المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413663
يتصفح الموقع حاليا : 243

البحث

البحث

عرض المادة

بيان أن إثبات الصفات لله تعالى لا يستلزم التشبيه بخلقه وأنه لا يلزم في حق الخالق ما يلزم في حق المخلوق

[تمهيد]

إن مما أوقع الأشعريّيْن في تحريفهم للصفات باسم التأويل، وإخراجها عن ظاهرها، وادعاء أن ظاهرها غير مراد، أنهما فهما من إثبات الصفات لله تعالى لوازم صفات المخلوق الضعيف الفقير العاجز الممكن، فقالوا: لو أثبتنا كذا وكذا للزم كذا وكذا، جهلاً منهما بالشرع والعقل واللغة.

قال تعالى {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11.

فأثبت لنفسه السمع والبصر وهما مما يتصف بهما المخلوق، ونفى عن نفسه مماثلة شيء من خلقه.

وقال تعالى {هل تعلم سميا} مريم65.

وقال {ولم يكن له كفوا أحد} الإخلاص4.

وقال {فلا تضربوا لله الأمثال} النحل74.

وقال {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} البقرة22، أنه لا ند له ولا نظير.

ومن المعلوم أن لله ذاتاً لا تشبه ذوات المخلوقين، وأنه لا يلزم من إثبات الذات له ما يلزم من ذات المخلوق، فالذي صرف التشبيه عن إثبات الذات لله، هو نفسه الذي يصرف التشبيه عن إثبات جميع صفاته. فلما عُلم قطعاً مباينة الخالق للمخلوق في الذات والوجود، علم مباينته لخلقه في الصفات، إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، والله عز وجل ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كانت له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تماثل صفات سائر الذوات.

فلا يلزم من صفات الله تعالى ما يلزم من صفات المخلوق، إذ المخلوق تلزمه أمور من النقص لنقص أصله وفقره وذله وضعفه، ولا يلزم هذا في صفة جبار السماوات والأرض، ومبدع كل شيء وخالقه، الذي لا تحيط بكنه ذاته وصفاته العقول، ولا تدركه الأوهام والظنون.

وأنا أنقل هنا بعض كلام الأئمة في أن إثبات الصفات لله تعالى لا يلزم منه ما يلزم من صفة المخلوق، وأن الذين يلزمون صفات الله ما يلزم من صفة المخلوق إنما هم المعطلة بأصنافهم وأنواعهم.

آثار السلف الدالة على أنه لا يلزم من صفات الله ما يلزم من صفات المخلوق

- عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون (164 هـ)

قال: (فأما الذى جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقاً وتكلفاً، فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران، فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال: لابد أن كان له كذا من أن يكون له كذا، فعَمِى عن البين بالخفى، فجحد ما سمى الرب من نفسه لصمت الرب عما لم يسم منها) (1) اهـ.

- الإمام أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم الكوفي (182 هـ)

قال: (فلذلك لا يجوز القياس في التوحيد، ولا يعرف إلا بأسمائه ولا يوصف إلا بصفاته) إلى أن قال: (فقد أمرنا أن


(1) سبق تخريجه حاشية 124.

نوحده وليس التوحيد بالقياس، لأن القياس يكون في شيء له شبه ومثل، فالله تعالى وتقدس لا شبه له ولا مثل له تبارك الله أحسن الخالقين. ثم قال: وكيف يدرك التوحيد بالقياس وهو خالق الخلق بخلاف الخلق ليس كمثله شيء تبارك وتعالى) (1) اهـ.

- عبد الرحمن بن القاسم العتقى أبو عبد الله المصرى المالكي (191 هـ)

قال ابن عبد البر: (وقد بلغني عن ابن القاسم أنه لم ير بأساً برواية الحديث "أن الله ضحك"، وذلك لأن الضحك من الله والتنزّل والملالة والتعجب منه ليس على جهة ما يكون من عباده) (2) اهـ.


(1) رواه ابن منده في التوحيد (3/ 305) وأبو القاسم التيمي في الحجة (1/ 11).
(2) التمهيد (7/ 152).

- الحافظ نعيم بن حماد بن معاوية الخزاعي (228 هـ)

قال: (من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، فليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه) (1) اهـ.

- عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز الكناني (230 هـ)

قال في مناظرته للجهمي: (فقال الجهمي: أخبرني كيف استوى على العرش؟ أهو كما تقول العرب استوى فلان على السرير فيكون السرير حوى فلاناً وحده إذا كان عليه، فيلزمك أن تقول إن العرش قد حوى الله وحده إذا كان عليه، لأنا لا نعقل الشيء على الشيء إلا هكذا.

