المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412294
يتصفح الموقع حاليا : 294

البحث

البحث

عرض المادة

تأويله لآية من القرآن على غير تأويلها والرد عليه

قال الصواف في صفحة 42 وحركة الأرض وردت في غير هذه الآية فيقول المولى سبحانه في سورة النمل {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} فضرب الله المثل بحركة الأرض بمرور الجبال وهي أبرز ما عليها، وليس ذلك في يوم القيامة إذ يقول جل شأنه أن في القيامة لن تكون هناك جبال ففي سورة طه {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} وفي سورة الواقعة {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا}.

والجواب عن هذا من وجهين أحدهما أن يقال لم يرد في القرآن ما يدل على حركة الأرض بوجه من الوجوه، وما زعمه الصواف وأشباهه في الآية من سورة النمل وغيرها من الآيات أنها تدل على حركة الأرض فكله من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَاتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} وفي هذه الآية تهديد شديد ووعيد أكيد لمن ألحد في آيات الله تعالى ووضع كلامه على غير مواضعه.

وهلا قرأ الصواف ما قبل الآية وما بعدها حتى يعلم أنه لا متعلق له في الآية الكريمة وإن ما ذكر فيها من مرور الجبال مثل السحاب إنما يكون بعد النفخ في الصور وليس قبله.

وهلا قرأ قول الله تعالى {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} وقوله تعالى {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} وقوله تعالى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} إلى قوله {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}. وقوله تعالى {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَاتُونَ أَفْوَاجًا * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} ففي هذه الآيات أوضح دليل على أن تسيير الجبال ومرورها مثل مر السحاب إنما يكون يوم القيامة. وقد أوضح الله ذلك في آيات كثيرة من القرآن سوى ما ذكرنا ههنا. وقد ذكرتها مستوفاة في الصواعق الشديدة مع الرد على من استدل بالآية من سورة النمل على حركة الأرض وسيرها فلتراجع هناك.

الوجه الثاني: أن الله تعالى ذكر في القرآن مرور الجبال وسيرها، ولم يذكر عن الأرض مرورا وسيرا أبدا، ولو كان الأمر على ما زعمه الصواف وأشباهه من أتباع أهل الهيئة الجديدة لنص تبارك وتعالى على سير الأرض ومرورها ولم يخص الجبال بالنص دون الأرض. وقد قال الله تعلى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}.

وتخصيص الجبال بالمرور يدل على أن ذلك خاص بها دون الأرض.

وقد أوضح الله ذلك بقوله {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} وقوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}.

قال الصواف في صفحة 42 - 43 ما نصه

كما ورد في القرآن أن الله رب المشرق والمغرب، وأنه رب المشرقين والمغربين، وأنه رب المشارق والمغارب. أي أن المشرق والمغرب يختلف يوما عن يوم فهناك أقصى وأقرب مشرقين، وأقصى وأقرب مغربين بينهما مشارق ومغارب، هذا قول القرآن الكريم من ألف وأربعمائة سنة. فما قول العلم؟

كان أول من قال بحركة الأرض حول محورها العالم "كوبرنيكس" في عام 1543 أي بعد تاريخ القرآن بألف سنة وقرر أن ما يظهر للناس من حركة الشمس والنجوم إنما هو ناتج من دوران الأرض، وقد اتهمه رجال الدين عندئذ بالكفر والمروق عن الدين، وتوالت بعد ذلك أبحاث علماء الفلك حتى وصلوا إلى ما قرره القرآن الكريم، وليس هناك أبلغ ولا أدق مما يقوله حجة علم الفلك العالم "سيمون" من أن أعظم الحقائق التي اكتشفها العقل البشري في كافة العصور هي حقيقة أن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة لنا على الأرض يكفي لتصويرها أننا لو سرنا بسرعة مليون ميل يوميا فلن تصل مجموعتنا الشمسية إلى هذا البرج إلا بعد مليون ونصف المليون سنة من وقتنا الحاضر. أليست هذه إحدى معجزان القرآن العلمية؟

والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال أن الظاهر من صنيع الصواف حيث ذكر المشرق والمغرب، والمشرقين والمغربين، والمشارق والمغارب، ثم عقب ذلك برأي "كوبرنيكس وسيمون" أنه يرى أن المشرق والمغرب والمشرقين والمغربين والمشارق والمغارب - للأرض؛ لأنها هي التي تدور على الشمس على حد زعمهم الكاذب وتقريرهم الفاسد الذي ذكره ههنا عن "كوبرنيكس" وهو أن ما يظهر للناس من حركة الشمس والنجوم إنما هو ناتج من دوران الأرض، وهذا من قلب الحقيقة ومن الإلحاد في آيات الله تعالى وتحريف الكلم عن مواضعه.

