المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 423988
يتصفح الموقع حاليا : 335

البحث

البحث

عرض المادة

نصوص أئمة السنة الدالة على تحريم التأويل بإخراج نصوص الصفات على ظاهرها

- الإمام أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني فقيه العراق (189 هـ)

قال عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي: سمعت محمد بن الحسن يقول: (اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الرب عز وجل من غير تغيير، ولا وصف، ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة، لأنه قد وصفه بصفة لا شيء) (1) اهـ.

فدونك هذا الإجماع من هذا الإمام على المنع من التأويل، الذي هو التفسير في اصطلاح السلف كما سبق بيانه.


(1) رواه اللالكائي (3/ 432).

- الإمام المشهور أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادى الهروى (224 هـ)

قال العباس بن محمد الدوري: (سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام، وذكر الباب الذي يروي فيه الرؤية، والكرسي، وموضع القدمين، وضحك ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك عز وجل قدمه فيها فتقول: قط قط، وأشباه هذه الأحاديث، فقال: هذه الأحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه؟ وكيف ضحك؟ قلنا لا يفسر هذا ولا سمعنا أحداً يفسره) (1) اهـ.

وأورد الذهبي هذا الأثر في السير ثم قال معلقاً: (قد صنف أبو عبيد كتاب "غريب الحديث" وما تعرض لأخبار الصفات الإلهية بتأويل أبداً، ولا فسر منها شيئاً، وقد أخبر بأنه ما لحق أحداً يفسرها، فلو كان والله تفسيرها سائغاً أو حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم بذلك فوق اهتمامهم بأحاديث الفروع والآداب، فلما لم يتعرضوا لها بتأويل، وأقروها على ما وردت عليه، علم أن ذلك هو الحق الذي لا حيدة عنه) (2) اهـ.


(1) سبق تخريجه حاشية 144.
(2) سير أعلام النبلاء (8/ 162).

- الإمام العلامة الحافظ الناقد عثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ)

قال في بيان بطلان دعوى أن آيات الصفات تحتمل وجوهاً: (فكيف تخوض فيه -أي التوحيد- بما لا تدري؟ أمصيبٌ أنت أم مخطئ؟ لأن أكثر ما نراك تفسر التوحيد بالظن، والظن يخطئ ويصيب، وهو قولك: يحتمل في تفسيره كذا، ويحتمل كذا تفسيراً، ويحتمل في صفاته كذا، ويحتمل خلاف ذلك، ويحتمل في كلامه كذا وكذا. والاحتمال ظن عند الناس غير يقين، ورأي غير مبين، حتى تدعي لله في صفاته ألواناً كثيرة ووجوهاً كثيرة أنه يحتملها، لا تقف على الصواب من ذلك فتختاره، فكيف تندب الناس إلى صواب التوحيد، وأنت داءب تجهل صفاته، وأنت تقيسها بما ليس عندك بيقين؟) (1) اهـ.

وقال الذهبي: (قال محمد بن إبراهيم الصرام: سمعت عثمان بن سعيد يقول: لا نكيف هذه الصفات، ولا نكذب بها، ولا نفسرها) (2) اهـ.

والمراد بالتفسير كما سبق بيانه هو إخراجها عن ظاهرها، أو تشبيهها بصفة المخلوق.

- الإمام أبو العباس أحمد بن عمر ابن سريج البغدادي الشافعي (303 هـ)

قال بعد ذكر جملة من الصفات: (اعتقادنا فيه وفي الآي المتشابه في القرآن أن نقبلها، ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهر تنزيلها) (3) اهـ.

- إمام أهل السنة والجماعة في عصره أبو محمد الحسن بن علي البربهاري (329هـ)

قال: (واعلم رحمك الله: أن من قال في دين الله برأيه وقياسه، وتأويله من غير حجة من السنة والجماعة، فقد قال على الله ما لا يعلم. ومن قال على الله ما لا يعلم، فهو من المتكلفين.

والخق ما جاء من عند الله عز وجل، والسنة: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والجماعة: ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان) (4) اهـ.

وهذا فيه إبطال التأويل من غير حجة من كتاب أو سنة أو إجماع.

- الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده (395 هـ)

قال: (إن الأخبار في صفات الله عز وجل جاءت متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - موافقة لكتاب الله عز وجل نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل إثبات الصفات لله عز وجل، والمعرفة والإيمان به، والتسليم لما أخبر الله عز وجل به في تنزيله، وبينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن كتابه، مع اجتناب التأويل والجحود، وترك التمثيل والتكييف ... ) إلى أن قال: (وذلك أن الله تعالى امتدح نفسه بصفاته تعالى، ودعا عباده إلى مدحه بذلك وصدق به المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وبين مراد الله عز وجل فيما أظهر لعباده من ذكر نفسه وأسمائه وصفاته، وكان ذلك مفهوماً عند العرب غير محتاج إلى تأويلها .... ) إلى أن قال: (وإنما صدرنا بهذا الفصل لئلا يتعلق الضالون عن الهداية الزائغون عن كتاب الله عز وجل، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالظاهر، فيتأولوا الصفات والأسماء التي في كتابه ونقلها الخلف الصادق عن السلف الطاهر عن الله عز وجل وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم -) (5) اهـ.

وقال أيضاً: (وسئل -أي أبو زرعة الرازي- عن حديث ابن عباس (الكرسي موضع القدمين)؟

فقال: صحيح، ولا نفسر، نقول كما جاء وكما هو في الحديث .. ).

ثم أسند عن الحميدي أنه ذكر حديث: (إن الله خلق آدم يعني بيديه) فقال: لا نقول غير هذا على التسليم والرضا بما جاء به القرآن والحديث، ولا نستوحش أن نقول كما قال القرآن والحديث.

قلنا: وكذلك نقول فيما تقدم من هذه الأخبار في الصفات في كتابنا هذا نرويها من غير تمثيل، ولا تشبيه، ولا تكييف، ولا قياس، ولا تأويل، على ما نقلها السلف الصادق عن الصحابة الطاهرة عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، أو خبر صحابي حضر التنزيل والبيان، ونتبرأ إلى الله عز وجل مما يخالف القرآن وكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - والله عز وجل الموفق للصواب برحمته إن شاء الله تعالى) (6) اهـ.

- الإمام العارف أبو منصور معمر بن أحمد بن زياد الأصبهاني (418 هـ)

قال: (أحببت أن أوصي أصحابي بوصية من السنة وأجمع ما كان عليه أهل الحديث وأهل التصوف والمعرفة ... ) فذكر أشياء إلى أن قال: (وأن الله استوى على عرشه بلا كيف، ولا تشبيه، ولا تأويل، والاستواء معقول، والكيف مجهول، وأنه بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، فلا حلول ولا ممازجة ولا ملاصقة، وأنه سميع بصير عليم خبير، يتكلم، ويرضى، ويسخط، ويعجب، ويضحك، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكاً، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بلا كيف ولا تأويل، كيف شاء، فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال) (7) اهـ.

- الشيخ الإمام الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي (444 هـ)

قال في رسالته إلى أهل زبيد: (وقد اتفقت الأئمة على أن الصفات لا تؤخذ إلا توقيفاً، وكذلك شرحها لا يجوز إلا بتوقيف. فقول المتكلمين في نفي الصفات أو إثباتها بمجرد العقل، أو حملها

 

 

 

 


(1) الرد على المريسي (2/ 789).
(2) رواه أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (4/ 343).

(3) أورده الذهبي في العلو (ص208).

(4) شرح السنة (ص102 - 103).

(5) التوحيد (3/ 7 - 9).
(6) التوحيد (3/ 309).

(7) نقله عنه أبو القاسم التيمي في الحجة (1/ 231 - 244) في كلام طويل، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/ 61) وأورده الذهبي في العلو (ص244). 

على تأويل مخالف للظاهر ضلال) (1) اهـ.

- شيخ الإسلام الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (449 هـ)

قال حاكياً مذهب السلف في الصفات: (بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه، بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله) (2) اهـ.

وقال أيضاً مبيناً أن التأويل في صفات الله من سمات أهل البدع: (والفرق بين أهل السنة وبين أهل البدعة: أنهم إذا سمعوا خبراً في صفات الرب ردوه أصلاً، ولم يقبلوه أو يسلموا للظاهر، ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفع الخبر من أصله، وإعمال حيل عقولهم وآرائهم فيه) (3) اهـ.

- القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء (458 هـ)

قال "إبطال التأويلات": (واعلم أنه لا يجوز رد الأخبار


(1) رسالة السجزي إلى أهل زبيد (ص121).
(2) عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص39).
(3) المرجع السابق (ص48 - 49).

على ما ذهب إليه جماعة من المعتزلة، ولا التشاغل بتأويلها على ما ذهب إليه الأشعرية. والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات لله تعالى لا تشبه سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا نعتقد التشبيه فيها، لكن على ما روي عن شيخنا وإمامنا أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل وغيره من أئمة أصحاب الحديث أنهم قالوا في هذه الأخبار: أمروها كما جاءت، فحملوها على ظاهرها في أنها صفات لله تعالى لا تشبه سائر الموصوفين) (1) اهـ.

وقال: (ويدل على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم حملوها على ظاهرها، ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغاً لكانوا إليه أسبق، لما فيه من إزالة التشبيه، يعني: على زعم من قال إن ظاهرها تشبيه) (2) اهـ.

- الإمام محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي (516 هـ)

قال في "شرح السنة" بعد أن ساق أحاديث الأصابع لله عز وجل، ثم ذكر صفات: النفس، والوجه، واليدين، والعين، والرجل، والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا،


(1) إبطال التأويلات (1/ 43).
(2) المرجع السابق (2/ 71).

والاستواء على العرش، والضحك والفرح ثم قال: (فهذه ونظائرها صفات لله تعالى، ورد بها السمع، يجب الإيمان بها، وإمرارها على ظاهرها، معرضاً عن التأويل، مجتنباً عن التشبيه، معتقداً أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق، قال الله سبحانه وتعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11، وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة، تلقوها جميعاً بالقبول والتسليم، وتجنبوا فيها عن التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله عز وجل - ثم ساق آثار السلف) (1) اهـ.

- الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي الطلحي الأصبهاني (535 هـ)

قال بعد ما قرر صفة الوجه واليد والاستواء وغيرها لله تعالى: (وكذلك القول في الإصبع، الإصبع في كلام العرب تقع على النعمة والأثر الحسن، وهذا المعنى لا يجوز في هذا الحديث، فكون الإصبع معلوماً بقوله - صلى الله عليه وسلم -، وكيفيته مجهولة، وكذلك القول في جميع الصفات يجب الإيمان به، ويترك الخوض في تأويله، وإدراك كيفيته) (2) اهـ.


(1) شرح السنة (1/ 63 - 171).
(2) الحجة في بيان المحجة (2/ 257 - 262).

- تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي (600 هـ)

قال: (فلا نقول: يد كيد، ولا نكيف، ولا نشبه، ولا نتأول اليدين على القدرتين، كما يقول أهل التعطيل والتأويل، بل نؤمن بذلك، ونثبت الصفة من غير تحديد ولا تشبيه) إلى أن قال: (وكل ما قال الله عز وجل في كتابه، وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنقل العدل عن العدل - أي لا نشبه ولا نكيف ولا نتأول -، مثل: المحبة، والمشيئة، والإرادة، والضحك، والفرح، والعجب، والبغض، والسخط، والكره، والرضى، وسائر ما صح من الله ورسوله، وإن نبت عنها أسماع بعض الجاهلين، واستوحشت منها نفوس المعطلين) (1) اهـ.

ثم قال في كلام جامع: (واعلم رحمك الله: أن الإسلام وأهله أتوا من طرائق ثلاث:

فطائفة: روت أحاديث الصفات وكذبوا رواتها، فهؤلاء أشد ضرراً على الإسلام وأهله من الكفار.

وأخرى: قالوا بصحتها وقبلوها ثم تأولوها، فهؤلاء أعظم ضرراً من الطائفة الأخرى.


(1) عقائد أئمة السلف (85).

والثالثة: جانبوا القولين، وأخذوا بزعمهم ينزهون، وهم يكذبون، فأداهم ذلك إلى القولين الأولين، وكانوا أعظم ضرراً من الطائفتين الأولتين) (1) اهـ.

- أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (620 هـ)

قال في "لمعة الاعتقاد": (وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات، لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله .... ) اهـ.