باب من البيان لذلك يقال له: أما قولك كيف استوى؟ فإن الله لا يجري عليه كيف، وقد أخبرنا أنه استوى على العرش ولم يخبرنا كيف استوى، فوجب على المؤمنين أن يصدقوا ربهم باستوائه على العرش، وحرم عليهم أن يصفوا كيف استوى، لأنه لم يخبرهم كيف كذلك، ولم تره العيون في الدنيا فتصفه بما رأت، وحرم عليهم أن يقولوا عليه من حيث لا يعلمون، فآمنوا بخبره عن الاستواء، ثم ردوا علم كيف استوى إلى الله) (2) اهـ.


(1) رواه اللالكائي (3/ 532) وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (4/ 263).
(2) سبق تخريجه حاشية 146.

- الإمام الحافظ ابن راهويه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي (238 هـ)

قال: (لا يجوز الخوض في أمر الله كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين، لقول الله تعالى: {لا يُسأل عما يفعل وهم يُسئلون} الأنبياء23، ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الله بصفاته وفعاله بفهم كما يجوز التفكر والنظر في أمر المخلوقين، وذلك أنه يمكن أن يكون الله عز وجل موصوفاً بالنزول كل ليلة إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما يشاء، ولا يُسأل كيف نزوله، لأن الخالق يصنع ما شاء كما يشاء) (1) اهـ.

- إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (241 هـ)

قال في كتابه "الرد على الجهمية": (فقلنا لهم: هذا الذي يدبر هو الذي كلم موسى. قالوا: لم يتكلم ولا يكلم، لأن الكلام لا يكون إلا بجارحة، والجوارح عن الله منفية. فإذا سمع الجاهل قولهم يظن أنهم من أشد


(1) رواه أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (4/ 325).

الناس تعظيماًً لله، ولا يعلم أنهم إنما يعود قولهم إلى ضلالة وكفر، ولا يشعر أنهم لا يقولون قولهم إلا فرية في الله) (1) اهـ.

وقال في "باب ما أنكرت الجهمية من أن يكون الله كلم موسى": (فقلنا: لم أنكرتم ذلك؟ قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، إنما كوّن شيئاً فعبر عن الله، وخلق صوتاً فأسمع، وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف ولسان وشفتين. فقلنا: هل يجوز لمكوِّن أو غير الله أن يقول: {يا موسى إني أنا ربك} طه12؟ ... ) إلى أن قال: (وأما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان، أليس الله قال للسماوات والأرض {ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} فصلت11، أتراها أنها قالت بجوف وفم وشفتين ولسان وأدوات؟ وقال: {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن} الأنبياء79، أتراها سبحت بجوف وفم ولسان وشفتين؟ والجوارح إذ شهدت على الكافر {فقالوا لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} فصلت21، أتراها أنها نطقت بجوف وفم ولسان؟ ولكن الله أنطقها كيف شاء، وكذلك الله تكلم كيف شاء من غير أن يقول بجوف ولا فم ولا شفتين ولا لسان) (2) اهـ.


(1) الرد على الجهمية والزنادقة (ص106)
(2) المرجع السابق (ص130 - 131).

وقال الإمام أحمد في رسالة السنة التي رواها عبدوس بن مالك العطار: (وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء، إنما هي الاتباع وترك الهوى) (1) اهـ.

وهذا منه رحمه الله إبطال قياس الخالق على المخلوق فيما وصف الله به نفسه، وأن الواجب هو التسليم من غير قياس لصفاته بصفات خلقه.

- أبو زرعة الرازي عبيد الله بن عبد الكريم القرشى المخزومى (264 هـ)

قال: (المعطلة النافية الذين ينكرون صفات الله عز وجل التي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ويكذبون بالأخبار الصحاح التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصفات، ويتأولونها بآرائهم المنكوسة على موافقة ما اعتقدوا من الضلالة، وينسبون رواتها إلى التشبيه، فمن نسب الواصفين ربهم تبارك وتعالى بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - من غير تمثيل ولا تشبيه إلى التشبيه فهو معطل نافٍ، ويستدل عليهم بنسبتهم إياهم إلى التشبيه أنهم معطلة نافية، كذلك كان أهل العلم يقولون منهم: عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح) (2) اهـ.


