المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409120
يتصفح الموقع حاليا : 199

البحث

البحث

عرض المادة

تخرصات في بعد النجوم والقمر وكذب على الله والرد على ذلك

وقال الصواف في صفحة 97 - 98 ما نصه:

البروج التي في قوله تعالى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} هي النجوم العظام في هذا الفلك العظيم منها ما نراه بأعيننا المجردة. ومنها ما لم يصل نوره إلينا حتى الآن. لذا فهي لا ترى حتى بالمكبرات والمراصد الكبيرة الحساسة.

وقول علماء الفلك أن من النجوم نجوما سوف لا يصل نورها إلى كرتنا الأرضية في أقل من ألف وخمسمائة مليون سنة ضوئية. مع العلم بأن الضوء يسير في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلو متر. ويصل في سيره إلى القمر في قدر ثانية وثلث الثانية. ولو جرى حول الكرة الأرضية لدار حولها في الثانية الواحدة ثماني مرات. ولو أطلق مدفع فإن قنبلة تجري وتسير نحو سنة ونصف السنة حتى تقطع المسافة التي يقطعها الضوء في ثانية واحدة. فما أبعد الكواكب عنا. وما أعظم خالق هذه الكواكب ومسيرها ومدبرها ومضيئها الجليل القدير على كل شيء. وقد قلنا إن الله تباركت أسماؤه أقسم بهذه الكواكب لما فيها من عجيب الصنعة وباهر الحكمة. وهو عز وجل يحثنا على البحث عن هذه الكواكب وما فيها من عوالم لنستل بذلك على عظيم قدرته وجليل حكمته وبالغ عظمته. وصدق الله العظيم إذ يقول {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ولله العظمة والجلال إذ ينبه إلى عظمة الكون ليهيج الناس ويشوقهم ويدعوهم إلى الاطلاع على تلك العوالم الجبارة في الحياة وهي فوقهم في السماء التي يشاهدونها ويرون النجوم فيها مبعثرة هنا وهناك ولا نرى من نورها إلا واحدا من آلاف الملايين من حقائق أنوارها وأقدارها, وأكبرها ترى صغيرة دقيقة الجرم وهي قد تفوق أرضنا سعة وحجما.

والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن يقال من أين للصواف العلم بأن في السماء نجوما لم يصل نورها إلى أهل الأرض حتى الآن {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى}.

والله تبارك وتعالى لم يخبرنا في كتابه ولا على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن في السماء نجوما لم يصل نورها إلى أهل الأرض حتى الآن. وقد انقطع الوحي بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق للصواف وأشباهه وسلفهم من فلاسفة الإفرنج مستند سوى وحي الشياطين إليهم بالتخرصات والظنون الكاذبة. فهذا الوحي الشيطاني هو عمدتهم فيما يزعمونه عن المغيبات والأجرام العلوية.

الوجه الثاني: أن الكواكب كلها في السماء الدنيا بنص القرآن قال الله تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا} وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}.

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة من الصحابة وهم: عبد الله بن عمرو وأبو هريرة والعباس وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم. وروي أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا وله حكم الرفع، وقد ذكرت هذه الأحاديث في الصواعق الشديدة مع الأدلة على ثبات الأرض فلتراجع هناك.

وإذا كانت الكواكب زينة للسماء الدنيا فبعدها عن الأرض لا يزيد على خمسمائة سنة. فما زعموه من البعد المفرط في بعض الكواكب مردود بالآيات التي ذكرنا.

الوجه الثالث: أن يقال لو كان ما زعمه الفلكيون صحيحا لكان يتجدد في كل زمان نجوم لم يكن أهل الأرض يعرفونها من قبل. ولو وقع ذلك لذكره الناس فيما يذكرونه من الحوادث وتناقلوه قرنا بعد قرن ولكن لا وجود لذلك أبدا. والنجوم لم تزل ولا تزال على الحال التي خلقها الله عليها. فما كان منها يرى بالعين المجردة أو بالمكبرات من أول الأمر فهو لا يزال على حاله. وما كان ضعيف الضوء لا يرى بالعين المجردة ولا بالمكبرات فهو لا يزال على حاله.

