المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409067
يتصفح الموقع حاليا : 250

البحث

البحث

عرض المادة

تعريف أهل السنة والجماعة وبيان أوصافهم

أهل السنة والجماعة هم أخص الناس بالسنة والجماعة، وأكثرهم تمسكاً بها، واتباعاً لها: قولاً وعملاً واعتقاداً.

وقد قال قوام السنة أبو القاسم التيمي الأصبهاني: (قولهم: فلان على السنة، ومن أهل السنة، أي: هو موافق للتنزيل والأثر في الفعل والقول، لأن السنة لا تكون مع مخالفة الله ومخالفة رسوله) (1) اهـ.

وعرف الحافظ ابن رجب السنة بقوله: (والسنة هي: الطريق المسلوك، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة ولهذا كان السلف قديماً لا يطلقون اسم "السنة" إلا على ما يشمل ذلك كله، وروي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي والفضيل بن عياض، وكثير من العلماء المتأخرين يخص اسم "السنة" بما يتعلق بالاعتقاد إلا أنها أصل الدين والمخالف فيها على خطر عظيم) (2) اهـ.

وقال إمام السنة في عصره أبو محمد البربهاري: (ولا يحل لرجل مسلم أن يقول: فلان صاحب سنة، حتى يعلم أنه اجتمعت فيه خصال السنة، لا يُقال له: صاحب سنة، حتى تجتمع فيه السنة كلها) (3) اهـ.

وأصول أهل السنة والجماعة التي يبنون عليها معتقداتهم وأعمالهم، ترتكز على الاتباع لا الابتداع، فكما أنهم لا يتعبدون الله تعالى بما يهوونه، بل بما صح به الأثر، فكذلك لا يعتقدون في الله تعالى ودينه إلا بما صح به الأثر، بل هم لهذا الأمر أشد اتباعاً، وأعظم حرصاً، وأغلظ نكيراً لمن خالف.

فاعتقادهم في ربهم تبارك وتعالى مستند إلى ما في كتاب الله تعالى، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، لا يتجاوزنهما. مقتفين بذلك هدي سلف الأمة ونقلة الدين والشريعة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، الذبن هم أبرُّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، فهم القوم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه.

قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} التوبة 100.

وقال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} النساء 115.

فتراهم يستدلون على ما يجب من الاعتقاد بالكتاب، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم التابعين لهم بإحسان، ثم أتباعهم، ثم بأقوال الأئمة بعدهم.

وهذه هي طريقتهم في جميع كتب المعتقد، لا يذكرون شيئاً مما يُعرف بأصول الكلام، ولا يخوضون في باب أسماء الله وصفاته بعقولهم القاصرة. وسيأتي مزيد بيان لذلك.

[[مخالفة الأشاعرة لأهل السنة في مصدر التلقي]]

فطريقة البخاري في صحيحه في "كتاب التوحيد"، وكذا في كتاب "خلق أفعال العباد" في تقرير المعتقد، ظاهرة في كونه على منهج السلف وطريقهم، الذين يجعلون الكتاب والسنة أصلاً، ثم يتبعونه بكلام السلف من الصحابة والتابعين والأئمة.

وهذا هو ما يُعرف بمصدر التلقي، وهو أهم ما يميز أهل السنة والجماعة من غيرهم، من حيث تحديدهم لمصدر تلقّي الاعتقاد والأحكام بالوحي المتمثل في الكتاب والسنة.

قال إما السنة أبو محمد الحسن البربهاري: (واعلم رحمك الله، أن الدين إنما جاء من قِبَل الله تبارك وتعالى، لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم، وعلمه عند الله ورسوله، فلا تتبع شيئاً بهواك فتمرق من الدين فتخرج من الإسلام ... ) (4) اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفرقان بين أهل السنة وأهل البدعة: (فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم باحسان وأئمة المسلمين، فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس ديناً غير ما جاء به الرسول، وإذا أراد معرفة شىء من الدين والكلام فيه: نظر فيما قاله الله والرسول، فمنه يتعلم، وبه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر، وبه يستدل، فهذا أصل أهل السنة.

وأهل البدع لا يجعلون اعتمادهم فى الباطن ونفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول، بل على ما رأوه أو ذاقوه، ثم إن وجدوا السنة توافقه، والا لم يبالوا بذلك، فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضاً أو حرفوها تأويلاً.

فهذا هو الفرقان بين أهل الايمان والسنة وأهل النفاق والبدعة .. ) (5) اهـ.

والعقل عند أهل السنة والجماعة وسيلة لفهم النصوص، وهو مناط للتكليف.