(1) سبق تخريجه حاشية 117.
(2) ذكره أبو القاسم التيمي في الحجة (1/ 178).

وقد سبق أن ذكرنا أن من علامة الجهمية المعطلة، تسميتهم المثبتة مشبهة، ونقلنا قول الإمام أحمد، وإسحاق، وإبي حاتم، وغيرهم (1).

- الإمام العلامة الحافظ الناقد عثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ)

قال: (أما قولك: إن كيفية هذه الصفات وتشبيهها بما هو موجود في الخلق خطأ، فإنا لا نقول: إنه خطأ كما قلت بل هو عندنا كفر. ونحن لكيفيتها وتشبيهها بما هو موجود في الخلق أشد أنفاً منكم، غير أنا كما لا نشبهها، ولا نكيفها، لا نكفر بها، ولا نكذب، ولا نبطلها بتأويل الضلال، ..... )


(1) انظر ص؟؟

إلى أن قال: (فإنا لا نجيز اجتهاد الرأي في كثير من الفرائض والأحكام التي نراها بأعيننا وتسمع في آذاننا، فكيف في صفات الله تعالى التي لم تر العيون، وقصرت عنها الظنون) (1) اهـ.

وقال: (أما هؤلاء الذين سميتهم مشبهة: أن وصفوه بما وصف به نفسه بلا تشبيه؟ فلولا أنها كلمة هي محنة الجهمية التي بها ينبزون المؤمنين بها ما سمينا مشبهاً غيرك لسماجة ما شبهت ومثلت. ويلك! إنما نصفه بالأسماء، لا بالتكييف ولا بالتشبيه، كما يقال: إنه ملك كريم عليم حكيم حليم رحيم لطيف مؤمن عزيز جبار متكبر.

وقد يجوز أن يدعى البشر ببعض هذه الأسماء، وإن كانت مخالفة لصفاتهم. فالأسماء فيها متفقة، والتشبيه والكيفية مفترقة، كما يقال: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، يعني في الشبه والطعم والذوق، والمنظر، واللون. فإذا كان كذلك فالله أبعد من الشبه وأبعد. فإن كنا مشبهة عندك أن وحدنا الله إلهاً واحداً بصفات أخذناها عنه وعن كتابه، فوصفناه بما وصف به نفسه في كتابه، فالله في دعواكم أول المشبهين بنفسه ثم رسوله الذي أنبأنا ذلك عنه. فلا تظلموا أنفسكم ولا تكابروا العلم، إذ جهلتموه فإن التسمية من التشبيه بعيدة.) (2) اهـ.


(1) الرد على المريسي (1/ 219 - 220).
(2) المرجع السابق (1/ 302 - 303).

وقال: (وأما تشنيعك على هؤلاء المقرين بصفات الله عز وجل المؤمنين بما قال الله: أنهم يتوهمون فيها جوارح وأعضاء، فقد ادعيت عليهم في ذلك زوراً باطلاً، وأنت من أعلم الناس بما يريدون بها، إنما يثبتون منها ما أنت له معطل وبه مكذب، ولا يتوهمون فيها إلا ما عنى الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يدّعون جوارح ولا أعضاء كما تقولت عليهم، غير أنك لا تألو في التشنيع عليهم بالكذب، ليكون أروج لضلالتك عند الجهال) (1) اهـ.

وقال: (وأما ما ادعيت من انتقال مكان إلى مكان أن ذلك صفة المخلوقين، فإنا لا نكيف مجيئه وإتيانه أكثر مما وصف الناطق من كتابه، ثم ما وصف رسوله - صلى الله عليه وسلم -.) (2) اهـ.

وقال: (وادعى المعارض أيضاً أن المقري حدث عن حرملة بن عمران عن أبي موسى يونس عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه قرأ {سميعا بصيرا} النساء85، فوضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه".

وقد عرفنا هذا من رواية المقري وغيره، كما روى المعارض غير أنه ادعى أن بعض كتبة الحديث ثبتوا به بصراً بعين كعين، وسمعاً كسمع جارحاً مركباً.


(1) المرجع السابق (1/ 374 - 375).
(2) المرجع السابق (2/ 680).

فيقال لهذا المعارض: أما دعواك عليهم أنهم ثبتوا له سمعاً وبصراً فقد صدقت.

وأما دعواك عليهم أنه كعين وكسمع، فإنه كذب ادعيت عليهم، لأنه ليس كمثله شيء، ولا كصفاته صفة.

