكرم والجود ... أما لفظ اليدين المضاف لله تعالى في الآية فبعد استبعاد المعنى الظاهر المتبادر من إطلاقه ... احتمل اللفظ عدة معان مجازية، ولهذا الاحتمال توقف جمهور السلف عن التعيين والقطع بأحدها، وهذا هو معنى عدم علمهم بالمراد) اهـ.

فهل يا ترى هم موافقون لما يزعمون أنه معتقد الإمام أحمد؟!!!

المثال الثالث: قال التميمي في اعتقاد الإمام أحمد: (وكان يقول: إن القرآن كيف تصرف غير مخلوق، وأن الله تعالى تكلم بالصوت والحرف) (2) اهـ.

وعند الأشعريّيْن والأشاعرة أن الله لا يتكلم بمشيئته، وأن كلامه ليس بحرف ولا صوت، وأن من قال بالحرف والصوت فقد شبه الله بخلقه وضل وابتدع.

قالا (ص76): (ومن يطالع النظامية يعلم موافقتها لاعتقاد أهل السنة الأشاعرة، فمن أمثلة ذلك تنزيه الإمام الجويني لله تعالى عن الجهة والمكان والحيز والحرف والصوت وظواهر المتشابه ..... وكذلك الإمام الغزالي رحمه الله تعالى فكتابه "إلجام العوام" .... هو في حقيقة الأمر تأصيل لمسلك السادة الأشاعرة من حيث تنزيه الله تعالى عن سمات الحوادث مثل الجهة والمكان والحروف والأصوات وظواهر المتشابه ... ) اهـ.

وسيأتي مزيد بيان لهذه الصفة في الفصل الثالث من الباب الثاني.

فهل يا ترى هم موافقون لما يزعمون أنه معتقد الإمام أحمد؟!!!

المثال الرابع: قال التميمي في اعتقاد الإمام أحمد: (وكان يبطل الحكاية -أي القول بأن القرآن حكاية عن كلام الله وليس هو نفس كلام الله- ويضلل القائل بذلك. وعلى مذهبه: أن من قال: إن القرآن عبارة عن كلام الله عز وجل، فقد جهل وغلط .... ولم يُنقل عن أحد من أئمة المسلمين

 


(1) طبقات الحنابلة (2/ 294).
(2) المرجع السابق (2/ 296).

من المتقدمين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين عليهم السلام القول بالحكاية والعبارة، فدل على أن ذلك من البدع المحدثة) (1) اهـ.

ومن المعلوم أن الذي يقول: أن القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله هما عبد الله بن كلاب والكلابية، وأبو الحسن الأشعري والأشعرية.

قال أبو الحسن الأشعري في مقالاته: (قال عبد الله بن كلاب: أن الله سبحانه لم يزل متكلماً ... وأن الكلام ليس بحروف ولا صوت ولا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتغاير، وأنه معنى واحد بالله عز وجل ... وزعم عبد الله بن كلاب أن ما نسمع التالين يتلونه هو عبارة عن كلام الله عز وجل، وأن موسى عليه السلام سمع الله متكلماً بكلامه، وأن معنى قوله: {فأجره حتى يسمع كلام الله} التوبة6، معناه حتى يفهم كلام الله .. ) (2) اهـ.

وقال الشهرستاني في "الملل والنحل": (وكلامه واحد هو: أمر، ونهي، وخبر، واستخبار، ووعد، ووعيد؛ وهذه الوجوه ترجع إلى اعتبارات في كلامه، لا إلى عدد في نفس الكلام والعبارات .......


(1) المرجع السابق (2/ 296).
(2) مقالات الإسلاميين (2/ 257 - 258).

والكلام عند الأشعري: معنى قائم بالنفس سوى العبارة، والعبارة دلالة عليه من الإنسان؛ فالمتكلم عنده من قام بالكلام، وعند المعتزلة من فعل الكلام؛ غير أن العبارة تسمى كلاماً: إما بالمجاز، وإما باشتراك اللفظ) (1) اهـ.

فها هو الإمام أحمد كما في عقيدته التي يستند إليها الأشعريان يضلل ويبدع من قال بالحكاية أو العبارة.

وقد قال الأشعريان (ص47 - 58): (الإمام الأشعري بعد تركه للاعتزال كان على طريق عبد الله بن سعيد بن كلاب .... أن طريق ابن كلاب وطريق السلف هما في حقيقة الأمر طريق واحد، لأن ابن كلاب كان من أئمة أهل السنة والجماعة السائرين على طريق السلف الصالح .... أن الإمام ابن كلاب ... لم يبتدع أو يخالف منهج السلف والسنة .. )

فهل يا ترى هم موافقون لما يزعمون أنه معتقد الإمام أحمد؟!!!

المثال الخامس: قال التميمي في اعتقاد الإمام أحمد: (وكان يقول في معنى "الاستواء": هو العلو والارتفاع ... فهو فوق كل شيء، والعالي على كل شيء) (2) اهـ.

وعند الأشاعرة: أن الاستواء نثبته ولا نعلم معناه بل نفوضه، أو نأوله بالاستيلاء، وأنه من المستحيل اعتقاد علو الله تعالى وفوقيته على خلقه لأنه يستلزم التحيز والجهة والمكان، وأن فوقية الله إنما هي فوقية قهر وسلطان، لا فوقية علو وارتفاع. والله عندهم ليس في داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايث.

قال البيجوري في شرحه لجوهرة التوحيد: (إذا ورد في القرآن أو السنة ما يشعر بإثبات الجهة أو الجسمية أو الصورة أو الجوارح اتفق أهل الحق وغيرهم عدا المجسمة والمشبهة على تأويل ذلك .... ) ثم ذكر أمثلة منها: ({الرحمن على العرش استوى} طه5، فالسلف يقولون: استواء لا نعلمه، والخلف يقولون: المراد به الاستيلاء والملك) (3) اهـ.

وقال الأشعريان (ص139): (ولا يُفهم من قول أهل الحق: أن الله تعالى لا يوصف بأنه داخل العالم ولا أنه خارجه، بأنهم يصفونه بالعدم ... وإنما مرادهم كما مر أن إطلاق هذا اللفظ على الله تعالى لا يجوز وهو منزه عنه -أي علو الله تعالى على خلقه علواً بمعنى الفوقية والارتفاع- .... أما ما جاء في الكتاب والسنة من الألفاظ التي ظاهرها إثبات الجهة والمكان لله تعالى فهي - قطعاً وباتفاق علماء السلف والخلف - مصروفة عن ظاهرها وحقائقها .. ) اهـ.

فهل يا ترى هم موافقون لما يزعمون أنه معتقد الإمام أحمد؟!!!

هذه بعض الأمثلة التي تبين مخالفة الأشاعرة لما ذكره التميمي من معتقد الإمام أحمد، والتي يستندون عليها في بيان معتقده، فأما مخالفتهم للثابت من معتقد الإمام أحمد فأكثر وأكثر.


(1) الملل والنحل للشهرستاني (1/ 83).
(2) طبقات الحنابلة (2/ 296).

(3) شرح جوهرة التوحيد (ص157).

 

  • الاربعاء AM 07:49
    2022-06-01
  • 1137
Powered by: GateGold