الوجه الرابع: أن الفلكيين زعموا أن النور يصل إلى القمر في ثانية وثلث ثم زعموا في النجوم ما زعموه من الأبعاد المتفاوتة وأن منها ما لا يصل النور منه في أقل من ألف وخمسمائة مليون سنة. وهذا تفريق بين ما جمع الله بينه فإن القمر في السماء بنص القرآن. والكواكب قد جعلت زينة للسماء الدنيا بنص القرآن. فما وصل من القمر ثانية وثلث وصل من الكواكب في مثل ذلك. ومن فرق بين ما جمع الله بينه فقوله مردود عليه.

وأما قوله فما أبعد الكواكب عنا.

فجوابه أن يقال أن بعدها لا يزيد على خمسمائة سنة, لأن الله تعالى قد جعلها زينة للسماء الدنيا كما قد نص على ذلك في عدة آيات من القرآن. وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة كما هو ثابت بالنصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فمن زعم أن من الكواكب ما يبعد عن الأرض أكثر من خمسمائة سنة فقوله مردود بنصوص الكتاب والسنة.

وأما ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في بعد بعضها عن الأرض بآلاف الملايين من السنين فهو تخرص وهذيان لا حقيقة له.

وأما زعمه أن الله تعالى حث على البحث عن الكواكب وما فيها من العوالم.

فهو من الكذب على الله تعالى. وقد قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال تعالى {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.

وليس في القرآن ما يدل على أن في الكواكب عوالم فضلا عن أن يكون فيه الحث على البحث عنها وعما فيها.

والبحث إنما يكون عن الأشياء الخفية. والله تبارك وتعالى لم يأمر الناس بالبحث عن الأشياء الخفية والرجم عنها بالغيب. وإنما أمرهم بالنظر والتفكر فيما يشاهدونه من آياته الظاهرة التي يراها كل بصير ويعرفها كل عاقل فقال تعالى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}.

قال البغوي: أي: قل للمشركين الذين يسألونك الآيات انظروا ماذا في السموات والأرض من الآيات والدلائل والعبر ففي السموات الشمس والقمر والنجوم وغيرها, وفي الأرض الجبال والبحار والأنهار والأشجار وغيرها. انتهى.

ونظير هذه الآية قوله تعالى {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} الآية. وقوله تعالى {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} وقوله تعالى {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ}.

قال القرطبي وهم يعني الكفار {عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} بين أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها من ليلها ونهارها وشمسها وقمرها وأفلاكها ورياحها وسحابها وما فيها من قدرة الله تعالى إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعا قادرا واحدا فيستحيل أن يكون له شريك. انتهى.

وقال تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.

والآيات في الحث على التفكر والاعتبار بالآيات الكونية كثيرة جدا, وليس في شيء منها ما يدل على البحث عن المغيبات كما توهمه الصواف. بل ذلك مما نهى الله عنه في قوله {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

وأما كلام الصواف على الآية من سورة الواقعة فهو من تحريف الكلم عن مواضعه. والله تبارك وتعالى إنما أقسم بمواقع النجوم لينبه عباده على عظمة القرآن لا ليهيجهم ويشوقهم ويدعوهم إلى الاطلاع على العوالم الجبارة كما زعمه الصواف. ومن أين لبني آدم الوصول إلى السماء والاطلاع على ما فيها لو كان الصواف يعقل.

وأما زعمه أن بعض النجوم قد تفوق الأرض سعة وحجما فهو قول لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح وإنما هو من التخرص واتباع الظن. وقد تقدم التنبيه على بطلانه في أول الكتاب عند كلام الزهاوي في تصغير الأرض وتحقيرها فليراجع هناك.

وقال الصواف في صفحة 98 - 99 ما نصه:

يقول علماء الفلك أن الشعرى اليمانية أثقل من الشمس جرما بعشرين مرة ونورها خمسون ضعف نور الشمس. وهي أبعد منها مليون ضعف بعدها عنا. وأن الشعرى اليمانية تجري بسرعة ألف ميل في الدقيقة. لذا خصها الله عز وجل في كتابه العزيز إذ قال {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} وهناك الشعرى الشامية لها خصائص ومميزات أخرى. والشعرى اليمانية هذه التي نراها قبل اليمن وهي في النظر بقدر الجوزة أو البيضة وهي أسطع من خمسين شمسا إلا واحد من ألفي مليون منه. وثلاث من بنات نعش يفقن الشمس نورا. واحدة منهن أربعمائة ضعف. والثانية أربعمائة وثمانين. والثالثة ألف ضعف. وسهيل أضوأ من الشمس ألفين وخمسمائة مرة. والسماك الرامح حجمه ثمانون ضعف حجم الشمس ولا يصل إلينا ضوؤه إلا في مائتي سنة.