وأما دعواك أنهم يقولون: جارح مركب فهذا كفر لا يقوله أحد من المسلمين، ولكنا نثبت له السمع والبصر والعين بلا تكييف، كما أثبته لنفسه فيما أنزل من كتابه، وأثبته له الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الذي تكرره مرة بعد مرة جارح وعضو وما أشبهه، حشو وخرافات، وتشنيع لا يقوله أحد من العالمين، وقد روينا روايات السمع والبصر والعين في صدر هذا الكتاب بأسانيدها وألفاظها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنقول كما قال، ونعني بها كما عنى والتكييف عنا مرفوع، وذكر الجوارح والأعضاء تكلف منك وتشنيع.) (1) اهـ.

وقال: (ثم لم تأنف من هذا التأويل حتى ادعيت على قوم من أهل السنة أنهم يفسرون ضحك الله على ما يعقلون من أنفسهم، وهذا كذب تدعيه عليهم لأنا لم نسمع أحدا منهم يشبه شيئاً من أفعال الله تعالى بشيء من أفعال المخلوقين، ولكنا نقول هو نفس الضحك، يضحك كما يشاء كما يليق به، وتفسيرك هذا منبوذ في حشك) (2) اهـ.


(1) المرجع السابق (2/ 688 - 689).
(2) المرجع السابق (2/ 780).

- الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ)

قال: (فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يُعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه فنقول: يسمع جل ثناؤه الأصوات، لا بخرق في أذن، ولا جارحة كجوارح بني آدم. وكذلك يبصر الأشخاص ببصر لا يشبه أبصار بني آدم التي هي جوارح لهم.

وله يدان ويمين وأصابع، وليست جارحة، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير. ووجه لا كجوارح بني آدم التي من لحم ودم.

ونقول: يضحك إلى من شاء من خلقه. لا تقول: إن ذلك كشر عن أنياب.

ويهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا.) (1) اهـ.

- إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة (311 هـ)

قال في كلام طويل نفيس: (فاسمعوا الآن أيها العقلاء، ما نذكر من جنس اللغة السائرة بين العرب، هل يقع اسم المشبهة على أهل الآثار ومتبعي السنن؟ نحن نقول وعلماؤنا جميعا في جميع الأقطار: إن لمعبودنا عز وجل وجهاً كما أعلمنا الله في محكم تنزيله، فذواه بالجلال والإكرام، وحكم له بالبقاء، ونفى عنه الهلاك، ونقول: إن لوجه ربنا عز وجل من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره، محجوب عن أبصار أهل الدنيا، لا يراه بشر ما دام في الدنيا الفانية ونقول: إن وجه ربنا القديم لا يزال باقياً، فنفى عنه الهلاك والفناء، ونقول: إن لبني آدم وجوهاً كتب الله عليها الهلاك، ونفى عنها الجلال والإكرام، غير موصوفة بالنور والضياء والبهاء التي وصف الله بها وجهه، تدرك وجوه بني آدم أبصار أهل الدنيا، لا تحرق لأحد شعرة فما فوقها، لنفي السبحات عنها، التي بينها نبينا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لوجه خالقنا ونقول: إن وجوه بني آدم محدثة مخلوقة، لم تكن فكونها الله بعد أن لم تكن مخلوقة، أوجدها بعد ما كانت عدماً، وإن جميع وجوه بني آدم فانية غير باقية، تصير جميعاً ميتاً، ثم تصير رميماً، ثم ينشئها الله بعد ما قد صارت رميماً، فتلقى من النشور والحشر والوقوف بين يدي خالقها في القيامة، ومن المحاسبة بما قدمت يداه وكسبه في الدنيا ما لا يعلم صفته غير الخالق البارئ، ثم تصير إما إلى جنة منعمة فيها، أو إلى النار معذبة فيها، فهل يخطر يا ذوي الحجا ببال عاقل مركب فيه العقل، يفهم لغة العرب، ويعرف خطابها، ويعلم التشبيه، أن هذا الوجه شبيه بذاك الوجه؟ وهل ها هنا أيها العقلاء تشبيه وجه ربنا جل ثناؤه الذي هو كما وصفنا وبينا صفته من الكتاب والسنة بتشبيه وجوه بني آدم، التي ذكرناها ووصفناها؟ غير اتفاق اسم الوجه، وإيقاع اسم الوجه على وجه بني آدم، كما سمى الله وجهه وجهاً، .... نحن نثبت لخالقنا جل وعلا صفاته التي وصف الله عز وجل بها نفسه في محكم تنزيله، أو على لسان نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مما ثبت بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه، ونقول كلاماً مفهوماً موزوناً يفهمه كل عاقل.

