المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413622
يتصفح الموقع حاليا : 212

البحث

البحث

عرض المادة

كلام حسن لقتادة في النجوم

أحسن الشاعر حيث يقول:

دع المنجم يكبو في ضلالته ... إن ادعى علم ما يجري به الفلكُ

تفرد الله بالعلم القديم فلا ال ... إنسان يشركه فيه ولا المَلَكُ

ومن أكاذيب المنجمين زعمهم أن لكل واحد من أهل الأرض نجمًا في السماء، وقد روى أبو نعيم في الحلية عن محمد بن كعب القرظي أنه قال كذبوا والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم ولكنهم يتبعون الكهنة ويتخذون النجوم علة ثم قرأ {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}.

وقال البخاري في صحيحه: "قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، فمن تأول بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به".

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه، وزاد في آخره: "وإن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة، من أعرس بنجم كذا كان كذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا، ولعمري ما من النجوم نجم إلا ويولد به الطويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب" انتهى.

ورواه ابن أبي حاتم بنحوه وزاد في آخره: "وقضى الله أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون".

ورواه الخطيب في كتاب النجوم عن قتادة، ولفظه: "قال إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال جعلها زينة للسماء، وجعلها يُهتدى بها، وجعلها رجومًا للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم به". ثم ذكر بقيته نحو ما في رواية عبد بن حميد وزاد في آخره: "ولو أن أحدا علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء".

وقد أورده الحافظ ابن حجر في تفسيره من رواية ابن أبي حاتم ثم قال: "هو كلام جليل متين صحيح" انتهى.

وقال الداودي: "قول قتادة في النجوم حسن إلا قوله: أخطأ وأضاع نصيبه، فإنه قصر في ذلك بل قائل ذلك كافر.

وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "صناعة التنجيم والاستدلال بها على الحوادث محرم بإجماع المسلمين، وأخذ الأجرة على ذلك - سحت، ويمنعون من الجلوس في الحوانيت والطرقات، ويمنع الناس أن يكرموهم، والقيام في منعهم عن ذلك من أفضل الجهاد في سبيل الله تعالى" انتهى.

هذا ما يتعلق بالمنجمين وعلمهم في الفلك والنجوم.

وأما أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم فقد سلكوا في علم الفلك والنجوم مسلكًا آخر، وذلك بما يزعمونه من معرفة مواد الأجرام العلوية، ومقادير أحجامها وأبعادها، وتحديد المدة التي يصل فيها نور كل منها إلى الأرض، وما يزعمونه أيضا من تعدد الشموس والأقمار، وما يزعمونه أيضا من وجود الجبال والوهاد والأودية في الشمس والقمر وسائر السيارات، وأن فيها مخلوقات نحو سكنة الأرض، وأن فيها بحارا وأنهارا، وأنهم قاسوا أكثر من ألف جبل في القمر، فوجدوا أن علو بعضها ينيف على عشرين ألف قدم، وأنهم يعرفون ما يحدث في القمر من البراكين والانفجارات، وكذلك ما يحدث في الشمس من الانفجارات، وما تفقده من وزنها في الثانية الواحدة من ملايين الأطنان بسبب احتراقها، إلى غير ذلك من التخرصات والتحكم على الغيب، والتعاطي لما استأثر الله بعلمه. قال الله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الآية. وقال تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}.

وهذا الذي ذكرناه عن أهل الهيئة الجديدة من تعاطي علم الغيب إن لم يكن شرا من التنجيم فليس بدونه، ومع هذا فكثير من العصريين قد افتتنوا بما يقوله أهل الهيئة الجديدة من المزاعم الباطلة والتخرصات والظنون الكاذبة، ورأوا أن ذلك من تقدم العلم في اكتشاف الأمور الكونية، وكلما تخرص متخرص من الإفرنج في الأجرام العلوية بشيء، وزعم أنه اكتشفه - تلقوا قوله بالقبول والتسليم، وتمسكوا به أعظم مما يتمسكون بنصوص الكتاب والسنة، واشتد إنكارهم على من رد ذلك من المسلمين، وإذا رأوا ما يخالف أقوال أعداء الله تعالى من أدلة الكتاب والسنة أولوه على ما يوافق أقوالهم كأنهم معصومون من الخطأ والزلل أو كأنهم قد أوحي إليهم بما يزعمونه من تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة.

وقد قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} الآيات إلى قوله تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.

وقد روى البخاري في التاريخ والطبراني وابن عبد البر وغيرهم، عن عصمة بن قيس صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه «كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب».

وذكر ابن عبد البر أيضا عنه أنه كان يتعوذ بالله من فتنة المشرق، فقيل له فكيف فتنة المغرب؟ قال: «تلك أعظم وأعظم».

وهذا الأثر له حكم المرفوع لأنه إخبار عن أمر غيبي فلا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف.