هذه كلها تقديرات علماء الفلك والله أعلم بصحتها. ولكنها تدل بوضوح على عظمة الخالق جل وعلا وكمال قدرته وفائق صنعته.

والجواب أن يقال ما ذكره الصواف ههنا عن الفلكيين فكله هوس وهذيان لا يصدر من عاقل, وهو مما يضحك منه السفهاء فضلا عن العقلاء. ولا يروج إلا على من أضله الله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة.

فأما زعمهم أن الشعرى اليمانية أثقل من الشمس جرما بعشرين مرة.

فجوابه أن يقال لو اجتمع الأولون والآخرون من الإنس والجن لما قدروا على وزن جبل من الجبال. وهم عن الارتقاء إلى السماء ووزن ما فيها من الشمس والنجوم أعجز وأعجز.

ولم يأت عن الله تعالى ولا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - نص بقدر وزن الشمس والنجوم. وما ليس عليه دليل فليس عليه تعويل. ومن زعم معرفة وزنها وما بين بعضها والبعض الآخر من التفاوت في الثقل فليس له مستند سوى التخرص والرجيم بالغيب. وقد قال الله تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.

وأما زعمهم أن الشعرى اليمانية أبعد من الشمس مليون ضعف بعدها عنا

فجوابه أن يقال قد زعم أهل الهيئة الجديدة أن الشمس تبعد عن الأرض أربعة وثلاثين ألف ألف فرسخ وخمسمائة ألف فرسخ. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34 من كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) وهذه المسافة تطابق اثني عشر ألف سنة أو قريبا من ذلك. فعلى هذا يكون بعد الشعرى عن الأرض اثني عشر ألف مليون سنة على حد زعمهم. وهذا من أقبح الهوس والهذيان. وهو مردود بنصوص القرآن على أن الكواكب قد جعلت زينة للسماء الدنيا.

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» وعلى هذا فالمسافة بين الأرض وبين الشعرى خمسمائة سنة فقط.

وعلى قول الفلكيين تكون الشعرى فوق العرش وهذا من أبطل الباطل فإنه ليس فوق العرش شيء سوى الله تبارك وتعالى.

وأما زعمهم أن الشعرى اليمانية تجري بسرعة ألف ميل في الدقيقة.

فجوابه أن يقال: إن الشعرى اليمانية كسائر النجوم الثوابت فكلها في فلك واحد تجري فيه على نسق مضبوط لا يتقدم شيء منها على غيره ولا يتأخر عنه كما هو معلوم بالمشاهدة.

وأما قوله لذا خصها الله عز وجل في كتابه العزيز إذ قال {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}.

فجوابه أن يقال إنما خصها الله بالذكر دون غيرها من النجوم, لأن طائفة من العرب كانوا يعبدونها فأخبر الله تعالى أنها مخلوقة مربوبة. والعبادة لا تصلح لشيء من المخلوقات وإنما هي من خصائص الرب جل جلاله.

ونظير هذه الآية قوله تعالى {وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.

فأما زعم الصواف أن الله تعالى خص الشعرى بالذكر من أجل ما زعمه الفلكيون من سرعة جريانها, فذلك من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه.

وأما قوله وهناك الشعرى الشامية لها خصائص ومميزات أخرى.

فجوابه أن يقال: إن الشعرى الشامية كغيرها من النجوم التي قد جعلها الله زينة للسماء الدنيا. وما كان في السماء فالقدرة البشرية عاجزة عن الوصول إليه والعلم بخصائصه ومميزاته. ولم يخبر الله تعالى في كتابه ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن الشعرى الشامية لها خصائص ومميزات. فمن زعم أن لها خصائص ومميزات سوى ما يشاهده الناس من ضعف ضوئها عن ضوء الشعرى اليمانية فقوله مردود عليه إذ لا مستند له سوى التخرص والرجم بالغيب.