ثم قال بعد أن ساق جملة من صفات الله: (ومن السنة، قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا» وقوله: «يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة» وقوله: «يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة»، فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعدلت رواته، نؤمن به، ولا نرده ولا نجحده ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره، ولا نشبهه بصفات المخلوقين، ولا بسمات المحدثين، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى11، وكل ما تخيل في الذهن أو خطر بالبال فإن الله تعالى بخلافه .... ).


(1) المرجع السابق (ص131 - 132).

إلى أن قال: (فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله، ولم يتعرضوا لرده ولا تأويله، ولا تشبيهه ولا تمثيله) (1) اهـ.

وقال أيضاً في "ذم التأويل": (ومذهب السلف رحمة الله عليهم: الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه في آياته وتنزيله، أو على لسان رسوله من غير زيادة عليها ولا نقص منها ولا تجاوز لها، ولا تفسير لها، ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها، ولا تشبيه بصفات المخلوقين ولا سمات المحدثين، بل أمروها كما جاءت، وردوا علمها إلى قائلها ومعناها إلى المتكلم بها ... ) (2) اهـ.

إلى أن قال مبيناً الإجماع على ترك التأويل: (وأما الإجماع: فإن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على ترك التأويل بما ذكرنا عنهم، وكذلك أهل كل عصر بعدهم، ولم يُنقل التأويل إلا عن مبتدع أو منسوب إلى بدعة. والإجماع حجة قاطعة، فإن الله لا يجمع أمة محمد عليه السلام على ضلالة، ومن بعدهم من الأئمة قد صرحوا بالنهي عن التفسير والتأويل، أمروا بإمرار هذه الأخبار كما جاءت، وقد نقلنا إجماعهم عليه فيجب اتباعه ويحرم خلافه، ولأن تأويل هذه الصفات لا يخلوا إما أن يكون علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون وعلماء أصحابه أو لم يعلموا، فإن لم يعلموه فكيف يجوز أن يعلمه


(1) لمعة الاعتقاد (ص174 - 178).
(2) ذم التأويل (ص11).

غيرهم، وهل يجوز أن يكون قد خبأ عنهم علماً وخبأ للمتكلمين لفضل عندهم) (1) اهـ.

- الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748 هـ)

قال معقباً على الأثر المشهور عن الإمام مالك "الاستواء معلوم، والكيف مجهول": (هذا ثابت عن مالك وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة: أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نعمق ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولا إثباتاً، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقيناً مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في


(1) المرجع السابق (ص40 - 41).

صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا) (1) اهـ.

وقال في ترجمة إسحاق بن راهويه: (وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين قال له: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء، فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء.

قلت: هذه الصفات من الاستواء، والإتيان، والنزول، قد صحت بها النصوص، ونقلها الخلف عن السلف، ولم يتعرضوا لها برد ولا تأويل، بل أنكروا على من تأولها، مع إصفاقهم على أنها لا تشبه نعوت المخلوقين، وأن الله ليس كمثله شيء، ولا تنبغي المناظرة ولا التنازع فيها، فإن في ذلك مخولة للرد على الله ورسوله، أو حوماً على التكييف أو التعطيل) (2) اهـ.

- الحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (795 هـ)

قال: (والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل، ولا يصح من أحد منهم خلاف ذلك البتة خصوصاً الإمام أحمد، ولا خوض في معانيها، ولا ضرب مثل من الأمثال لها،

وإن كان بعض من كان قريباً من زمن الإمام أحمد فيهم من فعل شيئاً من ذلك اتباعاً لطريقة مقاتل، فلا يقتدى به في ذلك، إنما الاقتداء بأئمة الإسلام كابن المبارك، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحق، وأبي عبيد، ونحوهم، وكل هؤلاء لا يوجد في كلامهم شيء من جنس كلام المتكلمين فضلاً عن كلام الفلاسفة) (3) اهـ.

- العلامة أبو الفضل شهاب الدين محمود الألوسي (1207 هـ)

قال في "غرائب الاغتراب": (فقلت: يا مولاي يشهد لحقية مذهب السلف في المتشابهات، وهو إجراؤها على ظواهرها مع التنزيه {ليس كمثله شيء}: إجماع القرون الثلاثة الذين شهد بخيرتهم خير البشر - صلى الله عليه وسلم - .. ) (4) اهـ.