الوجه الثاني: أن يقال ليس في الآيات التي ذكر الله فيها المشرق والمغرب والمشرقين والمغربين والمشارق والمغارب ما يدل على حركة الأرض ودورانها بوجه من الوجوه، وإنما هي حجة على من أنكر جريان الشمس في الفلك وسيرها من المشرق إلى المغرب كل يوم، وسواء من زعم أنها ساكنة لا تتحرك أصلا ومن زعم أنها ثابتة على محورها ومتحركة حول هذا المحور مثل المروحة السقفية الكهربائية، ومن قال أنها ومجموعتها تجري في الفضاء بسرعة عظيمة نحو برج النسر. ومن قال أنها ونظامها تنهب الفضاء نهبا بسرعة عظيمة متجهة نحو برج هركيوليس، فكل هؤلاء متخرصون وضالون عن الحق، وفي الآيات التي أشرنا إليها أبلغ رد عليهم.

وقد قال الله تعالى {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَاتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَاتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} وقال تعالى {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} الآية. ثم قال تعالى {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} فذكر تبارك وتعالى في الآية الأولى أنه يأتي بالشمس من المشرق، وأضاف في الآية الثانية والآية الثالثة المطلع والمغرب إليها فدل على أن المراد بالمشرق والمغرب عند الإطلاق مشرق الشمس ومغربها، وكذلك المراد بالمشرقين والمغربين والمشارق والمغارب، وهذا أمر معلوم بالضرورة عند كل عاقل كما أنه معلوم بالمشاهدة أيضا، وقد قرر ذلك المفسرون وأئمة اللغة.

قال ابن كثير في تفسير سورة الرحمن عند قوله تعالى {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}: يعني مشرقي الصيف والشتاء ومغربي الصيف والشتاء. وقال في الآية الأخرى {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ}: وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس. وقال في الآية الأخرى {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}: وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب.

وقال أيضا في تفسير سورة الصافات: وقال تعالى في الآية الأخرى {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} يعني في الشتاء والصيف للشمس والقمر.

وقال ابن منظور في لسان العرب: "وقوله تعالى {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} أحد المغربين أقصى ما تنتهي إليه الشمس في الصيف والآخر أقصى ما تنتهي إليه في الشتاء، وأحد المشرقين أقصى ما تشرق منه الشمس في الصيف وأقصى ما تشرق منه في الشتاء، وبين المغرب الأقصى والمغرب الأدنى مائة وثمانون مغربا، وكذلك بين المشرقين"

وفي التهذيب: "للشمس مشرقان ومغربان فأحد مشرقيها أقصى المطالع في الشتاء والآخر أقصى مطالعها في القيظ، وكذلك أحد مغربيها أقصى المغارب في الشتاء وكذلك في الجانب الآخر، وقوله جل ثناؤه {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} جمع لأنه أريد أنها تشرق كل يوم من موضع وتغرب في موضع إلى انتهاء السنة".

وفي التهذيب: "أراد مشرق كل يوم ومغربه فهي مائة وثمانون مشرقا ومائة وثمانون مغربا، والغروب غيوب الشمس غربت الشمس تغرب غروبا ومغيربانا غابت في المغرب، وكذلك غرب النجم وغرب" انتهى.

الوجه الثالث: أن ما ذكره الصواف عن كوبرنيكس وسيمون ليس بعلم كما زعم ذلك في قوله "فما قول العلم" وإنما هي تخرصات وظنون كاذبة أوحاها الشيطان إليهم وفتنهم بها وفتن بها أتباعهم والمقلدين لهم من الجهلة الأغبياء الذين لا يسمعون ولا يعقلون {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}.

وقد قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} الآيات إلى قوله تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} وقال تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ}.