وأما زعمهم أن الشعرى اليمانية نورها خمسون ضعف نور الشمس وأنها أسطع من خمسين شمسا كشمسنا. وأن ثلاثا من بنات نعش يفقن الشمس نورا. واحدة منهن أربعمائة ضعف. والثانية أربعمائة وثمانين. والثالثة ألف ضعف. وأن سهيلا أضوأ من الشمس ألفين وخمسمائة مرة.

فجوابه أن يقال: إن الشمس في السماء بنص القرآن, والنجوم قد جعلت زينة للسماء الدنيا بنص القرآن. فلو كان الأمر في هذه النجوم على ما زعمه الفلكيون لما كان عند أهل الأرض ليل أبدا, ولطمس ضوء هذه النجوم ضوء الشمس ونور القمر. بل لو كان الأمر على ما زعموه فيها لاحترق ما بين الخافقين ولم يمكن أن يعيش على الأرض شيء من شدة حرارة الشموس المزعومة.

وقد استوفيت الرد على ما زعموه من تعدد الشموس في الصواعق الشديدة في المثال الحادي عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة فليراجع هناك.

وذكرت طرفا من ذلك في أثناء هذا الكتاب مع الكلام على مزاعم الصواف في الشمس فليراجع أيضا.

وأما زعمهم أن السماك الرامح حجمه ثمانون ضعف حجم الشمس.

فجوابه أن يقال هذا تخرص وهذيان مردود بنص القرآن. قال الله تعالى مخبرا عن مناظرة إبراهيم عليه السلام لقومه {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}.

وفي هذه الآيات دليل على أن الشمس أكبر من الكواكب.

وأيضا فإن السماك الرامح من جملة المصابيح التي قد جعلها الله زينة للسماء الدنيا. قال الله تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا} وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} والشمس في السماء بنص القرآن قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وقال تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} قال الحسن في قوله {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} الآية. قال يعني في السماء الدنيا. ذكره البغوي في تفسيره.

وروى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وزينها بمصابيح وجعلها رجوما للشياطين وحفظا من كل شيطان رجيم».

وروى البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال «خلق الله سبع سموات وخلق فوق السابعة الماء وجعل فوق الماء العرش وجعل في السماء الدنيا الشمس والقمر والنجوم والرجوم».

وإذا كان كل من الشمس والنجوم في السماء الدنيا فلا شك أن حجم الشمس يزيد على حجم السماك الرامح وغيره من النجوم الكبار عدة آلاف. وكيف يظن أن السماك الرامح يزيد حجمه على حجم الشمس ثمانين ضعفا مع أنه لا يزيد في رأي العين على حجم التمرة. والشمس ترى في الأفق عند طلوعها وعند غروبها بقدر ذراعين طولا في ذراعين عرضا. فمن قال أن حجمها دون حجم السماك الرامح أو غيره من النجوم فقوله باطل مردود بما ذكرنا من الآيات والأحاديث والله أعلم.

وتمام الرد على هذا الزعم الكاذب قد تقدم مبسوطا مع الكلام على مزاعم الصواف في الشمس فليراجع هناك.

وأما زعمهم أن الشعرى اليمانية لا يصل إلينا نورها إلا في ستة عشر سنة. وأنه لا يصل إلينا من نورها إلا واحد من ألفي مليون منه. وأن السماك الرامح لا يصل إلينا ضوؤه إلا في مائتي سنة.

فجوابه أن يقال قد ذكر محمد رشيد رضا في صفحة 637 من الجزء السابع من تفسيره أنه قد وجد بالرصدان السماك الرامح يصل النور منه إلينا في نحو خمسين سنة.

وهذا ما ذكره الصواف ههنا كله هذيان لا مستند له سوى التخرص والرجم بالغيب. وقد قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} إلى قوله {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.

والشعرى اليمانية والسماك الرامح وغيرهما من الكواكب النيرة يرى نورها من حين تبدو من الأفق إذا لم يكن هناك حائل يمنع من رؤيتها. وكلها من زينة السماء الدنيا كما نص الله على ذلك في كتابه العزيز. فالتفريق بين أبعادها ووصول نورها إلى الأرض تفريق بين أشياء متماثلة وذلك باطل مردود وفيما ذكره الصواف عن الفلكيين أنهم قالوا أن السماك الرامح لا يصل ضوؤه إلينا إلا في مائتي سنة مع ما ذكره محمد رشيد عنهم أنهم قالوا إن السماك الرامح يصل النور منه إلينا في نحو خمسين سنة وما بين هذين القولين من التفاوت العظيم في بعد نجم واحد أوضح دليل على تناقض الفلكيين وكذبهم في جميع مزاعمهم عن أبعاد النجوم ومقادير أحجامها وأضوائها وثقلها وأنهم أنا يعتمدون في ذلك على مجرد التخرصات والظنون الكاذبة.