والواقع يشهد لهذا الأثر بالصحة فإن الفتن أول ما ظهرت في هذه الأمة ظهرت من قبل المشرق، ومن أعظمها شرا فتنة الجهمية والرافضة، وأما في زماننا فظهور الفتن من قبل المغرب أكثر، وذلك بسبب استيلاء بعض الدول الإفرنجية على أكثر الممالك الإسلامية، وبثهم فيها ثقافتهم المشؤومة وتعاليمهم المسمومة، فكان لهذه الثقافة والتعاليم أسوأ الأثر في تلك البلاد بحيث فسدت عقائد الأكثرين منهم، وظهرت فيهم الزندقة والإلحاد والاستهزاء بالعلوم الدينية وأهلها، وتعظيم ما يلقيه أعداء الله إليهم من ظنونهم وتخرصاتهم التي هي من وحي الشيطان وتضليله.

ومن تأمل ما دخل على المسلمين من الشر بسبب الفتن المشرقية، وما دخل عليهم من الشر بسبب الفتن المغربية - تبين له أن فتنة المغرب أعظم شرًا من فتنة المشرق، وأشد نكاية في هدم الإسلام وطمس أعلامه وإطفاء نوره، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فإن قيل أن أهل الهيئة الجديدة قد توصلوا إلى معرفة الأجرام السماوية وما تحويه بواسطة أرصادهم ونظاراتهم فيكون ذلك من قبيل المشاهدة، لا من قبيل الظن والتخرض وتعاطي علم الغيب.

فالجواب: أن يقال أن أرصاد أعداء الله ونظاراتهم أضعف وأعجز من أن يتوصل بها إلى اكتشاف ما في السماء الدنيا وهي مسيرة خمسمائة سنة فضلا عن التوصل بها إلى اكتشاف ما يهذون به من المسافات التي تبلغ ملايين الملايين من السنين.

وقد ثبت بنصوص القرآن أن الشمس والقمر والكواكب في السماء قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة: "البروج هي الكواكب العظام" وقال البغوي: "هي النجوم الكبار" قال: "وسميت بروجًا لظهورها". وقال تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} وقال تعالى مخبرًا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. ففي هذه الآيات النص على أن الشمس والقمر في السماء، والنص على أن الله تعالى جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا، ورجوما للشياطين.

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة من الصحابة، وهم عبد الله بن عمرو وأبو هريرة والعباس وأبو سعيد رضي الله عنهم، وروي أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، وله حكم الرفع كنظائره.

وقد ذكرت هذه الأحاديث في الصواعق الشديدة مع الأدلة على سكون الأرض وثباتها، فلتراجع هناك.

وإذا كان بين السماء والأرض هذا البعد الشاسع، فالتوصل بالأرصاد والنظارات إلى اكتشاف ما في السماء غير ممكن.

ولو فرض أن الأرض ليست بكروية، وأن وجهها مستوٍ ليس فيه مرتفع ولا منخفض، فهل يقول عاقل أن أهل الأرصاد في أوروبا يمكنهم أن يكتشفوا ما في الصين بأرصادهم ونظاراتهم، ويروا ما فيه من الجبال والوهاد والبحار والأنهار والأودية والمدن والقرى، ويقيسوا ما فيه من الجبال ويعرفوا قدر ارتفاعها؟

لا أظن أن عاقلا يقول بإمكان ذلك، بل إنه يبعد اكتشافهم لمسافة خمسة أيام في الأرض، فكيف بمسافة خمسمائة سنة في السماء؟ فضلا عما يزعمونه من اكتشاف ما يبعد عنهم بمسافة ملايين الملايين من السنين.

وليس العجب من هؤلاء الدجالين الذين يمخرقون على الناس ويوهمونهم بما يشبه أضغاث الأحلام من تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة، وإنما العجب من أناس مسلمين ينتسبون إلى العلم والمعرفة، وهم مع هذا يصدقون أعداء الله في كل ما قالوه في الأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم، ولو كان مخالفا لما في القرآن والأحاديث الصحيحة وإجماع المسلمين، ويرون أن ذلك من تقدم العلم في اكتشاف الأمور الكونية.

وقد تقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» وفي رواية رزين «من اقتبس بابًا من علم النجوم لغير ما ذكر الله فقد اقتبس شعبة من السحر».

وتقدمت أيضا الأحاديث في الخوف على هذه الأمة من التصديق بالنجوم. وفي بعض الروايات «إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم وتكذيب بالقدر وحيف السلطان».

وتقدم أيضا ما رواه ابن مسعود وثوبان رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «وإذا ذكر النجوم فأمسكوا» أي عن التصديق بها، كما تفيده الأحاديث المذكورة قبل هذا الحديث والله أعلم.

 

  • الاثنين PM 06:27
    2022-05-23
  • 1042
Powered by: GateGold