وأما المتكلمون من الأشاعرة والكلابية وغيرهم فقد انحرفوا في مصدر التلقّي، وخالفوا ما أمر الله به ورسوله وما كان عليه سلف الأمة، وهم مع ذلك مختلفون في تحديده، إلا إنه يجمعهم الاعتماد على العقل، فيجعلونه الأساس في تقرير مسائل المعتقد، ويقدمونه على النقل.

ولذا فهم يقسمون مباحث العقيدة إلى (عقليات) تشمل أكثر (الإلهيات) كالتوحيد والنبوات ونحو ذلك، وإلى (سمعيات) تشمل أمور الآخرة ولواحقها، وقرروا أن الأصل في العقليات هو العقل، بينما في السمعيات النقل (6).

قال أبو المعالي الجويني: (اعلموا وفقكم الله: أن أصول العقائد تنقسم إلى ما يُدرك عقلاً، ولا يسوغ تقدير إدراكه سمعاً، وإلى ما يُدرك سمعاً، ولا يتقدر إدراكه عقلاً، وإلى ما يجوز إدراكه سمعاً وعقلاً.

فأما ما لا يُدرك إلا عقلاً، فكل قاعدة في الدين تتقدم العلم بكلام الله تعالى ووجوب اتصافه بكونه صدقاً، إذ السمعيات تستند إلى كلام الله تعالى، وما يسبق ثبوته في الترتيب ثبوت الكلام وجوباً، فيستحيل أن يكون مدركه السمع.

وأما ما لا يُدرك إلا سمعاً، فهو القضاء بوقوع ما يجوز في العقل وقوعه، ولا يجب أن يتقرر الحكم بثبوت الجائز ثبوته فيما غاب عنا إلا بسمع. ويتصل بهذا القسم عندنا جملة أحكام التكليف، وقضاياها من التقبيح والتحسين، والإيجاب والحظر، والندب والإباحة.

وأما ما يجوز إدراكه عقلاً وسمعاً، فهو الذي تدل عليه شواهد العقول، ويُتصور ثبوت العلم بكلام الله تعالى متقدماً عليه. فهذا القسم يُتوصل إلى دركه بالسمع والعقل. ونظير هذا القسم إثبات جواز الرؤية، وإثبات استبداد الباري تعالى بالخلق والاختراع، وما ضاهاهما مما يندرج تحت الضبط الذي ذكرناه. ....

فإذا ثبتت هذه المقدمة، فيتعين بعدها على كل معتن بالدين واثق بعقله أن ينظر فيما تعلقت به الأدلة السمعية، فإن صادفه غير مستحيل في العقل، وكانت الأدلة السمعية قاطعة في طرقها، لا مجال للاحتمال في ثبوت أصولها ولا في تأويلها - فما هذا سبيله - فلا وجه إلا القطع به.

وإن لم تثبت الأدلة السمعية بطرق قاطعة، ولم يكن مضمونها مستحيلاً في العقل، وثبتت أصولها قطعاً، ولكن طريق التأويل يجول فيها، فلا سبيل إلى القطع، ولكن المتدين يغلب على ظنه ثبوت ما دل الدليل السمعي على ثبوته، وإن لم يكن قاطعاً، وإن كان مضمون الشرع المتصل بنا مخالفاً لقضية العقل، فهو مردود قطعاً بأن الشرع لا يخالف العقل، ولا يُتصور في هذا القسم ثبوت سمع قاطع، ولا خفاء به.) (7) اهـ.

وتأمل قوله عمن يحق له الخوض في نصوص السمع بعقله: (كل معتنٍ بالدين واثق بعقله؟!!!).

وخلاصة هذا التقسيم أن العقل هو الأصل في العقائد، وعليه تُعرض السمعيات كالأحاديث والآثار، فما وافق منها عقل المتكلم من الأشاعرة وغيرهم قَبِلَه، وما خالفه حرّفه تأويلاً، أو عطله تفويضاً.

وقال الغزالي في الاقتصاد: (الحمد لله الذي اجتبى من صفوة عباده عصابة الحق وأهل السنة ... وتحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول. وعرفوا أن من ظن من الحشوية (8)

وجوب الجمود على التقليد، واتباع الظواهر ما أتوا به إلا من ضعف العقول وقلة البصائر .... وأنى يستتب الرشاد لمن يقنع بتقليد الأثر والخبر، وينكر مناهج البحث والنظر، أو لا يعلم أنه لا مستند للشرع إلا قول

 

 

 

 


(1) الحجة في بيان المحجة (2/ 384 - 385).
(2) جامع العلوم والحكم (1/ 263).

(3) شرح السنة (ص128).

(4) شرح السنة (ص66).

(5) مجموع الفتاوى (13/ 62 - 63). 

(6) للمزيد انظر: درء التعارض والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، والصواعق المرسلة لابن القيم، و (منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى) (ص559 - 587) لخالد بن عبد اللطيف بن محمد نور، و (مواقف التفتازاني الاعتقادية في كتابه "شرح العقائد النسفية") (ص275 - 297) للدكتور محمد محمدي النورستاني.

