المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409044
يتصفح الموقع حاليا : 230

البحث

البحث

عرض المادة

زعمه حركة الأرض والحاده في بعض الآيات والرد عليه

(حركة الأرض والشمس) قال الله تبارك وتعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.

اعتبر اكتشاف حركة الأرض بدورانها حول نفسها وحول الشمس من أروع ما اكتشفه علم الفلك، وقد سبق القرآن هذا العلم بما يزيد على ألف عام ولم يصل العلم الحديث إلى ما قرره القرآن من حركة الشمس إلا أخيرا، واعتبر العلم اكتشاف هذه الحركة حدثا جديدا في كتاب الدنيا، لقد جمعت الآية الشريفة علما اعتبر اكتشافه في العصر الحديث نصرا للعلم والعلماء. إذ تقول الآية أن المجموعة الشمسية وما حولها تتحرك في الفلك وأن الشمس تجري إلى بعيد فيه وليس إلى قريب إذ لا ينبغي أن تلحق القمر بالنزول إلى فلكه وأنها تجري لمستقرها.

والجواب عن هذا من وجوه:

أحدها: أن يقال ليس للأرض حركة كما زعمه الصواف تقليدا لكوبرنيك وهرشل وأتباعهما من فلاسفة الافرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من العصريين.

والقول بحركة الأرض مخالف للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وقد ذكرت الأدلة على سكونها مستوفاة في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك.

وكل قول خالف ما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وما أجمع عليه المسلمون فمضروب به عرض الحائط ومردود على قائله كائنا من كان.

الوجه الثاني: أن الله تعالى فرق بين الأرض والشمس فأثبت للشمس الجريان في عدة مواضع من كتابه، وأثبت لها السبح في الفلك، ونص على أنه يأتي بها من المشرق، ونص على طلوعها ودلوكها وغروبها وتزاورها، ونص على أنها هي والقمر بحسبان وأنه سخرهما لعباده دائبين، والدؤوب إدامة السير كما نص على ذلك أئمة اللغة.

وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إثبات جريان الشمس وسيرها في الفلك أحاديث كثيرة صحيحة ذكرتها في الصواعق الشديدة.

وأما الأرض فقد تضافرت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على سكونها وثباتها وأجمع المسلمون على ذلك، وأجمع عليه أهل الكتاب أيضا كما حكاه القرطبي عنهم في تفسيره، ودلت على ذلك الأدلة العقلية الصحيحة. فأبى الصواف وأشباهه من اتباع الإفرنج ومقلديهم إلا أن يجمعوا بين ما فرق الله ورسوله بينهما، وأن يخالفوا إجماع المسلمين، وهذا عين المحادة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال الله تعالى {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

الوجه الثالث: أن الآيتين من سورة {يس} ليس فيهما ما يدل على حركة الأرض بوجه من الوجوه، ومن استدل بهما على حركة الأرض فهو مفتر على الله، وقد قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

الوجه الرابع: أن الآيتين حجة على الصواف وأشباهه من أتباع أهل الهيئة الجديدة، فإن فيهما النص على جريان الشمس إلى مستقرها، والنص على أنها تسبح في الفلك، وهذا يرد ما قرره الصواف في صفحة 61 من أن الشمس ثابتة على محورها ومتحركة حول هذا المحور وأنها مثل المروحة السقفية الكهربائية.

وقد جاء بيان جريان الشمس إلى مستقرها في الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر حين غربت الشمس: «تدري أين تذهب؟» قلت: الله ورسوله أعلم قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قول الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}» متفق عليه واللفظ للبخاري ورواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والترمذي بنحوه، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. قال وفي الباب عن صفوان بن عسال وحذيفة بن أسيد وأنس أبي موسى انتهى.

وفي رواية لمسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس» قالوا الله ورسوله أعلم قال: «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها ارجعي ارتفعي اصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها» فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتدرون متى ذاكم. ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا».

وهذا الحديث يوضح المراد من قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}.

وفيه الرد على تأول الآية على غير تأويلها كالصواف وأشباهه من المتخرصين القائلين في كتاب الله بغير علم.