فرع: في موافقة إبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

لم يختلف قول أبي الحسن الأشعري في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى التي في القرآن، وقد ذكر ذلك في مواضع كثيرة من كتبه:

فقال في "مقالات الإسلاميين": (وقال أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وأنه على العرش كما قال عز وجل: {الرحمن على العرش استوى} طه5،، ولا نقدم بين يدي الله في القول، بل نقول استوى بلا كيف.

وأنه نور كما قال تعالى: {الله نور السموات والأرض} النور35.

وأن له وجهاً كما قال الله: {ويبقى وجه ربك} الرحمن27.

وأن له يدين كما قال: {خلقت بيدي} ص75.

وأن له عينين كما قال: {تجري بأعيننا} القمر14.

وأنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} الفجر22.

وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث.


(1) العلو (ص139).
(2) سير أعلام النبلاء (11/ 376).

(3) فضل علم السلف على الخلف (ص55 - 56).

(4) غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب (ص؟؟؟).

ولم يقولوا شيئاً إلا ما وجدوه في الكتاب، أو جاءت به الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (1) اهـ.

وقال في موضع آخر في سياق الاختلاف في العين والوجه واليد ونحوها: (وقال أصحاب الحديث: لسنا نقول في ذلك إلا ما قال الله عز وجل، أو جاءت به الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنقول: وجه بلا كيف، ويدان وعينان بلا كيف) (2) اهـ.

وقال أيضاً: (هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة

جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يردون من ذلك شيئاً .... - إلى أن قال: وأن الله سبحانه على عرشه كما قال: {الرحمن على العرش استوى} طه5.

وأن له يدين بلا كيف كما قال: {خلقت بيدي} ص75، وكما قال: {بل يداه مبسوطتان} المائدة64.

وأن له عينين بلا كيف كما قال: {تجري بأعيننا} القمر14.


(1) مقالات الإسلاميين (1/ 284).
(2) المرجع السابق (1/ 290).

وأن له وجهاً كما قال: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} الرحمن27) (1) اهـ.

وقال في "الإبانة": (فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة: فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافعة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون.

قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل، وبسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته - قائلون، ولما خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيع الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم.

وجملة قولنا: ... ) ثم ذكر أموراً إلى أن قال: (وأن له سبحانه وجهاً بلا كيف، كما قال: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} الرحمن27.


(1) المرجع السابق (1/ 345).

وأن له سبحانه يدين بلا كيف، كما قال سبحانه: {خلقت بيدي} ص75، وكما قال: {بل يداه مبسوطتان} المائدة64

وأن له سبحانه عينين بلا كيف، كما قال سبحانه: {تجري بأعيننا} القمر14) (1) اهـ.

وقال أيضاً: (الباب السادس الكلام في الوجه والعينين والبصر واليدين:

قال الله تبارك وتعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} القصص88،، وقال تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} الرحمن27، فأخبر أن له سبحانه وجهاً لا يفنى، ولا يلحقه الهلاك.

وقال تعالى: {تجرى بأعيننا} القمر14، وقال تعالى: {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا} هود37، فأخبر تعالى أن له وجهاً وعيناً، ولا تكيَّف ولا تحد.

وقال تعالى: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} الطور48، وقال تعالى: {ولتصنع على عيني} طه39، وقال تعالى: {وكان الله سميعا بصيرا} النساء85،، وقال لموسى وهارون عليهما


(1) الإبانة للأشعري (ص43 - 44).

أفضل الصلاة والسلام: {إنني معكما أسمع وأرى} طه46. فأخبر تعالى عن سمعه وبصره ورؤيته ... ) إلى أن قال: (مسألة: فمن سألنا فقال: أتقولون إن لله سبحانه وجهاً؟

قيل له: نقول ذلك، خلافا لما قاله المبتدعون، وقد دل على ذلك قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} الرحمن27.

مسألة:

قد سئلنا أتقولون إن لله يدين؟

قيل: نقول ذلك بلا كيف، وقد دل عليه قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} الفتح10،، وقوله تعالى: {لما خلقت بيدي} ص75.

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذريته) فثبتت اليد بلا كيف) (1) اهـ.

وقال في إثبات صفتي الرضا والغضب لله تعالى: (وإذا كنا متى أثبتناه غضباناً على الكافرين فلا بد من إثبات غضب، وكذلك إذا أثبتناه راضياً عن المؤمنين فلا بد من إثبات رضى، وكذلك إذا أثبتناه حياً سميعاً بصيراً فلا بد من إثبات حياة وسمع وبصر) (2) اهـ.


