المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413682
يتصفح الموقع حاليا : 203

البحث

البحث

عرض المادة

خرافات لفلاسفة الإفرنج واندفاع الصواف في تصديقهم والترحم عليهم والرد عليه

وقال الصواف في صفحة 67 ما نصه

أكتفي بهذا المقدار من النقل ولا أريد أن أسترسل إلا أني أود أذكر كيف أن العلماء تكلموا في الشمس والقمر، وتكلموا في النجوم الثوابت والسيارات، وقدروا الأبعاد بين الأرض والشمس، وقدروا مقدار ضخامة الشمس عن الأرض، وأن الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة وثمانية وعشرين مرة، وأن الشمس تبعد عن الأرض بأربعة وثلاثين مليون فرسخ فرنس، وقاسوا بعد القمر عنها وبينوا البعد الأبعد والبعد الأقرب. والخلاصة أنهم لم يتركوا بابا إلا طرقوه وسواء كانوا مخطئين في تقديراتهم أم مصيبين فإنهم اجتهدوا في علوم الكون وتكلموا فيها على حسب ما وصل إليه علمهم. كل شيء، حياتهم وأموالهم وجهدهم وعلمهم وجهادهم وسهرهم وعرقهم في سبيل الوصول إلى الحقائق العلمية التي تدعوا إلى الإيمان بالله العظيم الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، والذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن تبارك ربنا وتعالى وله الحمد على ما أنعم وتفضل، ورحم الله علماءنا الأعلام وجزاهم عما قدموا خير ما يجزي عاملا عن عمله.

والجواب أن يقال أن الذين تكلموا في الشمس والقمر والنجوم الثوابت والسيارات، وقدروا ضخامة الشمس وبعدها عن الأرض وبعد القمر عنها، هم أهل الهيئة الجديدة وليسوا من علماء المسلمين وإنما هم من فلاسفة الإفرنج كما تقدم إيضاحه في عدة مواضع، ووصفهم بأنهم علماء خلاف الصواب وهو من قلب الحقيقة، والصواب أن يقال أنهم أهل الجهل والتخرص وأتباع الظنون الكاذبة فهذا هو اللائق بهم والمطابق لحالهم على الحقيقة، وقد استوفيت الرد على ما تكلموا به في الشمس والقمر والنجوم في مواضع كثيرة من الصواعق الشديدة فليراجع هناك.

فأما زعمهم أن الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة وثمانية وعشرين ألف مرة. فالرد عليه في المثال الخامس من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة.

وأما زعمهم أن الشمس تبعد عن الأرض بأربعة وثلاثين مليون فرسخ فرنسي فالرد عليه في المثال السابع.

وأما قياسهم لبعد القمر عن الأرض فالرد عليه في المثال التاسع.

وأما تخرصهم في النجوم الثوابت فالرد عليه في المثال الحادي عشر والأمثلة الثلاثة بعده.

وأما قوله والخلاصة أنهم لم يتركوا بابا إلا طرقوه.

فجوابه أن يقال أن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم لم يطرقوا الأبواب بالعلم الصحيح المأخوذ من كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم؛ وإنما طرقوها بالتخرصات والظنون الكاذبة كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم. وقد قال الله تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}، وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}، وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.

وأما قوله وسواء كانوا مخطئين في تقديراتهم أم مصيبين فإنهم اجتهدوا في علوم الكون وتكلموا فيها على حسب ما وصل إليه علمهم.

فجوابه أن يقال من عجيب أمر الصواف اندفاعه خلف أعداء الله من فلاسفة الافرنج وقبوله لظنونهم وتخرصاتهم سواء كانوا مخطئين في تقديراتهم - أي ظنونهم وتخرصاتهم - أم مصيبين، وهذا من أقبح الجهل والتقليد. نعوذ بالله من عمي البصيرة. وقد قال الله تعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.

