المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413616
يتصفح الموقع حاليا : 209

البحث

البحث

عرض المادة

في إثبات علم السلف بمعاني صفات الله تعالى، وجهلهم بكيفيتها وحقيقة ما هي عليه

لقد أمر الله تعالى عباده بتدبر كتابه فقال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} ص 29، ولم يقل بعض آياته.

ورغّب في ذلك فقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} محمد 24.

وعاب على اليهود الذين لا يتدبرون التوراة، ولا يعرفون منها إلا التلاوة المجردة من غير فهم ولا فقه، فقال: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} البقرة 78.

وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه القرآن لفظه ومعناه، فبلغهم معانيه كما بلغهم ألفاظه.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنهم كانوا يأخذون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قال: فتعلمنا العلم والعمل) (1).

ومن المعلوم أنه لا يحصل البيان والبلاغ المقصود من إرسال الله تعالى له إلا بذلك.

قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل 44

وقال: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ} آل عمران 138

وقال تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} الدخان 58

وقال: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فصلت 3، أي بُيّنت وأزيل عنها الإجمال، فلو كانت آياته مجملة مبهمة لم تكن فُصّلت.

وقال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} النور 54، وهذا البلاغ يتضمن بلاغ المعنى، وأنه مبين أي: في أعلى درجات البيان والتوضيح.


(1) رواه أحمد (5/ 410) وابن أبي شيبة (6/ 117) وابن سعد في الطبقات (6/ 172) والطحاوي في مشكل الآثار (رقم 1451 - 1452) والحاكم في المستدرك (1/ 557) وعنه البيهقي في الكبرى (3/ 119).

وقال علي - رضي الله عنه -: (ما من شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن رأي الرجل يعجز عنه) (1).

وقال مجاهد: (عرضت المصحف على ابن عباس - رضي الله عنه - من فاتحته إلى خاتمته أقف عند كل آية وأسأله عنها) (2).

فمن زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ الأمة معاني كلام ربه بلاغاً مبيناً، لا سيما في أشرف ما في كتابه من ذكر صفاته تعالى ونعوته، بل يظن أنه بلغهم ألفاظه وأحالهم في فهم معانيه على ما يذكره أهل التحريف والتأويل، لم يكن شهد له بالبلاغ، وهذه حقيقة زعم الأشعريّيْن.

ولا ريب أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا أحرص الناس على الخير وأحبهم له، وأعظمهم إيماناً وأكملهم صلاحاً، وأشدهم حباً لله تعالى بعد الأنبياء والرسل. ومن أعظم ما تطمح إليه نفوسهم، وتصبو إليه قلوبهم معرفة خالقهم وإلههم الذي ألهته قلوبهم، حباً له وتعظيماً وخوفاً ورجاءاً، وهذا يستلزم حتماً أن يكونوا أعرف الناس بالله تعالى وبصفاته وأسمائه. فإذا كانوا أحرص الناس على معرفة أحكامه وحلاله وحرامه، فهم لمعرفة صفاته وآلائه وعظمته أشد حرصاً وأعظم طلباً، ومن الممتنع أن تكون صفات الله تعالى التي نوّعها في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - خافية عليهم، لا يعرفون معانيها، وهم القمة في العلم والهدى.

وهل الهدى والصلاح والتقى إلا فرع وأثر لمعرفة الله تعالى بجميع نعوته وصفاته. وهم بذلك عاملون بما أمرهم ربهم تبارك وتعالى من تدبر كتابه، والتفكر فيه، متنكبين طريق الذين ذمهم الله تعالى بعدم فقههم لكلامه، وتَرْك تدبر كتابه.

قال تعالى: {فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} النساء 78.

وقال تعالى: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} الأنعام 98

وقال: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} الأنعام 25

فمن ادعى أن الصحابة لا يعرفون معاني صفات الله ونعوته، ونسب إليهم الجهل بها وترك البحث عن معانيها، فقد أعظم عليهم الفرية. بل كان الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم من أئمة الهدى يعرفون معاني صفات الله تعالى التي تعرّف بها إلى عباده في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ونصوصهم في هذا الباب كثيرة جداً، سبق أن ذُكر شيء منها في الفصل السابق، وأنا أسوق هنا بعض ما يدل على ذلك، ويؤكده.

 


(1) عزاه السيوطي في مفتاح الجنة (ص66) لنصر المقدسي في كتاب الحجة على تارك المحجة.
(2) رواه ابن جرير في تفسيره (2/ 395) والطبراني في الكبير (11/ 77)

 

  • الجمعة AM 05:42
    2022-05-27
  • 698
Powered by: GateGold