نقول: ليس إيقاع اسم الوجه للخالق البارئ بموجب عند ذوي الحجا والنهى أنه يشبه وجه الخالق بوجوه بني آدم، قد أعلمنا الله جل وعلا في الآي التي تلوناها قبل أن الله وجهاً ذواه بالجلال والإكرام، ونفى الهلاك عنه .... ) ثم ذكر صفات كثيرة مما تسمى الله بها وسمى خلقه بها ثم قال: (ولو لزم -يا ذوي الحجا- أهل السنة والآثار إذا أثبتوا لمعبودهم يدين كما ثبتهما الله لنفسه وثبتوا له نفسا عز ربنا وجل، وإنه سميع بصير، يسمع ويرى، ما ادعى هؤلاء الجهلة عليهم أنهم مشبهة، للزم كل من سمى الله ملكاً أو عظيماً ورءوفاً ورحيماً وجباراً ومتكبراً، أنه قد شبه خالقه عز وجل بخلقه، حاشا لله أن يكون من وصف الله عز وعلا بما وصف الله به نفسه في كتابه، أو على لسان نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مشبهاً خالقه بخلقه. ... ) (2) اهـ.

وقال مثله في صفة اليد، والأصابع، ونحوها.

- عمرو بن عثمان أبو عبد الله المكي الزاهد (توفي بعد 300 هـ)

قال في كتابه "التعرف بأحوال العباد والمتعبدين" في باب ما يجيء الشيطان للتائبين: (فإن اعتصمت بها وامتنعت منه، أتاك من قبل التعطيل لصفات الرب تعالى وتقدس في كتابه وسنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال لك: إذا كان موصوفاً بكذا، أو وصفته، أوجب له التشبيه. فأكذبه لأنه اللعين إنما يريد أن يستزلك ويغويك ويدخلك في صفات الملحدين الزائغين الجاحدين لصفة الرب تعالى) (3) اهـ.

- أبو عبد الله عبيد الله بن محمد العكبري الحنبلي ابن بطة (384 هـ)

قال في الرد على مؤولة صفة النزول لله تعالى: (فيقول -أي المعطل-: إن قلنا ينزل، فقد قلنا إنه يزول، والله لا يزول، ولو كان ينزل لزال لأن كل نازل زائل. 


(1) التبصير (ص141 - 145).

(2) التوحيد (ص22 - 25).
(3) نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/ 63).

فقلنا: أو لستم تزعمون أنكم تنفون التشبيه عن رب العالمين؟ فقد صرتم بهذه المقالة إلى أقبح التشبيه، وأشد الخلاف، لأنكم إن جحدتم الآثار وكذبتم بالحديث رددتم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله، وكذبتم خبره.

وإن قلتم لا ينزل إلا بزوال، فقد شبهتموه بخلقه، وزعمتم أنه لا يقدر أن ينزل إلا بزواله على وصف المخلوق الذي إذا كان بمكان خلا منه مكان.

لكن نصدق نبينا كما قال: (ينزل ربنا عز وجل) ولا نقول: إنه يزول، بل ينزل كيف شاء، لا نصف نزوله، ولا نحده، ولا نقول: إن نزوله زواله) (1) اهـ. [الإبانة 3/ 239]

وقال أيضاً: (وقالوا: لا نقبل ولا يجوز أن نصف الله إلا بما قبله المعقول.

وقالوا: لا نقول إن لله يدين، لأن اليدين لا تكون إلا بالأصابع وكف وساعدين وراحة ومفاصل، ففروا بزعمهم من التشبيه، ففيه وقعوا، وإليه صاروا.

وكل ما زعموا من ذلك، فإنما هو من صفات المخلوقين، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، لأن يد الله بلا كيف، وقد أكذبهم الله عز وجل وأكذبهم الرسول.) اهـ.

- الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده (395 هـ)

قال: (فقال عز وجل {كتب ربكم على نفسه الرحمة} الأنعام12، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قال الله تعالى وتقدس: إني حرمت الظلم على نفسي) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بياناً لقوله: (إن الله كتب كتاباً على نفسه فهو عنده: إن رحمتي سبقت غضبي) فبين مراد الله فيما أخبر عن نفسه، وبين أن نفسه قديم غير فان بفناء الخلق، وأن ذاته لا توصف إلا بما وصف، ووصفه النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن المجاوز وصفهما يوجب المماثلة، والتمثيل والتشبيه لا يكون إلا بالتحقيق، ولا يكون باتفاق الأسماء، وإنما وافق الاسم النفس اسم نفس الإنسان الذي سماه الله نفساً منفوسة، وكذلك سائر الأسماء التي سمى بها خلقه، إنما هي مستعارة لخلقه منحها عباده للمعرفة. ... - ثم ذكر جملة من الصفات التي وصف الله بها نفسه، ووصف بها خلقه، فذكر الكلام، والسمع، والبصر، والعلم، والقدرة، والرحمة، ثم قال: فوافقت الأسماء وباينت المعاني من كل الجهات، ....

ففيما ذكرناه دليل على جميع الأسماء والصفات التي لم نذكرها، وإنما يَنفي التمثيل والتشبيه النية والعلم بمباينة الصفات والمعاني، والفرق بين الخالق والمخلوق، وفي جميع الأشياء فيما يؤدي إلى التمثيل والتشبيه عند أهل الجهل والزيغ، ووجوب الإيمان بالله عز وجل بأسمائه وصفاته التي وصف بها نفسه وأخبر عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن أسامي الخلق وصفاتهم وافقتها في الاسم وباينتها في جميع المعاني، بحدوث خلقه وفنائهم، وأزلية الخالق وبقائه، وبما أظهر من صفاته، ومنع استدراك كيفيتها، فقال الله عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11) (2) اهـ.

- الإمام المقرئ المحدث أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي (429 هـ)

قال الذهبي: (وقال أهل السنة في قوله {الرحمن على العرش استوى} طه5،: إن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز.

 


(1) الإبانة (3/ 314).

(2) التوحيد (3/ 7 - 9).

فقد قال قوم من المعتزلة والجهمية لا يجوز أن يسمى الله عز وجل بهذه الأسماء على الحقيقة، ويسمى بها المخلوق، فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه وأثبتوها لخلقه، فإذا سئلوا ما حملهم على هذا الزيغ؟ قالوا: الاجتماع في التسمية يوجب التشبيه.

قلنا: هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها، لأن المعقول في اللغة أن الاشتباه في اللغة لا تحصل بالتسمية، وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض، والسواد بالسواد، والطويل بالطويل، والقصير بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب اشتباهاً لاشتبهت الأشياء كلها لشمول اسم الشيء لها، وعموم تسمية الأشياء به، فنسألهم أتقولون إن الله موجود؟ فإن قالوا: نعم. قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبهاً للموجودين، وإن قالوا: موجود ولا يوجب وجوده الاشتباه بينه وبين الموجودات، قلنا: فكذلك هو حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم، يعني ولا يلزم اشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات) (1) اهـ.

- الشيخ الإمام الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي (444 هـ)

قال في كتاب "الإبانة": (والأصل الذي يجب أن يُعلم:


(1) سبق تخريجه حاشية 67.

أن اتفاق التسميات لا يوجب اتفاق المسمّين بها، فنحن إذا قلنا: إن الله موجود رؤوف واحد حي عليم سميع بصير متكلم، وقلنا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان موجوداً حياً عالماً سميعاً بصيراً متكلماً لم يكن ذلك تشبيهاً ولا خالفنا به أحداً من السلف والأئمة، بل الله موجود لم يزل واحد حي قديم قيوم عالم سميع بصير متكلم فيما لم يزل، ولا يجوز أن يوصف بأضداد هذه الصفات، والموجود منا إنما وجد عن عدم، وحَيِيَ بمعنىً حلّه، ثم يصير ميتاً بزوال ذلك المعنى، وعَلِم بعد أن لم يعلم، وقد ينسى ما علم وسمع وأبصر وتكلم بجوارح قد تلحقها الآفات، فلم يكن فيما أطلق للخلق تشبيه بما أطلق للخالق سبحانه وتعالى، وإن اتفقت مسميات هذه الصفات) (1) اهـ.

- القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء (458 هـ)

قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة في الكلام حول اعتقاد والده: (وذكر رحمه الله عليه كلاماً معناه: أن التشبيه إنما يلزم الحنبلية أن لو وجد منهم أحد أمرين:

إما أن يكونوا هم الذين ابتدأوا الصفة لله عز وجل واخترعوها.

أو يكونوا قد صرحوا باعتقاد التشبيه في الأحاديث التي هم ناقلوها.