وأما قوله فإنهم اجتهدوا في علوم الكون وتكلموا فيها على حسب ما وصل إليه علمهم.

فجوابه أن يقال: أن اجتهاد أهل الهيئة الجديدة في علوم الكون كله جهل وضلال مثل اجتهاد أسلافهم من النصارى في تقرير دياناتهم، وما يعتقدونه في المسيح وأمه، ومثل اجتهاد أهل البدع في تقرير مذاهبهم الباطلة، وكل من حاد عن الصراط المستقيم فلا عبرة به ولا باجتهاده.

وأما قوله وما صنعوا ذلك إلا بوحي من دينهم.

فجوابه أن يقال: بل إنما صنعوا ذلك بوحي من شياطينهم الذين أضلوهم وأضلوا على أيديهم وأيدي أتباعهم بشرا كثيرا. وقد قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}، وقال تعالى {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}.

وأما قوله (وأملا في خدمة هذا الدين الذي وهبوه كل شيء، حياتهم وأموالهم وجهدهم وعملهم وجهادهم وسهرهم وعرقهم في سبيل الوصول إلى الحقائق العلمية التي تدعو إلى الإيمان بالله العظيم).

فجوابه أن يقال: أن الصواف قد اغتر بأهل الهيئة الجديدة غاية الاغترار، وأحسن الظن بهم غاية الإحسان حيث زعم أنهم ممن يدين بدين الإسلام كما هو ظاهر كلامه ههنا، وكما صرح بذلك في صفحة 44 حيث قال أنهم مسلمون عرف أكثرهم بالتقوى والصلاح.

وهذا خطأ كبير وغلط فاحش، فإن أهل الهيئة الجديدة كلهم من فلاسفة الإفرنج، وقد ذكرت جملة منهم في الفصل الذي قبل هذا الفصل. وطوائف الإفرنج كلهم ينتسبون إلى النصرانية، والنصارى ضالون مضلون كما أخبر الله عنهم بذلك في قوله {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}.

وفي فاتحة الكتاب التي قد أمر المسلمون بقراءتها في كل ركعة من صلواتهم {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. والمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والترمذي وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن المغضوب عليهم اليهود وأن الضالين النصارى» قال الترمذي حسن غريب.

وروى ابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المغضوب عليهم قال «اليهود» قلت الضالين قال «النصارى».

وإذا علم هذا فمن أقبح الجهل أن لا يميز الرجل بين المسلمين والنصارى.

وأقبح من ذلك أن يجعل بعض النصارى من جملة المسلمين، وأقبح من ذلك أن يزكيهم، ويشهد لهم بالتقوى والصلاح، ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:

يقضي على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن

وأما زعمه أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج لهم أمل في خدمة دين الإسلام فهو زعم كاذب لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل؛ بل إن أعداء الله حريصون كل الحرص على إضلال المسلمين وصدهم عن دينهم كما أخبر الله عنهم بذلك في قوله {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} وقال تعالى {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}.

وأما زعمه أنهم وهبوا الدين كل شئ فهو من نمط ما قبله من التهور في الكلام وعدم التثبت فيه، وكذلك زعمه أنهم بذلوا كل شيء في سبيل الوصول إلى الحقائق العلمية التي تدعو إلى الإيمان بالله العظيم.

والجواب أن يقال: أن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم لم يصلوا في كلامهم في السماء والأرض والشمس والقمر وغيرهما من الأجرام العلوية إلى شيء من الحقائق العلمية التي تدعو إلى الإيمان بالله العظيم، وإنما وصلوا إلى التخرصات والظنون التي لا تغني من الحق شيئا؛ بل أنها تدعو إلى الضلال والكفر بما أنزل الله على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وقد ذكرت في الصواعق الشديدة تسعة عشر مثالا على بطلان ما يهذون به من التخرصات والظنون الكاذبة فلتراجع هناك.

وأما قوله: ورحم الله علماءنا الأعلام وجزاهم عما قدموا خير ما يجزي عاملا عن عمله.