الوجه الرابع: أن كلام الصواف ينقض بعضه بعضا فقد ذكر ههنا أن أول من قال بحركة الأرض حول محورها "كوبرنيكس". وذكر في صفحة 31 أن بعض الفلكيين في زمن العباسين قالوا بحركة الأرض، وهذا تناقض. والصحيح ما ذكره ههنا، وهذه الأولية بالنسبة لإحياء مذهب فيثاغورس اليوناني بعد أن كان عاطلا مهجورا من قبل زمان المسيح بنحو مائة وخمسين سنة، وأما على الإطلاق فالأولية لفيثاغورس فهو أول من قال بحركة الأرض ودورانها حول الشمس.

ومن تناقض الصواف أيضا أنه ذكر في هذا الموضع أن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة لنا على الأرض. وقال في صفحة 38 أن النظام الشمسي كله ينهب الفضاء نهبا بسرعة متجهة نحو برج هركيوليس، وقال في صفحة 61 أن الشمس ثابتة ومتحركة في آن واحد، ثابتة على محورها ومتحركة حول هذا المحور أي دائرة حول نفسها مثل المروحة السقفية الكهربائية، وهذا تناقض عجيب. وقد تقدم التنبيه عليه، وهذه الأقوال المتناقضة كلها باطلة كما هو موضح فيما تقدم وفيما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الوجه الخامس: أن ما زعمه الصواف من كون "سيمون" حجة في عام الفلك مردود. وكذلك غير "سيمون" من الفلكيين فليس قول أحد منهم وتخرصه حجة على غيره.

وقد أجمع المسلمون على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الحجة.

قال مجاهد ليس أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه البخاري في جزء رفع اليدين بإسناد صحيح.

واختلف العلماء في قول الصحابي إذا لم يظهر له مخالف منهم، والصحيح أنه حجة.

واختلف الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الاحتجاج بقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، والصحيح أنه ليس بحجة.

وأما من سواه من التابعين ومن بعدهم، فلا خلاف أنه لا حجة في قول أحد منهم.

وإذا كانت أقوال علماء المسلمين بعد الصحابة ليست بحجة، فأقوال فلاسفة الإفرنج وتخرصاتهم أولى وأحرى أن لا تكون حجة، ولاسيما في الأخبار عن الأمور الغيبية التي لا تعلم إلا طريق الوحي فإن أقوالهم فيها وتخرصاتهم مردودة عليهم بلا توقف.

الوجه السادس: أن يقال من قلب الحقائق وصف هوس "سيمون" وهذيانه بأنه من أعظم الحقائق التي اكتشفها العقل البشري في كافة العصور، وكفى بالرجل جهلا وغباوة أن يرى الهوس والهذيان من أعظم الحقائق.

الوجه السابع: أن يقال أن العقول البشرية أضعف وأعجز من أن تكتشف ما في السماء الدنيا التي بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام، وهي عن اكتشاف ما هو أبعد من ذلك أضعف وأعجز، فضلا عن اكتشاف البرج الذي زعمه "سيمون" في هوسه وهذيانه وحدد بعده الشاسع تحديد من ذهب إليه وقاسه أو من كان معه نص عن الله تعالى أو عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - يطابق ما قاله.

والتحقيق أن ما قاله "سيمون" هو الجهل والهوس والهذيان الذي يشبه هذيان المجانين، ومع هذا فقد صادف هوسه وهذيانه آذانا مصغية إليه وقلوبا فارغة من العلم النافع بل منكوسة ترى الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، ولم يقف أهلها عند هذا الحد بل جعلوا كتاب الله ملعبة لهم يلحدون فيه ويتأولونه على ما يوافق تخرصات المتخرصين وهذيان المبرسمين، عافانا الله وإخواننا المسلمين مما ابتلاهم به.

الوجه الثامن: أن البروج كلها في السماء الدنيا بنص القرآن قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وقال تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ}.

قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة: البروج هي الكواكب العظام، وقال البغوي: هي النجوم الكبار مأخوذ من الظهور يقال تبرجت المرأة أي ظهرت. وقال أيضا: وسميت بروجا لظهورها.

وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ففي هذه الآيات كلها النص على أن الكواكب في السماء، وفي الآية من سورة الصافات وما بعدها النص على أنها في السماء الدنيا.