(1) نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (2/ 90 - 92).

فأما أن يكون صاحب الشريعة - صلى الله عليه وسلم - هو المبتدىء بهذه الأحاديث، وقوله - صلى الله عليه وسلم - حجة يسقط بها ما يعارضها وهم تبع له، ثم يكون الحنبلية قد صرحوا بأنهم يعتقدون إثبات الصفات ونفي التشبيه، فكيف يجوز أن يضاف إليهم ما يعتقدون نفيه؟.

وعلى أنه قد ثبت أن الحنبلية إنما يعتمدون في أصول الدين على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ونحن نجد في كتاب الله وسنة رسوله ذكر الصفات ولا نجد فيهما ذكر التشبيه، فكيف يجوز أن يضاف إليهم ما يعتقدون نفيه؟) (1) اهـ.

- الإمام العلامة حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر الأندلسي القرطبي المالكي (463 هـ)

قال بعد أن روى حديث الجارية التي سألها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ فقالت: في السماء. فقال: اعتقها فإنها مؤمنة": (وأما احتجاجهم لو كان في مكان لأشبه المخلوقات، لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق، فشيء لا يلزم ولا معنى له، لأنه عز وجل ليس كمثله شيء من خلقه، ولا يقاس بشيء من بريته، لا يدرك بقياس، ولا يقاس بالناس، لا إله إلا هو، كان قبل كل شيء، ثم خلق الأمكنة والسموات والأرض وما بينهما، وهو الباقي بعد كل شيء، وخالق كل شيء لا شريك له،


(1) طبقات الحنابلة (2/ 211).

وقد قال المسلمون وكل ذي عقل أنه لا يعقل كائن لا في مكان منا، وما ليس في مكان فهو عدم، وقد صح في المعقول وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في الأزل لا في مكان وليس بمعدوم، فكيف يقاس على شيء من خلقه، أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، الذي لا يبلغ من وصفه إلا إلى ما وصف به نفسه، أو وصفه به نبيه ورسوله، أو اجتمعت عليه الأمة الحنيفية عنه) (1) اهـ.

- الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي الطلحي الأصبهاني (535 هـ)

قال: (فصل: في الرد على الجهمية الذين أنكروا صفات الله عز وجل، وسموا أهل السنة مشبهة، وليس قول أهل السنة أن لله وجهاً ويدين وسائر ما أخبر الله تعالى به عن نفسه موجباً تشبيهه بخلقه، وليس روايتهم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خلق الله آدم على صورته" بموجبة نسبة التشبيه إليهم، بل كل ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو حق، قول الله حق، وقول رسوله حق، والله أعلم بما يقول ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بما قال، وإنما علينا الإيمان والتسليم وحسبنا الله ونعم الوكيل) (2) اهـ.

وقال ناقلاً عن بعض أهل السنة: (إنما يلزم العباد الاستسلام، ولا يعرف ملك مقرب، ولا نبي مرسل تلك الصفات، إلا بالأسماء التي عرّفهم الرب عز وجل، ولا يدرك بالعقول والمقاييس منتهى صفات الله عز وجل، فسبيل ذلك إثبات معرفة صفاته بالاتباع والاستسلام، فإن طعن أهل الأهواء على أهل السنة ونسبوهم إلى التشبيه إذا وافقوا بين الأسماء. يقال: ليس الأمر كما يتوهمون لأن الشيئين لا يشتبهان لاشتباه أسمائها في اللفظ، وإنما يشتبهان بأنفسهما أو بمعان مشتبهة فهماً، ولو كان الأمر كما قالوا وتوهموا لاشتبهت الأشياء كلها لأنه يقع على كل واحد منهم اسم شيء) (3) اهـ.


(1) التمهيد (7/ 135).
(2) الحجة في بيان المحجة (1/ 285 - 287).

(3) المرجع السابق (2/ 452). 

- الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748 هـ)

قال: (قال عبد الله بن الإمام أحمد في السنة حدثني عباس العنبري حدثنا شاذ بن يحيى سمعت يزيد بن هارون وقيل له: من الجهمية؟ فقال: «من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يَقِر في قلوب العامة فهو جهمي».