وأما قوله هذه كلها تقديرات علماء الفلك والله أعلم بصحتها ولكنها تدل بوضوح على عظمة الخالق جل وعلا وكمال قدرته وفائق صنعته.

فالجواب عنه من وجوه: أحدها: أن يقال أن ما في السماء فهو من أمور الغيب التي لا تُعلم إلا من طريق الوحي ولا سبيل إلا علمها بالتقديرات التي هي التخرص واتباع الظن. ولا وهي على شيء مما زعمه الفلكيون في تقديراتهم عن النجوم البتة؛ وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

الوجه الثاني: أن تقديرات الفلكيين عن النجوم مخالفة لنصوص القرآن كما تقدم إيضاحه. وما خالف النصوص فهو باطل مردود على قائله كائنا من كان.

الوجه الثالث: أن يقال إن الله تبارك وتعالى أعظم وأجل من أن يستدل على عظمته وكمال قدرته وفائق صنعته بتخرصات الفلكيين وظنونهم الكاذبة, وإنما يستدل على ذلك بما أخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فذلك هو العلم الصحيح النافع والشفاء كل الشفاء لمن آمن به واتبعه؛ قال الله تعالى {وَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} إلى قوله {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.

ومن لم يكتف بما أخبر الله به في كتابه وما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عظمة ربه وكمال قدرته, فلا كفاه الله ما أهمه.

ومن اعتمد على تخرصات الفلكيين وظنونهم الكاذبة واستدل على عظمة الخالق وكمال قدرته وفائق صنعته, فهو من أجهل الناس بالله تعالى وأبعده عن معرفة ما يجب له من الإجلال والتعظيم.

وذكر الصواف في صفحة 99 أن البروج تطلق على بروج السماء الاثنى عشر. قال وهي منازل الكواكب والشمس والقمر يسير القمر في كل برج منها يومين وثلث يوم. وتسير الشمس في كل برج منها شهرا - إلى أن قال في صفحة 100: فتكون السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم وهي مدة دخول الشمس إلى النقطة التي فارقتها من تلك البروج, والشمس كما قلنا تقطع هذه البروج كلها مرة في السنة؛ كل برج في شهر.

وبها تتم دورة الفلك. ويقطعها القمر في ثمانية وعشرين يوما وكسور.

والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن يقال إن المنازل ليست منازل لجميع الكواكب كما يوهمه كلام الصواف, وإنما هي منازل للسيارات منها فقط. وأما الثوابت فليست لها منازل. وكان ينبغي للصواف أن يقيد الكواكب بالسيارات ليزول الإيهام.

الوجه الثاني: أن ما قرره الصواف ههنا من كون الشمس تسير في كل برج شهرا وأنها تقطع البروج كلها مرة في السنة يناقض ما قرره في صفحة 61 من كون الشمس ثابتة على محورها ومتحركة حول هذا المحور, أي: هي دائرة حول نفسها ومثلها مثل المروحة السقفية الكهربائية؛ فهي ثابتة في سقفها وهي متحركة حول نفسها.

وما قرره الصواف ههنا من كون الشمس تسير في كل برج شهرا وتقطع البروج كلها مرة في السنة هو الحق الثابت بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة, وقد ذكرتها مستوفاة في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك.

وما قرره ههنا فهو من الأدلة الحسية على جريان الشمس ودورانها على الأرض, وقد أوضحت ذلك في الصواعق الشديدة في آخر الأدلة على جريان الشمس فليراجع هناك.

وأما قرره في صفحة 61 فهو باطل مردود من وجوه كثيرة, وقد تقدم ذكرها عند تشبيه الصواف للشمس بالمروحة السقفية الكهربائية فلتراجع هناك.

 

 

  • الاربعاء PM 09:02
    2022-05-25
  • 701
Powered by: GateGold