(1) المرجع السابق (104 - 106).
(2) المرجع السابق (ص117).

كما أنه أبطل تأويل الصفات الخبرية ورد على أهلها في مواضع كثيرة، وبين أن تأويل الصفات الخبرية هو قول المعتزلة وأهل الضلال:

فقال في "مقالات الإسلاميين": (باب قول المعتزلة في "وجه الله": واختلفوا هل يقال لله وجه أم لا وهم ثلاث فرق: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن لله وجهاً هو هو والقائل بهذا القول أبو الهذيل. والفرقة الثانية منهم يزعمون أنا نقول وجه توسعاً ونرجع إلى إثبات الله لأنا نثبت وجهاً هو هو ... والفرقة الثالثة منهم ينكرون ذكر الوجه أن يقولوا لله وجه) (1) اهـ.

وقال في موضع آخر: (قولهم في العين واليد: وأجمعت المعتزلة بأسرها على إنكار العين واليد وافترقوا في ذلك على مقالتين: فمنهم من أنكر أن يقال: لله يدان وأنكر أن يقال أنه ذو عين وأن له عينين، ومنهم من زعم أن لله يداً وأن له يدين، وذهب في معنى ذلك إلى أن اليد نعمة، وذهب في معنى العين إلى أنه أراد العلم وأنه عالم، وتأول قول الله عز وجل: {ولتصنع على عيني} طه39، أي بعلمي.) (2) اهـ.

وقال: (الاختلاف في العين والوجه واليد ونحوها: واختلفوا


(1) مقالات الإسلاميين (1/ 265).
(2) المرجع السابق (1/ 271).

في العين واليد والوجه على أربع مقالات: فقالت المجسمة: له يدان ورجلان ووجه وعينان وجنب يذهبون إلى الجوارح والأعضاء.

وقال أصحاب الحديث: لسنا نقول في ذلك إلا ما قاله الله عز وجل أو جاءت به الرواية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقول: وجه بلا كيف ويدان وعينان بلا كيف ....

وقالت المعتزلة بإنكار ذلك إلا الوجه، وتأولت اليد بمعنى النعمة، وقوله: {تجري بأعيننا} القمر14، أي بعلمنا) (1) اهـ.

وقال في سياق أقوال المعتزلة: (وكان غيره من المعتزلة يقول أن وجه الله سبحانه هو الله، ويقول أن نفس الله سبحانه هي الله، وأن الله غير لا كالأغيار، وأن له يدين وأيدياً بمعنى نعم، وقوله تعالى أعين وأن الأشياء بعين الله أي بعلمه، ومعنى ذلك أنه يعلمها، ويتأولون قولهم أن الأشياء في قبضة الله سبحانه أي في ملكه، ويتأولون قول الله عز وجل: {لأخذنا منه باليمين} الحاقة45، أي بالقدرة. وكان سليمان بن جرير يقول أن وجه الله هو الله.) (2) اهـ.

وقال في "الإبانة": (الباب الأول: في إبانة قول أهل الزيغ والبدعة .. ) ثم ساق كثيراً من أقوالهم إلى أن قال: (ودفعوا أن يكون لله وجه مع قوله عز وجل: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال


(1) المرجع السابق (1/ 290).
(2) المرجع السابق (2/ 205).

والإكرام} الرحمن27، وأنكروا أن له يدان مع قوله سبحانه: {لما خلقت بيدي} ص75،، وأنكروا أن يكون له عينان مع قوله سبحانه: {تجري بأعيننا} القمر14، وقوله: {ولتصنع على عيني} طه39) (1) اهـ.

وقال في موضع آخر: (ونفى الجهمية أن يكون لله تعالى وجه كما قال، وأبطلوا أن يكون له سمع وبصر وعين) (2) اهـ.

وليس المنفي عند المعتزلة هو الوجه المجازي، بل الوجه الحقيقي، إذ جميع المعتزلة يثبتون الوجه المضاف إلى الله تعالى في كتابه ولا ينكرونه، إذاً لكفروا إجماعاً، وإنما ينفون أن يكون وجهاً حقيقة، وإلا لم يكن خلاف بين أهل الحديث والمعتزلة إذا كان الجميع يثبتون وجهاً مضافاً إلى الله، وليس وجهاً حقيقة، بل مجاز!!!

