المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412586
يتصفح الموقع حاليا : 303

البحث

البحث

عرض المادة

الرد على من ادعى معرفة تاريخ الأرض ونشأتها وعمرها

قال الصواف في صفحة 39: (علم طبقات الأرض) ولقد نشأ بسبب هذه التحقيقات على سمي (بعلم طبقات الأرض) وهو علم يختص بدراسة الأرض، ومعرفة تاريخها ونشأتها وعمرها، وكيف تكونت طبقاتها وما طرأ على كل طبقة من تغيير نتيجة لعوامل جيولوجية أو حيوية، وقد تمكن بعض العلماء من معرفة أشياء مهمة عن الأرض ومكوناتها وما تحت قشرتها وهو ما يسمونه بعلم الجيولوجيا، وكل هذه الدراسات تضيف في كل لحظة وحين أدلة مشرقة على عظمة الخالق ووجود الصانع الحكيم العليم القدير.

والجواب أن يقال أما دعوى معرفة تاريخ الأرض ونشأتها وعمرها وكيف تكونت طبقاتها وما طرأ على كل طبقة من تغيير، فذلك من التحكم على الغيب والتعاطي لما استأثر الله بعلمه قال الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} الآية.

وليست هذه الأمور مما يدرك علمه بالعوامل الجيولوجية أو الحيوية، وإنما تعلم من طريق الوحي وقد انقطع الوحي بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

وأما قوله: وقد تمكن بعض العلماء من معرفة أشياء مهمة عن الأرض ومكوناتها.

فجوابه أن يقال ليس للأرض ولا غيرها من المخلوقات خالق ومكون غير الله تعالى. قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}.

وإضافة التكوين إلى العناصر هو مذهب الطبيعيين الذين يزعمون أن الإيجاد والتكوين ناشئ عن الطبيعة، وذلك شرك بالله تعالى؛ لأن الله تعالى هو الذي خلق العناصر، وخلق ما تكون منها فلا يضاف التكوين إلى غيره.

وأما قوله: "وكل هذه الدراسات تضيف في كل لحظة وحين أدلة مشرقة على عظمة الخالق ووجود الصانع".

فجوابه أن يقال أن في القرآن والأحاديث الصحيحة كفاية وغنية في الدلالة على عظمة الخالق ووجود الصانع، ولا يحتاج معهما إلى ما سواهما من أقوال الناس وآرائهم فضلا عن تخرصات أعداء الله وظنونهم الكاذبة وتحكمهم على الغيب.

قال الله تعالى {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الآيات إلى قوله {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وقال تعالى: {فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} إلى قوله: {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ

وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وروى الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم في مستدركه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بنحوه قال المنذري: وإسناده حسن.

وروى ابن ماجة أيضا عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء» قال أبو الدرداء: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء.

وإذا علم هذا فمن أقبح الجهل أن تجعل التخرصات والظنون الكاذبة من أعداء الله أدلة على عظمة الخالق ووجود الصانع، وأن يقال أنها أدلة مشرقة وهي في الحقيقة بعكس ذلك ظلمات بعضها فوق بعض.

وقال الصواف في صفحة 39 و40 و41 ما ملخصه:

(خلق الأرض) قال الله سبحانه وتعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} هذه الآية من الآيات المعجزات التي أخبرت بمغيب لا يعلمه إلا الله. وجاء العلم الحديث يشير إلى ما أشارت إليه هذه الآية البليغة. فقد اختلفت الآراء العلمية منذ القديم على كيفية نشوء الأرض حتى توصل العلماء أخيرا بعد البحوث العميقة وبعد الاختراعات العجيبة للمراصد والمجاهر وبعد ستقدم الأرض وسميت بنظرية "لابلاس" هذه النظرية قررت أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام إنما كانت سديمًا في الفضاء وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم. وهذا هو الذي أشار إليه القرآن العظيم في الآية التي صرنا بها هذا الموضوع قبل "لابلاس" وقيل غيره من علماء الدنيا. ويؤيد هذه النظرية كما يقول العلماء أدلة كثيرة منها شدة حرارة باطن الأرض - إلى أن قال وبتقدم العلم أمكن إلى حد ما معرفة العناصر المكونة للشمس بتحليل لطيف فلكل عنصر عند احتراقه لون خاص به. فوجد أنها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض. بل اكتشفت عناصر في الشمس قبل اكتشاف وجودها في الأرض. وبذلك قرر العلم اليوم ما قرره القرآن وأشار إليه قبل ألف وأربعمائة عام من أن الأرض والشمس والنجوم أي السماء والأرض وما فيهما أنما كانت سديما انفصل إلى أجزاء {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}.

والجواب أن يقال أما ما زعمه من توصل الفلكيين إلى معرفة كيفية نشوء الأرض فهو زعم باطل مردود بقول الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.

وكيفية خلق الأرض من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله تعالى أو من أطلعه على ذلك من المرسلين. قال الله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الآية وقال تعالى {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ}.

وليس الغيب ما يتوصل إليه بالبحوث والمراصد والمجاهر والأبحاث الجيولوجية والتحاليل الأرضية كما زعمه الصواف.