(7) الإرشاد (ص358 - 360). 

(8) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/ 185 - 186) عن لفظ "الحشوية": (هذا اللفظ أول من ابتدعه المعتزلة، فإنهم يسمون الجماعة والسواد الأعظم الحشو، كما تسميهم الرافضة الجمهور، وحشو الناس هم عموم الناس وجمهورهم، وهم غير الأعيان المتميزين، يقولون: هذا من حشو الناس، كما يُقال: هذا من جمهورهم. وأول من تكلم بهذا عمرو بن عبيد وقال: "كان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - حشوياً"، فالمعتزلة سموا الجماعة حشواً كما تسميهم الرافضة الجمهور) اهـ.

وقال في بيان تلبيس الجهمية (1/ 242): (قلت: مسمى الحشوية في لغة الناطقين به ليس اسماً لطائفة معينة لها رئيس قال مقالة فاتبعته، كالجهمية والكلابية والأشعرية، ولا اسماً لقول معين من قاله كان كذلك، والطائفة إنما تتميز بذكر قولها أو بذكر رئيسها، ولهذا كان المؤمنون متميزون بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالقول الذي يدعون إليه هو كتاب الله، والإمام الذي يوجبون اتباعه هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) اهـ.
وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص77) عن وصف أهل البدع لأهل الحديث: (وقد لقبوهم بالحشوية، والنابتة، والمجبرة، وربما قالوا: الجبرية. وسموهم الغثاء والغثر، وهذه كلها أنباز لم يأت بها خبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) اهـ.
وقال عبد القادر الجيلاني كما في جلاء العينين (ص437): (إن الباطنية تسمي أهل الحديث: حشوية، لقولهم بالأخبار وتعلقهم بالآثار) اهـ.

سيد البشر - صلى الله عليه وسلم -، وبرهان العقل هو الذي عرف به صدقه فيما أخبر ... ) (1) اهـ.

وصدق الإمام البربهاري وهو يصف حال هؤلاء فيقول: (ووضعوا القياس - أي في صفة الرب - وحملوا قدرة الرب، وآياته، وأحكامه، وأمره، ونهيه على عقولهم وآرائهم، فما وافق عقولهم قبلوه، وما لم يوافق عقولهم ردوه .. ) (2) اهـ.

وصرح بعضهم بأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة أصل من أصول الضلالة (3).

بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن قال: إن ذلك من أصول الكفر!!

قال السنوسي في "شرح الكبرى": (وأما من زعم أن الطريق إلى معرفة الحق الكتاب والسنة، ويحرم ما سواهما، فالرد عليه: أن حجيتهما لا تُعرف إلا بالنظر العقلي، وأيضاً: فقد وقعت فيهما ظواهر من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة أو ابتدع) (4) اهـ.

وقال فيه أيضاً: (أصول الكفر ستة ... إلى أن ذكر في السادس: والتمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة ... والتمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير بصيرة في العقل هو أصل ضلال الحشوية، فقالوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملاً بظاهر قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى}، {أأمنتم من في السماء}، {لما خلقت بيدي}، ونحو ذلك) (5) اهـ.

وترتب على ذلك اعتقاد أن نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة، ولا تفيد اليقين. كما صرح بذلك الرازي في "أساس التقديس" وتبعه التفتازاني في "شرح العقائد النسفية".

وعلى هذا الدرب سار الأشاعرة، فتراهم يقررون مسائل المعتقد بالحجج التي يسمونها عقلية ويجعلونها أصلاً، وليس الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، حتى لا تكاد تجدهم يذكرون من الآيات والأحاديث إلا على سبيل تأييد أصولهم العقلية، وكثيراً ما يقولون: "وهذا يستحيل على الله"، "وهذا يوجب الحد"، ويوجب كذا وكذا.

بل حتى الذين ألفوا منهم في المعتقد على الآيات والأحاديث كالبيهقي في كتابه "الأسماء والصفات" تراه يذكر الباب ويعقبه بالآيات والأحاديث، ثم يتبعه بالتأويل والخوض فيه بأصول أهل الكلام.

وإليك أهم أصولهم في ذلك:


(1) الاقتصاد في الاعتقاد (ص27 - 28).
(2) شرح السنة (ص96).
(3) انظر حاشية الصاوي الأشعري على تفسير الجلالين (3/ 10).
(4) شرح الكبرى (ص82 - 83) طبعة (حواش على شرح الكبرى للشيخ إسماعيل الحامدي).

(1) المرجع السابق (ص380 - 383) - طبعة الدسوقي -.

  • الجمعة AM 05:12
    2022-05-27
  • 1216
Powered by: GateGold