فجوابه أن يقال: وهل تدري أيها الصواف بالذين تعدهم من علمائك الأعلام وتترحم عليهم وتسأل الله أن يجزيهم خير ما يجزي عاملا عن عمله.

إنهم أعداء الله من فلاسفة الإفرنج, وأولهم كبرنيك البولوني ثم أتباعه من الإفرنج. ومن أعيانهم تيخوبراهي الدانماركي وكبلر وغاليليه ونيوتن الإنجليزي وهرشل الإنجليزي وداروين الإنجليزي وأولبوس وهاردنق وبياظي وستروف, فهؤلاء كلهم من الإفرنج وهم أساطين الهيئة الجديدة, وأقوالهم هي التي أودعها الألوسي في كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعد الهيئة الجديدة). وهي التي يعتمد عليها الصواف في كتابه الذي افترى فيه على المسلمين حيث نسب ما فيه من الجهالات والضلالات إلى علومهم. والمسلمون بريئون من كل ما يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع المسلمين.

وقال الصواف في صفحة 68 ما ملخصه: هل تعلم أيها القارئ الكريم أن العالم المسلم عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري يكاد يكون أول من ألف في علم النجوم والأنواء. وله كتاب الأنواء الذي تكلم فيه عن النجوم وكيفية استدلال العرب بها والماهر في هذا العلم من قبائلهم ورجالهم.

والجواب أن يقال إن في ذكر الصواف لابن قتيبة في هذا الموضع إيهاما لمن لا علم عندهم بأنه كان يقول بما يقول به أهل الهيئة الجديدة من ثبات الشمس ودوران الأرض حولها وغير ذلك من تخرصاتهم في الشمس والقمر والنجوم. وليس الأمر كذلك فإن ابن قتيبة لم يكن يقول بشيء مما يقول به أهل الهيئة الجديدة وإنما ألف فيما هو معروف عند العرب من منازل الشمس والقمر والاستدلال بها وبغيرها من النجوم على جهة القبلة وغيرها من الجهات التي يقصدها المسافرون في البر والبحر.

والاستدلال بالنجوم على جهة القبلة وغيرها من الجهات جائز لقول الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} وقوله تعالى {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}.

وقال الصواف في صفحة 68, 69 ما ملخصه: وهل تعلم أن من علماء الهيئة المسلمين الذين رصدوا وألفوا وسهروا الليالي الطوال في مناجاة النجوم ورصد حركاتها وسكناتها والناس نيام والعالم في غفوة وغفلة الشيخ أبو جعفر نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي الفيلسوف العالم بالأرصاد والرياضيات والعلوم العقلية, وكان يراقب النجوم والقمر ويرصد حركاتها بمرصد مراغة في مصر وبعد السنين الطوال طلع على الناس بكتبه الفذة في علم الفلك وصح فيها ما أخطأ فيه علماء اليونان وما انحرف فيه بطليموس من أراء لا تنطبق مع العلم الصحيح. ولو أردنا أن نزيد لأتينا بالشيء الكثير الغزير من فعل سلفنا الصالح رحمهم الله ورضي الله عنهم وأرضاهم وحشرنا وإياهم من المتقين الأبرار.

والجواب أن يقال: أما مناجاة النجوم فمعناها المخاطبة لها في السر وذلك شرك كما سيأتي بيانه.

قال الجوهري: النجو السر بين اثنين, يقال: نجوته نجوًا إذا ساررته. وكذلك ناجيته وانتجى القوم وتناجوا, أي: تساروا.

وقال ابن الأثير وابن منظور في لسان العرب: المناجي المخاطب للإنسان والمحدث له. قال ابن الأثير يقال: ناجاه يناجيه مناجاة فهو مناجٍ والنجي فعيل منه. انتهى.

وقد روى مالك في الموطأ عن أبي حازم التمار عن البياض أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال «أن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن».

وروى أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه, وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه.