ومن ادعى علم الغيب بهذه الطرق فهو طاغوت، ومن صدقه فهو ممن آمن بالطاغوت شاء أم أبى.

وأما نظرية "لابلاس" فليست بصحيحة كما زعمه الصواف وإنما هي ظن وتخرص وقد قال الله تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.

وقد ذكر الله تعالى خلق الأرض في مواضع كثيرة من القرآن وفصل ذلك في سورة حم السجدة فقال تعالى {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.

فلم يذكر تبارك وتعالى أن الأرض كانت سديمًا في أول الأمر ولا أنها انفصلت عن سديم.

والسديم هو الضباب الرقيق قاله ابن منظور في لسان العرب وصاحب القاموس وغيرهما من أهل اللغة.

وقد روى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن خلق السموات والأرض فقال - صلى الله عليه وسلم - «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد، ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} قال: وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة، وأمر إبليس بالسجود له، وأخرجه منها في آخر ساعة».

وفي هذا الحديث بيان خلق السماء والأرض وما فيهما، وليس فيه ما يدل عل أن الأرض كانت سديمًا في أول الأمر، ولا أنها انفصلت عن السديم.

وروى ابن جرير أيضا عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: «إن الله بدأ الخلق يوم الأحد فخلق الأرضين في الأحد والاثنين، وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات في الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل، فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة» وهذا الأثر يدل على ما دل عليه الحديث قبله من تقدم خلق الأرض على خلق السموات.

وروى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد: «قال خلق الله الأرض قبل السماء، فلما خلقت ثار منها دخان فذلك قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} فسواهن سبع سموات بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين بعضهن فوق بعض».

وفي الآيات التي ذكرنا مع حديثي ابن عباس وعبد الله بن سلام رضي الله عنهم دليل على أن الأرض خلقت قبل السماء، وما فيها من الشمس والقمر والنجوم. وقد صرح مجاهد أن الأرض خلقت قبل السماء، وهو إنما تلقي التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وفي كل ما ذكرنا رد لما قررته نظرية "لابلاس" من أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام كانت سديمًا في القضاء وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم، وبيان أنها نظرية فاسدة، لا كما يزعم الصواف أنها نظرية صحيحة.

وفي ذلك أيضا رد لما ذكره الألوسي في صفحة 94 من كتابه الذي سماه "ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة" عن الفلاسفة المتأخرين أنهم ذهبوا إلى أن العالم كله كان قطعة واحدة فأصابته صدمة، فتفرق إلى ما يرى من الإجرام.

والظاهر أن هذه النظرية هي نظرية "لابلاس" التي ذكرها الصواف وإنما اختلف تعبيرهم عنها، وقد ذكرتها في الصواعق الشديدة في المثال الخامس عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة، وتعقبتها بالرد فليراجع هناك.

وأما قوله: وجاء العلم الحديث يشير إلى ما أشارت إليه الآية البليغة.

فجوابه أن يقال ليست تخرصات الفلكيين وظنونهم الكاذبة بعلم كما توهمه الصواف وأشباهه من العصريين وإنما هي تحكم على الغيب، وذلك هو الجهل على الحقيقة.

وأما زعمه أن الآية من سورة الأنبياء أشارت إلى ما جاء في نظرية "لابلاس".

فجوابه أن يقال ليس في الآية الكريمة ما يشير إلى أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام كانت سديمًا في الفضاء، وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم.

وإنما الذي في الآية أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقهما الله، وقد اختلف المفسرون في المراد بذلك، قال ابن الجوزي: "وللمفسرين في المراد به ثلاثة أقوال: أحدها أن السموات كانت رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات، رواه عبد الله بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه قال عطاء وعكرمة ومجاهد في رواية والضحاك في آخرين.

قلت وهذا مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا أتاه يسأله عن {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} قال: اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله ثم تعال فأخبرني بما قال لك، قال فذهب إلى ابن عباس رضي الله عنهما فسأله فقال ابن عباس رضي الله عنهما: نعم كانت السموات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلما خلق للأرض أهلا فتق هذه بالمطر وفتق هذه بالنبات. فرجع الرجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فأخبره، فقال ابن عمر: الآن قد علمت أن ابن عباس قد أوتي في القرآن علمًا، صدق. هكذا كانت قال ابن عمر رضي الله عنهما: قد كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن علمت أنه قد أوتي في القرآن علما.

قال ابن الجوزي: والثاني أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ففتقهما الله تعالى، رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة.

والثالث: أنه فتق من الأرض ست أرضين فصارت سبعا، ومن السماء ست سموات فصارت سبعا. رواه السدي عن أشياخه وابن أبي نجيح عن مجاهد انتهى.

وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} قال إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين، وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء، وذلك حين يقول {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} يقول: أنبت شجرها {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} يقول: أقواتها لأهلها {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} يقول: قل لمن يسألك هكذا الأمر {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} قال: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار، وجبال البرد ومالا يعلمه غيره، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظا، تحفظ من الشياطين، فلما فرغ من خلق ما أحب، استوى على العرش، فذلك حين يقول {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ويقول {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} رواه ابن جرير.