فإن قيل إن الشمس لا تزال طالعة على الأرض، ولكنها تطلع على جهة منها وتغرب عن الجهة الأخرى، فأين يكون مستقرها الذي إذا انتهت إليه سجدت واستأذنت في الرجوع من المشرق؟

فالجواب أن يقال حسب المسلم أن يؤمن بما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويعتقد أنه هو الحق، ولا يتكلف ما لا علم له به من تعيين الموضع الذي تسجد فيه الشمس بل يكل علم ذلك إلى عالم الغيب والشهادة.

وقد جاء في الصحيحين ومسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قال «مستقرها تحت العرش».

فهذا المستقر الذي أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انتهت إليه الشمس سجدت واستأذنت في الرجوع من المشرق فيؤذن لها، فإذا كان في آخر الزمان سجدت كما كانت تسجد فلم يقبل منها، واستأذنت في الرجوع من المشرق فلم يؤذن لها، يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها.

وقد قال ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية في الكلام على حديث أبي ذر رضي الله عنه وما جاء فيه من سجود الشمس ما ملخصه: لا يدل على أنها - أي الشمس - تصعد إلى فوق السموات من جهتنا حتى تسجد تحت العرش بل هي تغرب عن أعيننا وهي مستمرة في فلكها الذي هي فيه فإذا ذهبت فيه حتى تتوسطه وهو وقت نصف الليل فإنها تكون أبعد ما تكون من العرش لأنه مقبب من جهة وجه العالم، وهذا محل سجودها كما يناسبها، كما أنه أقرب ما يكون من العرش وقت الزوال من جهتنا، فإذا كانت في محل سجودها استأذنت الرب جل جلاله في طلوعها من المشرق فيؤذن لنا فتبدو من جهة المشرق، وهي مع ذلك كارهة لعصاة بني آدم أن تطلع عليهم. فإذا كان الوقت الذي يريد الله طلوعها من جهة مغربها تسجد على عادتها وتستأذن في الطلوع من عادتها فلا يؤذن لها، فجاء أنها تسجد أيضا ثم تستأذن فلا يؤذن لها ثم تسجد فلا يؤذن لها، وتطول تلك الليلة فتقول: يا رب إن الفجر قد اقترب وإن المدى بعيد، فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا جميعا وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. وفسروا بذلك قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قيل لوقتها الذي تؤمر فيه أن تطلع من مغربها، وقيل مستقرها موضعها الذي تسجد فيه تحت العرش، وقيل منتهى سيرها وهو آخر الدنيا.

قلت: والقول الثاني أظهر ويؤيده ما تقدم من رواية مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أتدرون أين تذهب الشمس» الحديث.

قال ابن كثير: "وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أي ليست مستقرة فعلى هذا تسجد وهي سائرة" انتهى.

وقال ابن العربي أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن.

قلت: إنما ينكر ذلك من يرتاب في صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأما من لا يشك في صدقه ويعتقد أنه كما أخبر عنه بقوله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فلا ينكر ذلك ولا يرتاب فيه.

الوجه الخامس: أن يقال من المزاعم الباطلة والتخرصات والظنون الكاذبة زعم الصواف وسلفه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم أنهم اكتشفوا حركة الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس، وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.

الوجه السادس: أن يقال من قلب الحقائق زعم الصواف أن أهل الهيئة الجديدة من العلماء وأن تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة من العلم، والصحيح المطابق للواقع أن يقال أنهم الجاهلون المحادون لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن تخرصاتهم هي الجهل الكثيف.

العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة هم أولو العرفان

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فلان

ولا يغتر بأباطيل أعداء الله وتخرصاتهم ويرى أنها علوم رائعة إلا من هو ما أجهل الناس.

الوجه السابع: من جراءة الصواف على الله تعالى وعلى القول في كتابه بغير علم زعمه أن القرآن قد سبق جهل أهل الهيئة الجديدة إلى القول بحركة الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس، وهذا من الافتراء على الله تعالى، وقد قال الله تعالى {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.