قال الذهبي: ("يقر" مخفف، والعامة مراده بهم جمهور الأمة وأهل العلم، والذي وقر في قلوبهم من الآية هو ما دل عليه الخطاب، مع يقينهم بأن المستوي ليس كمثله شيء. وهذا الذي وقر في فطرهم السليمة وأذهانهم الصحيحة، ولو كان له معنى وراء ذلك لتفوهوا به ولما أهملوه، ولو تأول أحد منهم الاستواء لتوفرت الهمم لنقله، ولو نقل لاشتهر، فإن كان في بعض جهلة الأغبياء من يفهم من الاستواء ما يوجب نقصاً أو قياساً للشاهد على الغائب، وللمخلوق على الخالق، فهذا نادر، فمن نطق بذلك زُجر وعُلم، وما أظن أن أحداً من العامة يقر في نفسه ذلك، والله أعلم) (1) اهـ.

وقال: (فالنزول، والكلام، والسمع، والبصر، والعلم، والاستواء، عبارات جلية واضحة للسامع، فإذا اتصف بها من ليس


(1) العلو (ص157).

كمثله شيء فالصفة تابعة للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر) (1) اهـ.

- الحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (795 هـ)

قال بعد جواز التسمي ببعض أسماء الله كالسميع والبصير: (فأما ما يتسمى به المخلوقون من أسمائه كالسميع، والبصير، والقدير، والعليم، والرحيم، فإن الإضافة قاطعة الشركة. وكذلك الوصفية.

فقولنا: زيد سميع بصير، لا يفيد إلا صفة المخلوق، وقولنا: الله سميع بصير، يفيد صفته اللائقة به، فانقطعت المشابهة بوجه من الوجوه، ولهذا قال تعالى: {هل تعلم له سميا} مريم65) (2) اهـ.


(1) المرجع السابق (ص214).
(2) نقلاً من كتاب منهج الحافظ ابن رجب الحنبلي في العقيدة (ص356).

فرع: في تقرير هذا الأصل من كلام إبي الحسن الأشعري وكبار أصحابه في أنه لا يلزم من صفات الله ما يلزم من صفات المخلوق

قال: (ولا يجب إذا أثبتنا هذه الصفات له عز وجل على ما دلت العقول واللغة والقرآن والإجماع عليها أن تكون محدثة، .. فلذلك لا يجوز على صفاته ما يجوز على صفاتنا) (1) اهـ.

وقال: (مسألة: ويقال لهم: لم أنكرتم أن يكون الله تعالى عنى بقوله: {بيدي} ص75، يدين ليستا نعمتين؟

فإن قالوا: لأن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة.

قيل لهم: ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة؟ وإن رجعونا إلى شاهدنا، أو إلى ما نجده فيما بيننا من الخلق فقالوا: اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة.

قيل لهم: إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله تعالى فكذلك لم نجد حياً من الخلق إلا جسماً لحماً ودماً، فاقضوا بذلك على الله - تعالى عن ذلك - وإلا كنتم لقولكم تاركين ولاعتلالكم ناقضين.


(1) رسالة إلى أهل الثغر (ص218).

وإن أثبتم حياً لا كالأحياء منا، فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله تعالى عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين، ولا كالأيدي؟

وكذلك يقال لهم: لم تجدوا مدبراً حكيماً إلا إنساناً، ثم أثبتم أن للدنيا مدبراً حكيماً ليس كالإنسان، وخالفتم الشاهد ونقضتم اعتلالكم فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من أجل أن ذلك خلاف الشاهد) (1) اهـ.

- القاضى ابو بكر محمد بن الطيب الباقلانى (403 هـ)

قال في كتابه "الإبانة": (فان قال قائل فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً؟ قيل له: قوله: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} الرحمن27، وقوله تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ص75، فأثبت لنفسه وجهاً ويداً.

فإن قال: فلم أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة، إن كنتم لا تعقلون وجهاً ويداً إلا جارحة؟.

قلنا: لا يجب هذا، كما لا يجب إذا لم نعقل حياً عالماً قادراً إلا جسماً أن نقضى نحن وأنتم بذلك على الله سبحانه وتعالى، وكما لا يجب في كل شيء كان قائماً بذاته أن يكون جوهراً، لأنا وإياكم لم نجد قائماً بنفسه في شاهدنا إلا كذلك، وكذلك الجواب لهم أن قالوا: يجب أن يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفات ذاته عرضاً واعتلوا بالوجود) (2) اهـ


(1) الإبانة للأشعري (ص110).

(2) نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/ 98) وفي بيان تلبيس الجهمية (2/ 64) وأورده الذهبي في العلو (ص237).

 

  • الاربعاء AM 07:35
    2022-06-01
  • 1823
Powered by: GateGold