فهذه أقوال المفسرين في تفسير الآية من سورة الأنبياء، وليس في شيء منها أن الأرض كانت في أول الأمر سديمًا ولا أنها انفصلت عن السديم.

وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه" انتهى.

وقد اختلف المفسرون في مقدار الستة الأيام التي خلقت فيها السموات والأرض على قولين، قال ابن كثير: والجمهور على أنها كأيامنا هذه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد والضحاك وكعب الأحبار أن كل يوم منها كألف سنة مما تعدون. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، واختار هذا القول الإمام أحمد بن حنبل في كتابه الذي رد فيه على الجهمية وابن جرير وطائفة من المتأخرين، والله أعلم. انتهى.

قلت: ويؤيد القول الأخير ما تقدم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن خلق السموات والأرض .... الحديث. وفيه أن الله تعالى خلق آدم وأسكنه الجنة وأخرجه منها في آخر ساعة من يوم الجمعة الذي هو آخر الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض، فهذا يدل على أن تلك الساعة كانت بقدر سنين كثيرة وأن تلك الأيام ليست كأيامنا هذه والله أعلم.

وأما قوله: ويؤيد هذه النظرية أدلة منها شدة حرارة باطن الأرض.

فجوابه أن يقال وأي دليل في شدة حرارة باطن الأرض على أنها كانت سديمًا في أول الأمر، أو أنها انفصلت عن السديم.

وأما قوله: وبتقدم العلم أمكن إلى حد ما معرفة العناصر المكونة للشمس فوجد أنها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض.

فجوابه أن يقال ليس هذا بعلم وإنما هو تخرص وظن كاذب ومنازعة للرب تبارك وتعالى فيما استأثر به من علم الغيب، وقد تقدم التنبيه على أن هذا هو الجهل على الحقيقة.

وأما قوله: العناصر المكونة للشمس.

فجوابه أن يقال ليس للشمس ولا غيرها من المخلوقات خالق ومكون غير الله تعالى. قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}.

وإضافة التكوين إلى العناصر هو مذهب الطبيعيين الذين يزعمون أن الإيجاد والتكوين ناشيء عن الطبيعة وذلك شرك بالله تعالى لأن الله تعالى هو الذي خلق العناصر وخلق ما تكون منها فلا يضاف التكوين إلى غيره.

وأما قوله فوجد أنها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض.

فجوابه من وجهين أحدهما أن يقال ما زعمه ههنا فهو تخرص وظن كاذب وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ومن هو الذي ذهب إلى الشمس، وحلل عناصرها، وقابل بينها وبين عناصر الأرض، حتى عرف مشابهة كل منهما للآخر.

وعناصر الشمس من أمور الغيب التي لا تعلم إلا من طريق الوحي، ولم يأت عن الله تعالى ولا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - بيان عن عناصر الشمس، وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

ولو كانت عناصر الشمس مثل عناصر الأرض لكانت ترابا وأحجارا وماء مثل الأرض، ولو كانت كذلك لما كانت سراجا وهاجا كما وصفها الله بذلك في كتابه وإنما تكون باردة غير مضيئة.

ولو كانت عناصر الأرض مثل عناصر الشمس لاحترق ما على الأرض ولم يمكن أن يعيش عليها شيء من الحيوانات ولا النباتات.

الوجه الثاني: أن كلام الصواف ينقض بعضه بعضا فقد زعم ههنا أنه بتقدم العلم أمكن إلى حد ما معرفة عناصر الشمس، فوجد أنها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض. ثم نقض ذلك في صفحة 58 حيث ذكر عن الفلكيين أن الشمس إنما هي كرة هائلة من الغازات الملتهبة، وكل من هذين القولين باطل وضلال إذ لا مستند لهما سوى التخرصات والظنون الكاذبة.

وأما قوله بل اكتشفت عناصر في الشمس قبل اكتشاف وجودها في الأرض.

فجوابه أن يقال دعوى اكتشاف العناصر في الشمس دعوى باطلة لا مستند لها سوى التخرصات والظنون الكاذبة. وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.

والشمس في السماء بنص القرآن، وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة بنص الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن أين لبني آدم أن يكتشفوا عناصر الشمس من هذا البعد الشاسع.

وأما قوله وبذلك قرر العلم اليوم ما قرره القرآن، وأشار إليه قبل ألف وأربعمائة عام من أن الأرض والشمس والنجوم أي السماء والأرض وما فيهما إنما كانت سديمًا انفصل إلى أجزاء {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}.

فجوابه أن يقال قد بينت مرارا أن ما سماه الصواف ههنا علما فليس بعلم وإنما هو جهل على الحقيقة.

وأما قوله أن الأرض والشمس والنجوم كانت سديمًا انفصل إلى أجزاء.

فجوابه أن يقال هذا قول باطل وقد تقدم رده قريبا، وحمل الآية من سورة الأنبياء على هذا القول الباطل من الإلحاد في آيات الله، وتحريف الكلم عن مواضعه.

 

 

  • الاثنين PM 06:48
    2022-05-23
  • 762
Powered by: GateGold