الوجه الثامن: من قرمطة الصواف زعمه أن الآية من سورة {يس} تقول أن المجموعة الشمسية وما حولها تتحرك في الفلك، وأن الشمس تجري إلى بعيد فيه، وليس إلى قريب، إذ لا ينبغي لها أن تلحق القمر بالنزول إلى فلكه.

وهذا من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه.

وأين في الآية من سورة {يس} أو غيرها من آيات القرآن ذكر المجموعة الشمسية وما حولها.

وأين في الآية أن الشمس تجري في الفلك إلى بعيد فيه وليس إلى قريب.

وأين في الآية أن الشمس لا ينبغي له أن تلحق القمر بالنزول إلى فلكه.

وقد تقدم قريبا حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان المراد من قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} والعمدة عليه لا على ما خالفه. وليس فيه ما يشير إلى أن هناك مجموعة شمسية، ولم يرو ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان ولا أئمة العلم والهدى من بعدهم، وإنما قال ذلك أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج معتمدين على أرصادهم وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة، وتلقى ذلك أتباعهم من العصريين بالقبول والتسليم، وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.

وأما قوله تعالى {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} فمعناه كما قال مجاهد: "لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا".

وقال عكرمة: "يعني أن لكل منهما سلطانا فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل".

الوجه التاسع: أن القول في القرآن بمجرد الرأي حرام شديد التحريم، وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» هذا لفظ ابن جرير وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

وروى الترمذي أيضا وأبو داود وابن جرير والبغوي عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد خطأ» قال الترمذي هذا حديث غريب. قال: "وهكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أنهم شددوا في هذا، أن يفسر القرآن بغير علم.

وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم، وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم، ثم روى بإسناده عن قتادة أنه قال: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا، وروى أيضا عن مجاهد أنه قال: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت". انتهى كلام الترمذي.

وقال البغوي: "قال شيخنا الإمام قد جاء الوعيد في حق من قال في القرآن برأيه، وذلك فيمن قال من قبل نفسه شيئا من غير علم، وأما التفسير وهو الكلام في أسباب نزول الآية وشأنها وقصتها فلا يجوز إلا بالسماع بعد ثبوته من طريق النقل" انتهى.

ولا يخفى على من له أدنى علم وفهم أن ما زعمه الصواف في معنى الآيتين من سورة {يس} لم يكن من طريق النقل الثابت، وإنما هو تخرص وتخبط بمجرد الرأي فهو بذلك متعرض للوعيد الشديد.

الوجه العاشر: أن يقال من الخطأ ما يستعمله الصواف وكثير من العصريين من إضافة القول إلى القرآن أو إلى بعض الآيات منه كقول الصواف في صفحة 42 (إذ تقول الآية أن المجموعة الشمسية إلى آخره) وقوله في صفحة 43 (هذا قول القرآن). وهذا الصنيع منه خلاف ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وكذلك التابعون وتابعوهم بإحسان فإنهم ما كانوا يقولون قال القرآن كذا ويقول القرآن كذا. ولا قالت الآية كذا وتقول الآية كذا، وإنما كانوا يقولون قال الله كذا ويقول الله كذا. فيضيفون القول إلى قائله المتكلم به وهو الله تعالى، والقرآن كلام الله وقوله، وليس الكلام هو المتكلم القائل حتى يضاف القول إليه.

ولعل السبب في إضافة كثير من العصريين القول إلى القرآن أو إلى بعض الآيات منه هو ما كان عليه بعضهم من الميل إلى قول الجهمية في القرآن أنه مخلوق، وأن الله تعالى لا يتكلم ولا يقول فهم لذلك يقولون قال القرآن كذا ويقول القرآن كذا وقالت الآية كذا وتقول الآية كذا فرارا من أن يقولوا قال الله ويقول الله، ومن لم يكن منهم على رأي الجهمية فهو مقلد لمن كان على رأي الجهمية في العدول عن إضافة القول إلى قائله، والله أعلم.

 

  • الاثنين PM 06:51
    2022-05-23
  • 695
Powered by: GateGold