والنسر من جملة الكواكب الثوابت التي قد جعلت زينة للسماء الدنيا، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة من الصحابة وهم عبد الله بن عمرو وأبو هريرة والعباس وأبو سعيد رضي الله عنهم، وروي أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا وله حكم الرفع كنظائره.

وفي الآيات التي ذكرنا مع هذه الأحاديث أبلغ رد على ما هذى به "سيمون" في بعد النسر.

الوجه التاسع: قال بعض السلف أن ارتفاع العرش عن الأرض السابعة خمسون ألف سنة، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. ولو كان الأمر في بعد النسر على ما زعمه "سيمون" لكان محله فوق العرش وهذا من أبطل الباطل فإنه ليس فوق العرش شيء سوى الله تعالى.

الوجه العاشر: أن الله تعالى قال {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} وقال تعالى {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}.

وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على أن السموات مستديرة وقرروا أن كل سماء محيطة بالسماء التي تحتها وما حوت، والشمس في السماء بنص القرآن، وسيأتي ما يدل على أنها في السماء الدنيا، وعلى هذا فالسموات الشداد التي ليس لها فروج وليس فيها فطور قد أحاطت بالشمس من كل جانب، فليس لها طريق تنفذ منه وتذهب نحو البرج الذي توهمه "سيمون" بعقله الفاسد.

الوجه الحادي عشر أن الله تعالى قال {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وقال تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}. وفي هذه الآيات النص على أن الشمس في السماء.

وقد روى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وزينها بمصابيح، وجعلها رجوما للشياطين، وحفظا من كل شيطان رجيم».

وروى البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال «خلق الله سبع سموات، وخلق فوق السابعة الماء، وجعل فوق الماء العرش، وجعل في السماء الدنيا الشمس والقمر والنجوم والرجوم».

وفي الآيات التي ذكرنا مع هذين الحديثين ومع ما تقدم في الوجه الثامن من النصوص على أن الكواكب في السماء الدنيا أبلغ رد على ما هذى به "سيمون" في بعد النسر عن الشمس.

وعلى هذا فنقول على سبيل الفرض والتقدير لو كان النسر ثابتا في موضع من السماء لا يزايله ثم سارت الشمس نحوه لوصلت إليه في يوم واحد أو أقل من ذلك، لأنها تقطع الفلك في يوم وليلة وتقطع من كل موضع منه إلى ما يقابله من الناحية الأخرى في اثنتي عشرة ساعة، والمسافة بين جرمين يضمهما سماء واحد لا تكون أكثر من نصف الفلك والله أعلم.

الوجه الثاني عشر: أن يقال أن القرآن منزه عن تخرصات كوبرنيكس وهوس سيمون وهذيانه، وما زعمه الصواف من كون القرآن الكريم قد قرر ذلك وأنه من معجزات القرآن العلمية فهو كذب على الله وعلى كتابه. وقد قال الله تعالى {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال تعالى {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} قال أبو قلابة: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة.

وأين في القرآن أن للأرض محورا وأنها تدور حوله، وأن ما يظهر للناس من حركة الشمس والنجوم إنما هو ناتج من دوران الأرض؟

وأين في القرآن أن للكواكب السيارة أقمارا، وأن هناك مجموعة شمسية، وأن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة للناس على الأرض يكفي لتصويرها أننا لو سرنا بسرعة مليون ميل يوميا فلن تصل مجموعتنا الشمسية إلى هذا البرج إلا بعد مليون ونصف مليون سنة من وقتنا الحاضر؟

أما يستحي الصواف من إيراد هذا الهذيان الذي يضحك منه الصبيان فضلا عن العقلاء؟

أما يستحي من الجراءة العظيمة على الله وعلى كتابه؟

أما يخاف أن يلحقه الوعيد الشديد الذي توعد الله به المفترين عليه.

الوجه الثالث عشر: أن يقال أن تخرصات كوبرنيكس وهوس سيمون ليست من علوم المسلمين، ومع هذا فقد أدخلها الصواف في علم الفلك الذي نسبه إلى المسلمين، وهذا من أكبر الخطأ وأعظم الفرية.

 

 

 

  • الاثنين PM 06:55
    2022-05-23
  • 810
Powered by: GateGold