وقال ابن عبد البر: حديثا البياض وأبي سعيد ثابتان صحيحان.

وفي المسند من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو ذلك أيضا.

وإذا علم هذا فلا يناجي النجوم إلا من يعتقد فيها الإلهية وأنها تدبر أمر العالم وتسمع دعاء من يدعوها ويناجيها. وهذا المعتقد الخبيث موروث عن عباد الشمس والقمر والنجوم من فلاسفة اليونان وأتباعهم من المتقدمين والمتأخرين. ولهم كتب في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم ومناجاتها ودعائها والالتجاء إليها لقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفان.

وقد صنف بعض الأعيان في المائة السادسة من الهجرة كتابا سماه (السر المكتوم في السحر ومخاطبة الشمس والقمر والنجوم).

قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: (وهذه ردة صريحة). وقال في موضع آخر: (هذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين وإن كان قد يكون عاد إلى الإسلام). انتهى.

وقد أراد الصواف أن يبالغ في الثناء على نصير الشرك الطوسي بما وصفه به من سهر الليالي الطوال في مناجاة النجوم فانعكس الأمر عليه وكان مدحه له ذما من أبلغ الذم حيث حكم عليه بالكفر وألحقه بعباد النجوم من فلاسفة اليونان وأتباعهم وهو لا يشعر.

وقد قيل في المثل السائر: (عدو عاقل خير من صديق أحمق).

وأما قوله: (ورصد حركاتها وسكناتها).

فجوابه أن يقال: إن النجوم ليست جامعة بين الحركة والسكون كما قد توهمه الصواف وإنما هي دائبة في الحركة والجريان إلى يوم القيامة سوى القطبين فإنهما لا يفارقان موضعيهما, ولا يخلو الصواف في قوله هذا من أحد أمرين؛ إما أن يقول إن النجوم قد جمعت بين الحركة والسكون في آن واحد, وإما أن يقول إنها تتحرك في وقت وتسكن في وقت آخر. فإن قال بالأول فقد جمع بين النقيضين ولا يقول بذلك من له أدنى مسكة من عقل. وإن قال بالثاني فقد كابر المحسوس المشاهد من جريان النجوم على الدوام مع مخالفته للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى مع الكلام على ما نقله الصواف من تفسير طنطاوي جوهري فلتراجع هناك.

وأما قوله والعالم في غفوة وغفلة. فهو من تهوره في الكلام وعدم تثبته فيه حيث جعل العالم كله في غفوة وغفلة. وجعل نصير الشرك الطوسي هو المتيقظ المتنبه وحده, لأنه كان يسهر الليالي الطوال في مناجاة النجوم.

والأمر في الحقيقة بعكس ما زعمه الصواف؛ فأهل طاعة الله تعالى هم أهل التيقظ والنباهة من كانوا وأين كانوا. وأهل الكفر والشرك وأعوانهم مثل: نصير الشرك الطوسي وأشباهه من الملاحدة المحادين لله ولرسوله هم أهل الغفوة والغفلة عن الله والدار الآخرة.

وأما قوله نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي الفيلسوف.

فجوابه أن يقال: فهو غير مطابق له وإنما المطابق تلقيبه بنصير الشرك كما يشهد به الواقع مما ذكره المؤرخون في وقعة بغداد المشهورة في سنة ست وخمسين وستمائة. فقد قيل إن القتلى بلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف. وقيل ألفي ألف. وقيل غير ذلك.

وهذه الملحمة العظيمة لم يجرِ على أهل الإسلام مثلها لا قبلُ ولا بعدُ. وكان ذلك بإشارة عدوي الإسلام نصير الشرك الطوسي الفيلسوف الملحد الباطني الإسماعيلي وزير هولاكو والوزير ابن العلقمي الرافضي وكيدهما للإسلام وأهله. عاملهما الله بعدله.

وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية:

وكذا أتى الطوسي بالحرب الصريـ ... ـح بصارم منه وسل سنان

وأتى إلى الإسلام يهدم أصله ... من أسه وقواعد البنيان

عمر المدارس للفلاسفة الأولى ... كفروا بدين الله والقرآن

وأتى إلى أوقاف أهل الدين ينـ ... ـقلها إليهم فعل ذي أضغان

وأراد تحويل الإشارات التي ... هي لابن سينا موضع الفرقان

وأراد تحويل الشريعة بالنوا ... ميس التي كانت لدى اليونان

لكنه علم اللعين بأن هـ ... ذا ليس في المقدور والإمكان

إلا إذا قتل الخليفة والقضا ... ة وسائر الفقهاء في البلدان

فعسى لذاك وساعد المقدور بالـ بالـ ... أمر الذي هو حكمة الرحمن

فأشار أن يضع التتار سيوفهم ... في عسكر الإيمان والقرآن

لكنهم يبقون أهل صنائع الـ ... دنيا لأجل مصالح الأبدان

فغدا على سيف التتار الألف في ... مثل لها مضروبة بوزان

وكذا ثمان مئينها في ألفها ... مضروبة بالعد والحسبان

حتى بكى الإسلام أعده اليهو ... د وكذا المجوس وعابدو الصلبان

فشفى اللعين النفس من حزب الرسو ... ل وعسكر الإيمان والقرآن

وقال ابن القيم أيضا:

وكذلك الطوسي لما أن غدا ... ذا قدرة لم يخشَ من سلطان

قتل الخليفة والقضاة وحاملي الـ ... قرآن والفقهاء في البلدان

إذ هم مشبهة مجسمة وما ... دانوا بدين أكابر اليونان

وقال أيضا:

وكذا نصير الشرك في أتباعه ... أعداء رسل الله والإيمان

نصروا الضلالة من سفاهة رأيهم ... وغزوا جيوش الدين والقرآن

فجرى على الإسلام منهم محنة ... لم تجر قط بسالف الأزمان

فانظروا أيها المسلمون إلى شدة عداوة الفلاسفة والرافضة للإسلام وأهله وخبث طويتهم وكيدهم للمسلمين وطلبهم الغوائل لهم والشرور حتى أوقعوا بهم هذا الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ في الإسلام أشنع ولا أبشع منه.

فهذا دليل على أن انتسابهم إلى الإسلام كذب محض ومكر وخديعة ليفعلوا بالإسلام مثل ما فعله بولص بالنصرانية.

ولهذا قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى ليس الفلاسفة من المسلمين.

ونقل عن بعض أعيان القضاة في زمانه أنه قيل له. ابن سينا من فلاسفة الإسلام فقال ليس للإسلام فلاسفة.

قلت وفي هذا حكاية عجيبة ذكرها ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء في ترجمة أحمد بن الحسين بن مهران المقري أبي بكر النيسابوري قال ياقوت: كان مجاب الدعوة مات في السابع والعشرين من شوال سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وتوفي في ذلك اليوم أبو الحسن العامري صاحب الفلسفة. قال الحاكم فحدثني عمر بن أحمد الزاهد قال سمعت الثقة من أصحابنا يذكر أنه رأى أبا بكر بن الحسين بن مهران في المنام في الليلة التي دفن فيها قال: فقلت أيها الأستاذ ما فعل الله بك فقال: إن الله عز وجل أقام أبا الحسن العامري بحذائي وقال: هذا فداؤك من النار. ثم ذكر الحاكم بإسناد رفعه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا كان يوم القيامة أعطى الله كل رجل من هذه الأمة رجلا من الكفار فيقول: هذا فداؤك من النار» وهذا الخبر إذا قرن بالرؤيا صار من براهين الشرع. انتهى.

وقد ذكر ابن كثير هذه الحكاية في البداية والنهاية مختصرة.

 

  • الثلاثاء AM 07:54
    2022-05-24
  • 890
Powered by: GateGold