وكل الصفات التي يحكي الأشعري نفيها عن المعتزلة فعلى هذا المنوال.

وهذا كما ترى ظاهر في أن إنكار أن تكون صفات الله تعالى كالوجه واليد والنزول ونحوها حقيقة، إنما هو قول المعتزلة، لا قول أهل السنة كما يزعمه الأشعريان.

وقال الأشعري أيضاً في رد تأويل الصفات: (مسألة: قد سئلنا أتقولون إن لله يدين؟

قيل: نقول ذلك بلا كيف، وقد دل عليه قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} الفتح10،، وقوله تعالى: {لما خلقت بيدي} ص75،.

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذريته) فثبتت اليد بلا كيف.

وجاء في الخبر المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أن الله تعالى خلق آدم بيده، وخلق جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس شجرة طوبى بيده)، أي بيد قدرته سبحانه. وقال تعالى: {بل يداه مبسوطتان} المائدة64، وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كلتا يديه يمين). وقال تعالى: {لأخذنا منه باليمين} الحاقة45.

وليس يجوز في لسان العرب، ولا في عادة أهل الخطاب، أن يقول القائل: عملت كذا بيدي، ويعني به النعمة، وإذا كان الله عز وجل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها، ومعقولاً في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: فعلت بيدي، ويعني النعمة؛ بطل أن يكون معنى قوله تعالى: {بيدي} ص75، النعمة، وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل: لي عليه يدي، بمعنى لي عليه نعمتي، ومن دافعنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها دوفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة؛ إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد النعمة إلا من جهة اللغة، فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها، وأن لا يثبت اليد نعمة من قبلها؛ لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى: {بيدي} ص75، نعمتي فليس المسلمون على ما ادعى متفقين، وإن روجع إلى اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل: بيدي يعني نعمتي، وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه، ولن يجد له سبيلا.

مسألة:

ويقال لأهل البدع: ولِم زعمتم أن معنى قوله: {بيدي} ص75، نعمتي أزعمتم ذلك إجماعا أو لغة؟

فلا يجدون ذلك إجماعاً ولا في اللغة.

وإن قالوا: قلنا ذلك من القياس.

قيل لهم: ومن أين وجدتم في القياس أن قوله تعالى: {بيدي} ص75، لا يكون معناه إلا نعمتي؟ ومن أين يمكن أن يعلم بالعقل أن تفسير كذا وكذا مع أنا رأينا الله عز وجل قد قال في كتابه العزيز، الناطق على لسان نبيه الصادق: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} إبراهيم4،، وقال تعالى: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} النحل 103،، وقال تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} الزخرف 3،، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله} النساء82، ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره، ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه، فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه، وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه على أنهم إنما علموه؛ لأنه بلسانهم نزل، وليس في لسانهم ما ادعوه.) (3) اهـ.

وقال الذهبي في السير: (قلت رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات، وقال فيها: تمر كما جاءت، ثم قال: وبذلك أقول وبه أدين ولا تؤول) (4) اهـ.

فرع في بيان معنى التأويل عند السلف ومعناه عند الأشاعرة

التأويل عند الأشاعرة كما عرفه الأشعريان (ص144): (هو صرف اللفظ عن الظاهر بقرينة تقتضي ذلك) اهـ.

وهذا اصطلاح متأخر للمتكلمين، وهو خلاف التأويل في اللغة، وفي كلام السلف.

 


(1) الإبانة للأشعري (ص41).
(2) المرجع السابق (ص104).

(3) المرجع السابق (ص106 - 108).
(4) سير أعلام النبلاء (15/ 86).

قال في مختار الصحاح: (التَأْويلُ تفسير ما يؤول إليه الشيء) (1) اهـ.

وقال في اللسان: (الأَوْلُ: الرجوع. آل الشيءُ يَؤُول أَولاً ومآلاً: رَجَعَ .... التهذيب: وأَما التأْويل فهو تفعيل من أَوَّل يُؤَوِّل تَأْويلاً وثُلاثِيُّه آل يَؤُول أَي رجع وعاد .. ) (2) اهـ.

