المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413764
يتصفح الموقع حاليا : 246

البحث

البحث

عرض المادة

تعظيمه لعلم الفلك والرد عليه

وقال في صفحة 30: إن علم الفلك كان من أول العلوم التي لفتت أنظار العلماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم بها.

والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال لم يكن علم الفلك من أول العلوم التي لفتت أنظار علماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم كما زعمه الصواف. بل ولم يكن من آخرها. وإنما العلوم التي لفتت أنظار علماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم هي العلوم الشرعية التي قد اشتمل عليها الكتاب والسنة. وأعظمها وأهمها علم التوحيد فهو الذي كان المسلمون يهتمون به ويعتنون بتعلمه وتعليمه قبل العلوم كلها. وقد مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول البعثة عشر سنين يدعو إلى التوحيد ويعتني بتعليمه وتبليغه. ثم بعد ذلك كان يعلم أمته أنواع العلوم الشرعية شيئا فشيئا حتى أكمل الله له الدين. وبلغ البلاغ المبين. وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

قال أبو ذر - رضي الله عنه -: لقد تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما (رواه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه. قال الهيثمي: ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة).

وروى الطبراني أيضا عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - نحوه. قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح.

ومع شدة حرصه - صلى الله عليه وسلم - على تعليم أمته كل شيء فلم يُذكر عنه أنه كان يعلمهم البروج الإثني عشر ومنازل الشمس والقمر ودرجات الفلك وعرض البلدان وطولها والسمت والنظير وفصول السنة وأوقات الكسوف والخسوف وغير ذلك مما يعتني به الفلكيون فضلا عما يهذو به فلاسفة الإفرنج ومقلدوهم من ضعفاء البصيرة من المسلمين فيما يتعلق بالأرض والشمس والقمر والنجوم.

بل قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ذم الكلام في النجوم. فروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة بأسانيد صحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد».

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: فقد صرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن علم النجوم من السحر وقال تعالى {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}.

وروى رزين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من اقتبس بابًا من علم النجوم لغير ما ذكر الله فقد اقتبس شعبة من السحر».

قوله لغير ما ذكر الله أي من الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر كما قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآية وقال تعالى {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}.

ومن الاهتداء بها الاستدلال بها على جهة القبلة وعلى الجهات التي يقصدها المسافرون في البر والبحر.

فأما التخرص في معرفة مواردها ومقادير أجرامها وأبعادها وغير ذلك من الدعاوي الطويلة العريضة التي قد شغف بالخوض فيها أهل الهيئة الجديدة ومقلدوهم من العصريين فذلك داخل في قوله - صلى الله عليه وسلم - «من اقتبس علما من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر» بلا ريب والله أعلم.

وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن النظر في النجوم وعن مجالسة من ينظر فيها وأنه خاف على أمته من التصديق بها وأمرهم بالإمساك إذا ذكرت.

فروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن النظر في النجوم».

وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن علي رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجالسوا أصحاب النجوم» قال الهيثمي فيه هارون بن مسلم صاحب الحناء لينه أبو حاتم ووثقه الحاكم وبقية رجاله ثقات.

وروى أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة فالتفت إليها فقال: «إن الله قد طهر هذه القرية من الشرك إن لم تضلهم النجوم» قال الهيثمي فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري وضعفه الناس وبقية رجاله ثقات.

قلت وقد ذكر الذهبي في الميزان عن ابن عدي أنه قال في قيس بن الربيع عامة رواياته مستقيمة والقول ما قال شعبة وأنه لا بأس به وقال عفان كان ثقة.

قلت وعلى هذا فحديثه حسن.

وقد أورده الهيثمي أيضا في آخر كتاب المناقب من مجمع الزائد فقال. وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد برأ الله هذه الجزيرة من الشرك ما لم تضلهم النجوم» رواه البزار وأبو يعلى بنحوه والطبراني في الأوسط ورجال أبي يعلى ثقات.

