المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416207
يتصفح الموقع حاليا : 381

البحث

البحث

عرض المادة

احتجاج الصواف بما هو حجة عليه

وقال الصواف في صفحة 28 ما نصه:

ما رأي فضيلة الأخ في بلاد (فنلندا) مثلا والشمس لا تغيب عنها لمدة ستة أشهر ويمضي عليها نصف سنة وهي طالعة مشرقة ثم تغيب وتبقى غائبة لمدة ستة أشهر أخرى ويمضي العام على هذه البلاد وأمثالها بيوم وليلة. ويومها نصف عام وليلتها النصف الثاني.

والجواب أن يقال هذا من أوضح الأدلة على جريان الشمس وسيرها في البروج والمنازل. فإذا كانت في المنازل الشامية طلعت على ما تحت القطب الشمالي وغابت عما تحت القطب الجنوبي ولا تزال كذلك ما دامت في المنازل الشامية. فإذا رجعت إلى المنازل اليمانية غابت عما تحت القطب الشمالي وطلعت على ما تحت القطب الجنوبي ولا تزال كذلك ما دامت في المنازل اليمانية. ولو كانت الشمس ثابتة لا تفارق موضعها كما زعمه الصواف وأشباهه من المقلدين لأهل الهيئة الجديدة لما كانت تدور على البروج والمنازل وتطلع على ما تحت القطب الشمالي في الصيف وعلى ما تحت القطب الجنوبي في الشتاء وتكون بينهما إذا كانت في خط الاستواء. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} قال بحسبان ومنازل رواه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي في تلخيصه.

وقد توهم الصواف أن له حجة فيما ذكره ههنا وإنما هو حجة عليه كما لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة.

وفي صفحة 30 زعم الصواف أن الآيات من كتاب الله تعالى توجه الأفكار والأنظار إلى الفلك الأعظم الذي خلقه الله وأمرنا بالتفكر فيه.

والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال: إن الله تعالى لم يأمر عباده بالتفكر في الفلك وأن يوجهوا الأفكار والأنظار إليه وإنما أمرهم بالنظر والتفكر في خلق السموات والأرض وما فيهما من الآيات الدالة على عظمته وكمال قدرته وأنه الإله الواحد الأحد الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده دون من سواه قال الله تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وقال تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقال تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} وقال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً

لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَاكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في الكلام على الآيات من سورة آل عمران ومعنى الآية أن الله تعالى يقول {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي هذه في ارتفاعها واتساعها وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص {وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} أي تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر فتارة يطول هذا ويقصر هذا ثم يعتدلان ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ويقصر الذي كان طويلا وكل ذلك تقدير العزيز العليم. ولهذا قال تعالى {لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي العقول التامة الزكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها وليسوا كالصم والبكم الذين لا يعقلون. الذين قال الله فيهم {وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ثم وصف تعالى أولي الألباب فقال {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} أي لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي يفهمون ما فيهما من الحِكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وحكمته واختياره ورحمته انتهى.

الوجه الثاني أن الله تبارك وتعالى ذكر الفلك في موضعين من القرآن لا غير. فقال تعالى في سورة الأنبياء {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال تعالى في سورة يس {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فذكر تبارك وتعالى من آياته الليل وسلخ النهار منه وجريان الشمس لمستقرها وتقدير القمر منازل وكلها من الآيات الدالة على عظمته وكمال قدرته. ولم يأمر تبارك وتعالى بالتفكر في الفلك لا في هذه الآيات ولا في غيرها من القرآن. فمن زعم أن الله تعالى أمر عباده بالتفكر في الفلك فقد افترى على الله الكذب. وكذلك من زعم أن الآيات من كتاب الله توجه الأفكار والأنظار إلى الفلك الأعظم فقد كذب على الله وعلى كتابه.

الوجه الثالث أن مراد الصواف بالأمر بالتفكر في الفلك وتوجيه الأفكار والأنظار إليه هو ما صرح به في صفحة 25 من أن المراد به التحقيق العلمي والوصول إلى الأسرار الكامنة وراء هذه المخلوقات الكونية الهائلة. وما صرح به أيضا فيما نشره في جريدة الدعوة من أن المراد به النظر للبحث والعلم والتحقيق. يعني البحث عن الأجرام العلوية وعن مقادير أحجامها ووزنها وأبعادها ووصول نور كل منها إلى الأرض وما بينها من التفاوت في الحجم والوزن والبعد وعما فيها من جبال وبحار وسكان وغير ذلك مما توهمه أهل المراصد من فلاسفة الإفرنج وحشاه الصواف في رسالته, وزعم أن ذلك من العلم والتحقيق في علم الفلك وأن الله تعالى أمر عباده بالتفكر فيه وأن الآيات من كتاب الله تعالى توجه الأفكار والأنظار إليه. وهذا من الكذب على الله وعلى كتابه كما تقدم تقريره وقد قال الله تعالى {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}.

 

  • الاثنين PM 06:15
    2022-05-23
  • 816
Powered by: GateGold