فتلخص من هذا أن التأويل في لغة العرب يراد به أمران:

الأول: مآل الشيء، وهو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام. وإذا كان الكلام إما خبر وإما طلب:

فتأويل الخبر: حقيقته ووقوعه، كما قال تعالى: {هذا تأويل رؤياي من قبل} يوسف100، أي: هذا هو نفس رؤياي، أي وقوعها وحقيقتها. وقوله: {هل ينظرون إلا تأويله. يوم يأتي تأويله لا يقول الذين نسوه من قبل} الآية الأعراف53. أي هل ينتظرون إلا نفس وقوع ما أخبر الله به من الوعيد والعذاب.

وتأويل الطلب الذي هو أمر ونهي: هو نفس فعل المأمور بامتثاله والعمل به، ونفس ترك المنهي، كما في قول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. يتأول القرآن) (3). تعني: يمتثل ويعمل بقوله تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره} النصر: 3.

والمعنى الثاني: التأويل بمعنى التفسير، وهو الكلام الذي يُفسَّر به اللفظ حتى يُفهم معناه، وهو المقصود في قول المفسرين "تأويل قوله تعالى"، وقد سمى ابن جرير تفسيره الكبير "جامع البيان عن تأويل آي القرآن". ومنه قول الإمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة فيما تأولته من القرآن على غير تأويله".

فعلى المعنى الأول: يكون تأويل ما أخبر الله تعالى به من صفاته وأفعاله، هو نفس الحقيقة التي أخبر عنها، وذلك في حق الله تعالى كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره، ولا سبيل لأحد إلى العلم به وإحاطته.

وعلى هذا المعنى ورد الوقف عند قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله} آل عمران7.

وعلى المعنى الثاني: يكون تأويل ما أخبر الله به عن نفسه بما له من الصفاته العلية، هو تفسير وفهم معنى ما وصف الله به نفسه من الصفات العظيمة الجليلة، وهذا يُعرف من اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها، وتعرَّف إلينا بواسطتها، مع العلم بأنه لا يشبهه شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.

وعلى هذا المعنى ورد الوقف عند قوله تعالى: {والراسخون في العلم} آل عمران7، كما هو مذهب كثير من السلف.


(1) مختار الصحاح/ مادة "أول".
(2) لسان العرب/ مادة "أول".
(3) رواه البخاري (1/ 281) ومسلم (484).

قال ابن جرير: (واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، وهل الراسخون معطوف على اسم الله، بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل المتشابه، أو هم مستأنف ذكرهم بمعنى الخبر عنهم أنهم يقولون آمنا بالمتشابه وصدقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله.

فقال بعضهم: معنى ذلك وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفرداً بعلمه،

وأما الراسخون في العلم فإنهم ابتدئ الخبر عنهم بأنهم يقولون آمنا بالمتشابه والمحكم، وأن جميع ذلك من عند الله. ذكر من قال ذلك .... - فذكر: عائشة وابن عباس وعروة وأبي نهيك وغيرهم -

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، وهم مع علمهم بذلك ورسوخهم في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا. ذكر من قال ذلك ... - فذكر ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن جعفر بن الزبير) (1) اهـ.

وأما ما اصطلح عليه المتأخرون من أصناف المعطلة على اختلاف فرقهم من أن التأويل: هو صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه وما يخالف ظاهره بقرينة. فهو اصطلاح حادث.

وهم يجعلون من القرائن على صرف دلالة الصفات عن ظاهرها وحقيقتها ما دلت عليه عقولهم، لا ما دل عليه الأثر وما اجتمع عليه السلف، فيجعلون عقولهم حاكمة على ما يوصف الله تعالى به على الحقيقة، وما لا يوصف به على الحقيقة، دون الأدلة النقلية من الآيات والأحاديث وأقوال السلف.

وهذا النوع من التأويل هو الذي صنف فيه منهم جماعة كما صنف أبو بكر بن فورك كتابه "تأويل مشكل القرآن"، ورد عليه آخرون كالقاضي أبي يعلى في كتابه "إبطال التأويلات في أخبار الصفات" وكذلك ابن قدامة في كتابه "ذم التأويل".

 


(1) تفسير ابن جرير (3/ 182 - 183).

  • الاربعاء AM 07:03
    2022-06-01
  • 1139
Powered by: GateGold