وروى أبو يعلى وابن عدي والخطيب في كتاب النجوم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أخاف على أمتي من بعدي خصلتين تكذيبًا بالقدر وتصديقًا بالنجوم».

قال المناوي في شرح الجامع الصغير وهو حسن لغيره.

وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم وتكذيب بالقدر وحيف السلطان» قال الهيثمي فيه ليث بن أبي سليم وهو لين وبقية رجاله وثقوا.

وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «ثلاث أخاف على أمتي الاستسقاء بالأنواء وحيف السلطان وتكذيب القدر وتصديق بالنجوم».

وروى عبد بن حميد عن رجاء بن حيوة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «أخاف على أمتي ثلاثا حيف الأئمة وإيمانًا بالنجوم وتكذيبًا بالقدر».

وروى الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا». قال الهيثمي فيه مسهر بن عبد الملك وثَّقه ابن حبان وغيره وفيه خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح.

وروى الطبراني أيضاً عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. قال الهيثمي وفيه يزيد بن ربيعة وهو ضعيف.

قلت قد ذكر الذهبي في الميزان عن ابن عدي أنه قال أرجو أنه لا بأس به. وروى حميد بن زنجويه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا، وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا».

وروى حميد بن زنجويه أيضا عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمر رضي الله عنه «تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم أمسكوا، وتعلموا من النسب ما تصلون به أرحامكم، وتعلمون ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم انتهوا».

وروى حميد بن زنجويه أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال «رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق».

وهذه الأحاديث يشد بعضها بعضا وفيها دليل على أن علم النجوم علم محظور وشعبة من شعب السحر ما عدا الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر.

ويستفاد منها أيضا أنه لا يجوز التصديق بما يزعمه المنجمون وأهل الهيئة الجديدة من علم النجوم لأن مزاعمهم فيها مبنية على الرجم بالغيب ولا يجوز التصديق بذلك.

الوجه الثاني: أن يقال لو كان علم الفلك من أول العلوم التي لفتت أنظار علماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم لما كان الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم يهملونه. ولكنه علم لا يخلو في الغالب من تعاطي علم الغيب وما كان كذلك فهو علم مُرْدٍ مهلك، وما سلم منه من تعاطي علم الغيب فهو علم كثير العناء قليل الجدوى.

الوجه الثالث: أن علم الفلك نوعان أحدهما معرفة البروج الإثني عشر ودرجات الفلك ومنازل الشمس والقمر، وعرض البلدان وطولها، ومعرفة السمت والنظير، وفصول السنة وما تقطعه الشمس في اليوم والليلة من درجات الفلك، وما يقطعه القمر منها، ومعرفة السنة الشمسية والسنة القمرية وما بينهما من التفاوت، ومعرفة أوقات الكسوف والخسوف.

وهذا النوع هو الذي كان يشتغل به علماء الفلك قبل ظهور أهل الهيئة الجديدة، وهو علم كثير العناء قليل الجدوى يصد المشتغل به عما هو أهم منه من العلوم الدينية، ولم يكن الصحابة ولا التابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم يتعلمون من هذا النوع إلا ما تدعو الحاجة إليه لمعرفة القبلة، والاهتداء في ظلمات البر والبحر، وأما ما سوى ذلك من علم الفلك فلم يكونوا يشتغلون به فضلا عن الاهتمام والعناية به.

وعلى هذا فقول الصواف أن علم الفلك كان من أول العلوم التي لفتت أنظار علماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم قول لا أساس له من الصحة.

النوع الثاني: تخرص أهل الهيئة الجديدة في الأرض والأجرام العلوية وما تحويه، وهذا النوع مبني على تعاطي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وتعاطي علم المغيبات حرام شديد التحريم فضلا عن أن يكون من أول العلوم التي لفتت أنظار علماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم كما زعمه الصواف، ومدار رسالة الصواف على هذا العلم المحرم كما لا يخفى على من نوَّر الله قلبه بنور العلم والإيمان.

 

  • الاثنين PM 06:18
    2022-05-23
  • 841
Powered by: GateGold